( قال ) Bه ( وإذا حلف على امرأته بالطلاق أن لا تخرج حتى يأذن لها فأذن لها مرة سقطت اليمين ) لأن حتى للغاية قال الله تعالى : { حتى مطلع الفجر } ( القدر : 5 ) واليمين يتوقت بالتوقيت ومن حكم الغاية أن يكون ما بعدها بخلاف ما قبلها فإذا انتهت اليمين بالإذن مرة لم يحنث بعد ذلك وإن خرجت بغير إذنه إلا أن ينوي الإذن في كل مرة فحينئذ يكون مشددا الأمر على نفسه بلفظ يحتمله .
ولو قال إلا بإذني فلا بد من الإذن لكل مرة حتى إذا خرجت مرة بغير إذنه حنث لأنه استثنى خروجا بصفة وهو أن يكون بإذنه فإن الباء للإلصاق فكل خروج لا يكون بتلك الصفة كان شرط الحنث ومعنى كلامه إلا مستأذنة قال الله تعالى : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } ( مريم : 64 ) أي مأمورين بذلك ونظيره إن خرجت إلا بقناع أو إلا بملاءة فإذا خرجت مرة بغير قناع أو بغير ملاءة حنث .
فأما إذا قال إلا أن آذن لها فهذا بمنزلته حتى إذا وجد الإذن مرة لا يبقى اليمين فيه لأن ( إلا أن ) بمعنى حتى فيما يتوقت قال الله تعالى : { إلا أن يحاط بكم } ( يوسف : 66 ) أي حتى يحاط بكم ألا ترى أنه لا يستقيم إظهار المصدر هنا بخلاف قوله { إلا بإذني } فإنه يستقيم أن يقول إلا خروجا بإذني فعرفنا أنه صفة للمستثنى وهنا لو قال إلا خروجا أن آذن لك كان كلاما مختلا فعرفنا أنه بمعنى التوقيت وفيه طعن الفراء وقد بيناه وإن حلف عليها أن لا تخرج من بيته فخرجت إلى الدار حنث لأنه جعل شرط الحنث الخروج من البيت نصا والبيت غير الدار فبالوصول إلى صحن الدار صارت خارجة من البيت بخلاف ما لو حلف أن لا تخرج لأن مقصوده هنا الخروج إلى السكة والوصول إلى موضع يراها الناس فيه ولا يوجد ذلك بخروجها إلى صحن الدار .
وإن حلف لا يدخل فلان بيته فدخل داره لم يحنث لما بينا أنه سمى البيت نصا والدار غير البيت فالداخل في الدار لا يكون داخلا في البيت ألا ترى أن الإنسان قد يأذن لغيره في دخول داره ولا يأذن في دخول بيته .
ولو حلف على امرأته أن لا تخرج من باب هذه الدار فخرجت من غير الباب لم يحنث لأنه حلف بتسمية الباب .
( فإن قيل ) : مقصوده منعها من الخروج لكيلا يراها الأجانب وذلك لا يختلف بالباب وغير الباب .
( قلنا ) : اعتبار مقصوده يكون مع مراعاة لفظه ولا يجوز إلغاء اللفظ لاعتبار المقصود ثم قد يمنعها من الخروج إلى الباب لكيلا يراها الجار المحاذي وربما يتهمها بإنسان إذا خرجت من الباب رآها وإذا خرجت من غير الباب لم يرها وربما يكون على الباب كلب عقور فكان تقييد الباب مفيدا فيجب اعتباره وكذلك لو حلف على باب بعينه فخرجت من باب آخر لم يحنث مراعاة للفظه .
ألا ترى أن يعقوب عليه السلام قال لأولاده - عليهم السلام - ( لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ) وكان ذلك منه أمرا بما هو مفيد وإن حلف أن لا تخرج إلا بإذنه فأذن لها من حيث لا تسمع لم يكن إذنا في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى .
وقال أبو يوسف - C تعالى - هو إذن لأن الإذن فعل الآذن يتم به كالرضا ولو حلف أن لا تخرج إلا برضاه فرضى بذلك ولم تسمع فخرجت لم يحنث فهذا مثله .
وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - قالا الإذن إما أن يكون مشتقا من الوقوع في الإذن وذلك لا يحصل إلا بالسماع أو يكون مشتقا من الأذان وهو الإعلام قال الله تعالى : { وأذان من الله ورسوله } ( التوبة : 3 ) وذلك لا يحصل إلا بالسماع بخلاف الرضا فإنه بالقلب يكون .
توضيحه : أن مقصوده من هذا أن لا تتجاسر بالخروج قبل أن تستأذنه وهذا المقصود لا يحصل إذا لم تسمع بإذنه فكان وجوده كعدمه .
ولو حلف عليها لا تخرج من المنزل إلا في كذا فخرجت لذلك مرة ثم خرجت في غيره حنث لوجود الخروج لا على الوجه المستثنى فإن كان عنى لا تخرج هذه المرة إلا في كذا فخرجت فيه ثم خرجت في غيره لم يحنث لأنه خص اللفظ العام بنيته وإن خرجت لذلك ثم بدا لها فانطلقت في حاجة أخرى ولم تنطلق في ذلك الشيء لم يحنث لأن خروجها بالصفة المستثنى ثم بعد ذلك وجد منها الذهاب في حاجة أخرى لا الخروج وشرط حنثه الخروج .
وإن حلف عليها أن لا تخرج مع فلان من المنزل فخرجت مع غيره أو خرجت وحدها ثم لحقها فلان لم يحنث لأن الخروج الانفصال من الداخل إلى الخارج ولم تكن مع فلان وذلك شرط حنثه فلهذا لا يحنث وإن لحقها فلان بعد ذلك .
وكذلك لو حلف لا يدخل فلان عليها بيتا فدخل فلان أولا ثم دخلت هي فاجتمعا فيه لم يحنث لأنها دخلت على فلان وشرط حنثه دخول فلان عليها .
وإن حلف عليها أن لا تخرج من الدار فدخلت بيتا أو كنيفا في علوها شارعا إلى الطريق الأعظم لم يكن خروجها إلى هذا الموضع خروجا من الدار على ما بينا أن الواصل إلى هذا الموضع يكون داخلا في الدار فلا تصير هي خارجة من الدار بالوصول إليه والله أعلم بالصواب