وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

قال الشيخ الإمام الزاهد الأجل شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي - C تعالى - إملاء : .
اعلم بأن الوقف لغة الحبس والمنع وفيه لغتان أوقف يوقف إيقافا ووقف يقف وقفا قال الله تعالى : { وقفوهم إنهم مسئولون } ( الصافات : 24 ) وفي الشريعة عبارة عن حبس المملوك عن التمليك من الغير .
وظن بعض أصحابنا - رحمهم الله تعالى - أنه غير جائز على قول أبي حنيفة وإليه يشير في ظاهر الرواية فنقول : .
أما أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فكان لا يجيز ذلك ومراده أن لا يجعله لازما فأما أصل الجواز ثابت عنده لأنه يجعل الواقف حابسا للعين على ملكه صارفا للمنفعة إلى الجهة التي سماها فيكون بمنزلة العارية والعارية جائزة غير لازمة ولهذا قال لو أوصى به بعد موته يكون لازما بمنزلة الوصية بالمنفعة بعد الموت وذكر الطحاوي - C تعالى - أن عنده لو نفذه في مرضه فهو كالمضاف إلى ما بعد الموت لأن تصرف المريض مرض الموت في الحكم كالمضاف إلى ما بعد الموت حتى يعتبر من ثلثه وخصوصا فيما لا يكون تمليكا كالعتق كأنه يجعله موقوفا على ما يظهر عند موته والصحيح أن ما باشره في المرض بمنزلة ما لو باشره في الصحة في أنه لا يتعلق به اللزوم ولا يمتنع الإرث بمنزلة العارية إلا أن يقول في حياتي وبعد موتي فحينئذ يلزم إذا كان مؤبدا وصار الأبد فيه كعمر الموصى له بالخدمة في لزوم الوصية بعد الموت .
فأما أبو يوسف ومحمد - C تعالى - قالا الوقف يزيل ملكه وإنما يحبس العين عن الدخول في ملك غيره وليس من ضرورة ذلك امتناع زوال ملكه فلزوال الملك في حقه يلزم حتى لا يورث عنه بعد وفاته لأن الوارث يخلف المورث في ملكه .
وكان أبو يوسف - رحمهما الله تعالى - يقول أو لا يقول بقول أبي حنيفة - C تعالى - ولكنه لما حج مع الرشيد - C تعالى - فرأى وقوف الصحابة - رضوان الله عليهم - بالمدينة ونواحيها رجع فأفتى بلزوم الوقف فقد رجع عند ذلك عن ثلاث مسائل .
( إحداها ) : هذه .
( والثانية ) : تقدير الصاع بثمانية أرطال .
( والثالثة ) : أذان الفجر قبل طلوع الفجر .
وحجتهم في ذلك الآثار المشهورة عن رسول الله - A - وعن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - منهم عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة وحفصة - رضي الله تعالى عنهم - فإنهم باشروا الوقف وهو باق إلى يومنا هذا وكذلك وقف إبراهيم الخليل - صلوات الله وسلامه عليه - باق إلى يومنا هذا وقد أمرنا باتباعه قال الله تعالى : { فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا } ( آل عمران : 95 ) والناس تعاملوا به من لدن رسول الله - A - إلى يومنا هذا يعني اتخاذ الرباطات والخانات وتعامل الناس من غير نكير حجة وقد استبعد محمد - C تعالى - قول أبي حنيفة في الكتاب لهذا وسماه تحكما على الناس من غير حجة فقال ما أخذ الناس بقول أبي حنيفة وأصحابه إلا بتركهم التحكم على الناس فإذا كانوا هم الذين يتحكمون على الناس بغير أثر ولا قياس لم يقلدوا هذه الأشياء ولو جاز التقليد كان من مضي من قبل أبي حنيفة مثل الحسن البصري وإبراهيم النخعي - رحمهما الله تعالى - أحرى أن يقلدوا ولم يحمد على ما قال .
وقيل : بسبب ذلك انقطع خاطره فلم يتمكن من تفريغ مسائل الوقف حتى خاض في الصكوك واستكثر أصحابه من بعده من تفريغ مسائل الوقف كالخصاف وهلال - رحمهما الله تعالى - ولو كان أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - في الأحياء حين قال : ما قال لدمر عليه فإنه كما قال مالك - رضي الله تعالى عنه - رأيت رجلا لو قال هذه الأسطوانة من ذهب لدل عليه ولكن كل مجرى بالجلاء يسر . ثم استدل بالمسجد فقال اتخاذ المسجد يلزم بالاتفاق وهو إخراج لتلك البقعة عن ملكه من غير أن يدخل في ملك أحد ولكنها تصير محبوسة بنوع قربة فصدها فكذلك في الوقف . وبهذا تبين أنه ليس من ضرورة الحبس عن الدخول في ملك الغير امتناع خروجه عن ملكه .
ثم للناس حاجة إلى ما يرجع إلى مصالح معاشهم ومعادهم فإذا جاز هذا النوع من الإخراج والحبس لمصلحة المعاد فكذلك لمصلحة المعاش كبناء الخانات والرباطات واتخاذ المقابر ولو جاز الفرق بين هذه الأشياء لكان الأولى أن يقال لا يلزم المسجد وتلزم المقبرة حتى لا يورث لما في النبش من الأضرار والاستبعاد عند الناس أو كان ينبغي أن يلتزم الوقف دون المسجد لأن في الوقف وإن انعدم التمليك في عينه فلذلك يوجد فيما هو المقصود به وهو التصدق بالغلة وذلك لا يوجد في المسجد فكان هذا الفرق أبعد عن التحكم مما ذهب إليه أبو حنيفة - C تعالى - هذا معنى ما احتج به محمد - C تعالى - وقد طوله في الكتاب . ويستدلون بالعتق أيضا ففيه إزالة الملك الثابت في العبد من غير تمليك وصح ذلك على قصد التقرب فكذلك في الوقف وحجة أبي حنيفة قول رسول الله - A - ( يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فهو مال الوارث ) فبين النبي E أن الإرث إنما ينعدم في الصدقة التي أمضاها وذلك لا يكون إلا بعد التمليك من غيره .
( وسئل ) الشعبي عن الحبس فقال جاء محمد E ببيع الحبس فهذا بيان أن لزوم الوقف كان في شريعة من قبلنا وأن شريعتنا ناسخة لذلك .
وقال ابن مسعود وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - لا حبس عن فرائض الله تعالى ولكنهم يحملون هذا الأثر على ما كان أهل الجاهلية يصنعونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ويقولون الشرع أبطل ذلك كله .
ولكنا نقول النكرة في موضع النفي تعم فيتناول كل طريق يكون فيه حبس عن الميراث إلا ما قام عليه دليل .
( واستدل ) بعض مشايخنا - رحمهم الله تعالى - بقوله E ( إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه ) فقالوا معناه ما تركناه صدقة لا يورث ذلك عنا وليس المراد أن أموال الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لا تورث وقد قال الله تعالى وورث سليمان داود وقال تعالى : { فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب } ( مريم : 5 ، 6 ) فحاشا أن يتكلم رسول الله - A - بخلاف المنزل فعلى هذا التأويل في الحديث بيان أن لزوم الوقف من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - خاصة بناء على أن الوعد منهم كالعهد من غيرهم .
( قال ) ( ولو أمر مجوسيا فذبح أضحيته لم تجزه ) لأن هذا إفساد لا تقرب فإن ذبيحة المجوسي لا تؤكل ولو أمر يهوديا أو نصرانيا بذلك أجزأه لأنهما من أهل الذبح ولكنه مكروه لأن هذا من عمل القربة وفعله ليس بقربة .
( قال ) ( ولو أمر مجوسيا فذبح أضحيته لم تجزه ) لأن هذا إفساد لا تقرب فإن ذبيحة المجوسي لا تؤكل ولو أمر يهوديا أو نصرانيا بذلك أجزأه لأنهما من أهل الذبح ولكنه مكروه لأن هذا من عمل القربة وفعله ليس بقربة .
( قال ) ( فإن ذبح أضحيته بنفسه فهو أفضل ) لأن النبي E لما ساق مائة بدنة نحر منها ثلاثا وستين بنفسه ثم ولى الباقي عليا - Bه - وحين ضحى بالشاتين ذبحهما بنفسه ولكن هذا إذا كان يحسن ذلك فإن كان يخاف أن يعجز عن ذلك فالأفضل أن يستعين بغيره ولكنه ينبغي له أن يشهدها بنفسه لما روي أن النبي E قال لفاطمة - رضي الله تعالى عنها - ( قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها كل ذنب أما أنه يجيء بلحمها ودمها يوم القيامة فيوضع في ميزانك سبعين ضعفا ) قال أبو سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - أهذا لآل محمد E فهم أهل لما خصوا به من الخير - أم للمسلمين عامة - قال E ( لآل محمد خاصة وللمسلمين عامة ) .
( قال ) ( ولو أمر مجوسيا فذبح أضحيته لم تجزه ) لأن هذا إفساد لا تقرب فإن ذبيحة المجوسي لا تؤكل ولو أمر يهوديا أو نصرانيا بذلك أجزأه لأنهما من أهل الذبح ولكنه مكروه لأن هذا من عمل القربة وفعله ليس بقربة .
ولكن في هذا الكلام نظر فقد استدل أبو بكر - Bه - على فاطمة - Bها - حين ادعت فدك بهذا الحديث على ما روى أنها ادعت أن رسول الله - A - وهب فدك لها وأقامت رجلا وامرأة فقال أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - ضمي إلى الرجل رجلا أو إلى المرأة امرأة فلما لم تجد ذلك جعلت تقول من يرثك فقال أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - أولادي فقالت فاطمة - رضي الله تعالى عنها - أيرثك أولادك ولا أرث أنا من رسول الله - A - فقال أبو بكر - Bه - سمعت رسول الله - A - يقول : ( إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ) فعرفنا أن المراد بيان أن ما تركه يكون صدقة ولا يكون ميراثا عنه .
وقد وقعت الفتنة بين الناس بسبب ذلك فترك الاشتغال به أسلم والمعنى فيه أن العين الموقوفة فيه كانت مملوكة قبل الوقف وبقيت بعده مملوكة والمملوك بغير مالك لا يكون فمن ضرورة بقائها مملوكة أن يكون هو المالك أو غيره ولم تصر مملوكة لغيره فكانت باقية على ملكه والوارث يخلف المورث في ملكه .
وبيان قولنا : أنها بقيت مملوكة أنه ينتفع بها على وجه الانتفاع بالمملوكات من حيث السكنى والزراعة وسائر وجوه الانتفاعات ولأنها خلقت مملوكة في الأصل وقد تقرر ذلك بتمام الإحراز فلا يتصور إخراجها عن أن تكون مملوكة إلا أن يجعلها لله تعالى خالصا وبالوقف لا يتحقق ذلك .
وفي هذه التسمية ما يدل على أنها مملوكة محبوسة وبه فارق العتق فالآدمي خلق في الأصل ليكون مالكا فصفة المملوكية فيه عارض محتمل للرفع وإذا رفع كان مالكا كما كان . ومن ضرورة إثبات قوة المالكية انعدام المملوكية وبخلاف المسجد فإن تلك البقعة تخرج من أن تكون مملوكة وتصير لله تعالى . ألا ترى أنه لا ينتفع بها بشيء من منافع الملك وإن كانت تصلح لذلك وقد وجدنا لهذا الطريق أصلا في الشرع وهو الكعبة فتلك البقعة لله تعالى خالصة متحرزة عن ملك العباد فألحقنا سائر المساجد بها ولم نجد مثل ذلك في الوقف بل الوقف بمنزلة تسبيب أهل الجاهلية من حيث إنه لا تخرج به العين من أن تكون مملوكة منتفعا بها ولو سبب دابته لم تخرج من ملكه فكذلك إذا وقف أرضه أو داره وإذا بقيت مملوكة له لا يمتنع الإرث فيها إلا باعتبار حق يستثنيه لنفسه بعد وفاته وذلك فيما إذا أضاف الوقف إلى ما بعد الموت فإنه تبقى العين على حكم ملكه لشغله إياه بحاجته والناس لم يأخذوا قول أبي حنيفة في المسألة إلا باشتهار الآثار .
فأما من حيث المعنى كلامه قوي وهو يحمل الآثار على الوقف المضاف إلى ما بعد الموت أو المنفعة في الحياة وبعد الموت .
( قال ) - C تعالى - ( قد تم الكتاب على قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - وإنما البيان بعد هذا على قولهما ) .
ثم بدأ الكتاب بحديث رواه عن صخر بن جويرة عن نافع أن عمر بن الخطاب - Bه - كانت له أرض تدعى ثمغا وكان نخلا نفيسا فقال عمر - رضي الله تعالى عنه - يا رسول الله إني استفدت مالا وهو عندي نفيس أفأتصدق به ؟ فقال صلوات الله وسلامه عليه ( تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن لينفق من ثمره ) فتصدق به عمر - Bه - في سبيل الله تعالى وفي الرقاب والضيف والمساكين وابن السبيل ولذي القربى منه ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف أو يؤكل صديقا له غير متمول منه .
وهذه الأرض سهم عمر - Bه - بخيبر حين قسم رسول الله - A - خيبر بين أصحابه - Bهم - وثمغ لقب لها . وقد كانت لأملاكهم ألقاب حتى كان لرسول الله - A - ناقة يقال لها العضباء وبغلة يقال لها دلدل وفرس يقال له السكب وحمار يقال له يعفور وعمامة تسمى السحابة .
ثم في هذا دليل أن من قصد التقرب إلى الله سبحانه وتعالى فينبغي أن يختار لذلك أنفس أمواله وأطيبها قال الله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وقال الله سبحانه وتعالى : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } ( البقرة : 267 ) فلهذا اختار عمر - Bه - أنفس أمواله وأطيبها لما أراد التصدق .
وفيه دليل على أن من أراد التقرب إلى الله تعالى فالأولى أن يقدم السؤال عن ذلك وإن الربا لا يدخل في هذا السؤال بخلاف ما يقوله جهال المتقشفة . ثم أمر رسول الله - A - بالوقف بقوله تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث فهو من حجة من يقول بلزوم الوقف وقد روى عن علي - Bه - أنه وقف كما فعله عمر - Bه - ولكن لم يستثن للوالي شيئا وفيه دليل على أن كل ذلك واسع إن استثنى للوالي أن يأكل بالمعروف كما فعله عمر - Bه - وهو صواب وإن لم يستثن ذلك كما فعله علي - Bه - فهو صواب أيضا وللوالي أن يأكل منه بالمعروف مقدار حاجته كما أن للإمام فعل ذلك في بيت المال ولوصى اليتيم ذلك في مال اليتيم إذا عمل له قال الله تعالى : { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } ( النساء : 6 ) ولكن لايكون له أن يؤكل غيره ممن ليس في عياله إلا إذا شرط الواقف ذلك كما فعله عمر - Bه - أو يؤكل صديقا له .
( وقوله ) غير متمول منه : يعني يكتفي بما يأكل ولا يكتسب به المال بالبيع لنفسه وهو نظير الغازي في طعام الغنيمة يباح له أن يتناول بقدر حاجته ولا يتمول ذلك بالبيع والإقراض من غيره وفيه دليل محمد - C تعالى - أن الوقف لا يتم إلا بالتسليم إلى المتولى .
وفي قوله لا جناح على من وليه : إشارة إلى ذلك وقد روى أنه جعل وقفه في يد ابنته حفصة - رضي الله تعالى عنهما .
قال محمد - C تعالى - ولهذا يأخذ إذا تصدق بها في حياته في صحته كان ذلك من جميع ماله وإذا تصدق به في مرضه كان ذلك من ثلثه لأنه إزالة الملك بطريق التبرع . ثم لا خلاف أنه لو قال تصدقت بأرضي هذه على الفقراء والمساكين أنه لا يكون وقفا بل يكون ذلك نذرا بالصدقة إذا قصد به الإلزام فإن عين إنسانا فهو تصدق عليه بطريق التمليك ولا يتم إلا بالتسليم ولو قال وقفت أرضي هذه أو حبستها أو حرمتها أو هي موقوفة أو محبوسة أو محرمة فهذا باطل بالاتفاق لأن كلامه يحتمل فلعل مراده وقفتها على ملكي لتكون مصروفة في حاجتي أو على قضاء ديوني فإن قال لإنسان بعينه وقفتها لك أو حبستها لك أو قال هي لك وقف أو حبس فهو باطل أيضا إلا على قول أبي يوسف فإنه يقول يكون تمليكا منه يتم بالتسليم إليه بقوله لك .
وقوله وقف أو حبس : باطل .
ووجه ظاهر الرواية أن قوله وقف أو حبس تفسير لقوله لك فيمنع ذلك تمليك الغير منه والكلام المبهم إذا اقترن به تفسير كان الحكم لذلك التفسير كقوله داري لك سكني تكون عارية فإن قال هي صدقة موقوفة على الفقراء والمساكين وأخرجها من يده إلى يد قيم يقوم بها وينفق عليها في مرمتها وإصلاح مجاريها ويزرعها ويرفع من غلتها ما يحتاج إليه لنوائبها ويقسم الباقي بعد ذلك في كل سنة على الفقراء والمساكين فهذه صدقة جائزة وليس له أن يرجع فيها لاستجماع شرائط الوقف على قول من يقول بلزوم الوقف من القسمة والتسليم وإخراج الأصل عن ملكه والتأبيد في جهة صرف الغلة ما بقيت الدنيا وإنما يبدأ من غلتها بمرمتها وإصلاح مجاريها لأنها لا تبقى منتفعا بها إلا بعد ذلك ومقصود الواقف أن تكون الصدقة جارية له إلى يوم القيامة كما قال E ( كل عمل ابن آدم ينقطع بموته إلا ثلاثة علم علمه الناس فهم يعملون به بعد موته وولد صالح يدعو له وصدقة جارية له إلى يوم القيامة ) وفي بعض الروايات قال إلا سبعا وذكر من جملة ذلك نهرا أكراه وخانا بناه ومصحفا سبله وإنما يرفع من غلتها ما يحتاج إليه لنوائبها لأنه لا يتمكن من الزراعة إلا بذلك ولأن الغلة لا تطيب من الأراضي الخراجية إلا بأداء الخراج وإنما قصد الواقف أن يكون التصدق عنه بأطيب المال وذلك عند أداء النوائب فلهذا يرفع الوالي من غلتها ما يحتاج إليه لنوائبها ويقسم الباقي بعد ذلك في كل سنة وليس هذا بتوقيت لازم ولكن يقسم عند حصول الغلة ومن الأراضي ما يغل في السنة مرتين ومنها ما يغل في السنة مرة فكما حصلت الغلة ينبغي له أن يقسم ما يحصل من النوائب في الفقراء والمساكين ولا يؤخر لما في التأخير من الآفات وفي التعجيل من القربة تحصيل مقصود الواقف ولذلك إذا جعل أرضا له مقبرة للمسلمين ويأذن لهم أن يقبروا فيها فيفعلون فليس له بعدما يخلي بين المسلمين وبينها ويقبروا فيها إنسانا واحدا أو أكثر أن يرجع فيها لأن التسليم على قول من يشترط التسليم يتم بهذا فإن ما هو المقصود قد حصل إذا قبروا فيها إنسانا واحدا وكذلك إذا جعلها خانا للمسلمين وخلى بينهم وبينها فدخلها بإذنه رجل واحد أو أكثر فلا سبيل له بعد ذلك عليها لأن التسليم يتم بهذا وهذا لأنه لا يتحقق القبض من جميع المسلمين ففعل الواحد منهم كفعل الجماعة للمساواة بين الكل فيما يثبت به من الحق وهو نظير ما جعل الشرع أمان الواحد من المسلمين كأمان الجماعة .
ثم النزول في الخان والدفن في المقبرة من مصالح الناس قال الله تعالى : { ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا } ( المرسلات : 25 ، 26 ) وجواز الوقف لمعنى المصلحة فيه للناس من حيث المعاش والمعاد .
وكذلك الرجل يكون له الدار بمكة فيجعلها لسكنى للحاج والمعتمرين ويدمعها إلى ولي يقوم عليها ويسكن فيها من زار فليس له بعد ذلك أن يرجع فيها وإن مات لم تكن ميراثا وإن لم يسكنها أحد لأنه حين سلمها إلى ولي يقوم عليها فقد أخرجها من ملكه ويده والتسليم على قول يشترط يكون بأحد الطريقين إما بإثبات يد القيم عليها أو بأن يحصل المقصود بسكنى بعض الناس فيها بإذنه . وكذلك إن جعل دارا له في غير مكة لسكنى للمساكين ودفعها إلى ولى يقوم بذلك .
وكذلك إن جعلها سكنى للغزاة والمرابطين في ثغر من الثغور أو جعل غلة أرضه للغزاة في سبيل الله تعالى ودفع ذلك إلى ولي يقوم به فهو جائز ولا سبيل له إلى رده لأنه قصد التقرب بما صنع فأما السكني فلا بأس بأن يسكنها الغني والفقير من الغزاة والمرابطين والحاج . وكذلك نزول الخان والدفن في المقبرة فأما الغلة التي جعلت للغزاة فلا يعجبني أن يأخذ منها إلا محتاج إليها لأن الغلة مال يملك والتقرب إلى الله تعالى بتمليك المال يكون من المحتاج خاصة دون الغني بخلاف السكني .
وحقيقة المعنى في الفرق أن الغني مستغن عن مال الصدقة بمال نفسه وهو لا يستغني بماله عن الخان لينزل فيه وعن الدفن في المقبرة فلا يمكنه أن يتخذ ذلك في كل منزل وربما لا يجد ما يستأجره فلهذا يستوي فيه الغني والفقير وهو نظير ماء السقاية والحوض والبئر فإنه يستوي فيه الغني والفقير لهذا المعنى وهذا لأن الماء ليس بمال قبل الإحراز والناس يتوسعون فيه عادة ولا يخصون به الفقراء دون الأغنياء بخلاف المتصدق بالمال . ثم الواقف وإن أطلق الغزاة في سبيل الله فمراده التقرب وذلك بصرف المال إلى المحتاجين منهم وفي اللفظ ما يدل عليه شرعا قال الله تعالى من أصناف الصدقات وفي سبيل الله .
ثم يصرف الصدقة إلى الفقراء من الغزاة دون الأغنياء .
والحاصل أنه متى ذكر مصرفا فيه تنصيص على الفقر والحاجة فهو صحيح سواء كانوا يحصون أولا يحصون لأن المطلوب وجه الله تعالى ومتى ذكر مصرفا يستوي فيه الأغنياء والفقراء فإن كانوا يحصون فذلك صحيح لهم باعتبار أعيانهم وإن كانوا لا يحصون فهو باطل إلا أن يكون في لفظه ما يدل على الحاجة استعمالا بين الناس لا باعتبار حقيقة اللفظ كاليتامى فحينئذ إن كانوا يحصون فالفقراء والأغنياء فيه سواء وإن كانوا لا يحصون فالوقف صحيح وتصرف إلى فقرائهم دون أغنيائهم لأن الاستعمال بمنزلة الحقيقة في جواز تصحيح الكلام باعتباره وتمام بيان هذه الفصول في كتاب الوصايا .
( قال ) ( وإن جعل أرضا له مسجدا لعامة المسلمين وبناها وأذن للناس بالصلاة فيها وأبانها من ملكه فأذن فيه المؤذن وصلى الناس جماعة صلاة واحدة أو أكثر لم يكن له أن يرجع فيه وإن مات لم يكن ميراثا ) لأنه حرزها عن ملكه وجعلها خالصة لله تعالى قال الله تعالى : { وأن المساجد لله } ( الجن : 18 ) وقال E ( من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة ) ولا رجوع له فيما جعله لله تعالى خالصا كالصدقة التي أمضاها .
ثم عند أبي يوسف يصير مسجدا إذا أبانه عن ملكه وأذن للناس بالصلاة فيه وإن لم يصل فيه أحدكما في الوقف على مذهبه أن الوقف يتم بفعل الواقف من غير تسليم إلى المتولى .
وعند محمد لا يصير مسجدا ما لم يصل الناس فيه بالجماعة . بنى على مذهبه أن الوقف لا يتم إلا بالتسليم إلى المتولى وعن أبي حنيفة فيه روايتان في رواية الحسن عنه يشترط إقامة الصلاة فيه بالجماعة وفي رواية غيره عنه قال إذا صلى فيه واحد يصير مسجدا وإن لم يصل بالجماعة . وجه رواية الحسن أن تمام التبرع بحصول المقصود به بدليل الصدقة فالمقصود بها إغناء المحتاج ثم لا يتم ما لم يحصل هذا المقصود بالتسليم إليه فهنا المقصود من المساجد إقامة الصلاة فيها بالجماعة لأن جميع وجه الأرض موضع الصلاة وإنما تبنى المساجد لإقامة الصلاة فيها بالجماعة فلا تصير مسجدا قبل حصول هذا المقصود . وجه الرواية الأخرى أن المقصود أن المسجد موضع السجود وقد حصل ذلك بالصلاة فيه منفردا كان أو بجماعة وقد بينا أن الواحد من المسلمين ينوب عن جماعتهم فيما هو حقهم فتجعل صلاة الواحد فيه كصلاة الجماعة .
وقد بينا نظيره في نزول الخان والدفن في المقبرة .
( وروى ) عن معاذ بن جبل وابن عباس وشريح والحسن والشعبي - Bهم - قالوا : لا تجوز الصدقة حتى يقبض وبه نأخذ فنقول أن الصدقة لا تتم إلا بالقبض بخلاف ما يقوله مالك - C تعالى - وهذا لأن المتصدق يجعل ما يتصدق به خالصا لله تعالى بإخراجه عن ملكه وحقه ولا يتم ذلك إلا بالإخراج من يده ولا خلاف فيه بين العلماء - رحمهم الله تعالى - في الصدقة المنفذة وقال أهل المدينة - رحمهم الله تعالى - مجرد الإعلام يكفي لذلك لما جاء في الأثر عن ابن مسعود - Bه - وغيره إذا أعلمت الصدقة جازت وجعلوا ذلك قياس العتق فإن العتق يزيل المعتق عن ملكه ويجعله لله تعالى ثم يتم ذلك بنفسه فكذلك الصدقة ولأن الآخذ للصدقة هو الله تعالى قال الله تعالى : { ويأخذ الصدقات } ( التوبة : 104 ) وقال E ( إن الصدقة تقع في كف الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه حتى تصير مثل أحد ) .
ولكنا نقول هذا في ضمن الإتصال إلى الفقير ليكون الفقير آخذا كفايته من الله تعالى فإنه عبد الله وكفاية العبد على مولاه وقد وعد له ذلك بقوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ولهذا لم يكن للمعطى منه على القابض وهذا المقصود لا يحصل قبل التسليم إلى الفقير فلا تتم الصدقة بخلاف العتق فالعبد في يد نفسه فيصير قابضا نفسه مع أن المعتق متلف للملك والرق فيه والإتلاف يتم بالتلف والمتصدق غير متلف للملك بل جاعل الملك لله تعالى خالصا وذلك في ضمن التمليك من الفقير فكما أن التمليك من الفقير لا يتم إلا بالتسليم إليه فكذلك جعله لله تعالى .
فأما الصدقة الموقوفة على قول أبي يوسف - C تعالى - تلزم بالإعلام وإن لم يخرجها من يده إلى يد المتولى وعلى قول محمد - C تعالى - لا يتم إلا بالإخراج من يده والتسليم إلى المتولي وهو قول ابن أبي ليلى . وحجته في ذلك أن إزالة الملك بطريق التبرع فتمامه بالتسليم كما في الصدقة المنفذة وهذا لأنه لو لزمه قبل التسليم لصارت يده مستحقة عليه والتبرع لا يصلح سببا للاستحقاق على المتبرع في غير ما تبرع به فينبغي أن يكون متبرعا في إزالة يده كما في إزالة ملكه وذلك بأن لم تتم الصدقة قبل التسليم بل هذا أولى من الصدقة المنفذة فإن جواز ذلك متفق عليه بين العلماء - رحمهم الله تعالى - وفي جواز الصدقة الموقوفة ولزومها خلاف ظاهر ثم تلك الصدقة مع قوتها لا تتم إلا بالتسليم فهذا أولى .
وقال في الكتاب من جوز الصدقة غير مقبوضة لم يفصل بين الصدقة الموقوفة والمنفذة وهو قول أهل المدينة - رحمهم الله تعالى - وكذلك من لم يجوزها إلا مقبوضة والفرق بينهما من نوع التحكم وقد بينا أن ذلك لا يجوز وأبو يوسف - C - يقول هذه إزالة ملك لا تتضمن التمليك فتتم بدون القبض كالعتق بخلاف الصدقة المنفذة فإنها تتضمن التمليك وهذا لأن القبض إنما يعتبر من المتملك أو من نائبه ليتأكد به ملكه . ألا ترى أنه لا يعتبر قبض غيره له بغير إذنه والصدقة الموقوفة لا يتملكها أحد فلا معنى لاشتراط القبض فيها .
يوضحه : أن المتولي مختار الواقف فيده تقوم مقام يد الواقف لا مقام يد الموقوف عليه فإنه ما اختاره وربما لم يعلم به أيضا فإذا كانت تتم بيد من اختاره الواقف فبيد الواقف أولى بخلاف العدل في الرهن فإن يده كيد المرتهن هناك لأنه لا يصير عدلا إلا برضا المرتهن واختياره ولهذا يصير المرتهن مستوفيا دينه بهلاكه في يد العدل ولأن حق المرتهن ثبت في العين فتمكن فيجعل العدل نائبا عنه وهنا الموقوف عليه في الغلة لا في العين فلا يمكن جعل المتولى نائبا عنه في قبض العين بل هو نائب عن الواقف فلا معنى لاشتراط قبضه .
واستدل محمد - C تعالى - في الكتاب بحديث عمر - Bه - فإنه جعل وقفه في يد ابنته حفصة - Bها - وإنما فعل ذلك ليتم الوقف ولكن أبو يوسف - C تعالى - يقول فعل ذلك لكثرة اشتغاله وخاف التقصير منه في أوانه أو ليكون في يدها بعد موته فأما أن يكون فعله لإتمام الوقف فلا وكان القاضي أبو عاصم - C تعالى - يقول قول أبي يوسف من حيث المعنى أقوى لمقاربته بين الوقف والعتق من حيث أنه ليس في كل واحد منهما معنى التمليك وقول محمد - C تعالى - أقرب إلى موافقة الآثار .
وعلى هذا الخان والرباط يتم عند أبي يوسف - C تعالى - بالتخلية بينه وبين الناس وإن لم ينزل فيه أحد ولا يتم عند محمد - C تعالى - إلا بالتسليم إلى المتولى أو بنزول الناس فيه .
وكذلك المقبرة والسقاية عند محمد لا تتم إلا بالتسليم إلى قيم يقوم عليه أو بأن يدفنوا في المقبرة رجلا واحدا أو يسقي من السقاية رجل واحد . وكذلك المسجد إلا أن في المسجد تمامه عند محمد - C تعالى - بأن يصلي الناس فيه بالجماعة لأن التسليم إلى المتولي في المسجد لا يتحقق إذ لا تدبير فيه للمتولي في اختيار من يصلي بالمسجد أو الاستغلال لأن المسجد قد تحرز عن ذلك .
وكذلك لا تدبير لأحد في سد باب المسجد لأنه إن كره لأهل المسجد أن يغلقوا باب المسجد فكيف بغيرهم فلهذا يوقف التمام على إقامة الصلاة فيه بالجماعة وفي سائر الوقف للمتولي تدبير في ذلك فجعل التسليم إلى المتولي متمما للصدقة ولأن المقصود في سائر الوقف منفعة العباد فيمكن جعل يد المتولي في ذلك بمنزلة يدهم والمقصود هنا إقامة العبادة لله تعالى في المسجد خالصا ولا يحصل ذلك إلا بإقامة الصلاة فيه .
( قال ) ( ولو وقف نصف أرض أو نصف دار مشاعا على الفقراء فذلك جائز في قول أبي يوسف - C تعالى - ) لأن القسمة من تتمة القبض فإن القبض للحيازة وتمام الحيازة فيما يقسم بالقسمة . ثم أصل القبض عنده ليس بشرط في الصدقة الموقوفة فكذلك ما هو من تتمة الوقف وهذا الوقف على مذهبه قياس العتق والشيوع لا يمنع العتق فكذلك لا يمنع الوقف إلا أن العتق لا يتجزأ عنده لما في التجزأ من تضاد الأحكام عنده في محل واحد وذلك لا يوجد في الوقف فيحتمل التجزأ ويتم مع الشيوع في القدر الذي أوقفه .
وأما عند محمد - C تعالى - لا يتم الوقف مع الشيوع فيما يحتمل القسمة لأن على مذهبه أصل القبض شرط لتمام الوقف فكذلك ما يتم به القبض وتمام القبض فيما يحتمل القسمة بالقسمة واعتبره بالصدقة المنفذة فإنها لا تتم في مشاع يحتمل القسمة كالهبة ويتم في مشاع لا يحتمل القسمة لأنه بالقسمة يتلاشى فلا تكون القسمة فيه حيازة فكذلك الصدقة الموقوفة تجوز في مشاع لا يحتمل القسمة ولا تجوز في مشاع يحتمل القسمة ما لم يقسم . وعلى هذا الخان والمقبرة والمسجد والسقاية يعني فيما يحتمل القسمة لأنه لا يتم من الشيوع عند محمد - C تعالى .
فأما المسجد والمقبرة لا تتم مع الشيوع فيما لا يحتمل القسمة لأن بقاء الشركة يمنع أن تكون البقعة لله تعالى خالصا ولأنا لو جوزنا ذلك وقعت الحاجة إلى المهايأة فتقبر فيه الموتى في سنة ثم تنبش في سنة أخرى ويزرع لمراعاة حق المالك ويصلي الناس في المسجد في وقت ويتخذ اصطبلا في وقت آخر بحكم المهايأة وذلك ممتنع بخلاف الوقف فالمقصود هناك الاستغلال فيما بقي منه ملكا وفيما صار منه وقفا فلو جاز مع الشيوع فيما لا يحتمل القسمة لا يؤدي إلى تضاد الأحكام بل يستغل وتقسم الغلة على قدر الملك والوقف منه وذلك صحيح وكذلك لو جعل جميع الأرض أو الدار لشيء من ذلك وأخرجه من يده ثم استحق بعضه مشاعا بطل في الكل ورجع الباقي إليه في حياته وإلى وارثه بعد وفاته لأن بالاستحقاق يتبين بطلان تصدقه في القدر المستحق لأنه لم يكن مملوكا له يومئذ ولا أجازه مالكه ولو جاز في القدر المملوك لكان لزومه ابتداء في الجزء الشائع وقد بينا أن ذلك لا يجوز فيما لا يحتمل القسمة وهذا بخلاف ما إذا فعله في مرضه ثم مات ولا مال له سواه فأبطله الوارث فيما زاد عن الثلث بقي الثلث صحيحا لأن حق الوارث إنما يثبت بعد الموت فإبطاله في القدر الذي له إبطاله يقتصر على هذه الحالة فلا يتبين به أن ابتداء الوقف في الجزء الشائع .
وأصل هذا الفرق في الهبة والصدقة المنفذة فإن رجوع الوارث في البعض كرجوع الواهب وذلك لا يمنع بقاء الهبة فيما بقي لأنه شيوع طارئ فكذلك في الصدقة الموقوفة وإن استحق بعضه مميزا بعينه كان ما فعله جائزا فيما بقي ماضيا لوجهه لأن بهذا الاستحقاق لم يتبين الشيوع فيما بقي فإن المستحق مميز مما بقي فهو بمنزلة دارين وقفهما فاستحقت إحداهما وكذلك الحكم في الصدقة المنفذة إذا كان المستحق مميزا يقرر الصدقة فيما بقي وكذلك الحكم في الهبة بخلاف ما إذا استحق جزءا شائعا ولا فرق عند استحقاق الجزء الشائع بين أن يكون المستحق كثيرا أو لم يكن لأن المانع الشيوع وقد تحقق ذلك باستحقاق جزء قل ذلك أو كثر .
( قال ) ( وإذا كانت الأرض بين رجلين فتصدقا بها صدقة موقوفة على بعض الوجوه التي وصفناها ودفعاها إلى ولي يقوم بها كان ذلك جائزا ) لأن مثله في الصدقة المنفذة جائز إذا تصدق رجلان على واحد والمعنى فيه أن المانع من تمام الصدقة شيوع في المحل ولا شيوع هنا فقد صار الكل صدقة مع كثرة المتصدقين بها والقبض للمتولي في الكل وجد جملة واحدة فهو وما لو تصدق رجل واحد سواء ولو تصدق كل واحد منهما بنصفها شائعا على حدة صدقة موقوفة وجعل لها واليا على حدة لم يجز لأنهما صدقتان متفرقتان لأن كل واحد منهما تصدق بنصيبه بعقد على حدة .
وحجتهم في ذلك الآثار المشهورة عن رسول الله - A - وعن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - منهم عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة وحفصة - رضي الله تعالى عنهم - فإنهم باشروا الوقف وهو باق إلى يومنا هذا وكذلك وقف إبراهيم الخليل - صلوات الله وسلامه عليه - باق إلى يومنا هذا وقد أمرنا باتباعه قال الله تعالى : { فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا } ( آل عمران : 95 ) والناس تعاملوا به من لدن رسول الله - A - إلى يومنا هذا يعني اتخاذ الرباطات والخانات وتعامل الناس من غير نكير حجة وقد استبعد محمد - C تعالى - قول أبي حنيفة في الكتاب لهذا وسماه تحكما على الناس من غير حجة فقال ما أخذ الناس بقول أبي حنيفة وأصحابه إلا بتركهم التحكم على الناس فإذا كانوا هم الذين يتحكمون على الناس بغير أثر ولا قياس لم يقلدوا هذه الأشياء ولو جاز التقليد كان من مضي من قبل أبي حنيفة مثل الحسن البصري وإبراهيم النخعي - رحمهما الله تعالى - أحرى أن يقلدوا ولم يحمد على ما قال .
( والثالثة ) : أذان الفجر قبل طلوع الفجر .
وحجتهم في ذلك الآثار المشهورة عن رسول الله - A - وعن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - منهم عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة وحفصة - رضي الله تعالى عنهم - فإنهم باشروا الوقف وهو باق إلى يومنا هذا وكذلك وقف إبراهيم الخليل - صلوات الله وسلامه عليه - باق إلى يومنا هذا وقد أمرنا باتباعه قال الله تعالى : { فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا } ( آل عمران : 95 ) والناس تعاملوا به من لدن رسول الله - A - إلى يومنا هذا يعني اتخاذ الرباطات والخانات وتعامل الناس من غير نكير حجة وقد استبعد محمد - C تعالى - قول أبي حنيفة في الكتاب لهذا وسماه تحكما على الناس من غير حجة فقال ما أخذ الناس بقول أبي حنيفة وأصحابه إلا بتركهم التحكم على الناس فإذا كانوا هم الذين يتحكمون على الناس بغير أثر ولا قياس لم يقلدوا هذه الأشياء ولو جاز التقليد كان من مضي من قبل أبي حنيفة مثل الحسن البصري وإبراهيم النخعي - رحمهما الله تعالى - أحرى أن يقلدوا ولم يحمد على ما قال .
( إحداها ) : هذه .
ألا ترى أنه جعل لنصيبه واليا على حدة ومثله في الصدقة المنفذة لا يجوز حتى لو تصدق أحدهما بنصفها مشاعا على رجل وسلم ثم تصدق الآخر بالنصف عليه وسلم لم يجز شيء من ذلك وهذا لأن قبضه في نصيب كل واحد منهما لاقى جزأ شائعا فكذلك قبض كل واحد من الواليين هنا لاقى جزأ شائعا .
( قال ) ( ولو تصدق كل واحد منهما بنصفه صدقة موقوفة على المساكين وجعلا الوالي لذلك رجلا واحدا فسلماها إليه جميعا جاز ) لأن تمام الصدقة الصدقة بالقبض والقبض مجتمع فقد حصل قبض الكل من واحد في محل عين .
والدليل على أن المعتبر هو القبض في الهبة والصدقة المنفذة أنه لو باشر ذلك مع رجل في النصف ثم في النصف ثم سلم الكل إليه جاز ولو باشره في الكل ثم سلم إليه النصف لم يجز وكذلك إن جعلاها جميعا إلى رجلين لأن الواليين هنا كوال واحد حيث جعلهما كل واحد منهما واليا في صدقة بخلاف ما تقدم هناك من أن كل واحد من المتصدقين خص واحدا من الواليين فجعله واليا في صدقته فإنما يلاقي قبض كل واحد منهما جزأ شائعا .
ألا ترى أن في الرهن لو أن رجلين رهنا عينا من رجلين بدين لهما عليهما جاز ولو قال على أن نصيب أحد الراهنين رهن عند أحدهما ونصيب الآخر لم يجز وكذلك في الهبة والصدقة المنفذة ولو وهبا من رجلين أو تصدقا عليهما جاز عند أبي يوسف ومحمد - C تعالى - ولو قالا نصيب أحد الواهبين لأحدهما بعينه ونصيب الآخر للآخر لم يجز وكذلك في الصدقة الموقوفة .
( قال ) ولو تصدقا بها على واحد فوكل المتصدق عليه رجلين بقبضها كل واحد منهما يقبض نصيب أحدهما خاصة فقبضا ذلك معا جاز وإن كان القابض اثنين لأنهما إنما قبضاها لواحد فكل واحد منهما وكيل من جهته وقبض الوكيل كقبض الموكل فكان القبض مجتمعا حكما وإن كان متفرقا صورة .
( فإن قيل ) : ففي الصدقة الموقوفة الوليان كل واحد منهما يقبض للموقوف عليه فينبغي أن يجوز وإن تفرق الوالي لاتحاد جهة الصرف .
( قلنا ) : لا كذلك بل كل واحد من الواليين عامل لمن جعله واليا في صدقته ولهذا لو لحقه عهدة فيما قبض رجع به عليه فإذا اختار كل واحد منهما في صدقته قيما على حدته كان قبض كل واحد منهما في جزء شائع ولو تصدقا به على رجلين صدقة واحدة فوكل المتصدق عليهما رجلين كل واحد منهما يقبض ما تصدق به عليه أحد الرجلين دون الآخر فقبض الوكيلان جميعا أو أحدهما قبل صاحبه جاز ذلك لأن فعل الوكيلين كفعل الموكلين فإن كل واحد منهما نائب وكيله في القبض .
ولو قبض الموكلان معا أو إحداهما قبل صاحبه جاز ذلك لاتحاد الصدقة في جانب المتصدقين وتمامها عند قبض الآخر منهما فكذلك الوكيلان . ألا ترى أنه لو كان المتصدق والمتصدق عليه واحدا فقبض النصف ثم النصف كان هذا وما لو قبض الكل جملة سواء وإن قبضا أحد النصيبين كان لصاحبه أن يرجع فيه ما لم يقبضا نصيب الآخر لأن تمام الصدقة بتمام القبض ولا يتم القبض في مشاع يحتمل القسمة فلم تتم به الصدقة وكان لصاحبه أن يرجع فيه كما قبل التسليم فإن قبضا نصيب الآخر قبل رجوع الأول فيه فقد تمت الصدقة لتمام القبض منهما في الكل ولا رجوع فيه لواحد منهما بعد ذلك .
ولو تصدق كل واحد منهما بنصفه صدقة موقوفة على حدة ووكلا فيها رجلا واحدا فقبض نصيبهما مجتمعا أو متفرقا كانت الصدقة جائزة لأنه حين قبض الكل فلا شيوع في المحل وإن كان قبض نصيب أحدهما فله أن يرجع فيه ما لم يقبض نصيب الآخر لما بينا أن قبضه في نصيبه لاقى جزأ شائعا فلا تتم به الصدقة .
( قال ) ( فإن باعه وهو في يد الوكيل جاز بيعه ) لأن الصدقة في نصيبه لم تتم حين لم يقبض الوكيل نصيب الآخر وكان وجود القبض في نصيبه كعدمه فلهذا جاز بيعه وإن مات فهو ميراث عنه فإن قبض الوكيل نصيب الآخر بعد موت الأول فقبضه باطل والصدقة مردوده لأن بموت الأول بطلت الصدقة في نصيبه وصار ميراثا لورثته فلو حازت الصدقة في النصف الآخر بالقبض بعد ذلك كان ذلك في جزء شائع وذلك غير جائز ويستوي إن كان قبضه بإذن الثاني أو بغير إذن الثاني بخلاف ما قبل موت الأول لأن حكم الصدقة في نصيب الأول موقوف على أن تتم بتمام القبض وذلك يحصل بقبضه نصيب الثاني فلهذا تمت الصدقة في الكل .
( قال ) ( دار بين رجلين تصدق أحدهما بنصيبه منها على رجل وسلمه إليه أو إلى وكيله ثم تصدق الآخر أيضا عليه بنصيبه وسلمه إليه أو إلى وكيله لم يجز شيء من ذلك ) لأنهما صدقتان متفرقتان فإن تمام الصدقة بالقبض وقبضه في كل واحد من النصيبين لاقى جزأ شائعا وإن لم يقبض نصيب الأول حتى تصدق الآخر بنصيبه عليه أيضا وقد أذن كل واحد منهما له في القبض فقبضهما جملة لما بينا أن المانع افتراق القبض وقد قبض الكل جملة فكأن الصدقة منهما عليه كانت جملة بعقد واحد .
( يتبع . . . )