( قال - C - وإذا استأجر الرجل رجلا يبني له حائطا بالجص والآجر وأعلمه طوله وعرضه وعمقه وارتفاعه في السماء فهو جائز ) لأنه عمل معلوم يستأجر عليه عرفا ويقدر الأجير على ايفائه وإن سمى كذا كذا ألف آجرة من هذا الآجر وكذا كذا من الجص ولم يسم الطول والعرض فهو في القياس فاسد لجهالة المعقود عليه العمل دون الآجر والجص والعمل يختلف باختلاف صفة الحائط في الطول والعرض وفي أسفل الحائط يكون العمل أسهل وكل ما يرتفع من وجه الأرض كان العمل أشق .
ولكنه استحسن ( فقال ) هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة وبنيان مقدار الآجر والجص يصير الطول والعرض في الحائط الذي يبنى عليه معلوم عند أهل الصنعة فلو سمى مع ذلك الطول والعرض كان أجود لأنه عن الجهالة أبعد وإن سمى كذا كذا آجرا ولبنا ولم يسم الملبن ولم يره إياه فهو فاسد في القياس للجهالة ولكنه استحسن فقال إن كان ملبن ذلك البلد الآجر واللبن واحد معلوم فالمعلوم بالعرف كالمشروط بالنص .
وإن كان مختلف فحينئذ يفسد العقد إذا لم يبين فهو قياس النقد في ذلك .
وإذا استأجر بناء ليبني له دارا الأساس والسراديب والسفل والعلو بالطاقات والاساطين والحيطان على مثل ما يبنى بالكوفة كل ألف آجرة وأربعة أكرار جص بكذا فهو في القياس فاسد لأن الأساس والسفل أهون من العلو والطاقات أشد من الحائط المستطيل فكان المعقود عليه مجهولا وربما تفضي هذه الجهالة إلى المنازعة فالبناء عند العقد لا يعرف مراد صاحب البناء .
ولكنه استحسن ( فقال ) صفة البناء معلوم بطريق الظاهر والإنسان إنما يبني داره على عادة أهل بلده وأهل محلته وإن كان يتكلف التفاوت فهو يسير لا تجزئ المنازعة باعتبار العادة .
( قال ) ( واجعل الزنابيل والدلاء وآنية الماء على رب الدار للعرف ) ولأن البناء التزم بالعقد العمل وهذه الأشياء ليس من العمل في شيء فيكون على رب الدار كالآجر والجص ولا طعام على رب الدار في هذه الإجارة لأنه بالعقد التزم الأجر والطعام وراء الأجر ولأنه غير معتاد في تقبل العمل وإنما هو معتاد في استئجار العامل يوما بيوم .
وإن اشترط رب الدار الزنبيل وآنية الماء على المستقبل فهو عليه لأنه التزمه وقد استأجره للعمل بأداة نفسه وذلك جائز كاستئجار الخياط ليخيط بإبرة نفسه وأما الماء فهو على رب الدار بمنزلة الآجر والجص ولكن على المستقبل أن يسقيه إن كانت في الدار بئر أو كانت البئر قريبة من الدار باعتبار العرف ولكن المرء على المستقبل .
ولا فرق بين المرء والزنبيل من حيث المعنى ولكن العرف معتبر فيها وإلى ذلك أشار بقوله لأن عمل الناس بالكوفة على ذلك وإن تكارى رجلا يعمل له يوما إلى الليل فهو جائز فيعمل له من حين يصلي الغداة إلى غروب الشمس لأنه تكاراه يوما وأول اليوم من طلوع الفجر الثاني إلا أن ما قبل الفراغ من الصلاة صار مستثنى ولأنه يشتغل بالصلاة قبل أن يأخذ في العمل وآخر اليوم غروب الشمس بدليل امتداد الصوم إليه .
( قال ) ( والعمال بالكوفة يعملون إلى العصر وليس لهم ذلك إلا أن يشترطوه ) لأن العرف لا يعارض النص وقد نص عند العقد على يوم ولا يكون له أن يترك العمل قبل غروب الشمس إلا عن شرط .
ولو اشترط رب الدار على وضع الجذوع والهوادي وكنس السطوح وتطيينها وسمى ذلك فهو جائز لأنه معلوم عند أهل الصنعة وإن استأجره ليبني له باللبن فعلى البناء بل الطين ونقله إلى الحائط إلا أن يكون مكانا بعيدا فيكون بالخيار إذا علم ذلك لأنه يلحقه زيادة ضرر لم يلتزمه بالعقد فإن كان أراه المكان فلا خيار له لالتزامه ذلك القدر من الضرر .
وإن استأجره ليبني له حائطا بالرهص وشرط عليه الطول والعرض والارتفاع فهو جائز لأن العمل بما سمى يصير معلوما عند أهل الصنعة على وجه لا يتفاوت والله أعلم بالصواب