قال - C - ( وإذا اقتسما الشريكان عقارا أو حيوانا أو متاعا ولم ير أحدهما قسمه الذي وقع له ثم رآه فهو بالخيار إن شاء رد القسمة وإن شاء أمضاها ) واعلم بأن هذه المسائل في قسمة يتفقان عليها دون ما يفعله القاضي فله ولاية إجبار الشركاء عند طلب بعضهم فلا معنى لإثبات خيار الرؤية فأما فيما لا يتفقان عليه فالقسمة تعتمد التراضي كالبيع فكما أن في البيع الرضا لا يتم إلا برؤية العين الذي يدخل في ملكه فكذلك في القسمة والمكيل والموزون والذهب التبر وأوان الذهب والفضة والجواهر في ذلك كله سواء .
وإذا كانت ألفا درهم بين رجلين كل ألف في كيس فاقتسما على أن أخذ أحدهما كيسا والآخر أخذ الكيس الآخر وقد رأى أحدهما المال كله ولم يره الآخر فالقسمة جائزة على الذي رآه وعلى الذي لم يره ولا خيار لواحد منهما في ذلك على قياس البيع فإن عدم الرؤية في الثمن لا يثبت الخيار للبائع فكذلك في القسمة والمعنى أن الدراهم والدنانير أثمان محضة ولا مقصود في عينها إنما المقصود الثمنية وبمعرفة المقدار يصير المقصود معلوما على وجه لا يتفاوت ضم الرضا به قبل الرؤية بخلاف سائر الأعيان إلا أن يكون قسم الذي لم ير المال شرهما فيكون له الخيار لأنه إنما رضي يقسمه على أن يكون في الصفة مثل ما أخذه صاحبه .
فإذا كان دون ذلك لم يتم رضاه فيخير في ذلك كما لو رأى عند الشراء جزءا من المكيل أو الموزون ثم كان ما بقي شرا مما رأى فإنه يثبت له الخيار .
فإذا اقتسم الرجلان دارا وقد رأى كل واحد منهما ظاهر الدار وظاهر المنزل الذي أصابه ولم يرجو فيه فلا خيار لهما إلا على قول زفر - C .
وقد بينا المسألة في البيوع أن برؤية الظاهر من حيطان الدار المشتراة يسقط خيار الرؤية عندنا ولا يسقط عند زفر - C - ما لم يدخلها فكذلك القسمة .
وكذلك إن اقتسما بستانا وكرما فأصاب أحدهما البستان والآخر الكرم ولم ير واحد منهما الذي أصابه ولا رأى جوفه ولا نخله ولا شجرة ولكنه رأى الحائط من ظاهره فلا خيار لواحد منهما ورؤية الظاهر مثل رؤية الباطن وبه يتبين أن قول من يقول جوابه في الدار بناء على دور الكوفة فإنها لا تتفاوت إلا في السعة والضيق ضعيف جدا ففي البستان المقصود يتفاوت بتفاوت الأشجار والنخيل ولم يشترط رؤية شيء من ذلك عرفنا أن المعنى فيه أن ما يتعذر الاستقصاء برؤية كل جزء منه مقام رؤية الجميع في إسقاط خيار الرؤية .
وكذلك في الثياب المطوية يجعل رؤية جزء من ظاهر كل ثوب كرؤية الجميع في إسقاط الخيار واشتراط الخيار في القسمة جائز فهو في البيع لأنها في اعتبار تمام الرضا كالبيع وفي احتمال الفسخ كذلك والخيار بعدم تمام الرضا فإنما يشترط الفسخ أو لئلا يثبت صفة اللزوم مع بقاء الخيار في جانب من شرط الخيار لنفسه .
فإن مضت الثلاثة ثم ادعى أحدهما الرد بالخيار في الثلاثة وادعى الآخر الإجازة فالقول قول مدعي الإجازة لأن مضي المدة قبل ظهور الفسخ متمم للعقد فمن يدعي الإجازة يتمسك بما يشهد له الظاهر به .
وإن أقاما البينة فالبينة بينة من يدعي الرد لأن بينته تثبت الفسخ وهو المحتاج إلى الإثبات دون صاحبه وسكنى الدار التي وقعت في سهم صاحب الخيار رضا منه بها وإبطال للخيار وقد بينا اختلاف الروايات في هذه المسألة في البيوع وأن مراده حيث يقول ذلك رضا منه إذا تحول إليها وسكنها بعد القسمة وحيث يقول لا يكون رضا إذا كان ساكنا فيها فاستدام السكنى .
وكذلك إن بنى أو هدم فيها شيئا لو جصصها أو طين فيها حائطا أو ذرع الأرض أو سقاها أو قطف الثمرة أو غرس الشجر أو لقح النخل أو كسح الكرم فهو كله رضا لأنه تصرف لا يفعل عادة إلا في الملك ومباشرته دليل الرضا بملكه في ذلك المحل ودليل الرضا كصريح الرضا في سقوط الخيار به ويجوز قسمة الأب على الصغير والمعتوه في كل شيء ما لم يكن عليهما فيه غبن فاحش لأن له ولاية البيع عليهما ما لم يكن فيه غبن فاحش ويجعل رضاه في ذلك كرضاهما أن لو كانا من أهل الرضا فكذلك في القسمة وكذلك وصي الأب في ذلك قائم مقام الأب بعد موته فكذلك الجد أب الأب إذا لم يكن وصيا ويجوز قسمة وصي الأم إذا لم يكن أحد من هؤلاء فيما سوى العقار من تركة الأم لأنه قائم مقام الأم في ذلك وتصرفها في ملك ولدها الصغير بالبيع صحيح فيما سوى العقار فكذلك تصرف وصيها بعدها وهذا لأن لها ولاية الحفظ والبيع والقسمة فيما سوى العقار فيه معنى الحفظ ولا يوجد ذلك في العقار .
وكذلك وصي الأخ والعم وابن العم في ميراثه منهم ولا يجوز فيه قسمته في ميراثه من غيرهم لأن الوصي قائم مقام الموصي فيثبت له ولاية الحفظ عليه فيما ورث منه ولأن في حفظ ذلك منفعة للموصي فإنه إذا ظهر عليه دين يباع ذلك في دينه وليس له ولاية الحفظ فيما ورث من غيره كما لم يكن للموصي فيه ولاية وهذا ليس في حفظه معنى النظر للموصي إنما فيه معنى النظر لليتيم ولا ولاية لوصي العم وابن العم على اليتيم وهذا بخلاف وصي الأب فقد كان للأب ولاية على الصغير في جميع ذلك ووصيه بعده يقوم مقامه .
وإذا كان له أب أو وصي أو جد لم تجز قسمة وصي هؤلاء فيما سوى العقار في تركتهم عليه لأن الأب قام مقامه أن لو كان حاضرا بالغا وعند ذلك لا يكون لوصي هؤلاء عليه ولاية القسمة في شيء من ذلك فكذلك إذا كان له أب يقوم مقامه وهذا لأن نظر الأب له يكون عن شفقة وافرة وولاية كاملة كنظره لنفسه ولا حاجة مع وجوده إلى اعتبار نظر وصي العم له بخلاف حال عدم الأب والوصي ويجوز قسمة وصي الأب على الابن الكبير الغائب فيما سوى العقار لأنه قام مقام الأب فيما يرجع إلى حفظ تركته والقسمة فيما سوى العقار ترجع إلى حفظ التركة .
ولا تجوز قسمة الأم والعم والأخ والزوج على امرأته الصغيرة والكبير الغائب وإن لم يكن لأحد منهم أب ولا وصي أب لأنه لا ولاية لأحد من هؤلاء على الصغير فلا ينفذ تصرفه من حيث القسمة والبيع عليه وقد بينا أنه إنما ينفذ عليه من قسمة هؤلاء فيما يرجع إلى الحفظ من تركة الموصي خاصة دون غيره .
فأما في سائر أموال الصغير هم ووصيهم كالأجانب ولا يجوز قسمة الكافر والمملوك والمكاتب على ابنه الحر الصغير المسلم لأنه لا ولاية له عليه فالكفر والرق يخرجه من الأهلية للولاية على المسلم ولا تجوز قسمة الملتقط على اللقيط وإن كان يعوله لأنه لا ولاية له عليه في التصرف في ماله بيعا وشراء فالقسمة مثله والوصي الذي يقيمه القاضي في أمر اليتيم بمنزلة وصي الأب إذا جعله وصيا في كل شيء لأن له ولاية كاملة على الصغير نعم المال والنفس جميعا كولاية الأب فوصيه أيضا كوصي الأب .
وإن جعله وصيا في النفقة خاصة أو في حفظ شيء عنده لم تجز قسمته لأن نصيب القاضي إياه وصيا قضاء منه والقضاء يقبل التخصيص وهذا بخلاف ما إذا جعله الأب وصيا في شيء خاص لأن إيصاء الأب إليه إثبات الولاية بعد موته والولاية لا تحتمل التجزي .
والمعنى في الفرق أن قسم القاضي يتصرف مع بقاء رأي القاضي فلا حاجة إلى إثبات ولايته من غير ما أمر القاضي به لتمكن القاضي من النظر في ذلك بنفسه له فيكون من هذا الوجه نصيب القيم بمنزلة الوكيل فأما وصي الأب إنما يتصرف بعد موت الأب وزوال تمكنه من النظر لنفسه فالحاجة تمس إلى تعميم ولايته فيما يحتاج الصبي إلى من ينظر فيه له ومن وجد من الشركاء بنصيبه عيبا بعد تمام القسمة كان له أن يرده بالعيب وينقض القسمة إن كان شيئا واحدا أو كان مكيلا أو موزونا كما ينقض البيع بالرد بالعيب .
وسواء كانت القسمة باصطلاحهما أو بحكم الحاكم إنما يميز نصيب كل واحد منهما فيما أعطاه على أنه سليم من العيب فيثبت لكل واحد منهما استحقاق السلامة عن العيب سواء كانت القسمة بالتراضي أو بقضاء القاضي فبوجود العيب يفوت ما كان مستحقا له فيتخير لذلك .
( قال وإن كان الذي أصابه عدد من الغنم أو الثياب رد الذي به العيب خاصة بعد القبض كما هو في البيع فإنه لو اشترى شاتين وقبضهما ثم وجد بأحديهما عيبا رد المعيب خاصة فهذا مثله ويكون المردود بينه وبين أصحابه لانتقاض القسمة فيه بالرد ويرجع في جميع ما أصابهم بقدر ذلك ) لأن عند الرد بالعيب يكون رجوعه بعوض المردود والعوض حصته هنا مما أصابهم فيرجع عليهم بقدر ذلك كما يرجع في البيع بالثمن إذا رد المبيع بالعيب .
وإن أصابه دار أو خادم فسكن الدار بعد ما رأى العيب أو استخدم الجارية لم يكن هذا رضا بالعيب استحسانا .
وفي القياس هو رضا لأنه تصرف لا يفعله الإنسان إلا في ملكه عادة فإقدامه عليه دليل الرضا بتقرير ملكه وهو كالعرض على البيع أو زراعة الأرض أو طحن الطعام أو قطع الثوب بعد العلم بالعيب .
ولكنه استحسن فقال : الاستخدام والسكنى قد يفعله الإنسان في ملك الغير عادة بإذن المالك وبغير إذن المالك فلا يكون ذلك دليل الرضا ولأنه يفعل ذلك على سبيل الاختيار لينظر أن هذا العيب هل يمكن نقصانا في مقصوده أو لا فلا يجعل ذلك دليل الرضا منه وقيل جوابه هنا في السكنى بناء على إحدى الروايتين في السكنى مدة خيار الشرط إذ لا فرق بين الفصلين ومنهم من فرق فقال حقه هنا في المطالبة بالجزء الفائت وفي إسقاط حقه إضرار به ومجرد السكنى منه لا يكون رضا بالتزام الضرر فأما في خيار الشرط حقه في الفسخ فقط وفي جعل السكنى بمنزلة الرضا إسقاط لحقه في الفسخ ولكن ليس في ذلك كثير ضرر .
( ألا ترى ) أنه إذا تعذر رده بخيار الشرط لا يرجع بشيء وإن تعذر رده بالعيب رجع بحصته من الثمن إذا ركب الدابة أو لبس الثوب أو سقى الزرع فهذا رضاء بالعيب لأنه تصرف لا يفعله الإنسان إلا في ملكه عادة وإن لبس الثوب لينظر إلى قده أو قال قدره فهذا رضاء بالعيب وليس برضا في الخيار لأنه إنما يشترط الخيار لهذا حتى ينظر أنه صالح له أم لا ولا يعرف ذلك إلا باللبس فلهذا لا يجعل ذلك دليل الرضا منه بسقوط الخيار وفي العيب ثبوت الخيار له لفوات صفة السلامة وتمكن النقصان في المالية ولا تأثير للبس في معرفة ذلك فكأن لبسه الثوب بعد العلم بالعيب دليل الرضا بملكه .
وإذا باع ما أصابه بالقسمة من الدار ولا يعلم بالعيب فرد المشتري عليه بذلك العيب فإن قبله بغير قضاء القاضي فليس له أن ينقض القسمة لأن هذا بمنزلة الإقالة والإقالة في حق شريكه كالشراء المبتدأ .
وإن قبله بقضاء قاض فله أن ينقض القسمة والبينة في ذلك وإباء اليمين سواء لأنه فسخ لبيعه من الأصل فعاد من الحكم ما كان قبله .
وإن كان المشتري هدم من الدار شيئا قبل أن يعلم بالعيب لم يكن له أن يردها ولكن يرجع على البائع بنقصان العيب ولا يرجع البائع على شريكه بشيء لأنه تعذر الرد عليه باعتبار إخراجه نصيبه من ملكه .
وفي نظيره في البيع اختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه - رحمهم الله - موضع بيانه كتاب الصلح فينبغي أن يكون الجواب في القسمة كذلك .
وإن كان الشريك هو الذي هدم شيئا منه ولم يبعه ثم وجد به عيبا رجع بنقصان العيب في أنصباء شركائه إلا أن يرضوا بنقض القسمة ورده بعينه مهدوما لأنه تعذر الرد لدفع الضرر عنهم فإذا رضوا بذلك رد عليهم .
وإذا أبوا أن يرضوا به فكما يجب النظر لهم يجب النظر لمن وقع في سهمه فلهذا يثبت له حق الرجوع بنقصان العيب على شركائه في أنصبائهم والله أعلم