( قال ) - C تعالى - ( بلغنا عن رسول الله - A - أنه قال ( من اشترى شاة محفلة فهو يؤخر النظرين ثلاثة أيام ) ) وفي رواية يخير النظرين ففيه دليل جواز اشتراط الخيار في البيع والمراد خيار الشرط ولهذا قدره بثلاثة أيام وذكر التحفيل لبيان السبب الداعي إلى شرط الخيار والمحفلة التي اجتمع اللبن في ضرعها والمحفل هو المجمع واجتماع اللبنين في ضرعها قد يكون لغزارة اللبن وقد يكون بتحصيل البائع بأن يسد ضرعها حتى يجتمع اللبن في ضرعها فلا يتبين أحدهما عن الآخر للمشتري إلا بالنظر مدة وذلك ثلاثة أيام لأنه إذا حلبها في اليوم الأول لا يتبين له شيء وكذلك في اليوم الثاني فلعل النقصان تعارض فإذا حلبها في اليوم الثالث وكان مثل اليوم الثاني علم أن لبنها هذا القدر وأن الزيادة في اليوم الأول كان للتحفيل فيحتاج إلى أن يشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام حتى يدفع الغرور به عن نفسه فجوز له الشرع ذلك وجعله يؤخر النظرين ثلاثة أيام .
( قال ) ( وإذا اشترى الرجل عدل زطي برأس ماله ولم يعلم ما هو فالبيع فاسد ) لجهالة الثمن عند العقد فإن أخبره بذلك فهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه وقد بينا أن مراده إذا أخبر بذلك في المجلس فإن حال المجلس كحال العقد .
وكذلك إن اشترى برقمه فهو فاسد فإن أخبره برقمه فهو بالخيار ليكشف الحال له لأن البيع إنما يظهر كونه رابحا أو خاسرا في حقه إذا علم بالثمن فصار كما لو اشترى شيئا لم يره ثم رآه كذلك ههنا .
( قال ) ( وإن استهلكه المشتري قبل أن يجيزه فعليه القيمة ) لأنه في يده بحكم عقد فاسد فيكون مضمونا بالقيمة عند تعذر الرد وبعد الاستهلاك لا يمكن تصحيح العقد فيه بإعدام رأس ماله لانعدام المحل فإن تصحيح العقد بإزالة المفسد نظير الإجازة في البيع الموقوف فكما لا ينفذ البيع بالإجازة إلا عند قيام المحل فكذلك لا يصح بإقامة المفسد بعد هلاك المحل .
( قال ) ( وإذا كان البائع والمشتري جميعا بالخيار لم يتم البيع بإجازة أحدهما حتى يجتمعا عليه ) لأن الذي أجاز منهما أسقط الخيار فصار كما لو لم يشترط الخيار لنفسه في الابتداء فيبقى خيار الآخر وبقاء خيار الآخر يكفي للمنع من انبرام العقد .
( قال ) ( وقد بينا أنه إذا اشترى عبدا على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما أنه جائز ) استحسانا فرع عليه .
وقال فإن أعتقه ثم لم ينقد الثمن حتى مضت ثلاثة أيام فالعتق جائز وعليه الثمن لأن هذا في معنى اشتراط خيار المشتري لنفسه وخيار المشتري لا يمنع نفوذ عتقه عندهما لأنه مالك وعند أبي حنيفة - Bه - خيار المشتري يمنع دخوله في ملكه ولا يمنع نفوذ العتق لأنه متمكن من إسقاط خياره بتصرفه فإذا سقط خياره تقرر عليه الثمن المسمى نقده في الأيام الثلاثة أو لم ينقده ولأن امتناعه من أداء الثمن في آخر جزء من الأيام الثلاثة بمنزلة فسخ البيع لأنه نفى البيع عن ذلك بقوله فلا بيع بيننا وبعد الإعتاق هو لا يملك الفسخ فنقده الثمن وعدم نقده في الحكم سواء .
( قال ) ( وإن كان المشتري اثنين وهما بالخيار فاختار أحدهما رده والآخر إمساكه فليس لواحد منهما أن يرد حصته دون الآخر ) في قول أبي حنيفة - Bه .
( وقال ) أبو يوسف ومحمد والشافعي - رحمهم الله تعالى - له ذلك .
وكذلك الخلاف في الرد بخيار الرؤية وخيار العيب بأن اشتريا شيئا لم يرياه ثم رأياه فأراد أحدهما أن يرده فليس له ذلك عنده .
وعندهما له ذلك وكذلك إذا اشتريا شيئا فوجد أحدهما به عيبا فأراد أن يرده فهو على الاختلاف وهما يقولان الراد منهما يرد ما اشترى كما اشترى فيتمكن من ذلك وإن لم يساعده الآخر عليه كما لو كان العقد في صفقتين . وتحقيقه أن الرد يلاقي ملك المشتري والمبيع في ملك المشتريين متفرق فصار نصيب كل واحد منهما كعقد على حدة وبه فارق القبول لأن القبول يلاقي ملك البائع والقبض يلاقي يد البائع وهو مجتمع في ملكه ويده فلا يكون لأحدهما أن يفرقه عليه وهو نظير الشفعة فإن للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين لأن أخذه يلاقي ملك المشتري ولو كان البائع اثنين والمشتري واحدا لم يكن للشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين لهذا المعنى لأن أخذه يلاقي ملك المشتري وملك المشتري مجتمع لأنه واحد وإن كان البائع اثنين وكل واحد منهما شرط الخيار لنفسه ليكون متخيرا مستبدا بالتصرف فيما يرجع إلى دفع الضرر عنه ولو لم يكن له حق الفسخ إذا لم يساعده الآخر على ذلك فات عليه مقصوده وربما يكون في الإجازة لأحدهما ضرر وللآخر نظر فكما لا يكون للفاسخ أن يلزم شريكه ضرر تصرفه بالفسخ فكذلك لا يكون للمجيز أن يلزم شريكه ضرر تصرفه للإجازة . يوضحه أن الراد منهما ما ثبت له الخيار إلا في نصفه ولو اشترى العبد كله على أنه بالخيار في نصفه كان له أن يرد النصف بحكم الخيار . فإذا اشترى النصف وما ثبت له الخيار إلا في نصفه فهو أولى .
وأبو حنيفة يقول : إن الراد منهما يرد نصيبه بعيب لم يكن ذلك عند البائع وليس له حق الرد بعيب حادث بسبب الخيار كما لو تعيب في يده وهذا لأنه بالرد يدفع الضرر عن نفسه ولكن يلحق الضرر بغيره وليس له أن يلحق الضرر بغيره . وبيان الوصف أن المبيع خرج من ملك البائع جملة فإذا رد أحدهما النصف فإنما يرد النصف معيبا بعيب الشركة فإن الشركة فيما يضره التبعيض عيب فاحش ولهذا يرد الصداق به والرجوع في معرفة العيب إلى العرف فالأشقاص في العادة لا يشترى بمثل ما يشترى به في الأشخاص .
فعرفنا أنه يتضرر البائع بالرد عليه والبائع أوجب العقد لهما جملة وذلك لم يكن منه رضا بعيب التبعيض بدليل أنه لا يملك أحدهما القبول دون الآخر ولو قبلا ثم نقد أحدهما حصته من الثمن لا يملك قبض حصته من المبيع ولو كان البائع راضيا بعيب التبعيض لملك . ذلك أحدهما وإن كان الملك واليد في جانب البائع مجتمعا لوجود الرضا منه بذلك ولكن كان راضيا بعيب التبعيض فإنما يرضى به في ملك الغير وذلك لا يدل على أنه رضي به في ملك نفسه .
ألا ترى أن المشتري لو زوج المبيعة ثم وجد بها عيبا لا يردها لأنها تعيبت بعيب النكاح وقد سلطه البائع على تزويجها وذلك أقوى من الرضى بتصرفه ولكن إنما يرضى به في ملك الغير لا في ملك نفسه ولا يقال بأن هذا العيب حدث في يد البائع لأن تصرف الملك ثبت بالعقد قبل القبض لأنه وإن حدث في يد البائع فإنما حدث بفعل المشتري والمشتري إذا عيب المعقود عليه في يد البائع لم يكن له أن يرده بحكم خياره إلا أن هذا العيب يعرض الزوال بأن يساعده في الرد ضرر على الرد وإذا انعدم ذلك ظهر عمله في المنع من الرد ولا معنى لما قالا أن في امتناع الرد على الراد لأن هذا ضرر يلحقه بعجزه عن إيجاد شرط الرد لا يتصرف من الغير ولأن مراعاة جانب البائع أولى لأن البائع يتضرر بتصرف الراد والراد لا يتضرر بتصرف باشره البائع ثم هذا في الرد بالعيب يتضح فإن في مراعاة جانب المشتري إبطال حق البائع وليس في مراعاة جانب البائع إبطال حق المشتري لأنه يرجع بحصة العيب من الثمن فلهذا كان اعتبار جانب البائع أولى وليس هذا كما لو شرط الخيار في نصفه فالبائع هناك رضي بعيب التبعيض حين شرط الخيار في النصف مع علمه أن الخيار يشترط للفسخ وهنا ما رضي بذلك لأنه شرط الخيار في الكل وإنما ثبوت الخيار لكل واحد منهما في النصف بمقتضى قوله وملكه لا ينتقص من البائع على ذلك وهو نظير ما لو أوجب البيع في النصف صح قبول المشتري في ذلك النصف وإذا أوجب البيع لهما في الكل لا يصح قبول أحدهما في النصف .
( قال ) ( وإن اشترى شيئا على أنه بالخيار إلى الغد أو إلى الليل أو إلى الظهر فله الغد كله والليل كله ووقت الظهر كله ) في قول أبي حنيفة .
( وقال ) أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - له الخيار إلى طلوع الفجر أو إلى أن تغيب الشمس أو إلى أن تزول الشمس ولا تدخل الغاية في الخيار عندهما لأن الغاية حد والحد لا يدخل في المحدود كما لو . قال بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط لا يدخل الحائطان في البيع وهذا لأن الحد غاية ومن حكم