وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( قال ) - Bه - ( ملك من ملوك أهل الحرب له أرض واسعة فيها قوم من أهل مملكته هم عبيد له يبيع منهم ما شاء صالح المسلمين وصار ذمة لهم فإن أهل مملكته عبيد له كما كانوا يبيعهم إن شاء ) لأن عقد الذمة خلف عن الإسلام في حكم الإحراز ولو أسلم كانوا عبيدا له لقوله - A - ( من أسلم على مال فهو له ) فكذلك إذا صار ذميا وهذا لأنه كان مالكا لهم بيده القاهرة وقد استقرت يده وازدادت وكادة بعقد الذمة فإن ظهر عليهم عدو غيرهم ثم استنقذهم المسلمون من أيدي أولئك فإنهم يردون على هذا الملك بغير شيء قبل القسمة وبالقيمة بعد القسمة بمنزلة سائر أموال أهل الذمة وهذا لأن على المسلمين القيام بدفع الظلم عن أهل الذمة كما عليهم ذلك في حق المسلمين وعلى هذا لو أسلم الملك وأهل أرضه أو أسلم أهل أرضه دونه فهم عبيد له كما كانوا لأنه كان محرزا لهم بعقد الذمة فيزداد ذلك قوة بإسلامه وإسلام مملوكه الذمي لا يبطل ملكه عنه وإن كان طلب الذمة على أن يترك يحكم في أهل مملكته بما شاء من قتل أو صلب أو غيره مما لا يصلح في دار الإسلام لم يجب إلى ذلك لأن التقرير على الظلم مع إمكان المنع منه حرام ولأن الذمي من يلتزم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات فشرطه بخلاف موجب العقد باطل كما لو أسلم بشرط أن يرتكب شيئا من الفواحش كان الشرط باطلا والأصل فيه ما ( روى أن وفد تقيف جاؤا إلى رسول الله - A - فقالوا نؤمن بشرط أن لا ننحني للركوع والسجود فإنا نكره أن تعلونا استاهنا فقال رسول الله - A - لا خير في دين لا صلاة فيه ولا خير في صلاة لا ركوع فيها ولا سجود ) فإن أعطى الصلح والذمة على هذا بطل من شروطه ما لا يصلح في الإسلام لقوله - A - ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) فإن رضى بما يوافق حكم الإسلام وإلا أبلغ مأمنه هو وأصحابه لأن عقد الذمة يعتمد الرضى وما تم رضاه بدون هذا الشرط وقد تعذر الوفاء بهذا الشرط فإذا أبى أن يرضى بدون هذا الشرط يبلغ مأمنه كغيره من المستأمنين فإن التحرز عن الغدر واجب قال - A - ( في العهود وفاء لا غدر فيه ) .
بخلاف ما لو أسلم بشرط أن لا يصلي فإن الإسلام صحيح بدون تمام الرضى كما لو أسلم مكرها ولا يترك بعد صحة إسلامه ليرتد فيرجع إلى الكفر فإن صار ذمة ثم وقفت منه على أنه يخبر المشركين بعورة المسلمين ويقري عيونهم لم يكن هذا منه نقضا للعهد ولكن يعاقب على هذا ويحبس وقال مالك - C تعالى - هو ناقض للعهد بما صنع فيقتل وكذلك إن كان لا يزال يغتال رجلا من المسلمين فيقتله أو يفعل ذلك أهل أرضه لم يكن هذا نقضا للعهد عندنا وقال مالك - C تعالى - هو نقض لأنه خلاف موجب العقد فإن الذمي من ينقاد لحكم الإسلام في المعاملات ويكون مقهورا في دار الإسلام تحت يد المسلمين ومباشرة ما كان يخالف موجب العقد يكون نقضا للعهد ولكنا نقول لو فعل هذا مسلم لم يكن به ناقضا لإيمانه فكذلك إذا فعله ذمي لا يكون ناقضا لأمانه والأصل فيه حديث حاطب بن أبي بلتعة وفيه نزل قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } ( الممتحنة : 1 ) وقصته فيما صنع معروفة في المغازي وقد سماه الله تعالى مؤمنا مع ذلك وحديث أبي لبابة بن المنذر وفيه نزل قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول } ( الأنفال : 27 ) وقصته فيما أخبر به بني قريظة معروفة وقد سماه الله مؤمنا فعرفنا أن مثل هذا لا يكون نقضا للإيمان ولا للذمة ولكن من ثبت عليه القتل بالبينة يقتص منه فإن لم يعرف القاتل ووجد القتيل في قرية من قراهم ففيه القسامة والدية كما قضى به رسول الله - A - في القتيل الموجود بخيبر فيحلف الملك خمسين يمينا بالله ما قتلت ولا عرفت قاتله ثم يغرم الدية ولا يحلف بقية أهل مملكته لأنهم عبيده والعبيد لا يزاحمون الأحرار في القسامة والدية فإن كانوا أحرارا فعليهم القسامة والدية لأنهم يساوونه في الحرية والسكنى في القرية فيشاركونه في القسامة والدية وإذا طلب قوم من أهل الحرب الموادعة سنين بغير شيء نظر الإمام في ذلك فإن رآه خيرا للمسلمين لشدة شوكتهم أو لغير ذلك فعله لقوله تعالى { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } ( الأنفال : 61 ) ولأن رسول الله - A - ( صالح أهل مكة عام الحديبية على أن وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين ) .
فكان ذلك نظرا للمسلمين لمواطئة كانت بين أهل مكة وأهل خيبر وهي معروفة ولأن الإمام نصب ناظرا ومن النظر حفظ قوة المسلمين أولا فربما يكون ذلك في الموادعة إذا كانت للمشركين شوكة أو احتاج إلى أن يمعن في دار الحرب ليتوصل إلى قوم لهم بأس شديد فلا يجد بدا من أن يوادع من على طريقه وإن لم تكن الموادعة خيرا للمسلمين فلا ينبغي أن يوادعهم لقوله تعالى { ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون } ( محمد : 35 ) ولأن قتال المشركين فرض وترك ما هو الفرض من غير عذر لا يجوز فإن رأى الموادعة خيرا فوادعهم ثم نظر فوجد موادعتهم شرا للمسلمين نبذ إليهم الموادعة وقاتلهم لأنه ظهر في الانتهاء ما لو كان موجودا في الابتداء منعه ذلك من الموادعة فإذا ظهر ذلك في الانتهاء منع ذلك من استدامة الموادعة وهذا لأن نقض الموادعة بالنبذ جائز ( قال - A - يعقد عليهم أولاهم ويرد عليهم أقصاهم ولكن ينبغي أن ينبذ إليهم على سواء ) قال تعالى { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } ( الأنفال : 18 ) أي على سواء منكم ومنهم في العلم بذلك فعرفنا أنه لا يحل قتالهم قبل النبذ وقبل أن يعلموا بذلك ليعودوا إلى ما كانوا عليه من التحصن وكان ذلك للتحرز عن الغدر فإن حاصر العدو المسلمين وطلبوا الموادعة على أن يؤدي إليهم المسلمون شيئا معلوما كل سنة فلا ينبغي للإمام أن يجيبهم إلى ذلك لما فيه من الدينة والذلة بالمسلمين إلا عند الضرورة وهو أن يخاف المسلمون الهلاك على أنفسهم ويرى الإمام أن هذا الصلح خير لهم فحينئذ لا بأس بأن يفعله لما روى أن المشركين أحاطوا بالخندق وصار المسلمون كما قال الله تعالى { هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا } ( الأحزاب : 11 ) ( بعث رسول الله - A - إلى عبيدة بن حصن وطلب منه أن يرجع بمن معه على أن يعطيه كل سنة ثلث ثمار المدينة فأبى إلا النصف فلما حضر رسله ليكتبوا الصلح بين يدي رسول الله - A - قام سيد الأنصار سعد بن معاذ بن عبادة - Bهما - وقالا يا رسول الله - إن كان هذا عن وحي فامض لما أمرت به وإن كان رأيا رأيته فقد كنا نحن وهم في الجاهلية لم يكن لنا ولا لهم دين فكانوا لا يطمعون في ثمار المدينة إلا بشراء أو قري فإذا أعزنا الله بالدين وبعث فينا رسوله نعطيهم الدينة لا نعطيهم إلا السيف فقال - A - إني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحد فأحببت أن أصرفهم عنكم فإذا أبيتم ذلك فأنتم وأولئك اذهبوا فلا نعطيكم إلا السيف ) .
فقال مال رسول الله - A - إلى الصلح في الابتداء لما أحس الضعف بالمسلمين فحين رأى القوة فيهم بما قاله السعدان - Bهما - امتنع من ذلك ( وقد كان رسول الله - A - يعطي المؤلفة قلوبهم من الصدقة لدفع ضررهم عن المسلمين ) فدل على أنه لا بأس بذلك عند خوف الضرر وهذا لأنهم إن ظهروا على المسلمين أخذوا جميع الأموال وسبوا الذراري فدفع بعض المال ليسلم المسلمون في ذراريهم وسائر أموالهم أهون وأنفع وإن أراد قوم من أهل الحرب من المسلمين الموادعة سنين معلومة على أن يؤدي أهل الحرب الخراج إليهم كل سنة شيئا معلوما على أن لا تجري أحكام الإسلام عليهم في بلادهم لم يفعل ذلك إلا أن يكون في ذلك خير للمسلمين لأنهم بهذه الموادعة لا يلتزمون أحكام الإسلام ولا يخرجون من أن يكونوا أهل حرب وقد بينا أن ترك القتال مع أهل الحرب لا يجوز إلا أن يكون خيرا للمسلمين فإذا رأى الإمام منفعة في ذلك فصالحهم فإن كان قد أحاط مع الجيش ببلادهم فما يأخذ منهم يكون غنيمة يخمسها ويقسم ما بقى بينهم لأنه توصل إليها بقوة الجيش فهو كما لو ظهر عليهم بالفتح فإن لم ينزل مع الجيش بساحتهم ولكنهم أرسلوا إليه وادعوه على هذا فما يأخذ منهم بمنزلة الجزية لا خمس فيها بل يصرف مصارف الجزية وإن وقع الصلح على أن يؤدوا إليهم كل سنة مائة رأس فإن كانت هذه المائة الرأس يؤدونها من أنفسهم وأولادهم لم يصح هذا لأن الصلح وقع على جماعتهم فكانوا جميعا مستأمنين واسترقاق المستأمن لا يجوز . ألا ترى أن واحدا منهم لو باع ابنه بعد هذا الصلح لم يجز وكذلك لا يجوز تمليك شيء من نفوسهم وأولادهم بحكم تلك الموادعة لأن حريتهم تأكدت بها وإن صالحوهم على مائة رأس بأعيانهم أول السنة وقالوا أمنونا على أن هؤلاء لكم ونصالحكم ثلاث سنين مستقبلة على أن نعطيكم كل سنة مائة رأس من رقيقنا فهذا جائز لأن المعينين في السنة الأولى لا تتناولهم الموادعة وباعتباره يثبت الأمان فإذا جعلوهم مستثنين من الموادعة بجعلهم إياهم عوضا للمسلمين صاروا مماليك للمسلمين بالموادعة ثم شرطوا في السنين المستقبلة مائة رأس من رقيقهم في كل سنة ورقيقهم قابل للملك والتملك بالبيع فكذا بالموادعة .
وهذا لأن الموادعة ليست بمال في نفسها واشتراط الحيوان دينا في الذمة بدلا عما ليس بمال صحيح إذا كان معلوم الجنس كما في النكاح والخلع وإذا وقع الصلح على هذا ثم سرق منه مسلم شيئا لم يصح شراء ذلك منه لأنهم استفادوا الأمان في أنفسهم وأموالهم ومال المستأمن لا يملك بالسرقة وإذا لم يملكه السارق لم يحل شراؤه منه ولأن ما صنعه غدر يؤدبه الإمام علي ذلك إذا علمه منه وفي الشراء منه إغراء له على هذا الغدر وتقرير ذلك لا يحل فإن أغار عليهم قوم من أهل الحرب جاز أن يشتري منهم ما أخذوا من أموالهم ورقيقهم لأنهم تملكوها عليهم بالإحراز ولو تملكوا ذلك من أموال المسلمين جاز شراؤها منهم فمن أموال أهل الحرب أولى ثم لا يرد عليهم شيء من ذلك مجانا ولا بالثمن لأنهم بالموادعة ما خرجوا من أن يكونوا أهل حرب حين لم ينقادوا لحكم الإسلام فلا يجب على المسلمين القيام بنصرتهم وبه فارق مال المسلمين وأهل الذمة ولا يمنع التجار من حمل التجارات إليهم إلا الكراع والسلاح والحديد لأنهم أهل حرب وإن كانوا موادعين .
ألا ترى أنهم بعد مضي المدة يعودون حربا للمسلمين ولا يمنع التجار من دخول دار الحرب بالتجارات ما خلا الكراع والسلاح فإنهم يتقوون بذلك على قتال المسلمين فيمنعون من حمله إليهم وكذلك الحديد فإنه أصل السلاح قال الله تعالى { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد } ( الحديد : 25 ) ومن دخل منهم دار الإسلام بغير أمان جديد سوى الموادعة لم يتعرض له لأنه آمن بتلك الموادعة . ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يتعرضوا له في داره فكذلك إذا دخل دار الإسلام وقد دخل أبو سفيان - Bه - المدينة في زمن الهدنة ولم يتعرض له أحد بشيء وكذلك لو دخل رجل منهم دار حرب أخرى فظهر المسلمون عليهم لم يتعرضوا له لأنه في أمان المسلمين حيث كان بمنزلة ذمي يدخل دار الحرب ثم يظهر المسلمون على تلك الدار وإذا اشترى الحربي المستأمن في دار الإسلام عبدا مسلما أو ذميا أو أسلم بعض عبيده الذين أدخلهم لم يترك ليرده إلى دار الحرب لأنه مسلم ولا يترك في ملك الكافر ليستذله ولكن يجبر على بيعه من المسلمين بمنزلة الذمي يسلم عبده .
( فإن قيل ) الذمي ملتزم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات والمستأمن غير ملتزم لذلك .
( قلنا ) المستأمن ملتزم ترك الاستخفاف بالمسلمين فإنا ما أعطيناه الأمان ليستذل المسلم إذ لا يجوز إعطاء الأمان على هذا فلهذا يجبر على بيعه وإن رجع المستأمن إلى دار الحرب وقد أدان في دار الإسلام وأودع ودبر ثم أسر وظهر على تلك الدار وقتل فنقول أما مدبروه وأمهات أولاده فهم أحرار إن قتل فغير مشكل وكذلك إذا استرق لأنه صار مملوكا والرق إتلاف له حكما ولأنهم خرجوا من ملكه لوجود المنافي ولا يصيرون في ملك غيره لأن المدبر وأم الولد لا يحتمل ذلك فلهذا كان حرا وأما الدين فهو يسقط عمن عليه لخروجه من أن يكون أهلا للملك ولأن الدين لا يرد عليه القهر ليصير مملوكا للسابي إذ هو في ذمة من عليه ويده إلى ما في ذمته أسبق من يد غيره فصار محرزا له والودائع فيء لأنها تدخل تحت القهر ويد المودع كيد المودع ولو كانت في يده حين سبي كان ذلك فيئا فكذلك إن كان في يد مودعه . وعن أبي يوسف - C تعالى - أنها مملوكة للمودعين لأن أيديهم إليها أسبق حين سقط عنها يد الحربي بالأسر فصاروا محرزين لها دون الغانمين وهذا كله لأن بقاء حكم الأمان له في هذه الأموال ما لم يتقرر المنافي وقد تقرر ذلك حين أسر وظهر المسلمون على الدار وإن دخل بعبده المسلم الذي اشتراه أو أسلم في يده في دار الحرب عتق في قول أبي حنيفة - C تعالى - ولم يعتق في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - حتى يظهر المسلمون على الدار أو يخرج مراغما لمولاه لأنه كان قاهرا له في دارنا حكما بعقد الأمان وفي دار الحرب حسا بقوته فيبقى مملوكا له حتى يصير العبد قاهرا له وذلك بخروجه مراغما أو ظهور المسلمين عليه . ألا ترى أنه لو كان في دار الحرب حين أسلم عبده لم يعتق إلا بأحد هذين الوجهين فكذلك إذا أدخله دار الحرب وقد بينا طريق أبي حنيفة - C تعالى - لهذه المسألة في كتاب العتاق وفيه طريق آخر نذكره ههنا وهو أنه حين انتهى به إلى آخر جزء من أجزاء دار الإسلام فقد ارتفع حكم الأمان الذي بيننا وبينه وبقاء ملكه بعد إسلام العبد كان بحكم الأمان فإذا ارتفع زال ذلك الملك وحصل العبد في يد نفسه فيعتق وهي يد محترمة فتكون دافعة لقهره وإن أدخله دار الحرب فلا يثبت له باعتبار هذا القهر الملك في دار الحرب .
( فإن قيل ) بارتفاع الأمان زال صفة الحظر لا أصل الملك كمن أباح لغيره شيئا لا يزول أصل ملكه به فملكه المباح في دار الحرب إبقاء ما كان من الملك لا إثبات ملك له فيه ابتداء .
( قلنا ) ما كان ملكه بعد إسلام العبد في دار الإسلام إلا باعتبار صفة الحظر فإنه لو لم يكن مستأمنا لكان العبد المسلم قاهرا له في دار الإسلام وكان حرا فإذا زال الحظر بزوال الأمان زال أصل الملك .
( قال ) ( ألا ترى أنه في دار الحرب لو قتل مولاه وأخذ ماله وخرج إلينا كان حرا وكان ما خرج به من المال له ) وهذا إشارة إلى ما بينا أنه ظهرت يده في نفسه وهي يد محترمة وكذلك لو كان هذا العبد الذي اشتراه وأدخله ذميا لأن للذمي يدا محترمة في نفسه كما للمسلم ولو أسلم عبد الحربي في دار الحرب ثم ظهر المسلمون على الدار فالعبد حر لإحرازه نفسه بمنعة المسلمين وإن أسلم مولاه قبل أن يظهر المسلمون عليه فهو عبد له على حاله لأن بإسلام العبد لم يزل ملكه عنه ومن أسلم على مال فهو له ولو كان حين أسلم عبده باعه من مسلم أو ذمي أو حربي فهو حر في قول أبي حنيفة - C تعالى - لأن العبد المسلم متى زال ملك الحربي عنه يزول إلى العتق كما لو خرج مراغما وكان أبو بكر الرازي يقول بمجرد البيع عند أبي حنيفة - C تعالى - لا يعتق ما لم يخرجه من يده بالتسليم فإذا أخرجه ثم زال قهره عنه فحينئذ يعتق ولا يثبت عليه قهر المشتري لأنه مسلم في يد نفسه ويده دافعة للقهر عنه سواء كان من مسلم أو ذمي أو حربي وعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - لا يعتق لأن ملك المشتري ويده كملك البائع ويده وقبل البيع كان مملوكا للبائع باعتبار يده فكذلك بعد البيع وقد بينا هذه المسألة مع أخواتها في كتاب العتاق وإذا مات المستأمن في دار الإسلام عن مال وورثته في دار الحرب وقف ماله حتى يقدم ورثته لأنه وإن كان في دارنا صورة فهو في الحكم كأنه في دار الحرب فيخلفه ورثته في دار الحرب في إملاكه وبموته في دارنا لا يبطل حكم الأمان الذي كان ثبت له بل ذلك باق في ماله فيوقف لحقه حتى يقدم ورثته وإذا قدموا فلا بد من أن يقيموا البينة ليأخذوا المال لأنهم بمجرد الدعوى لا يستحقون شيئا فإن أقاموا بينة من أهل الذمة ففي القياس لا نقبل هذه البينة لأن المال في يد إمام المسلمين وحاجتهم إلى استحقاق اليد على المسلمين وشهادة أهل الذمة لا تكون حجة في الاستحقاق على المسلمين وفي الاستحسان تقبل شهادتهم ويدفع المال إليهم إذا شهدوا أنهم لا يعلمون له وارثا غيرهم لأنهم يستحقون المال على المستأمن فإن المال موقوف لحقه وشهادة أهل الذمة حجة على المستأمن .
ولأنهم لا يجدون شهودا مسلمين على وراثتهم عادة فإن أنسابهم في دار الحرب لا يعرفها المسلمون فهو بمنزلة شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال ويؤخذ منهم كفيل بما أدرك في المال من درك قيل هو قولهما دون قول أبي حنيفة - رحمهم الله تعالى - كما فيما بين المسلمين وقيل بل هذا قولهم جميعا لأن المال مدفوع إليهم بحجة ضعيفة فلا يدفع إلا بعد الاحتياط بكفيل ولا يقبل كتاب ملكهم في ذلك لأن ملكهم كافر لا أمان له ولو شهد لم تقبل شهادته فكيف يقبل كتابه وإن شهد على كتابه وختمه قوم من المسلمين فكذلك الجواب لأنه في حق المسلمين كواحد من العوام أو دونه وكتابه وختمه لا يكون حجة وإذا أراد الحربي المستأمن أن يرجع إلى دار الحرب لم يترك أن يخرج معه كراعا وسلاحا أو حديدا أو رقيقا اشتراهم في دار الإسلام مسلمين أو كفارا كما لا يترك تجار المسلمين ليحملوا إليهم هذه الأشياء وهذا لأنهم يتقوون بها على المسلمين ولا يجوز إعطاء الأمان له ليكتسب به ما يكون قوة لأهل الحرب على قتال المسلمين وفي العبيد لا إشكال لأنهم مسلمون وأهل الذمة فلا يترك أن يدخل بهم ليعودوا حربا للمسلمين ولا يمنع أن يرجع بما جاء به من هذه الأشياء لأنه كان معه في دار الحرب فباعادته لا يزدادون قوة لم تكن لهم بخلاف ما اشتراه في دار الإسلام ولأنا أمناه على ما في يده من المال وكما لا يمنع هو من الرجوع للوفاء بذلك الأمان فكذلك لا يمنع من أن يرجع بما جاء به فإن كان جاء بسيف فباعه واشترى مكانه قوسا أو رمحا أو ترسا لم يترك أن يخرج به مكان سيفه لأن معنى القوة يختلف باختلاف الأسلحة فإنما قصد بما صنع أن يزداد قوة علينا ولأنه قد يكثر فيهم نوع من أنواع الأسلحة ويعز نوع آخر خير فيقصدون تحصيل ذلك لهم بهذا الطريق وكذلك إذا استبدل بسيفه سيفا آخر خيرا منه لأن بتلك الزيادة يزدادون قوة ولم يكن استحق ذلك حين أمناه فيمنع من تحصيل تلك الزيادة ولا يمكن منعه من ذلك إلا بأن يمنع من إدخاله هذا السيف بأثله دارهم وإن كان هذا السيف مثل الأول أو شرا منه لم يمنع أن يدخل به لأنه بمنزلة الأول إذ ليس فيه زيادة قوة لهم وجنس المنفعة واحد فكما لو أعاد الأول إلى دار الحرب لم يمنع منه .
فكذلك إذا أعاد مثله وله أن يخرج بما شاء من الأمتعة سوى ما ذكرنا كما للتاجر المسلم أن يحمل إليهم ما شاء من سائر الأمتعة للتجارة وللشافعي - C تعالى - قول أنه يمنع من ذلك أيضا لأنهم يزدادون قوة بما يحمل طعاما كان أو ثيابا أو سلاحا ولكنا نستدل ( بما روى أن رسول الله - A - أهدى إلى أبي سفيان - Bه - تمر عجوة حين كان بمكة حربيا واستهداه أدما وبعث بخمسمائة دينار إلى أهل مكة حين قحطوا لتفرق بين المحتاجين منهم ) ولأن بعض ما يحتاج إليه المسلمون من الأدوية وغيرها يحمل من دار الحرب فإذا منعنا تجار المسلمين من أن يحملوا إليهم ما سوى السلاح فهم يمنعون ذلك أيضا وفيه من الضرر ما لا يخفى وإذا بعث الحربي عبدا له تاجرا إلى دار الإسلام بأمان فأسلم العبد فيها بيع وكان ثمنه للحربي لأن الأمان يثبت له في مالية العبد حين خرج العبد بأمان منقادا له ولو كان المولى معه فأسلم أجبر على بيعه وكان ثمنه له فكذلك إذا لم يكن المولى معه .
قلنا يباع لإزالة ذل الكفر عن المسلم ويكون ثمنه للحربي للأمان له في هذه المالية وإذا وجد الحربي في دار الإسلام فقال أنا رسول فإن أخرج كتابا عرف أنه كتاب ملكهم كان آمنا حتى يبلغ رسالته ويرجع لأن الرسل لم تزل آمنة في الجاهلية والإسلام وهذا لأن أمر القتال أو الصلح لا يتم إلا بالرسل فلا بد من أمان الرسل ليتوصل إلى ما هو المقصود ( ولما تكلم رسول بين يدي النبي - A - بما كرهه قال لولا أنك رسول لقتلتك ) . وفي هذا دليل أن الرسول آمن ثم لا يتمكن من إقامة البينة على أنه رسول فلو كلفناه ذلك أدى إلى الضيق والحرج وهذا مدفوع فلهذا يكتفي بالعلامة أن يكون معه كتاب يعرف أنه كتاب ملكهم فإذا أخرج ذلك فالظاهر أنه صادق والبناء على الظاهر واجب فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته وإن لم يخرج كتابا أو أخرج ولم يعلم أنه كتاب ملكهم فهو وما معه فيء لأن الكتاب قد يفتعل وإذا لم يعلم أنه كتاب ملكهم بختم وتوقيع معروف فالظاهر أنه افتعل ذلك وأنه لص مغير في دار الإسلام فحين أخذناه احتال بذلك ليتخلص من أيدينا ولهذا كان فيئا ما معه وإن ادعى أنه دخل بأمان لم يصدق وهو فيء لأن حق المسلمين قد ثبت فيه حين تمكنوا منه من غير أمان ظاهر له فلا يصدق هو في إبطال حقهم وإذا خرج قوم من أهل الحرب مستأمنين لم يعرض لهم فيما كان جرى بينهم في دار الحرب من المداينات لأنهم بالدخول بأمان ما صاروا من أهل دارنا وقد كانت هذه المعاملة بينهم حين لم يكونوا تحت يد الإمام فلا يسمع الإمام الخصومة في شيء من ذلك إلا أن يلتزموا حكم الإسلام وذلك يكون بعقد الذمة فإن كان ذلك جرى بينهم في دار الإسلام أخذوا به لأنهم كانوا تحت يد الإمام حين جرت هذه المعاملة بينهم وما أمناهم ليظلم بعضهم بعضا بل التزمنا لهم أن نمنع الظلم عنهم فلهذا تسمع الخصومة التي جرت بينهم في دارنا كما لو جرت بينهم وبين المسلمين ولو أن حربيا دخل دار الإسلام بغير أمان فأخذه واحد من المسلمين فهو فيء لجماعة المسلمين في قول أبي حنيفة - C تعالى - وهي رواية بشر عن أبي يوسف - C تعالى .
وظاهر المذهب عند أبي يوسف وهو قول محمد - رحمهما الله تعالى - أنه لمن أخذه خاصة وحجتهما في ذلك أن يد الآخذ سبقت إليه وهو مباح في دارنا فمن سبقت يده إليه صار محرزا له فاختص بملكه كالصيد والحطب والركاز الذي يجده في دار الإسلام وهذا لأنه وإن دخل دارنا فلم يصر به مأخوذا مقهورا لعدم علم المسلمين به . ألا ترى أنه لو عاد إلى دار الحرب قبل أن يعلم به كان حرا فإنما صار مقهورا بالأخذ فكان للآخذ خاصة كما لو أخذه في دار الحرب وأخرجه ولأبي حنيفة - C تعالى - فيه طريقان أحدهما أن نواحي دار الإسلام تحت يد إمام المسلمين ويده يد جماعة المسلمين فهو كما دخل الإسلام صار في يد المسلمين حكما فصار مأخوذا وثبت فيه حق جماعة المسلمين فمن أخذه بعد ذلك فإنما استولى على ما ثبت فيه حق المسلمين فلا يختص به كما إذا استولى على مال بيت المال ولكن هذا اليد حكمية فتظهر في حق المسلمين ولا تظهر في حق أهل الحرب فلهذا إذا عاد إلى دار الحرب قبل أن يعلم به كان حرا حربيا على حاله ولأن الحق الثابت فيه ضعيف فهو بمنزلة حق الغانمين في دار الحرب وهناك من عاد من الأسرى إلى منعة أهل الحرب قبل الإحراز يكون حرا فهنا من عاد قبل أن يعلم به يكون حرا ولكنه لا يختص به الآخذ لثبوت الحق للجماعة فيه والثاني أن الآخذ إنما تمكن منه بقوة المسلمين لأنه رقباني مثله يدفعه عن نفسه فإنما صار قاهرا له بقوة المسلمين فلهذا لا يختص به وهو نظير السرية مع الجيش في دار الحرب فإن السرية لا تختص بما أخذت لأن تمكنهم بقوة الجيش فهذا مثله والمسلمون بمنزلة المدد للآخذ وتأكد الحق بالأخذ والإحراز وقد شاركوه في الإحراز وإن اختص هو بالأخذ وقد بينا أن المدد يشاركون الجيش إلا أن الإحراز هناك بعد الأخذ وههنا الإحراز سبق الأخذ فإذا شاركوه بالمشاركة في الإحراز بعد الأخذ فلان يشاركوه بالإحراز منهم قبل أخذه أولى وبه فارق الصيد والحطب لأن تمكنه من هذه الأشياء لم يكن بقوة المسلمين إذ لا دفع في المال ولكن الطريق الأول أصح فإن على قول أبي حنيفة - C تعالى - إذا أسلم قبل أن يؤخذ فهو رقيق للمسلمين ومن أسلم قبل الأخذ فحريته تتأكد بإسلامه كما لو أسلم في دار الحرب فلولا أنه صار مأخوذا بالدار لكان حرا إذا أسلم قبل أن يؤخذ وعندهما إذا أسلم قبل أن يؤخذ فهو حر لا سبيل عليه لأن سبب الرق فيه الأخذ والمسلم لا يسترق فكان حرا ولو أسلم ثم رجع إلى دار الحرب قبل أن يؤخذ فهو حر بالاتفاق كما لو رجع قبل أن يسلم ثم في وجوب الخمس فيه إذا أخذ روايتان عن أبي حنيفة - C تعالى .
في إحدى الروايتين قال المأخوذ بمنعة الدار كالمأخوذ بمنعة الجيش يكون غنيمة يخمس وفي الرواية الأخرى قال الخمس فيما أوجف عليه المسلمون ولم يوجد ذلك ههنا فهو بمنزلة الجزية والخراج لا خمس فيها ولأن الحق فيه لجماعة المسلمين يصرف إلى بيت المال فلا فائدة في إيجاب الخمس فيه وكذلك عن محمد - C تعالى - روايتان في إيجاب فيه في إحدى الروايتين جعله كالحطب والصيد فلا خمس فيه لأنه ما أصيب بطريق فيه إعزاز الدين وفي الرواية الأخرى قال فيه الخمس بمنزلة الركاز وهذا لأن الواجد إنما أخذه بقوة المسلمين وأذن الإمام له في ذلك فإن الإمام أذن في مثله لكل مسلم ولو أخذه في دار الحرب بهذا الطريق اختص به وكان فيه الخمس فكذلك إذا أخذه في دار الإسلام وإن دخل الحرم قبل أن يؤخذ فعلى قول أبي حنيفة - C تعالى - يؤخذ ويكون فيئا للمسلمين لأن حقهم ثبت فيه قبل أن يدخل الحرم فهو كعبد من عبيد بيت المال دخل الحرم وهذا لأنه قبل أن يدخل الحرم كان يجوز قتله واسترقاقه فبدخوله الحرم استفاد الأمن من القتل فيبقى حكم الرق فيه للمسلمين كما لو أسلم فأما عندهما لا يتعرض له في الحرم لأنه لم يصر مأخوذا عندهما فهو حر مباح الدم التجأ إلى الحرم فلا يتعرض له في الحرم ولكن لا يطعم ولا يسقي ولا يؤوى حتى يخرج وقد بينا هذا في المناسك فإن أسلم الحربي في الحرم قبل أن يخرج فهو حر عندهما لأنه لم يصر مأخوذا بالدار فتتأكد حريته بالإسلام وليس لأحد أن يتعرض له بعد ذلك بشيء وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فداينهم أو داينوه أو غصبهم شيئا أو غصبوه لم يحكم فيما بينهم بذلك فإنهم فعلوا ذلك حيث لا تجري عليهم أحكام المسلمين أما إذا غصبهم فلأن أموالهم في حقنا على أصل الإباحة وإنما ضمن المستأمن لهم أن لا يخونهم وإنما غدر بأمان نفسه دون أمان الإمام فيفتي بالرد ولا يجبر عليه في الحكم وإن غصبوه فقد غدروا بأمانهم حين لم يكونوا ملتزمين لحكم الإسلام .
ولو قتلوه لم يضمنوا فإذا أتلفوا ماله أو غصبوه شيئا أولى وهذا لأنه عرض نفسه لذلك حين فارق منعة المسلمين ودخل إليهم فأما في المداينة فهم وإن خرجوا بأمان لم يلتزموا أحكام المسلمين فلا تسمع الخصومة عليهم في مداينة كانت في دارهم ولا تسمع الخصومة على المسلم منهم أيضا لتحقيق معنى التسوية بين الخصمين إلا على قول أبي يوسف - C تعالى - فإنه يقول تسمع الخصومة على المسلم لأنه ملتزم أحكام الإسلام حيث ما يكون وإن بايعهم المستأمن إليهم الدرهم بالدرهمين نقدا أو نسيئة أو بايعهم في الخمر والخنزير والميتة فلا بأس بذلك في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - ولا يجوز شيء من ذلك في قول أبي يوسف - C تعالى - لأن المسلم ملتزم أحكام الإسلام حيثما يكون ومن حكم الإسلام حرمة هذا النوع من المعاملة .
ألا ترى أنه لو فعله مع المستأمنين منهم في دارنا لم يجز فكذلك في دار الحرب وهما يقولان هذا أخذ مال الكافر بطيبة نفسه ومعنى هذا أن أموالهم على أصل الإباحة إلا أنه ضمن أن لا يخونهم فهو يسترضيهم بهذه الأسباب للتحرز عن الغدر ثم يأخذ أموالهم بأصل الإباحة لا باعتبار العقد وبه فارق المستأمنين في دارنا لأن أموالهم صارت معصومة بعقد الأمان فلا يمكنه أخذها بحكم الإباحة والأخذ بهذه العقود الباطلة حرام وتمام هذه الفصول في كتاب الصرف وإن قتل المسلم في دارنا حربيا مستأمنا عمدا أو خطأ أو قطع يده فلا قود عليه لبقاء شبهة الإباحة في دم المستأمن فإنه حربي حكما فلا يمكن المساواة بينه وبين من هو من أهل دارنا في العصمة والقصاص يعتمد المساواة ولكن عليه دية الحر المسلم لأن أصل العصمة تثبت موجبة للتقوم في نفسه حين استأمن إلينا . ألا ترى أن العصمة المتقومة تثبت في ماله بهذا القدر من الإحراز حتى يضمن بالإتلاف ففي نفسه أولى وصار حاله في قيمة نفسه كحال الذمي فكما يسوي بين دية الذمي والمسلم عندنا فكذلك يسوي بين دية المسلم والمستأمن والله أعلم بالصواب