وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( قال ) - Bه - ( وإذا ارتد المسلم عرض عليه الإسلام فإن أسلم وإلا قتل مكانه إلا أن يطلب أن يؤجل فإذا طلب ذلك أجل ثلاثة أيام ) والأصل في وجوب قتل المرتدين قوله تعالى { أو يسلمون } ( الفتح : 16 ) قيل الآية في المرتدين وقال - A - ( من بدل دينه فاقتلوه ) وقتل المرتد على ردته مروى عن علي وابن مسعود ومعاذ وغيرهم من الصحابة - Bهم - وهذا لأن المرتد بمنزلة مشركي العرب أو أغلظ منهم جناية فإنهم قرابة رسول الله - A - والقرآن نزل بلغتهم ولم يراعوا حق ذلك حين أشركوا وهذا المرتد كان من أهل دين رسول الله - A - وقد عرف محاسن شريعته ثم لم يراع ذلك حين ارتد فكما لا يقبل من مشركي العرب إلا السيف أو الإسلام فكذلك من المرتدين إلا أنه إذا طلب التأجيل أجل ثلاثة أيام لأن الظاهر أنه دخل عليه شبهة ارتد لأجلها فعلينا إزالة تلك الشبهة أو هو يحتاج إلى التفكر ليتبين له الحق فلا يكون ذلك إلا بمهلة فإن استمهل كان على الإمام أن يمهله ومدة النظر مقدرة بثلاثة أيام في الشرع كما في الخيار فلهذا يمهله ثلاثة أيام لا يزيده على ذلك وإن لم يطلب التأجيل يقتل من ساعته في ظاهر الرواية وفي النوادر عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - أنه يستحب للإمام أن يؤجله ثلاثة أيام طلب ذلك أو لم يطلب وقال الشافعي - C تعالى - يجب على الإمام أن يؤجله ثلاثة أيام ولا يحل له أن يقتله قبل ذلك لما روى أن رجلا قدم على عمر - Bه - ( فقال له هل من مغربة خبر فقال نعم رجل كفر بعد إيمانه فقال ماذا صنعتم به قال قدمناه فضربنا عنقه فقال هلا طينتم عليه الباب ثلاثة أيام ورميتم إليه كل يوم برغيف فلعله أن يتوب ويراجع الحق ثم رفع يديه وقال اللهم إني لم أشهد ولم أرض إذ بلغني ) وقد روى هذا الحديث بطريق آخر ( أن عمر - Bه - قال لو وليت منه مثل الذي وليتم لاستتبته ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتلته ) فهذا دليل أنه يستحب الإمهال وتأويل اللفظ الأول أنه لعله كان طلب التأجيل إذ كان في ذلك الوقت فقد كان فيهم من هو حديث عهد بالإسلام فربما يظهر له شبهة ويتوب إذا رفعت شبهته فلهذا كره ترك الإمهال والاستتابة فأما في زماننا فقد استقر حكم الدين وتبين الحق فالإشراك بعد ذلك قد يكون تعنتا وقد يكون لشبهة دخلت عليه وعلامة ذلك طلب التأجيل .
وإذا لم يطلب ذلك فالظاهر أنه متعنت في ذلك فلا بأس بقتله إلا أنه يستحب أن يستتاب لأنه بمنزلة كافر قد بلغته الدعوة وتجديد الدعوة في حق مثله مستحب وليس بواجب فهذا كذلك فإن استتيب فتاب خلى سبيله ولكن توبته أن يأتي بكلمة الشهادة ويتبرأ عن الأديان كلها سوى الإسلام أو يتبرى عما كان انتقل إليه فإن تمام الإسلام من اليهودي التبرى عن اليهودية ومن النصراني التبرى عن النصرانية ومن المرتد التبرى عن كل ملة سوى الإسلام لأنه ليس للمرتد ملة منفعة وإن تبرأ عما انتقل إليه فقد حصل ما هو المقصود فإن ارتد ثانيا وثالثا فكذلك يفعل به في كل مرة فإذا أسلم خلى سبيله لقوله تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } ( التوبة : 5 ) وكان ( علي وابن عمر - Bهما - يقولان إذا ارتد رابعا لم تقبل توبته بعد ذلك ولكن يقتل على كل حال ) لأنه ظهر أنه مستخف مستهزأ وليس بتائب واستدلا بقوله D { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم } ( النساء : 137 ) ولكنا نقول الآية في حق من ازداد كفرا لا في حق من آمن وأظهر التوبة والخشوع فحاله في المرة الرابعة كحاله قبل ذلك وإذا أسلم يجب قبول ذلك منه لقوله تعالى { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } ( النساء : 94 ) وروي ( أن أسامة بن زيد - Bه - حمل على رجل من المشركين فقال لا إله إلا الله فقتله فبلغ ذلك رسول الله - A - فقال أقتلت رجلا قال لا إله إلا الله من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة فقال إنما قالها تعوذا فقال هلا شققت عن قلبه فقال لو فعلت ذلك ما كان يتبين لي فقال - A - فإنما يعبر عن قلبه لسانه ) إلا أنه ذكر في النوادر أنه إذا تكرر ذلك منه يضرب ضربا مبرحا لجنايته ثم يحبس إلى أن تظهر توبته وخشوعه وعن أبي يوسف - C تعالى - أنه إذا فعل ذلك مرارا يقتل غيلة وهو أن ينتظر فإذا أظهر كلمة الشرك قتل قبل أن يستتاب لأنه قد ظهر منه الاستخفاف وقتل الكافر الذي بلغته الدعوة قبل الاستتابة جائز فإن أبى المرتد أن يسلم فقتل كان ميراثه بين ورثته المسلمين على فرائض الله تعالى في قول علمائنا .
وقال الشافعي - C تعالى - ماله فيء يوضع في بيت مال المسلمين ( لقوله - A - لا يرث المسلم الكافر والمرتد كافر فلا يرثه المسلم ) ولأن المرتد لا يرث أحدا فلا يرثه أحد كالرقيق يوضحه أنه لا يرثه من يوافقه في الملة والموافقة في الملة سبب التوريث والمخالفة في الملة سبب الحرمان فلما لم يرثه من يوافقه في الملة مع وجود سبب التوريث فلأن لا يرثه من يخالفه في الملة أولى وإذا انتفى التوريث عن ماله فهو في أحد الوجهين لأنه مال حربي لا أمان له فيكون فيئا للمسلمين وفي الوجه الآخر هو مال ضائع فمصيبه بيت المال كالذمي إذا مات ولا وارث له من الكفار يوضع ماله في بيت المال .
( وحجتنا ) في ذلك ظاهر قوله تعالى { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } ( النساء : 176 ) والمرتد هالك لأنه ارتكب جريمة استحق بها نفسه فيكون هالكا ( ولما مات عبدالله بن أبي سلول جعل رسول الله - A - ماله لورثته المسلمين وهو كان مرتدا وإن كان منافقا فقد شهد الله بكفره بعد الإيمان ) وفيه نزل قوله تعالى { إن الذين آمنوا ثم كفروا } ( النساء : 137 ) وإن عليا - Bه - ( قتل المستورد العجلى على الردة وقسم ماله بين ورثته المسلمين ) وذلك مروي عن ابن مسعود ومعاذ - رضي الله تعالى عنهما - والمعنى فيه أنه كان مسلما مالكا لماله فإذا تم هلاكه يخلفه وارثه في ماله كما لو مات المسلم وتحقيق هذا الكلام أن الردة هلاك فإنه يصير به حربا وأهل الحرب في حق المسلمين كالموتى إلا أن تمام هلاكه حقيقة بالقتل أو الموت فإذا تم ذلك استند التوريث إلى أول الردة وقد كان مسلما عند ذلك فيخلفه وارثه المسلم في ماله ويكون هذا توريث المسلم من المسلم وهذا لأن الحكم عند تمام سببه يثبت من أول السبب كالبيع بشرط الخيار إذا أجيز يثبت الملك من وقت العقد حتى يستحق المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة جميعا فعلى هذا الطريق يكون فيه توريث المسلم من المسلم .
( فإن قيل ) زوال ملكه إما أن يكون قبل الردة أو معها أو بعدها والحكم لا يسبق السبب ولا يقترن به بل يعقبه وبعد الردة هو كافر .
( قلنا ) نعم المزيل للملك ردته كما أن المزيل للملك موت المسلم ثم الموت يزيل الملك عن الحي لا عن الميت فكذلك الردة تزيل الملك عن المسلم وكما أن الردة تزيل ملكه فكذلك تزيل عصمة نفسه وإنما تزيل العصمة عن معصوم لا عن غير معصوم فعرفنا أنه يتحقق بهذا الطريق توريث المسلم من المسلم ولهذا لا يرثه ورثته الكفار لأن التوريث من المسلم والكافر لا يرث المسلم وهو دليلنا فإنه كان تعلق بإسلامه حكمان حرمان ورثته الكفار وتوريث ورثته المسلمين ثم بقي أحد الحكمين بعد ردته باعتبار أنه مبقي على حكم الإسلام فكذلك الحكم الآخر وإنما لا يرث المرتد أحدا لجنايته فهو كالقاتل لا يرث المقتول لجنايته ويرثه المقتول لو مات القاتل قبله ولأنه لا وجه لجعل ماله فيئا فإن هذا المال كان محرزا بدار الإسلام ولم يبطل ذلك الإحراز بردته حتى لا يغنم في حياته والمال المحرز بدار الإسلام لا يكون فيئا وبهذا تبين ثبوت حق الورثة فيه لأنه إنما لا يغنم في حياته لا لحقه فإنه لا حرمة له بل لحق الورثة فكذلك بعد موته وإن قال يوضع في بيت المال ليكون للمسلمين باعتبار أنه مال ضائع .
( قلنا ) المسلمون يستحقون ذلك بالإسلام وورثته ساووا المسلمين في الإسلام وترجحوا عليهم بالقرابة وذو السببين مقدم في الاستحقاق على ذي سبب واحد فكان الصرف إليهم أولى فأما ما اكتسب في حال ردته فعلى قول أبي حنيفة - C تعالى - هو فيء يوضع في بيت المال وعندهما هو ميراث لورثته المسلمين لأن كسبه يوقف على أن يسلم له بالإسلام فيخلفه وارثه فيه بعد موته ككسب الإسلام وما ذكرنا من المعاني يجمع الكسبين وليس في الردة أكثر من أنه صار به مشرفا على الهلاك فيكون كالمريض والمكتسب في مرض الموت كالمكتسب في الصحة في حكم الإرث وأبو حنيفة - C تعالى - يقول الوراثة خلافة في الملك والردة تنافي بقاء الملك فتنافي ابتداء الملك بطريق الأولى فما اكتسب في إسلامه كان مملوكا له فيخلفه وارثه فيه إذا تم انقطاع حقه عنه وكسب الردة لم يكن مملوكا له لقيام المنافي عند الاكتساب وإنما كان له حق أن يتملك أن لو أسلم والوارث لا يخلفه في مثل هذا الحق فبقي هذا مالا ضائعا بعد موته يوضع في بيت المال والأصح أن نقول إسناد التوريث إلى أول الردة في كسب الإسلام ممكن لأن السبب يعمل في المحل والمحل كان موجودا عند أول الردة فأما إسناد التوريث في كسب الردة غير ممكن لانعدام المحل عند السبب في هذا الكسب فلو ثبت فيه حكم التوريث ثبت مقصورا على الحال وهو كافر بعد الاكتساب والمسلم لا يرث الكافر فيبقى موقوفا على أن يسلم له بالإسلام فإذا زال ذلك بأن مات أو قتل فهذا كسب حربي لا أمان له فيكون فيئا للمسلمين يوضع في بيت مالهم ثم اختلفت الروايات عن أبي حنيفة - C تعالى - فيمن يرث المرتد فروي الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - أنه من كان وارثا له وقت ردته وبقي إلى موت المرتد فإنه يرثه ومن حدث له صفة الوراثة بعد ذلك لا يرثه حتى لو أسلم بعض قرابته بعد ردته أو ولد له من علوق حادث بعد ردته فإنه لا يرثه على هذه الرواية لأن سبب التوريث الردة فمن لم يكن موجودا عند ذلك السبب لم ينعقد له سبب الاستحقاق ثم تمام الاستحقاق بالموت فإنما يتم في حق من انعقد له السبب لا في حق من لم ينعقد له السبب ثم في حق من انعقد له السبب يشترط بقاؤه إلى وقت تمام الاستحقاق فإذا مات قبل ذلك يبطل السبب في حقه كما في بيع الموقوف يتم الملك عند الإجازة من وقت السبب ولكن بشرط قيام المعقود عليه عند الإجازة حتى إذا هلك قبل ذلك بطل السبب وفي رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - يعتبر وجود الوارث وقت الردة ثم لا يبطل استحقاقه بموته قبل موت المرتد لأن الردة في حكم التوريث كالموت ومن مات من الورثة بعد موت المورث قبل قسمة ميراثه لا يبطل استحقاقه ولكن يخلفه وارثه فيه فهذا مثله .
وأما رواية محمد عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - وهو الأصح أنه يعتبر من يكون وارثا له حين مات أو قتل سواء كان موجودا عند الردة أو حدث بعده لأن الحادث بعد انعقاد السبب قبل تمامه يجعل كالموجود عند ابتداء السبب . ألا ترى أن الزيادة التي تحدث من المبيع قبل القبض تجعل كالموجود عند ابتداء العقد في أنه يصير معقودا عليه بالقبض ويكون له حصة من الثمن فههنا أيضا من يحدث قبل انعقاد السبب يجعل كالموجود عند ابتداء السبب ولو تصور بعد الموت الحقيقي ولد له من علوق حادث لكنا نجعله كذلك أيضا إلا أن ذلك لا يتصور فأما بعد الهلاك بالحكم بالردة يتصور فيجعل الحادث كالموجود عند ابتداء السبب وكذلك إن لحق بدار الحرب قسم الإمام ماله بين ورثته وكان لحاقه بدار الحرب بمنزلة موته وعند الشافعي - C تعالى - يبقى ماله بعد لحاقه موقوفا كما كان قبل لحاقه لأن ذهابه إلى دار الحرب نوع غيبة فلا يتغير به حكم ماله كما لو كان مترددا في دار الإسلام ولكنا نقول أنه صار حربيا حقيقة وحكما لأنه قد أبطل حياة نفسه بدار الحرب حين عاد إلى دار الحرب حربا للمسلمين والحربي في دار الحرب كالميت في حق المسلمين قال الله تعالى { أو من كان ميتا فأحييناه } ( الأنعام : 122 ) وقد قررنا هذا في النكاح في مسألة تباين الدارين ولأنه قد خرج من يد الإمام حقيقة وحكما ولو كان في يده لموته حقيقة بأن يقتله ويقسم ماله فإذا عجز عن ذلك بخروجه عن يده موته حكما فيقسم ماله بين ورثته وحكم بعتق أمهات أولاده ومدبريه وبحلول آجاله ثم قال أبو يوسف : يعتبر من يكون وارثا له وقت قضاء القاضي بلحاقه وعند محمد وقت لحاقه وهذا لأن عندهما ملكه لا يزول بالردة ولهذا ينفذ تصرف المرتد عندهما على ما نبينه فإنما زوال ملكه بسبب الردة عند لحاقه فيعتبر وارثه عند ذلك ولحاقه موت حكمي فهو كالموت الحقيقي بالقتل ولكن أبو يوسف يقول : اللحاق في الحقيقة غيبة وإنما يصير موتا حكما بقضاء القاضي فيعتبر من يكون وارثا له عند القضاء باللحاق في استحقاق ماله وكذلك ترث منه امرأته إن كانت في العدة لأن النكاح بينهما وإن ارتفع بنفس الردة لكنه فارعن ميراثها وامرأة الفار ترث إذا كانت في العدة عند موته وعلى رواية أبي يوسف : ترث وإن كانت منقضية العدة عند أبي حنيفة - C تعالى - لأن سبب التوريث كان موجودا في حقها عند ردته وعلى تلك الرواية إنما يعتبر قيام السبب عند أول الردة وتبطل وصاياه لأن تنفيذ الوصايا لحق الموصى ولم يبق له حق بعدما قتل على الردة أو لحق بدار الحرب وهذا بخلاف التدبير فإن حق العبد في العتق بالتدبير قد ثبت للمدبر فيكون عتقه كعتق أم الولد أو حقه كحق أصحاب الديون وفي الكتاب يقول ردته كرجوعه عن الوصية لأنه بالردة يبطل حقه وتنفيذ الوصية كان لحقه فرجوعه يعمل في إبطال وصاياه ولا يعمل في إبطال تدبيره فكذلك ردته وهو لا يفعل شيئا من ذلك ما دام المرتد مقيما في دار الإسلام لأنه في يده حقيقة وحكما فيموته بالقتل حقيقة إن لم يسلم أو لا ثم يقسم ماله وإن فعل ذلك بعد لحاقه بدار الحرب ثم رجع تائبا قد مضى جميع ما فعله الإمام غير أنه إذا وجد شيئا من ملكه بعينه في يد وارثه أخذه منه لأن الوراثة خلافة والخلف يسقط إعتباره إذا ظهر الأصل ولما جاء تائبا فقد صار حيا حكما وإنما كانت خلافة الوارث إياه في هذا الملك كموته حكما فإذا انعدم ذلك ظهر حكم الأصل ولهذا قلنا لو كان الوارث كاتب عبدا يعاد إليه ذلك العبد مكاتبا لأن الحكم لا يكون منتقلا من الخلف إلى الأصل وتأثير الكتابة في منع النقل ولكن ينعدم الخلف بظهور الأصل فيكون الملك لصاحب الأصل بطريق البقاء ولا يعاد إليه شيء مما باعه وارثه لأن الأصل والخلف في الحكم فلا بد من قيامه عند ظهور الأصل ليكون عاملا وما تصرف الوارث من بيع أو غيره فهو نافذ منه لمصادفته ملكه ولا ضمان عليه في شيء مما أتلفه لأن الملك كان خالصا له وفعله فيما خلص حقا له لا يكون سبب الضمان فلو لم يفعل الإمام شيئا من ذلك حتى رجع تائبا فجميع ذلك له كما كان قبل ردته لأن اللحاق قبل أن يتصل به القضاء بمنزلة الغيبة فهو والمتردد في دار الإسلام في الحكم سواء .
( قال ) ( وجميع ما فعل المرتد في حال ردته من بيع أو شراء أو عتق أو تدبير أو كتابة باطل إن لحق بدار الحرب وقسم الإمام ماله ) والحاصل أن تصرفات المرتد أربعة أنواع : نوع منها نافذ بالاتفاق وهو الاستيلاد حتى إذا جاءت جاريته بولد فادعى نسبه ثبت النسب منه وورث هذا الولد مع ورثته وكانت الجارية أم ولد له لأن حقه في ملكه أقوى من حق الأب في جارية ولده واسيتلاد الأب صحيح فاستيلاد المرتد أولى لأنها موقوفة على حكم ملكه حتى إذا أسلم كانت مملوكة له وحقه فيها أقوى من حق المولى في كسب المكاتب وهناك يصح منه دعوة النسب فههنا أولى إلا أن هناك يحتاج إلى تصديق المكاتب لاختصاصه بملك اليد والتصرف وههنا لا يحتاج إلى تصديق الورثة لأنه لم يثبت لهم ملك اليد والتصرف في الحال ومنها ما هو بالاتفاق باطل في الحال كالنكاح والذبيحة لأن الحل بهما يعتمد الملة ولا ملة للمرتد فقد ترك ما كان عليه وهو غير مقر على ما اعتمده ومنها ما هو موقوف بالاتفاق وإن اختلفوا في توقف أصل الشركة ومنها ما هو مختلف فيه وهو سائر تصرفاته عند أبي حنيفة - C تعالى - يتوقف بين أن ينفذ بالإسلام أو يبطل إذا مات أو قتل على الردة أو لحق بدار الحرب وعندهما نافذ إلا أن أبا يوسف - C تعالى - يقول : ينفذ كما ينفذ من الصحيح حتى يعتبر تبرعاته من جميع المال وعند محمد - C تعالى - ينفذ كما ينفذ من المريض وحجتهما في ذلك أنه من أهل التصرف لاقى تصرفه ملكه فينفذ وبيان ذلك أن التصرف قول والأهلية له باعتبار قوله شرعا ولا ينعدم ذلك بالردة والمالكية باعتبار صفة الحرية ولا ينعدم ذلك بالردة إنما تأثير ردته في إباحة دمه وذلك لا يحصل بالمالكية كالمقضى عليه بالرجم والقصاص والدليل عليه أن تصرف المكاتب بعد الردة نافذ بالاتفاق وحال الحر في التصرف فوق حال المكاتب فإذا كانت الردة لا تنافي ملك اليد الذي ينبني عليه تصرف المكاتب حتى ينفذ تصرفه فلأن لا ينافي ملك الحر وتصرفه أولى إلا أن محمدا - C تعالى - قال هو مشرف على الهلاك فيكون بمنزلة المريض في التصرف ألا ترى أن زوجته ترثه بحكم الفرار وذلك لا يتحقق إلا في المريض وأبو يوسف - C تعالى - يقول هو متمكن من دفع الهلاك عن نفسه بسبب يستحق عليه مرغوب فيه .
فلا يصير في حكم المريض كمن قصد أن يلقي نفسه من شاهق جبل . لا يصير به في حكم المريض يوضحه : أن المقضي عليه بالرجم والقصاص لا يصير كالمريض ما دام في السجن لتمكنه من دفع الهلاك عن نفسه بادعاء شبهة فالمرتد أولى وأبو حنيفة يقول بالردة يزول ملكه عن المال وكان موقوفا على العود إليه بالإسلام وتصرفه بحكم الملك فيتوقف بتوقف الملك ودليل الوصف أن المالكية عبارة عن القدرة والاستيلاء وإنما يكون ذلك حكما باعتبار العصمة ألا ترى أن الشرع جعل عصمة النفس والمال بسبب واحد ثم عصمة نفسه تزول بالردة حتى يقتل فكذلك عصمة ماله والدليل عليه أنه هالك حكما وإذا كان الهلاك حقيقة ينافي مالكية المال ولا ينافي توقف المال على حقه كالتركة المستغرقة بالدين فكذلك الهلاك الحكمي ولأن تأثير الردة في نفي المالكية فوق تأثير الرق فإن الرق ينافي مالكية المال ولا ينافي مالكية النكاح والردة تنافيهما وهذا بخلاف المقضي عليه بالقصاص والرجم فهناك لم يزل ما به عصمة المال والنفس وإنما استحق عليه نفسه بما هو من حقوق تلك العصمة فيبقى مالكا حقيقة لبقاء عصمة ماله وقد انعدم ههنا ما به كانت العصمة في حق النفس فكذلك في حق المال لأنها تابعة للنفس في العصمة وبخلاف المكاتب فإن تصرفه باعتبار عقد الكتابة والردة لا تؤثر فيه . ألا ترى أن الهلاك الحقيقي لا يمنع بقاء الكتابة فالهلاك الحكمي أولى ولهذا نفذ تصرف المكاتب بعد لحاقه بدار الحرب وههنا بالاتفاق لا ينفذ تصرفه في ماله بعد لحاقه بل يتوقف فكذلك قبل لحاقه لأن الهلاك بردته لا بلحاقه وكذلك التوريث باعتبار ردته على ما قررنا أنه يستند التوريث إلى أول الردة ليكون فيه توريث المسلم من المسلم والدليل عليه أنه بالردة صار حربيا ولهذا يقتل والحربي المقهور في أيدينا يتوقف تصرفه كالمأسورين إلا أن هناك توقف حالهم بين الاسترقاق والقتل والمن وههنا بين القتل والإسلام ثم توقف تصرفهم هناك لتوقف حالهم فكذلك ههنا وإذا أعتق المرتد عبده ثم أعتقه ابنه أيضا ولا وارث له غيره لم يجز عتق واحد منهما أما عتق المرتد فكان موقوفا فبموته يبطل وأما عتق الوارث فقد سبق ملكه لأن قبل موت المرتد لا ملك للوارث في ماله .
بل الملك موقوف على حق المرتد فلا ينفذ تصرف الوارث وهذا بخلاف التركة المستغرقة بالدين إذا أعتق الوارث عبدا منها ثم سقط الدين لأن سبب التوريث هناك قد تم والتوقف لحق الغرماء والعتق بعد تمام سبب الملك لا يتوقف وههنا أصل السبب انعقد بالردة ولكن لا يتم لقيام الأصل حقيقة وحكما والخلافة تكون بعد فوات الأصل فلهذا لا تنفذ تصرفات لوارث وإن ملك بعد ذلك وإذا مات الابن وله معتق والأب مرتد ثم مات الأب وله معتق كان ميراث الأب لمعتقه دون معتق الابن لما بينا أن أصل السبب وإن انعقد بالردة فإذا مات الابن قبل وقت تمام السبب بطل ذلك لأن بقاءه إلى وقت تمام السبب شرط وقد بينا اختلاف الرواية في هذا الفصل وما اكتسبه في ردته فهو فيء عند أبي حنيفة - C تعالى - وهما يستدلان على أبي حنيفة - C تعالى - بكسب الردة أنه ينفذ تصرفه فيه حتى لو قضى دينه بكسب ردته أو رهنه بدين عليه . كان صحيحا فكذلك كسب الإسلام ومن أصحابنا من سلم واشتغل بالفرق فقال تصرفه في كسب الردة باعتبار أنه كسبه لا باعتبار أنه ملكه لأن الردة تنافي الملك فأما في كسب الإسلام تصرفه باعتبار ملكه وقد بينا توقف ملكه والأصح أن عند أبي حنيفة - C تعالى - يتوقف تصرفه في الكسبين جميعا ويبطل ذلك بموته واختلفت الروايات عنه في قضاء ديونه فروى أبو يوسف عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - أنه يقضي ديونه من كسب الردة فإن لم يف بذلك فحينئذ من كسب الإسلام لأن كسب الإسلام حق ورثته ولا حق لورثته في كسب ردته بل هو خالص حقه فلهذا كان فيئا إذا قتل فكان وفاء الدين من خالص حقه أولى فعلى هذا نقول عقد الرهن لقضاء الدين وإذا قضى دينه من كسب الردة أو رهنه بالدين فقد فعل عين ما كان يحق فعله فلهذا كان نافذا وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - أنه يبدأ بكسب الإسلام في قضاء ديونه فإن لم تف بذلك فحينئذ من كسب الردة لأن قضاء الدين من ملك المديون .
وكسب الإسلام كان مملوكا له ولهذا يخلفه الوارث فيه وخلافة الوارث بعد الفراغ من حقه فأما كسب الردة لم يكن مملوكا له فلا يقضي دينه منه إلا إذا تعذر قضاؤه من محل آخر فعلى هذا لا ينفذ تصرفه في الرهن وقضاء الدين من كسب الردة إذا كان في كسب الإسلام وفاء بذلك وروي زفر عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - أن ديون إسلامه تقضي من كسب الإسلام وما استدان في الردة يقضي من كسب الردة لأن المستحق للكسبين مختلف وحصول كل واحد من الكسبين باعتبار السبب الذي وجب به الدين فيقضي كل دين من الكسب المكتسب في تلك الحالة ليكون الغرم بمقابلة الغنم وبه أخذ زفر - C تعالى - وإن جنى المرتد جناية لم يعقله العاقلة لأن تحمل العقل باعتبار معنى النصرة وهو أن تمكنه من الجناية بقوة العاقلة وأحد لا ينصر المرتد أو ذلك للتخفيف على الجاني لعذر الخطأ والمرتد غير مستحق للتخفيف فيكون الأرش في ماله وكذلك ما غصب وأتلف من أموال الناس فذلك كله دين عليه وإن لم يكن له مال إلا ما اكتسبه في ردته كان ذلك كله فيه لأنه كسبه فيكون مصروفا إلى دينه ككسب المكاتب والجناية على المرتد هدر لأن اعتبار الجناية عليه لعصمة نفسه وقد انعدمت العصمة بردته فكانت الجناية عليه هدرا مسلم قطع يد مسلم عمدا أو خطأ ثم ارتد المقطوعة يده عن الإسلام فمات أو قتل أو لحق بدار الحرب فعلى القاطع دية اليد في ماله إن كان عمدا وعلى عاقلته إن كان خطأ لأن قطع اليد كانت جناية موجبة للضمان وقد انقطعت السراية بزوال عصمة نفسه بالردة فصار كما لو انقطع بالبرء فيلزمه دية اليد فقط وإن أسلم قبل اللحوق بدار الحرب ثم مات من تلك الجناية فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - دية النفس استحسانا وعند محمد وزفر - رحمهما الله تعالى - ليس عليه إلا دية اليد قياسا لأن السراية قد انقطعت بزوال عصمة نفسه بالردة ثم بالإسلام بعد ذلك لا يتبين أن العصمة لم تكن زائلة فحكم السراية بعدما انقطع لا يعود .
وكان موته من تلك الجناية وموته بسبب آخر سواء ألا ترى أنه لو لحق بدار الحرب ثم عاد ثانيا فمات من تلك الجناية لم يجب على القاطع إلا دية اليد فكذلك قبل اللحوق ولأن اعتبار الجناية والسراية لحقه بعد سقوط حقه بالردة فيصير هو كالمبرئ عن سراية تلك الجناية كما لو قطع يد عبد ثم أعتقه مولاه أو باعه صار مبرئا عن السراية بإزالة ملكه وبعدما صح الإبراء ليس له ولاية إعادة حقه في السراية فكان وجود إسلامه في حكم السراية كعدمه وهما يقولان حقه توقف بالردة على ما قررنا فإذا أسلم زال التوقف فصار ما اعترض كأن لم يكن بخلاف العبد إذا باعه أو أعتقه فقد تم زوال ملكه هناك واعتبار الجناية كان لملكه يوضح الفرق أن ضمان الجناية في المماليك باعتبار صفة المملوكية ولهذا يجب الضمان لتمكن النقصان في المالية شيئا فشيئا وقد انعدم ذلك بالعتق أصلا وبالبيع في حق من كان مستحقا له فأما وجوب ضمان الجزء باعتبار النفسية ولا ينعدم بالردة ولكن العصمة شرط فإنما يراعى وجوده عند ابتداء السبب لينعقد موجبا وعند تقرره بالموت لتقرر الحكم فلا يعتبر فيه بقاء العصمة وهو نظير ما لو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ثم دخل الدار يعتق لهذا المعنى فأما إذا لحق بدار الحرب فإن كان القاضي قضى بلحاقه فقد صار ميتا حكما وبقاء حكم الجناية باعتبار بقاء النفسية وذلك لا يتحقق بعد موته حكما إذ لا تصور لبقاء الحكم بدون المحل وإذا لم يقض القاضي بلحاقه فالأصح أنه على الخلاف فمن أصحابنا من سلم وقال بنفس اللحاق صار حربيا والحربي في حق من هو في دار الإسلام كالميت ولهذا لو كانت امرأة تسترق كسائر الحربيات فيتم به انقطاع حكم السراية بخلاف ما قبل لحاقه بدار الحرب يوضحه أن الردة عارض فإذا زال قبل تقرره صار كأن لم يكن كالعصير المشترى إذا تخمر قبل القبض ثم تخلل بقى العقد صحيحا ولا يعتبر زواله بعد تقرره كما في العصير إذا تخمر فقضى القاضي بفسخ العقد ثم تخلل وباللحاق قد تقرر خصوصا إذا قضى به القاضي فلا يعتبر زواله بعد ذلك بخلاف ما قبل اللحاق .
وإن كان القاطع هو الذي ارتد فقتل ومات المقطوعة يده من ذلك مسلما فإن كان عمدا فلا شيء له لأن الواجب في العمد القود وقد فات محله حين قتل على ردته أو مات وإن كان خطأ فعلى عاقلة القاطع دية النفس لأنه عند الجناية كان مسلما وجناية المسلم إذا كانت خطأ على عاقلته وتبين بالسراية أن جنايته كانت قتلا فلهذا كان على عاقلته دية النفس وإن كانت الجناية منه في حال ردته كانت الدية في الخطأ في ماله لما بينا أن المرتد لا يعقل جنايته أحد ولا تقتل المرتدة ولكنها تحبس وتجبر على الإسلام عندنا وقال الشافعي - C تعالى - تقتل إن لم تسلم وهكذا كان يقول أبو يوسف - C تعالى - في الابتداء ثم رجع وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - أنها تخرج في كل قليل وتعذر تسعة وثلاثين سوطا ثم تعاد إلى الحبس إلى أن تتوب أو تموت واستدل الشافعي بقوله - A - ( من بدل دينه فاقتلوه ) وهذه الكلمة تعم الرجال والنساء كقوله تعالى ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( ( البقرة : 185 ) وتبين أن الموجب للقتل تبديل الدين لأن مثل هذا في لسان صاحب الشرع لبيان العلة وقد تحقق تبديل الدين منها وفي الحديث أن النبي - A - قتل مرتدة يقال لها أم مروان وعن أبي بكر - Bه - أنه قتل مرتدة يقال لها أم فرقة ولأنها اعتقدت دينا باطلا بعدما اعترفت ببطلانه . فتقتل كالرجل وهذا لأن القتل جزاء على الردة لأن الرجوع عن الإقرار بالحق من أعظم الجرائم ولهذا كان قتل المرتد من خالص حق الله تعالى وما يكون من خالص حق الله فهو جزاء وفي أجزية الجرائم الرجال والنساء سواء كحد الزنا والسرقة وشرب الخمر وبهذا تبين أن الجناية بالردة أغلظ من الجناية بالكفر الأصلي فإن الإنكار بعد الإقرار أغلظ من الإصرار في الابتداء . على الإنكار كما في سائر الحقوق وبأن كانت لا تقتل إذا لم تتغلظ جنايتها فذلك لا يدل على أنها لا تقتل إذا تغلظت جنايتها ثم في الكفر الأصلي إذا تغلظت جنايتها بأن كانت مقاتلة أو ساحرة أو ملكة تحرض على القتال تقتل .
فكذلك بعد الردة والدليل عليه أنها تحبس وتعزر وتجبر على الإسلام بعد الردة ولا يفعل ذلك بها في الكفر الأصلي وكذلك الشيوخ وأصحاب الصوامع والرهبان يقتلون بعد الردة ولا يقتلون في الكفر الأصلي وذوو الأعذار كالأعمى والزمن كذلك وكذلك الرق في الكفر الأصلي يمنع القتل وهو ما إذا استرق الأسير وفي الردة لا يمنع ثم في الكفر الأصلي لا تسلم لها نفسها حتى تسترق لينتفع المسلمون بها فكذلك بعد الردة وبالاتفاق لا تسترق في دار الإسلام فقلنا إنها تقتل . ( وحجتنا ) في ذلك نهى النبي - A - عن قتل النساء وفيه حديثان أحدهما ما رواه رباح بن ربيعة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - A - ( رأى في بعض الغزوات قوما مجتمعين على شيء فسأل عن ذلك فقالوا ينظرون إلى امرأة مقتولة فقال لواحد : أدرك خالدا وقل له لا يقتلن عسيفا ولا ذرية ) والثاني حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ( أن النبي - A - رأى امرأة مقتولة فقال من قتل هذه قال رجل : أنا يا رسول الله أردفتها خلفي فأهوت إلى سيفي لتقتلني فقتلتها فقال : ما شأن قتل النساء وارها ولا تعد ) ولما رأى رسول الله - A - يوم فتح مكة امرأة مقتولة فقال ( هاه ما كانت هذه تقاتل ) ففي هذا بيان أن استحقاق القتل بعلة القتال وأن النساء لا يقتلن لأنهن لا يقاتلن وفي هذا لا فرق بين الكفر الأصلي وبين الكفر الطارئ وما روى من الحديث غير مجرى على ظاهره فالتبديل يتحقق من الكافر إذا أسلم فعرفنا أنه عام لحقه خصوص فنخصه ونحمله على الرجال بدليل ما ذكرنا والمرتدة التي قتلت كانت مقاتلة فإن أم مروان كانت تقاتل وتحرض على القتال وكانت مطاعة فيهم وأم قرفة كان لها ثلاثون ابنا وكانت تحرضهم على قتال المسلمين ففي قتلها كسر شوكتهم ويحتمل أنه كان ذلك من الصديق - Bه - بطريق المصلحة والسياسة كما أمر بقطع يد النساء اللاتي ضربن الدف لموت رسول الله - A - لإظهار الشماتة .
والمعنى فيه أنها كافرة فلا تقتل كالأصلية وهذا لأن القتل ليس بجزاء على الردة بل هو مستحق باعتبار الإصرار على الكفر ألا ترى أنه لو أسلم يسقط لانعدام الإصرار وما يكون مستحقا جزاء لا يسقط بالتوبة كالحدود فإنه بعدما ظهر سببها عند الإمام لا تسقط بالتوبة وحد قطاع الطريق لا يسقط بالتوبة بل توبته برد المال قبل أن يقدر عليه فلا يظهر السبب عند الإمام بعد ذلك يقرره أن تبديل الدين وأصل الكفر من أعظم الجنايات ولكنها بين العبد وبين ربه فالجزاء عليها مؤخر إلى دار الجزاء وما عجل في الدنيا سياسات مشروعة لمصالح تعود إلى العباد كالقصاص لصيانة النفوس وحد الزنا لصيانة الأنساب والفرش وحد السرقة لصيانة الأموال وحد القذف لصيانة الأعراض وحد الخمر لصيانة العقول وبالإصرار على الكفر يكون محاربا للمسلمين فيقتل لدفع المحاربة إلا أن الله تعالى نص على العلة في بعض المواضيع بقوله تعالى { فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ( البقرة : 191 ) وعلى السبب الداعي إلى العلة في بعض المواضع وهو الشرك فإذا ثبت أن القتل باعتبار المحاربة وليس للمرأة بنية صالحة للمحاربة فلا تقتل في الكفر الأصلي ولا في الكفر الطارئ ولكنها تحبس فالحبس مشروع في حقها في الكفر الأصلي فإنها تسترق والاسترقاق حبس نفسها عنها ثم الحبس مشروع في حق كل من رجع عما أقربه كما في سائر الحقوق وليس ذلك باعتبار الكفر ولا باعتبار المحاربة وما يدعى من تغلظ الجناية لا يقوى فالرجوع عن الإقرار والإصرار على الإنكار بعد قيام الحجة في الجناية سواء مع أن الجناية في الإصرار أغلظ من وجه لأنه بعد الردة لا يقر على ما اعتقده والشيء قبل تقرره يكون أضعف منه بعد تقرره ولو سلمنا تغلظ الجناية فإنما يعتبر بمن يغلظ جنايتها في الكفر الأصلي المشركة العربية فكما لا تقتل تلك فكذلك لا تقتل هذه وإذا كانت مقاتلة أو ملكة أو ساحرة فقتلها للدفع وبدون القتل ههنا يحصل المقصود إذا حبست وأجبرت كما بينا على الإسلام وأما الرق لا يمنع القتل في الكفر الأصلي فإنه تقتل عبيدهم كأحرارهم .
وإنما الاسترقاق بمنزلة إعطاء الأمان وبعقد الذمة ينتهي القتال في حق من يجوز أخذ الجزية منه لا في حق من لا يجوز أخذ الجزية منه كما في مشركي العرب والمرتدون لا تؤخذ منهم الجزية فلهذا لا ينتهي القتال في حقهم بعقد الذمة والشيخ إذا كان له رأي يقتل في الكفر الأصلي والردة لا تتصور إلا ممن له رأي والترهب لا يتحقق بعد الإسلام لأن القيام بنصرة دين الحق واجب على كل مسلم قال - A - ( لا رهبانية في الإسلام ) وبدون تحقق السبب لا يثبت الحكم واختلف مشايخنا - رحمهم الله تعالى - في ذوي الأعذار من مشركي العرب فمنهم من يقول يقتلون في الكفر الأصلي لأن حلول الآفة كعقد الذمة فإنه ينعدم به القتال فمن لا يسقط القتال عنه بعقد الذمة في الكفر الأصلي فكذلك بحلول الآفة فعلى هذا القول ذوو الأعذار من المرتدين . يقتلون وقيل حلول الآفة بمنزلة الأنوثة لأنه تخرج به بنيته من أن تكون صالحة للقتال فعلى هذا القول لا يقتلون بعد الردة كما لا يقتلون في الكفر الأصلي وإذا ثبت أن المرتدة لا تقتل قلنا تسترق إذا لحقت بدار الحرب لاتفاق الصحابة - Bهم - فإن بني حنيفة لما ارتدوا استرق أبو بكر - Bه - نساءهم وأصاب علي - Bه - جارية من ذلك السبي فولدت له محمد بن الحنيفة - رحمهما الله تعالى - وذكر عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس - Bهما - في النساء إذا ارتددن يسبين ولا يقتلن وهذا لأنها كالحربية والاسترقاق مشروع في الحربيات وما دامت في دار الإسلام في ظاهر الرواية لا تسترق لأن حريتها المتأكدة بالإحراز لم تبطل بنفس الردة وهي دافعة للاسترقاق ولأن دار الإسلام ليست بدار الاسترقاق وفي النوادر عن أبي حنيفة - C تعالى - إنها تسترق لأنا لما جعلنا المرتد بمنزلة حربي مقهور لا أمان له فكذلك المرتدة بمنزلة حربية مقهورة لا أمان لها فتسترق .
وإن كانت في دارنا فإن تصرفت في مالها بعد الردة نفذ تصرفها ما دامت في دار الإسلام لأنها تصرفت في خالص ملكها بخلاف الرجل على قول أبي حنيفة - C تعالى - وأشار إلى الفرق قال المرأة لا تقتل والرجل يقتل ومعنى هذا أن عصمة المال تبع لعصمة النفس فبالردة لا تزول عصمة نفسها حتى لا تقتل فكذلك عصمة ما لها بخلاف الرجل ولهذا استوت بالرجل في التصرف بعد اللحوق لأن عصمة نفسها تزول بلحاقها حتى تسترق والاسترقاق إتلاف حكما فكذلك عصمة مالها فإن ماتت في الحبس أو لحقت بدار الحرب قسم مالها بين ورثتها ويستوي في ذلك كسب إسلامها وكسب ردتها لما بينا أن العصمة باقية بعد ردتها فكان كل واحد من الكسبين ملكها فيكون ميراثا لورثتها ولا ميراث لزوجها منها لأنها بنفس الردة قد بانت منه ولم تصر مشرفة على الهلاك فلا تكون في حكم الفارة المريضة ولزوجها أن يتزوج بأختها بعد لحاقها قبل انقضاء عدتها لأنها صارت حربية فكانت كالميتة في حقه وبعد موتها له أن يتزوج أختها ولأنه لا عدة على الحربية من المسلم لأن العدة فيها حق الزوج وتباين الدارين مناف له فإن سبيت أو عادت مسلمة لم يضر ذلك نكاح الأخت لأنه بعدما سقطت العدة عنها لا تعود معتدة ثم إن جاءت مسلمة فلها أن تتزوج من ساعتها لأنها فارغة عن النكاح والعدة وإن سبيت أجبرت على الإسلام كما كانت تجبر عليه قبل لحاقها وإن ولدت بأرض الحرب ثم سبيت ومعها ولدها كان ولدها فيئا معها لأن ولدها بمنزلتها وهي حربية تسترق فكذلك ولدها وإذا رفعت المرتدة إلى الإمام فقالت ما ارتددت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهذا توبة منها لما بينا أن توبة المرتد بالإقرار بكلمة الشهادتين والتبرأ عما كان انتقل إليه وقد حصل ذلك فإنه بالإنكار يحصل نهاية التبرأ فلهذا كان ذلك توبة من الرجل والمرأة جميعا ويقتل المملوك على الردة لأنه محارب كالحر وكسبه إذا قتل لمولاه لأنه بملك الرقبة يخلفه في ملك الكسب ولا تقتل المملوكة وتحبس لأنها ليس لها بنية صالحة للقتال كالحرة وإذا كان أهلها يحتاجون إلى خدمتها دفعتها إليهم وأمرتهم بإجبارها على الإسلام .
لأن حق العبد في المحل مقدم على حق الله تعالى لحاجة العبد ولأن الجمع بين الحقين ممكن فإن حق الله تعالى في إجبارها على الإسلام ومولاها ينوب في ذلك عن الإمام فتدفع إليه ليستخدمها ويجبرها على الإسلام وجناية الأمة والمكاتب في الردة كجنايتهم في غيرة الردة لأن الملك فيهم باق بعد الردة والمكاتب أحق بكسبه بعد الردة والمكاتب أحق بكسبه بعد الردة يدا وتصرفا كما كان قبله فيكون موجب جنايته في كسبه والجناية على المماليك في الردة هدر أما في الذكور منهم فلاستحقاق قتلهم بالردة ومن استوفى قتلا مستحقا يكون محسنا لا جانيا وفي الإناث قتل المملوكة بعد الردة كقتل الحرة ومن قتل حرة مرتدة لم يضمن شيئا وإن ارتكب ما لا يحل ويؤدب على ذلك فكذلك الأمة قال لأ