وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( تابع . . . 1 ) : ( قال ) ( Bه رجل قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق ثلاثا .
( أحدهما ) أن الشيء إنما يتصف بكونه شرطا بذكر حرف الشرط فيه أو وجود معنى الشرط ولم يذكر حرف الشرط في الفصلين ولكن وجد معنى الشرط في مسألة القدوم لأن وجوده على خطر وهو مما لا يصح الأمر به والنهي عنه وهذا معنى الشرط فإن الحالف يقصد بيمينه منع الشرط فإذا توقف وقوع الطلاق على وجوده وفيه معنى الشرط انتصب شرطا فأما الموت فلا خطر في وجوده بل هو كائن لا محالة ولا يصح الأمر به والنهي عنه فلم يكن قصده بهذا الكلام منع الموت وإذا لم يكن فيه معنى الشرط كان معرفا للوقت المضاف إليه فإنما يقع الطلاق من أول ذلك الوقت كما في قوله أنت طالق قبل رمضان بشهر يقع الطلاق في أول شعبان إلا أن هناك الوقت يصير معلوما قبل دخول رمضان وهنا لا يصير معلوما ما لم يمت فإذا صار معلوما لنا تبين أن الطلاق كان واقعا من أوله .
( الثاني ) أنه أوقع الطلاق في أول شهر يتصل بآخره قدوم فلان أو موته وفي مسألة القدوم هذا الاتصال لا يقع أصلا إلا بعد القدوم لجواز أن يكون لا يقدم أصلا وبدون هذا الاتصال لا يقع الطلاق أصلا .
أما في مسألة الموت هذا الاتصال ثابت قبل الموت لأن الموت كائن فيعلم يقينا أن في الشهور التي تأتي شهرا موصوفا بهذه الصفة ولكن لا يدري أي شهر ذاك فلا يحكم بالطلاق ما لم يصر معلوما لنا فإذا صار معلوما تبين أنه كلن واقعا من أول ذلك الوقت يقرره أن في مسألة الموت الوقت المضاف إليه يصير معلوما قبل حقيقة الموت لأنه لما أشرف على الهلاك صار الوقت المضاف إليه معلوما فلهذا لا يتأخر الطلاق على الموت وفي مسألة القدوم لا يصير الوقت معلوما ما لم يوجد حقيقة القدوم لجواز أن لا يقدم فلهذا تأخر الطلاق عنه .
وإن قال أنت طالق ثلاثا قبل موتك بشهر فماتت قبل مضي الشهر لم تطلق لأنه لم يوجد الوقت المضاف إليه بعد اليمين فإن ماتت بعد تمام الشهر فعند أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - لا يقع الطلاق لأنه لو وقع وقع بعد موتها والطلاق لا يقع عليها بعد الموت .
وعند أبي حنيفة - C تعالى يقع من أول الشهر فلا ميراث له منها وإن كان جامعها في الشهر فعليه مهر آخر لها لأنه تبين أنه جامعها بعد وقوع التطليقات الثلاث عليها وكذلك لو قتلت أو غرقت فهذا موت وإن كان بسبب مخصوص وكذلك لو قال أنت طالق ثلاثا قبل موتي بشهر ثم مات لتمام الشهر عندهما لا تطلق لأنه لو وقع وقع بعد موته .
وعند أبي حنيفة - C تعالى - يتبين وقوع الطلاق من أول الشهر حتى إذا كان صحيحا في ذلك الوقت فلا ميراث لها منه وعليها العدة بثلاث حيض وإن قال أنت طالق قبل الأضحى بتسعة أيام فهي طالق حين ينسلخ ذي القعدة لعلمنا بوجود الوقت المضاف إليه الطلاق .
وإن قال أنت طالق قبل موت فلان وفلان بشهر فمات أحدهما قبل تمام الشهر لم تطلق لأن الوقت المضاف إليه بعد يمينه لم يوجد فإن مات احدهما بعد تمام الشهر طلقت عند أبي حنيفة - C تعالى - استحسانا مستندا إلى أول الشهروعندهما طلقت في الحال بخلاف لو قال لها أنت طالق قبل قدوم فلان وفلان بشهر فقدم أحدهما بعد تمام الشهر لم تطلق حتى يقدم الآخر وبهذا يتضح فرق أبي حنيفة - C تعالى - أن القدوم ينتصب شرطا والموت لا ينتصب ووجه الفرق أنه أوقع الطلاق في وقت موصوف بأنه قبل قدومهما بشهر وذلك لا يصير معلوما بقدوم أحدهما لجواز أن لا يقدم الآخر أصلا فأما في الموت يصير ذلك الوقت معلوما بموت أحدهما لأن موت الآخر كائن لا محالة .
وقد طعن بعض مشايخنا - رحمهم الله تعالى - في هذا وقالوا ينبغي أن لا يقع الطلاق لموت أحدهما فإن الوقت إنما يصير موصوفا بأنه قبل موتهما بشهر إذا ماتا معا فأما إذا مات أحدهما وبقي الآخر زمانا فأول هذا الشهر موصوف بأنه قبل موت أحدهما بشهر وقبل موت الآخر بسنة ولكنا نقول موتهما معا نادر والظاهر أن المتكلم لا بقصد ذلك وإذا مات أحدهما بعد تمام الشهر فأول هذا الشهر موصوف بأنه قبل موتهما بشهر في عرف اللسان كما يقال رمضان قبل الفطر والأضحى بشهر وإن كان قبل الأضحى بثلاثة أشهر وأكثر .
( قال ) ولو قال أنت طالق الساعة إن كان في علم الله تعالى أن فلانا يقدم إلى شهر فقدم فلان لتمام الشهر طلقت بعد القدوم وهو دليل لهما على أبي حنيفة - رحمه اله تعالى - لأن علم الله تعالى محيط بالأشياء كلها كما أن الموت كائن لا محالة ولكنا نقول معنى هذا الكلام إن قدم فلان إلى شهر لأن علم الله تعالى لا طريق للحالف إلى معرفته وإنما تنبني الأحكام على ما يكون لنا طريق إلى معرفته فكأنه قال إن قدم فلان إلى شهر فلهذا تأخر الوقوع إلى القدوم ولو قال لامرأتيه أطولكما حياة طالق الساعة لم يقع الطلاق حتى تموت إحداهما لأن المراد طول الحياة في للمستقبل لا في الماضي حتى إذا كانت إحداهما بنت عشر سنين والأخرى بنت ستين سنة لم تطلق العجوز فعرفنا أن طول الحياة في المستقبل مراد وذلك غير معلوم لجواز أن يموتا معا فإن ماتت إحداهما طلقت الأخرى في الحال عندنا .
وعند زفر - C تعالى - طلقت من حين تكلم الزوج لأنه تبين أنها كانت أطولهما حياة وأن الزوج علق الطلاق بشرط موجود ولكنا نقول معنى كلام الزوج التي تبقى منكما بعد موت الأخرى طالق وذلك غير معلوم قبل موت إحداهما بل هو على خطر الوجود لجواز أن يموتا معا فلهذا انتصب شرطا .
( قال ) ولو قال يا زينب فأجابته عمرة فقال أنت طالق ثلاثا طلقت التي أجابته لأنه أتبع الإيقاع الجواب فيصير مخاطبا للمجيبة وإن قال أردت زينب قلنا تطلق زينب بقصده ولكنه لا يصدق في صرف الكلام عن ظاهره فتطلق عمرة أيضا بالظاهر كما لو قال زينب طالق وله امرأة معروفة بهذا الاسم تطلق فإن قال لي امرأة أخرى بهذا الاسم تزوجتها سرا وإياها عنيت قلنا تطلق تلك بنيته والمعروفة بالظاهر ولو قال يا زينب أنت طالق ولم يجبه أحد طلقت زينب لأنه أتبع الإيقاع النداء فيكون خطابا للمنادى وهي زينب وإن قال لامرأته يشير إليها يا زينب أنت طالق فإذا هي عمرة طلقت عمرة إن كانت امرأته وإن لم تكن امرأته لم تطلق زينب لأن التعريف بالإشارة أبلغ من التعريف بالاسم فإن التعريف بالإشارة يقطع الشركة من كل وجه وبالاسم لا فكان هذا أقوى ولا يظهر الضعيف في مقابلة القوي فكان هو مخاطبا بالإيقاع لمن أشار إليها خاصة وإن قال يا زينب أنت طالق ولم يشر إلى شيء غير أنه رأى شخصا فظنها زينب وهي غيرها طلقت زينب في القضاء لأنه بنى الإيقاع على التعريف بالاسم هنا فإنما يقع على المسماة ولا معتبر بظنه لأن التعريف لا يحصل به في الظاهر والقاضي مأمور باتباع الظاهر فأما فيما بينه وبين الله تعالى لا تطلق هي ولا الأخرى لأنه عناها بقلبه والله تعالى مطلع على ما في ضميره فيمنع ذلك الإيقاع على زينب التي لم يعنها بقلبه وعلى التي عناها بقلبه لأنه لم يخاطبها بلسانه حين أتبع الخطاب النداء .
وإن قال أنت طالق هكذا وأشار بإصبع واحدة فهي طالق واحدة وإن أشار بإصبعين فهي طالق اثنتين وإن أشار بثلاثة أصابع فهي طالق ثلاثا لأن الإشارة بالأصابع بمنزلة التصريح بالعدد بدليل قوله - A - : ( الشهر هكذا وهكذا وهكذا وخنس إبهامه في الثالثة ) فيكون ذلك بيانا أن الشهر تسع وعشرون يوما ثم الأصل في هذه الإشارة أنها تقع بالأصابع المنشورة لا بالأصابع المعقودة والعرف دليل على هذا وكذلك الشرع فإن النبي - A - لما خنس إبهامه في الثالثة كان الاعتبار بما نشر من الأصابع دون ما عقد حتى لو قال عنيت الإشارة بالإصبعين اللتين عقدت لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لكون ما قال محتملا وكذلك إذا قال عنيت الإشارة بالكف دون الأصابع دين فيما بينه وبين الله تعالى لكونه محتملا ولا يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر فتطلق ثلاثا .
وبعض المتاخرين يقولون إن جعل ظهر الكف إليها والأصابع المنشورة إلى نفسه دين في القضاء وإن جعل الأصابع المنشورة إليها لم يدين في القضاء وإذا أشار بأصابعه فقال أنت طالق ولم يقل هكذا فهي واحدة لأن كلامه لا يتصل بإشارته إلا بقوله هكذا فإذا لم يقل كان وجود الإشارة كعدمها فتطلق واحدة لقوله أنت طالق وإن قال أنت طالق وهو يريد أن يقول ثلاثا فأمسك رجل على فيه فلم يقل شيئا بعد ذكر الطلاق فهي طالق واحدة لأن الوقوع بلفظه لا بقصده وهو ما تلفظ إلا بقوله أنت طالق وكذلك لو مات الرجل بعد قوله أنت طالق قبل قوله ثلاثا فهي طالق واحدة بخلاف ما إذا ماتت المرأة بعد قوله أنت طالق قبل قوله ثلاثا فإنها لا تطلق شيئا لأن الزوج وصل لفظ الطلاق بذكر العدد فيكون العامل هو العدد .
ألا ترى أنه لو قال لها قبل الدخول أنت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا لأن ذكر العدد حصل بعد موتها فأما إذا مات الرجل فلفظ الطلاق هنا لم يتصل بذكر العدد فبقي قوله أنت طالق ولو قال أنت طالق أنت طالق فماتت المرأة قبل ذكر الثانية طلقت واحدة لما قلنا أن كلامه هنا إيقاع عامل في الوقوع فإنما يقع ما صادفها وهي حية دون ما صادفها بعد الموت .
وإن قال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن دخلت الدار فماتت قبل فراغه من الكلام لم يقع عليها شيء لأن الكلام المعطوف بعضه على بعض إذا اتصل الشرط بآخره يخرج من أن يكون إيقاعا كما إذا اتصل الإستثناء به وقد تحقق اتصال الشرط بالكلام بعد موتها .
وإن قال إحدى امرأتي طالق ثلاثا ولا نية له فذلك إليه يوقعها على أيتهما شاء فإن إيجاب الطلاق في المجهول صحيح بخلاف ما يقوله نفاة القياس وحجتنا عليهم الحديث : ( كل طلاق جائز ) ثم الأصل أن الإيجاب في المجهول يصح فيما يحتمل التعليق بالشرط لأنه كالمعلق بخطر البيان في حق العين ولأن ما هو مبني على الضيق وهو البيع يصح إيجابه في المجهول إذا كان لا يؤدي إلى المنازعة وهو ما إذا باع قفيزا من صبرة ففيما يكون مبنيا على السعة لأن يصح إيجابه في المجهول كان أولى وهذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة هنا لأن الزوج ينفرد بالبيان كما ينفرد بالإيقاع فإن قال أردت هذه حين تكلمت فالقول قوله لأنه مالك للإيقاع عليها فيصح بيانه أيضا وما في ضميره لا يوقف عليه إلا من جهته فيقبل قوله فيه وإن قال ما نويت واحدة بعينها يقال له أوقع الآن على أيتهما شئت لأن الإيقاع الأول كان على منكر وأحكام الطلاق تتقرر في المنكر فلا بد من تعيينه فلهذا يقال له أوقع على أيتهما شئت وإن ماتت إحداهما قبل أن يبين طلقت الباقية لأنه إنما كان لا يتبين قبل الموت في إحداهما لمزاحمة الأخرى معها وقد زالت بالموت فإن التي ماتت خرجت من أن تكون محلا للطلاق وتعيين الطلاق المبهم في حق العين كابتداء الإيقاع فإذا خرجت إحداهما من أن تكون محلا للطلاق تعينت الأخرى وإن قال عنيت الميتة حين تكلمت صدق في حق نفسه حتى يبطل ميراثه عنها ولا يصدق على إيطال الطلاق عن الحية لأن الطلاق تعين فيها شرعا فلا يملك صرف الطلاق عنها بقوله .
( قال ) وإن كان له أربع نسوة فاطلعت إحداهن فقال الزوج التي اطلعت طالق ثلاثا ثم لم يعلم أيتهن هي وقد علم الزوج أنها كانت إحداهن فليس له أن يقرب واحدة منهن حتى يعلم المطلقة منهن لأن الوقوع هنا على المعينة ابتداء فتثبت به الحرمة ولا طريق إلى التحري في هذا الباب لأن التحري إنما يجوز فيما يحل تناوله بالضرورة وذلك لا يوجد في الفرج وليس له البيان بالإيقاع ابتداء لأن الإيقاع على المعينة هنا وقد تم بخلاف الأولى ولأن الإبهام ليس من جهته بل باختلاط المطلقة بغيرها بخلاف الأولى فالإبهام هناك منه فكان البيان إليه ولكن ينبغي له فيما بينه وبين الله تعالى أن يطلق كل واحدة منهن واحدة ويتركهن حتى يبن ولا يتزوج شيئا منهن حتى يعلم أيتهن صاحبة الثلاث لأن الأخذ بالاحتياط في باب الفرج واجب شرعا والاحتياط في هذا .
( قال ) فإن تزوج واحدة منهن قبل أن تعلم فخاصمته في الطلاق يحلف لها لأنها تزعم أنها المطلقة ثلاثا والزوج منكر لذلك ولو كانت الخصومة منها قبل أن يطلقها كان يحلف لها فكذلك بعده فإن حلف أمسكها لأنا عرفناها في الأصل غير مطلقة ثلاثا فحين حلف بقي الأمر في الحكم على ما كان معلوما لنا قبل هذا وكذلك إن تزوج اثنتين أو ثلاثا فإن لم تعلم وتزوجن بأزواج غيره ودخل بهن أزواجهن ثم فارقوهن نكح أيتهن شاء لأنا تيقنا أن المطلقة ثلاثا منهن قد حلت له بإصابة الزوج الثاني فكان له أن ينكح من شاء منهن وإن ادعت كل واحدة منهن أنها المطلقة ولا بينة لها وجحد الزوج يحلف لكل واحدة منهن بالله تعالى ما هي المطلقة ثلاثا لأن كل واحدة تدعي عليه ما لو أقر به لزمه فإن حلف لهن جميعا بقي الأمر على ما كان لأنا تيقنا مجازفته في هذه الأيمان فإن المطلقة فيهن واليمين الكاذبة لا ترفع الحرمة .
وعن محمد أنه قال إذا حلف لثلاث منهن تعينت للطلاق الرابعة ولا يحلف لها وإن أبى أن يحلف لهن فرق بينه وبينهن بثلاث تطليقات لأن نكوله في حق كل واحدة منهن بمنزلة إقراره أنها المطلقة ثلاث .
( قال ) وإن قال لنسوة له أيتكن أكلت من هذا الطعام فهي طالق فأكلنه طلقن جميعا لأن كلمة أي تتناول كل واحدة من المخاطبين على الإنفراد قال الله تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } وقال تعالى : { أيكم يأتيني بعرشها } وحرف من للتبعيض فصار معلقا طلاق كل واحدة منهن بتناولها شيئا من الطعام وقد وجد في حقهن جميعا وكذلك لو قال أيتكن دخلت هذه الدار فدخلنها طلقن لوجود الشرط من كل واحدة منهن وكذلك لو قال أيتكن شاءت فهي طالق فشئن جميعا ولو قا أيتكن بشرتني بكذا فهي طالق فبشرنه جميعا معا طلقن لوجود الشرط من كل واحدة منهن وإن بشرته واحدة بعد أخرى طلقت الأولى وحدها لأنها هي البشيرة فإن البشارة إسم لخبر سار صدق غاب عن المخبر علمه وفي الحقيقة كل خبر غاب عن المخبر به علمه إذا كان صدقا فهو بشارة قال الله تعالى : { فبشرهم بعذاب أليم } وإنما سمي هذا الخبر بشارة لتغير بشرة الوجه عند سماعه إلا أنه إذا كان محزنا يتغير إلى الصفرة وإن كان سارا - إلى الحمرة ولكن في العرف إنما يطلق هذا الإسم على الخبر السار وإنما وجد هذا في الأولى لأنها أخبرته بما غاب عنه علمه فأما الثانية أخبرته بما كان معلوما له فكانت مخبرة لا بشيرة ألا ترى أن النبي - A - لما قال : ( من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد ) فاستبق أبو بكر وعمر - Bهما - أن يخبراه فسبق أبو بكر - Bه - فكان ابن مسعود - Bه - يقول بعد ذلك بشرني به أبو بكر - Bه - وأخبرني به عمر - Bه .
( قال ) قال رجل لامرأته أنت طالق ملء الدار أو ملء الحب فإن نوى ثلاثا فثلاث وإلا فهي واحدة بائنة لأن الشيء يملأ الوعاء العظيمة في نفسه تارة ولكثرة عدده أخرى فإن نوى الثلاث علمنا أنه أراد به كثرة العدد فكأنه قال أنت طالق أكثر العدد وإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة لأنه إنما أراد به الوصف بعظم التطليقة وذلك بأن يشتد حكمها وكذلك إن لم تكن له نية لأن في وقوع الواحدة يقينا وفي ما زاد عليه شكا وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة لأنه نوى مجرد العدد وذلك لا يسع في هذا اللفظ وإن قال واحدة تملأ الدار فهي واحدة بائنة ولاتسع نية الثلاث هنا لأنه صرح بالواحدة فيبقى معنى الوصف بالعظم فتكون بائنة .
وعن أبي يوسف - C تعالى - أنها تكون رجعية لأنه وصف الطلاق بما لا يوصف به فكان لاغيا في وصفه كما لو قال تطليقة تصيح أو تطير كان هذا الوصف لغوا ثم المذهب عند أبي يوسف - C تعالى - أنه متى صرح بلفظ العظم يكون الواقع بائنا سواء شبهها بعظيم أو صغير حتى إذا قال عظم الجبل أو عظم رأس الإبرة أو الخردلة تكون بائنة وإن لم توصف بالعظم ولكن قال مثل الجبل أو مثل رأس الإبرة تكون رجعية .
وعند أبي حنيفة ومحمد - رحمهم الله تعالى - تكون بائنا وقال زفر - C تعالى - إذا شبه التطليقة بما يكون عظيما عند الناس كالجبل تقع بائنة وإذا شبهها بما يكون حقيرا كالخردلة تكون رجعية وإذا قال أنت طالق واحدة عظيمة أو كبيرة أو شديدة أو طويلة أو عريضة فوصفها بشيء يشددها به فهي بائنة في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لما بينا أن مراده معنى الشدة عليها في حكمها وذلك في البائن لأنه لا ينفرد بالتدارك بخلاف الرجعي .
وإن قال أنت طالق إلى الصين فهي واحدة رجعية لأنه لم يصفها بعظم ولا كبر إنما مدها إلى مكان والطلاق لا يحتمل ذلك نفسه ولا حكمه ولأنه بهذا اللفظ قصر حكم الطلاق لأنها إذا وقعت تكون واقعة من الشرق إلى الغرب فلا يثبت بهذا اللفظ زيادة شدة .
ولو قال أنت طالق إلى الشتاء فهي طالق واحدة رجعية بعد الأجل كما في قوله إلى شهر وكذلك لو قال إلى الصيف ومعرفة دخول الشتاء بلبس أكثر الناس الفرو والثوب المحشو في ذلك الموضع ودخول الصيف بإلقاء أكثر الناس ذلك حتى يتعجب ممن يرى عليه بعد ذلك والربيع في آخر الشتاء قبل دخول الصيف إذا كان الناس بين لابس للمحشو وغير لابس لا يعيب بعضهم على بعض وكذلك الخريف في آخر الصيف قبل دخول الشتاء بهذه الصفة وقيل الربيع إذا نبت العشب والصيف إذا احترق العشب وجف والخريف إذا أخذ الناس في التأهب للشتاء والشتاء إذا اشتد البرد في كل موضع .
( قال ) ولو قال أنت طالق واحدة لا بل اثنتين فهي طالق ثلاثا إن كان دخل بها لأن كلمة لا بل لاستدراك الغلط بإقامة الثاني مقام الأول والرجوع عن الأول وهو لا يملك الرجوع عما أوقعه ولكنه يتمكن من إيقاع أخريين إذا كان قد دخل بها فتطلق ثلاثا لهذا وإن لم يكن دخل بها فهي واحدة لأنها بانت بالأولى لا إلى عدة فلا يقدر على الرجوع عنها ولا على إقامة الثنتين مقامها بإيقاعه لأنها ليست بمحل فلغى آخر كلامه وإن قال في المدخول بها نويت بالإثنتين تلك الواحدة وأخرى معها لم يدين في القضاء لأن الثنتين غير الواحدة من حيث الظاهر ولأن كلامه إيقاع مبتدأ فيما نص عليه ولكن فيما بينه وبين الله تعالى هو مدين لأن ما قاله محتمل .
( قال ) وإذا قال قد كنت طلقتك أمس واحدة لا بل اثنتين فهي طالق اثنتين استحسانا وفي القياس تطلق ثلاثا وهو قول زفر - C - كما في الإيقاع لأن اثنتين غير الواحدة فرجوعه عن الإقرار بالواحدة باطل وإقراره بالثنتين صحيح وفي الاستحسان يقول الإقرار إخبار وهو مما يتكرر بخلاف الإيقاع والعادة الظاهرة إن في الإخبار بهذا اللفظ يراد تدارك الغلط بإثبات الزيادة على العدد الأول مع إعادتها فإن الرجل يقول حججت حجة لا بل حجتين يفهم من هذا الإخبار حجتين وإذا قال سني ستون سنة لا بل سبعون يفهم من هذا الإخبار سبعين لا غير ومطلق الكلام محمول على المتعارف فلهذا تطلق اثنتين وإن قال فلانة طالق لا بل فلانة طلقتا لأنه ذكر الثانية ولم يذكر لها خبرا فيكون خبر الأولى خبرا لها فكأنه قال لا بل فلانة طالق وكذلك لو قال فلانة طالق ثلاثا لا بل فلانة أو قال بل فلانة تطلق كل واحدة ثلاثا وإن قال فلانة طالق ثلاثا لا بل فلانة طالق طلقت الأولى ثلاثا والثانية واحدة لأنه ذكر للثانية خبرا فوقع الاستغناء بذلك عن جعل الخبر الأول خبرا لها وإن قال فلانة طالق أو فلانة طلقت إحداهما لأنه موجب كلمة أو إذا دخلت بين اثنين إثبات أحد المذكورين بيانه في آية الكفارة فكأنه قال إحداهما طالق ومن يقول إن حرف أو للتشكيك فهو مخطئ في ذلك لأن التشكيك لا يكون مقصودا ليوضع له حرف ولكن حقيقته ما بينا أن موجبه إثبات أحد المذكورين .
وكذلك لو قال أنت طالق واحدة أو اثنتين فالخيار إليه لأنه أدخل حرف أو بين عددين فيكون المراد أحدهما والبيان إليه ولو قال لها كلما حبلت فأنت طالق وكلما ولدت فأنت طالق فحبلت بعد هذا القول وولدت لأكثر من سنتين فقد وقع الطلاق عليها حين حبلت بالكلام الأول وانقضت العدة بالولادة فلا يقع به عليها شيء .
فإن كان وطئها وهي حبلى فذلك منه رجعة ثم تطلق بالولادة تطليقة أخرى بالكلام الثاني وعليها العدة وهو أملك لرجعتها فإن حبلت وقعت الثالثة عليها بالكلام الأول لأن كلمة كلما تقتضي التكرار ثم تنقضي عجتها بالولادة لأنها معتدة وضعت جميع ما في بطنها .
( قال ) رجل قال لامرأة لا يملكها يوم أتزوجك فأنت طالق وأنت طالق وأنت طالق أو قال إن تزوجتك أو متى تزوجتك فأنت طالق وطالق وطالق ثم تزوجها تطلق واحدة في قول أبي حنيفة - C تعالى .
وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - تطلق ثلاثا حجتهما في ذلك أنه علق ثلاث تطليقات مجتمعات بشرط التزوج فيقعن عند وجود الشرط معا كما لو أخر الشرط فقال أنت طالق وطالق وطالق إذا تزوجتك وإنما قلنا ذلك لأن الواو للجمع دون الترتيب بيانه في آية الوضوء فإنه ثبتت به فرضية الطهارة في الأعضاء الأربعة من غير ترتيب والرجل يقول جاءني زيد وعمرو فيكون مخبرا بمجيئهما من غير ترتيب بينهما في المجيء ولأن قوله وطالق جملة ناقصة معطوفة على الجملة التامة فالمذكور في الجملة التامة يصير معادا في الجملة الناقصة كما في قوله تعالى : { واللائي لم يحضن } معناه فعدتهن ثلاثة أشهر فهنا يصير كأنه قال وأنت طالق إذا تزوجتك وأنت طالق إذا تزوجتك ولو صرح بهذا ثم تزوجها طلقت ثلاثا جملة فهذا مثله وبأن كان لو نجز الطلاق بهذا اللفظ يتفرق الوقوع لا يدل على أنه إذا علق يتفرق كما لو قال لامرأته ولم يدخل بها إن دخات الدار فأنت طالق واحدة لا بل اثنتين فدخلت الدار تطلق ثلاثا ولو نجز بهذا اللفظ الطلاق قبل الدخول لم يقع إلا واحدة وهذا لأن المنجز طلاق فتبين بالأولى قبل ذكر الثانية والمعلق بالشرط ليس بطلاق وإنما يصير طلاقا عند وجود الشرط فما صح تعليقه بالشرط ينزل عند وجود الشرط جملة إذا لم يكن في لفظه ما يدل على الترتيب .
وأبو حنيفة - C تعالى - يقول تعلق بالشرط ثلاث تطليقات متفرقات فيقعن عند وجود الشرط كذالك كما لو قال إن تزوجتك فأنت طالق وبعدها أخرى وبعدها أخرى فإذا وقعن متفرقات بانت بالأولى فلا تقع الثانية والثالثة كما لو نجز وإنما قلنا ذلك لأن الواو في اللغة لعطف مطلق من غير أن يقتضي جمعا ولا ترتيبا كما في قوله جاءني زيد وعمرو لا يقتضي جمعا حتى يستقيم أن يقول وعمرو بعده كما يستقيم أن يقول وعمرو معه فإذا كان للعطف فالتطليقة الأولى تعلقت بالشرط بلا واسطة والثانية بواسطة الأولى لأنها معطوفة عليها كالقنديل إذا علق بحبل بحلق يتعلق بالحلقة الأولى بلا واسطة وبالحلقة الثانية بواسطة الأولى وكعقد لؤلؤ وإنما ينزل عند وجود الشرط كما تعلق وهب أنه لم يكن طلاقا يومئذ فإنما يصير طلاقا كما تعلق .
وهذا بخلاف ما لو أعاد الشرط عند ذكر كل تطليقة لأن تعلق كل تطليقة هناك بالشرط بلا واسطة وإنما التفرق في أزمنة التعليق وذلك لا يوجب تفرقا في المعلق بالشرط وبخلاف قوله إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة لا بل اثنتين لأن لا بل لاستدراك الغلط بإقامة الثاني مقام الأول وقد صح ذلك لبقاء المحل بعد ما تعلق الأول بالشرط فتعلق الثنتان بالشرط بلا واسطة كالأولى وهنا حرف الواو للعطف وبخلاف ما لو نجز بقوله لا بل لأنها بانت بالأولى فلم يصح منه التكلم بالثنتين لعدم المحل وأما إذا أخر الشرط فنقول أول الكلام يتوقف على آخره إذا كان في آخره ما يغير موجب أوله وهنا في آخره ما يغير موجب أوله لأن أوله إيقاع وبآخره تبين أنه تعليق فإذا توقف عليه تعلق الكل بالشرط جملة وأما إذا قدم الشرط فليس في آخر الكلام ما يغير موجب أوله فلا يتوقف أوله على آخره فإذا لم يتوقف كان هذا والتنجيز سواء .
ونظيره ما لو تزوج أمتين نكاحا موقوفا فقال المولى أعتقت هذه وهذه بطل نكاح الثانية لأنه ليس في آخره ما يغير موجب أوله فلم يجعل كعتقهما معا .
ولو زوج أختين من رجل بغير أمره في عقدتين فقال الزوج أجزت نكاح هذه وهذه بطل نكاحهما كما لو قال أجزتهما لأن في آخره ما يغير موجب أوله .
وإن قال إذا تزوجتك فأنت طالق طالق طالق ثم تزوجها طلقت واحدة لأنه ما عطف الثانية والثالثة على الأولى فتتعلق الأولى بالشرط وتلغو الثانية والثالثة .
ولو قال إذا تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي ووالله لا أقربك ثم تزوجها طلقت وسقط عنه الظهار والإيلاء عند أبي حنيفة لأن تعلقهما بالشرط بواسطة الطلاق فبسبق وقوع الطلاق تبين لا إلى عدة فلا يكون مظاهرا موليا بعد ما خرجت من ملكه .
وعند أبي يوسف ومحمد - C - هو مطلق مظاهر مول لأن الكل تعلق بالتزويج عندهما جملة .
ولو قال إذا تزوجتك فوالله لا أقربك وأنت علي كظهر أمي وأنت طالق ثم تزوجها وقع هذا كله عليها أما عندهما لا إشكال وعند أبي حنيفة لأنه سبق الإيلاء وتكون بعده محلا للظهار فيصير مظاهرا ثم تكون بعدهما محلا للطلاق فيقع الطلاق أيضا وعلى هذا لو قال لامرأته ولم يدخل بها إن كامت فلانا فأنت طالق وطالق وطالق فكلمته فهي طالق واحدة في قول أبي حنيفة - C - وعندهما تقع ثلاثا نص على قولهما في رواية أبي سليمان ولو قال أنت طالق فطالق إذا كلمت فلانا فكلمت فلانا تطلق ثلاثا بالاتفاق والفرق لأبي حنيفة ما ذكرنا .
ولو قال إن دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق ذكر الطحاوي - C - أن هذا على الخلاف أيضا وحرف الفاء للعطف كحرف الواو فتطلق ثلاثا عندهما والأصح أنها تطلق واحدة عند وجود الشرط لأن الفاء للتعقيب في أصل الوضع لا لعطف مطلق فإن كل حرف موضوع لمعنى خاص وإذا كان للتعقيب ففي كلامه تنصيص على أن الثانية تعقب الأولى فتبين بالأولى لا إلى عدة بخلاف الواو .
وإن قال لها أنت طالق طالق طالق إن كلمت فلانا فإن كان دخل بها تطلق اثنتين في الحال والثالثة تعلقت بالكلام وإن لم يكن دخل بها طلقت واحدة في الحال ويلغو ما سواها لأن ما عطف التطليقات بعضها على بعض .
ولو قال إن كلمت فلانا فأنت طالق طالق طالق فإن كان دخل بها تعلقت الأولى بالكلام ووقعت الثانية والثالثة في الحال وإن لم يدخل بها تعلقت الأولى بالكلام وتقع الثانية في الحال والثالثة لغو .
ولو قال أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن كلمت فلانا فعند أبي حنيفة - C تعالى - إن كانت مدخولا بها يقع في الحال اثنتان والثالثة تتعلق بالكلام وإن لم يكن دخل بها تقع واحدة في الحال ويلغو ما سوى ذلك وإذا قدم الشرط فقال إن كلمت فلانا فأنت طالق ثم طالق ثم طالق فإن كان قد دخل بها تعلقت الأولى بالشرط ووقعت الثانية والثالثة في الحال وإن لم يكن دخل بها تعلقت الأولى بالشرط ووقعت الثانية في الحال والثالثة لغو عند أبي حنيفة - C تعالى - وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - سواء قدم الشرط أو أخر تتعلق الثلاث بالشرط إلا أن عند وجود الشرط إن كانت مدخولا بها تطلق ثلاثا وإن كانت غير مدخول بها تطلق واحدة فأبو حنيفة - C تعالى - يقول كلمة ثم للتعقيب مع التراخي فإذا أدخله بين الطلاقين كان بمنزلة سكتة بينهما وهما يقولان حرف ثم للعطف ولكن يفيد التراخي فلوجود معنى العطف يتعلق الكل بالشرط ولمعنى التراخي يقع مرتبا عند وجود الشرط .
ولو قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق فتزوجها ثلاث مرات ودخل بها في كل مرة لم يذكر هذا في الأصل قال أبو يوسف - C تعالى - في الأمالي تطلق اثنتين وعليه لها مهران ونصف وقال محمد - C تعالى - تطلق ثلاثا وعليه لها أربعة مهور ونصف ذكره في الرقيات وجه تخريج أبي يوسف - C تعالى - أنه لما تزوجها وقعت تطليقة قبل الدخول ولزمه نصف مهر فلما دخل بها لزمه مهر بالدخول ثم لما تزوجها وقعت تطليقة أخرى بكلمة كلما ولكنها تكون رجعية عنده لأنه تزوجها قبل انقضاء عدتها منه وبنفس التزوج وجب مهر آخر وذلك مهران ونصف ثم بالدخول يصير مراجعا والتزوج في المرة الثالثة لغو فهي عنده بتطليقة وعليه لها مهران ونصف وتخريج قول محمد - C تعالى - أن بالتزوج الأول وقعت تطليقة ووجب نصف مهر بالطلاق ومهر بالدخول وكذلك بالتزوج الثاني والثالث لأن عنده وإن حصل التزوج في العدة لا يخرج به الطلاق من أن يكون واقعا قبل الدخول فتطلق ثلاثا وعليه أربعة مهور ونصف ولو قال كلما تزوجتك فأنت طالق بائن والمسألة بحالها عند محمد - C تعالى - هذا والأول سواء وعند أبي يوسف تطلق ثلاثا بكل تزوج تطليقة بائنة وعليه خمسة مهور ونصف لأن بالعقد الثاني والثالث في العدة كما وقع طلاق بائن وجب مهر تام وكذلك يجب بكل دخول مهر تام فإذا جمعت ذلك كان خمسة مهور ونصفا .
وإذا قال كل امرأة أتزوجها أبدا فهي طالق فتزوج امرأة فطلقت ثم تزوجها ثانية لم تطلق لأن كلمة كل تقتضي جميع الأسماء لا تكرار الأفعال فإنما يتجدد وقوع الطلاق بتجدد الاسم ولا يوجد ذلك بعقدين على امرأة واحدة بخلاف كلمة كلما فإنها تقتضي تكرار الأفعال وإنما قلنا ذلك لأن مقتضى كلمة كل الجمع فيما يتعقبها والذي يتعقب الكل الاسم دون الفعل يقال كل رجل وكل امرأة ولا يستقيم أن يقال كل ضرب وكل دخل والذي يتعقبه كلمة كلما الفعل دون الاسم يقال كلما ضرب وكلما دخل ولا يقال كلما زيد وكلما عمرو .
( قال ) وإذا قال أول امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثا فتزوج امرأتين في عقدة ثم تزوج واحدة في عقدة لم تطلق واحدة منهن لأن الأول اسم لفرد سابق لا يشاركه في غيره ولم توجد صفة الفردية في الأوليين لأن كل واحدة منهما مزاحمة للأخرى في العقد ولم توجد صفة السبق في الثالثة لأنه تقدمها امرأتان فلم نثبت صفة الأولية لواحدة منهن .
ولو كان قال مع هذا وآخر امرأة أتزوجها فهي طالق لم تطلق الثالثة أيضا لأن الآخر اسم لفرد متأخر لا يعقبه غيره ونحن لا ندري أن الثالثة هل هي آخر أم لا لجواز أن يتزوج بعدها غيرها فإن مات قبل أن يتزوج أخرى طلقت الثالثة عند أبي حنيفة - C تعالى - من حين تزوجها حتى لا يلزمها العدة إن لم يدخل بها ولا ميراث لها .
وإن كان دخل بها فلها عليه مهر ونصف نصف مهر بالطلاق قبل الدخول ومهر بالدخول وعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى - إنما تطلق الثالثة قبيل الموت حتى يكون لها الميراث إذا كان دخل بها ولا مهر عليه بالدخول سوى مهر النكاح وعليها عدة الوفاة والطلاق جميعا عند محمد وعند أبي يوسف - رحمهم الله تعالى - ليس عليها عدة الوفاة ووجه قولهما أن الثالثة إنما استحقت صفة الآخرية حين أشرف على الموت وعجز عن التزوج بغيرها قتطلق في الحال كما لو تزوج امرأة ثم قال لها إن لم أتزوج عليك أخرى فأنت طالق فإنما تطلق قبيل موته بلا فصل وهما في المعنى سواء لأنها إنما تكون آخرا بشرط أن لا يتزوج بعدها غيرها إلا أن عند محمد لما اخذت الميراث بحكم القرار لزمها عدة الوفاة مع عدة الطلاق .
وعند أبي يوسف - C تعالى - لا تلزمها عدة الوفاة وإن ورثته بالقرار وأبو حنيفة - C تعالى - يقول لما تزوجها بعد الأوليين فقد اتصفت بصفة الآخرية ولكن هذه الصفة بعرض أن تزول عنها بأن يتزوج غيرها فلا يحكم بالطلاق لهذا فإذا لم يتزوج غيرها حتى مات تقررت صفة الآخرية فيها من حين تزوجها فتطلق من ذلك الوقت كما لو قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم لا يحكم بوقوع الطلاق لجواز أن ينقطع فيما دون الثلاث وإن استمر تبين أن الطلاق كان واقعا مع أول قطرة من الدم وهذا بخلاف ما لو قال إن لم أتزوج عليك لأنه جعل عدم التزوج شرطا مفصحا به للطلاق ولا يتحقق هذا الشرط إلا عند موته وما لم يتحقق الشرط لا ينزل الجزاء ويجوز أن يفترق الفصلان لاختلاف اللفظ مع التقارب في المعنى كما لو قال لامرأته إن لم أشأ طلاقك فأنت طالق ثم قال لا أشاء لا تطلق ما دام حيا ولو قال إن أبيت طلاقك فأنت طالق ثم قال قد أبيت طلاقك تطلق وهما في المعنى سواء ثم اختلف الجواب لاختلاف لفظ الشرط على الوجه الذي قلنا .
( قال ) ولو قال آخر امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج واحدة لم يتزوج قبلها ولا بعدها حتى مات لم تطلق لأنها أول امرأة تزوجها فلا تكون آخر امرأة فإن صفة الأولية والآخرية لا تجتمع في مخلوق واحد لما بينهما من التضاد في المعنى في المخلوقين فإن أحدهما لمعنى السبق والآخر لمعنى التأخر في الزمان ولو قال أول امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأتين في عقدة وإحداهما معتدة وقع الطلاق على التي صح نكاحها لأن شرط التزوج في المسقبل يتناول العقد الصحيح دون الفاسد ونكاح المعتدة باطل وإنما صح نكاح الأخرى فهي فرد سابق في نكاحه فكانت أولا .
وكذلك لو تزوج امرأة نكاحا فاسدا ثم تزوج امرأة بعدها بنكاح صحيح طلقت هذه لأن الأولى لما لم يصح نكاحها لم تكن داخلة في كلامه وإنما دخلت في كلامه الثانية التي صح نكاحها فهي أول امرأة تزوجها وكذلك لو قال لامرأته إن لم أتزوج عليك اليوم فأنت طالق فتزوج امرأة نكاحا فاسدا لم يبر في يمينه بهذا لأن ذكر التزوج في المستقبل ينصرف إلى العقد الصحيح سواء ذكره في موضع النفي أو في موضع الإثبات فإن المقصود بالتزوج الحل والعفة وذلك يحصل بالعقد الصحيح دون الفاسد .
( قال ) وإن قال أول امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة طلقت حين تزوجها إن مات أو لم يمت لأنها بنفس العقد استحقت اسم الأولية بصفة التفردية فإن دخل بها فلهل مهر ونصف مهر نصف مهر بالطلاق الواقع قبل الدخول ومهر بالدخول بها لأن الحد قد سقط عنه بشبهة اختلاف العلماء والوطء في غير الملك لا ينفك عن حد أو مهر فإذا سقط الحد لشبهة وجب المهر .
وإن قال إذا تزوجت امرأة فهي طالق فتزوج امرأتين في عقدة فإحداهما طالق والخيار إليه لأنا تيقنا بوجود الشرط وهو تزوج امرأة فإن في المرأتين امرأة فلهذا طلقت إحداهما بغير عينها لأن كل واحدة منهما تزاحم الأخرى في الاسم الذي أوقع الطلاق به ولا وجه للإيقاع عليهما لأنه علق بالتزوج طلاق امرأة واحدة لا طلاق امرأتين فلهذا تطلق إحداهما والخيار إليه .
وإن كان نوى امرأة وحدها لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه ذكر التزوج بامرأة مطلقا ثم قيدها بنيته وهو أن تكون وحدها وتقييد المطلق كتخصيص العام وقد بينا أن نية التخصيص في العام صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى غير صحيحة في القضاء فكذلك التقييد .
وإن كان قال إن تزوجت امرأة وحدها ثم تزوج امرأتين في عقدة لم تطلق واحدة منهما لأن التقييد هنا بنص كلامه وواحدة منهما لم تتصف بتلك الصفة التي نص عليها في الشرط لانضمام الأخرى إليها في العقد وإن تزوج أخرى بعدهما طلقت لأنها موصوفة بالصفة التي نص عليها في الشرط فإنها امرأة تزوجها وحدها وهو كما لو قال إذا تزوجت امرأة سوداء فهي طالق فتزوج بيضاوين ثم تزوج سوداء تطلق اللثالثة بخلاف قوله أول امرأة اتزوجها لأن هناك نص في الشرط على وصفين الفردية والسبق وقد انعدم في الثالثة صفة السبق وهنا الشرط صفة واحدة وهي الفردية وقد وجد ذلك في الثالثة فلهذا تطلق .
وإن قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق فأمر رجلا فزوجها غياه فهي طالق لأنه تزوجها بعبارة الوكيل فكأنه تزوجها بعبارة نفسه وهذا لأن الوكيل في النكاح معبر حتى لا يتعلق به شيء في العهدة ولا يستغنى عن إضافة العقد إلى الموكل وبه فارق البيع والشراء إذا حلف لا يفعله فأمر غيره حتى باشره لم يحنث في يمينه لأن العاقد لغيره في البيع والشراء كالعاقد لنفسه حتى تتعلق به العهدة ويستغنى عن إضافة العقد إلى الموكل ولا يصير الموكل عاقدا بمباشرة الوكيل وإن عني في النكاح ما ولي عقده بنفسه لا يدين في القضاء وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه في معنى نية التخصيص في العام فإن مطلق اللفظ يتناول مباشرته بنفسه ومباشرة الغير له بأمره وكذلك إن حلف أن لا يطلقها فأمر غيره فطلقها حنث لأن الزوج هو المطلق بعبارة الوكيل فإن الوكيل بالطلاق معبر .
ألا ترى أنه لو قال لها أنت طالق إن شئت فشاءت أو قال اختاري فاختارت نفسها كان الزوج هو المطلق لها فكذلك هنا .
وإن قال نويت أن أطلقها بلساني لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى التخصيص في اللفظ العام وإذا قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق أو قال أنت طالق وطالق وطالق بانت بالأولى عندنا وعند مالك - C - تطلق ثلاثا لأن الواو للجمع فجمعه بين التطليقات بحرف الجمع كجمعه بلفظ الجمع بأن يقول لها أنت طالق ثلاثا ولكنا نقول الواو للعطف فلا يقتضي جمعا وليس في آخر كلامه ما يغير موجب أوله لأن موجب أول الكلام وقوع الطلاق وهو واقع أوقع الثانية والثالثة أو لم يوقع فتبين بالأولى كما تكلم بها ثم قد تكلم بالثانية وهي ليست في عدته وهذا بخلاف ما لو ذكر شرطا أو استثناء في آخر كلامه لأن في آخر كلامه ما يغير موجب أوله فتوقف أوله على آخره .
( قال ) وإن قال لها انت طالق واحدة بعدها أخرى أو قبل أخرى فهي طالق واحدة وهذا الجنس من المسائل ينبني على أصلين .
( أحدهما ) أنه متى ذكر النعت بين اسمين فإن ألحق به حرف الكناية وهو حرف الهاء كان نعتا للمذكور آخرا وإن لم يلحق كان نعتا للمذكور أولا تقول جاءني زيد قبل عمرو فيكون قبل نعتا لمجيء زيد وإذا قلت قبله عمرو كان نعتا لمجيء عمرو .
( والثاني ) أن من أقر بطلاق سابق يكون ذلك إيقاعا منه في الحال لأن من ضرورة الاستناد الوقوع في الحال وهو مالك للإيقاع غير مالك لللإسناد إذا عرفنا هذا فنقول : .
إذا قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق واحدة قبل أخرى تطلق واحدة لأن قبل نعت للأولى ومعناه قبل أخرى تقع عليك فتبين بالأولى ولو قال قبلها أخرى تطلق اثنتين لأن قبل نعت للمذكور آخرا فكأنه قال قبلها أخرى وقعت عليك وهذا منه إسناد للثانية إلى وقت ماض فيكون موقعا لها في الحال مع الأولى .
ولو قال بعد أخرى تطلق اثنتين لأن بعد نعت للأولى فيكون معناه بعد أخرى وقعت عليك ولو قال بعدها أخرى تطلق واحدة لأن بعدها هنا نعت للثانية ومعناه بعدها أخرى تقع عليك فتبين بالأولى .
( قال ) ولو قال مع أخرى أو معها أخرى تطلق اثنتين لأن كلمة مع للقران فقد قرن إحدى التطليقتين بالأخرى وأوقعهما جميعا وكذلك إن قال اثنتين مع واحدة أو معها واحدة أو قبلها واحدة فهي طالق ثلاثا لما قلنا .
( قال ) ولو قال أنت طالق واحدة ونصفا قبل الدخول كانت طالقا اثنتين عندنا وعند زفر - C تعالى - واحدة لأن نصف التطليقة كمالها فكأنه قال أنت طالق واحدة وواحدة ولكنا نقول هذا كله ككلام واحد معنى لأنه لا يمكنه أن يعبر عن واحدة ونصف بعبارة أوجز من هذه فإن لواحدة ونصف عبارتين إما هذه وإما اثنتان إلا نصف وذلك لا يصير معلوما إلا بالاستثناء وهذا معلوم في نفسه فهو أولى العبارتين وإذا كان كلاما واحدا معنى لا يفصل بعضهم عن بعض بخلاف قوله واحدة وواحدة فكأنهما عبارتان لأن للاثنتين عبارة اوجز من هذه وهو أن يقول إثنتين وكذلك لو قال أنت طالق إحدى وعشرين عندنا تطلق ثلاثا لأنه ليس لهذا العدد عبارة أوجز من هذه فكان الكلام واحدا معنى .
وعند زفر - C تعالى - تطلق واحدة لأنهما كلامان أحدهما معطوف على الآخر فتبين بالأولى وإن قال إحدى عشرة تطلق ثلاثا بالإتفاق لأنه ليس بينهما حرف العطف فكان الكل واحدا ولو قال إحدى وعشرة عندنا تطلق ثلاثا وعند زفر - C تعالى - واحدة لأنه لما ذكر حرف العطف كان كلامين وكذلك لو قال واحدة ومائة عندنا تطلق ثلاثا .
وقال زفر - C تعالى - واحدة وعن أبي يوسف - C تعالى - أن هنا تطلق واحدة لأن العبارة المعروفة لهذا العدد مائة وواحدة فإذا غير ذلك تفرق كلامه فتبين بالأولى .
( قال ) ولو قال أنت طالق البتة أو قال البائن ينوي ثلاثا فهي ثلاث لأن البتة عبارة عن القطع وقد بينا أن القطع نوعان فهو بنية الثلاث ينوي أحد نوعي القطع فيعمل بنيته وكذلك لو قال أنت طالق حراما ينوي ثلاثا فهو كما نوى لأنه نوى أحد نوعي الحرمة وكذلك لو قال طالق الحرام فهذا وقوله حرام سواء ويستوي إن كان دخل بها أو لم يدخل بها لأن الكلمة واحدة فإن ما ذكر بعد قوله طالق تفسير لهذه الكلمة فهذا وقوله أنت طالق ثلاثا سواء .
وإن قال أنت طالق الطلاق أو طلاقا فإن نوى ثلاثا فثلاث وإن نوى واحدة فواحدة رجعية وإن عني بطالق تطليقة وبالطلاق أخرى فهي ثنتان رجعيتان إن كان قد دخل بها لأن هذه الألفاظ مشتقة من لفظ صريح الطلاق وإن لم يدخل بها فواحدة بائنة فإنه لما نوى بكل كلمة تطليقة كان هذا بمنزلة قوله أنت طالق أنت طالق فتبين بالأولى فإن قال أنت طالق الطلاق كله فهي طالق ثلاثا كانت له نية أو لم تكن لأنه صرح بإيقاع كل الطلاق وهو ثلاث ومع التصريح لا حاجة إلى النية .
وإن قال أنت طالق أخبث الطلاق أو أعظم الطلاق أو أكبر الطلاق فهذا كله باب واحد فإن نوى ثلاثا فثلاث وإن نوى واحدة أو لم يكن له نية فهي واحدة بائنة لما بينا أن معنى العظم والكبر والشدة يظهر في الحكم فهذا وقوله طالق بائن سواء .
وإن قال أنت طالق أكبر الطلاق فهي ثلاث لا يدين فيها إذا قال نويت واحدة لأن الكثرة والقلة في العدد فقد صرح بإيقاع أكثر ما يملك عليها من الطلاق ومع التصريح لا حاجة إلى النية فلو قال أسوء الطلاق أو شره أو أفحشه فهو وقوله أخبث الطلاق سواء على ما بينا .
وإن قال أكمل الطلاق أو أتم الطلاق فهي واحدة رجعية لأنه ليس في لفظه ما ينبئ عن العظم والشدة .
ولو قال أنت طالق طول كذا أو عرض كذا فهي واحدة بائنة لأن الطول والعرض فيه إشارة إلى معنى الشدة فإن الأمر إذا اشتد على إنسان يقول كان لهذا الأمر طول وعرض فتكون واحدة بائنة ولا تكون ثلاثا وإن نواها لأن الطول والعرض للشيء الواحد فكأنه قال أنت طالق واحدة طولها وعرضها كذا وهذا لا تسع فيه نية الطلاق ولو قال أنت طالق خير الطلاق أو أعدل الطلاق أو أحسن الطلاق فهذا بمنزلة قوله أنت طالق للسنة لأن الأعدل والأحسن ما يوافق السنة وإنما يوصف بالخيرية ما يوافق السنة حتى يقع بهذا تطليقة رجعية في وقت السنة وإن نوى ثلاثا فثلاث بمنزلة قوله أنت طالق للسنة .
( قال ) ولو قال لها أنت طالق إن ركبت وهي راكبة فمكثت كذلك ساعة طلقت لأن الركوب مستدام حتى تضرب له المدة يقال ركبت يوما والاستدامة على ما يستدام إن شاء قال الله تعالى : { وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى } أي لا تمكث قاعدا وكذلك لو قال أنت طالق إن قعدت وهي قاعدة أو إن قمت وهي قائمة أو إن مشيت وهي ماشية أو إن اتكأت وهي متكئة فمكثت كذلك ساعة يحنث بخلاف ما لو قال أنت طالق إن دخلت الدار وهي في الدار فمكثت كذلك لم تطلق حتى تخرج وتدخل لأن الدخول ليس بمستدام فإنه انفصال من الخارج إلى الداخل ألا ترى أنه لا تضرب له المدة فلا يقال دخل يوما وإنما يقال دخل وسكن يوما والخروج نظير الدخول لأنه انفصال من الداخل إلى الخارج فلا يكون لاستدامته حكم إنشائه .
ولو قال أنت طالق ما بين تطليقة إلى ثلاث أو من تطليقة إلى ثلاث ففي القياس تطلق واحدة وهو قول زفر - C تعالى - لأنه جعل الأولى والثالثة غاية والغاية حد فلا تدخل في المحدود كقوله بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط فيكون الواقع ما بين الغايتين وهي الواحدة وفي الاستحسان وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - تطلق ثلاثا لأن الحد إنما يكون في ذوي المساحات فأما في عرف اللسان إنما يراد بمثل هذا الكلام دخول الكل فإن الرجل يقول خذ من مالي من درهم إلى عشرة فيكون له أخذ العشرة ويقول كل من الملح إلى الحلو فيكون المراد تعميم الإذن ومطلق الكلام محمول على عرف أهل اللسان وأبو حنيفة - C تعالى - يقول القياس ما قاله زفر ( إن الحد غير المحدود ولكن في إدخال الأولى ضرورة لأنه أوقع الثانية ولا ثانية قبل الأولى ولا بد للكلام من ابتداء فإذا لم يوقع الأولى تصير الثانية ابتداءا فلا يمكن إيقاعها أيضا ) فلأجل الضرورة أدخلت الغاية الأولى ولا ضرورة في الغاية الثانية فأخذت فيها بالقياس وقلت تطلق اثنتين وهذا لأن الغاية التي ينتهي الكلام إليها قد لا تدخل كالليل في قوله تعالى : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } وقد تدخل في المرافق والكعبين في الوضوء والطلاق بالشك لا يقع فإن قال أردت واحدة لا يدين في القضاء وهو يدين فيما بينه وبين الله تعالى لاحتمال الكلام ما نوى .
وإن قال أنت طالق ما بين واحدة إلى أخرى ففي قياس قول زفر لا يقع شيء وفي قول أبي حنيفة تطلق واحدة وعندهما تطلق اثنتين وإن قال من واحدة إلى واحدة قيل هو على الخلاف وقيل تقع واحدة عندهم جميعا لأن الشيء لا يكون غاية نفسه فكان قوله إلى واحدة لغوا وإن قال أنت طالق واحدة أو لا شيء فهي طالق تطليقة رجعية في قول أبي يوسف - C تعالى - الأول وهو قول محمد - C تعالى - ثم رجع أبو يوسف - رحمه اله تعالى - وقال لا يقع شيء .
وكذلك لو قال أنت طالق ثلاثا أو لا شيء فهو على هذا الخلاف وجه قوله الأول أن حرف أو لإثبات أحد المذكورين فيما يتخللهما وإنما يتخلل هنا قوله واحدة أو لا شيء وقوله ثلاثا أو لا شيء فيسقط اعتبار هذا اللفظ ويبقى قوله أنت طالق فيقع به تطليقة رجعية وجه قوله الآخر أن حرف أو للتخيير لأن موجبه إثبات أحد المذكورين فقد خير نفسه بين أن يقع عليها واحدة أو لا يقع عليها شيء وأحدهما موجود فلا يثبت بهذا الكلام شيء كما لو جمع بين امرأته وأجنبية وقال هذه طالق أو هذه لم يقع شيء وهذا لأن الكلام إذا اقترن به ذكر العدد كان العامل هو العدد لا قوله أنت طالق وقد خرج ذكر العدد من أن يكون عزيمة بحرف أو فلا يقع عليها شيء .
وإن قال أنت طالق أو غير طالق أو قال أنت طالق أولا أو قال أنت طالق أو لا شيء لم يقع عليها شيء لأنه إنما أدخل حرف الواو بين طلاق وغير طلاق فتخرج به كلمة الإيقاع من أن تكون عزيمة فلا يقع شيء كما لو قال لعبده أنت حر أو عبد .
وإن قال أنت طالق واحدة في اثنتين فهو ثلاث لأن حرف في قد يكون بمعنى الواو لأن حروف الصلات يقوم بعضها مقام بعض وإن نوى واحدة مع اثنتين يقع ثلاث أيضا سواء دخل بها أو لم يدخل بها لأن حرف في يذكر بمعنى مع قال الله تعالى : { فادخلي في عبادي } أي مع عبادي ويقال دخل الأمير البلدة في جنده أي مع جنده وإن نوى حساب الضرب فهي واحدة عندنا وعند زفر - C تعالى - اثنتان لأن هذا شيء معروف عند أهل الحساب أن واحدا إذا ضرب في اثنين يكون اثنين فيحمل كلامه عليهما إذا نوى ولكنا نقول الضرب إنما يكون في الممسوحات لا في الطلاق وتأثير الضرب في تكثير الأجزاء لا في زيادة المال والتطليقة الواحدة وإن كثرت أجزاؤها لا تصير أكثر من واحدة كما لو قال أنت طالق نصف تطليقة وسدسها وثلثها لم يقع إلا واحدة فهذا مثله .
وعلى هذا لو قال اثنتين في اثنتين ونوى الضرب عندنا تطلق اثنتين وعند زفر - C تعالى - ثلاثا لأن اثنين في اثنين يكون أربعا ولكن الطلاق لا يكون أكثر من ثلاث وعلى هذا مسائل الإقرار .
إذا قال لفلان علي عشرة دراهم في عشرة دراهم ونوى حساب الضرب فعليه عشرة عندنا ومائة عند زفر - C تعالى - وإن نوى عشرة وعشرة فعليه عشرون وكذلك لو قال درهم في دينار أو كر حنطة في كر شعير لم يكن عليه إلا المذكور أولا عندنا إلا أن يقول نويت الواو أو حرف مع فيلزمه جميع ذلك حينئذ ويحلفه القاضي بالله ما أردت الإقرار بذلك كله يعني إذا كان الخصم مدعيا بجميع ذلك .
( قال ) وإن كان له ثلاث نسوة فقال فلانة طالق ثلاثا وفلانة أو فلانة فالأولى طالق والخيار إليه في الأخريين يوقع على أيتهما شاء لأن حرف التخيير إنما ذكر بين الأخريين فكان كلامه عزيمة في الأولى فيقع الطلاق عليها ويخير في الأخريين بمنزلة قوله هذه طالق وإحدى هاتين وكذلك الجواب في العتق وقد بينا الفرق بين هذين الفصلين وبين قوله والله لا أكلم فلانا وفلانا أو فلانا فيما أمليناه من شرح الجامع واستوضح في الكتاب هذه المسألة بما إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا وقد استقرضت ألف درهم من فلان أو فلان كان الطلاق واقعا عليها وهو مخير في الألف يقر بها لأحدهما ويحلف للآخر ما استقرض منه شيئا وهذا غير مشكل لأن حرف التخيير إنما ذكر في الإقرار لا في الإيقاع فيبقى موقعا للطلاق على امرأته عزما .
ولو قال فلانة طالق ثلاث أو فلانة وفلانة طلقت الثالثة والخيار إليه في الأوليين لأنه إنما أدخل حرف التخيير بين الأوليين وابن سماعة - C تعالى - يروي عن محمد - C تعالى - أنه يخير بين الإيقاع على الأولى والأخريين بمنزلة قوله هذه طالق أو هاتان وجعل على تلك الرواية هذه المسألة كمسألة اليمين والفرق بينهما على ظاهر الرواية وقد استقصينا شرحه في الجامع .
وإن قال فلانة طالق ثلاثا وفلانة معها يقع على كل واحدة منها ثلاث تطليقات لأنه عطف الثانية على الأولى ولم يذكر لها خبرا فيكون الخبر الأول خبرا للثاني كما هو موجب العطف ولأنه ضم الثانية إلى الأولى بقوله معها وإنما يتحقق هذا الضم إذا وقع عليها مثلما وقع على الأولى .
فإن قال عنيت أن فلانة معها شاهدة لم يصدق في القضاء وهو مصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه أضمر للثانية خبرا آخر وهو محتمل ولكنه خلاف الظاهر فيدين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء وإن قال فلانة طالق ثلاثا ثم قال أشركت فلانة معها في الطلاق وقع على الأخرى ثلاث لأن لفظ الإشراك يقتضي التسوية قال الله تعالى في ميراث أولاد الأم : { فهم شركاء في الثلث } فيستوي فيه الذكور والإناث ولأنه قد أشركها في كل واحدة مما وقعت على الأولى وهذا بخلاف ما لو قال لامرأتين له بينكما ثلاث تطليقات حيث تطلق كل واحدة اثنتين لأن هناك لم يسبق وقوع شيء على واحدة منهما فتنقسم الثلاث بينهما نصفين قسمة واحدة وهنا قد وقع الثلاث على الأولى فلا يمكنه أن يرفع شيئا مما أوقع عليها بإشراك الثانية وإنما يمكنه أن يسوي الثانية بها بإيقاع الثلاث عليها حتى لو قال لامرأتين أشركتكما في ثلاث تطليقات لم يقع على كل واحدة إلا اثنتان ولأن لما أوقع الثلاث على الأولى فكلامه في حق الثانية إشراك في حق كل واحدة من الثلاث فكأنه قال بينكما ثلاث تطليقات وهو ينوي أن كل تطليقة بينهما فلهذا تطلق كل واحدة منهما ثلاثا .
وإن قال لامرأتين له أنتما طالقان ثلاثا ينوي أن الثلاث بينهما فهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى لكون المنوي من محتملات لفظه ولكنه خلاف الظاهر فلا يدين في القضاء وتطلق كل واحدة ثلاثا وكذلك لو قال لأربع نسوة له أنتن طوالق ثلاثا ينوي أن الثلاث بينهن كان مدينا فيما بينه وبين الله تعالى وتطلق كل واحدة واحدة ألا ترى أنه قد يقال أكلن أربعة أرغفة على معنى أن كل واحدة أكلت رغيفا ولكنه خلاف الظاهر في الوصف فلا يدين في القضاء وتطلق كل واحدة منهن ثلاثا .
وإن قال لامرأته أنت طالق نصف تطليقة فهي تطليقة كاملة عندنا وعند نفاة القياس لا يقع عليها شيء لأن نصف التطليقة غير مشروع وإيقاع ما ليس بمشروع من الزوج باطل ولكنا نقول ما لا يحتمل الوصف بالتجزي فذكر بعضه كذكر كله فكان هو موقعا تطليقة كاملة بهذا اللفظ وإيقاع التطليقة مشروع وكذلك كل جزء سماه من نصف أو ثلث أو ربع فهو كذلك .
وإن قال أنت طالق نصفي تطليقة فهي طالق واحدة لأنه إنما أوقع أجزاء تطليقة واحدة .
( قال ) وإن قال أنت طالق نصف تطليقة من التطليقات الثلاث وثلث تطليقة وربع تطليقة وقد دخل بها فهي طالق ثلاثا لأنه أوقع من كل تطليقة من التطليقات الثلاث جزءا فإنه نكر التطليقة في كل كلمة والمنكر إذا أعيد منكرا فالثاني غير الأول ولهذا قال ابن عباس - Bه - في قوله تعالى : { فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا } لن يغلب عسر يسرين .
وإن قال أنت طالق نصف تطليقة سدسها وثلثها لم تطلق إلا واحدة لأنه أضاف الأجزاء المذكورة إلى تطليقة واحدة بحرف الكناية ولم يذكر ما لو قال أنت طالق نصف تطليقة وثلثها وربعها فمن أصحابنا من يقول هنا تطلق اثنتين لأنك إذا جمعت هذه الأجزاء المذكورة تكون أكثر من واحدة والأصح أنها لا تطلق إلا واحدة لأنه أضاف الأجزاء المذكورة إلى تطليقة واحدة بحرف الكناية فلا يقع إلا واحدة .
( قال ) ولو قال أنت طالق إن لم تصنعي كذا وكذا لعمل يعلم أنها لا تصنعه أبدا نحو أن يقول إن لم تمس السماء بيدك أو أن لم تحولي هذا الحجر ذهبا فهي طالق ساعة تكلم به بخلاف ما لو قال إن لم تدخلي الدار فإن هناك لا تطلق حتى تموت لأن الشرط فوات الدخول ولا يتحقق ذلك إلا عند موتها فإن الدخول منها يتأتى مادامت حية فأما هنا الشرط عدم مس السماء منها أو تحويل الحجر ذهبا وذلك متحقق في الحال من حيث الظاهر ولأنه لا فائدة في الانتظار هنا لأنه ما لا يحصل به عجز لم يكن ثابتا قبله بخلاف مسألة الدخول على ما بينا ولو وقت وقتا فقال أنت طالق إن لم تمس السماء اليوم لم تطلق إلا بعد مضي اليوم عندنا وقال بعض العلماء تطلق في الحال لأن فوت الشرط متحقق في الحال ولأن الوقت في اليمين المؤقت كالعمر في المطلق فكما لا ينتظر هناك موتها فكذلك هنا لا ينتظر مضي المدة .
ولكنا نقول عند ذكر الوقت الشرط عدم الفعل في آخر جزء من أجزاء النهار وذلك لا يتحقق قبل مجيء ذلك الوقت ولأنه بذكر الوقت قصد الترفيه على نفسه فكان هذا بمنزلة قوله أنت طالق إذا ذهب هذا اليوم فما لم يذهب لا يقع الطلاق .
( قال ) رجل قال لامرأته يا مطلقة فهي طالق واحدة لأنه وصفها بالطلاق حين ناداها به فكان هذا وقوله أنت طالق سواء ألا ترى أنه لو قال لها يا زانية كان قاذفا لها بمنزلة قوله أنت زانية فإن قال عنيت أنها مطلقة من زوج لها قبلي فإن لم يكن لها زوج لا يلتفت إلى كلامه لأنه نوى المحال وإن كان لها زوج قبله فهو مدين في القضاء ولا يقع عليها شيء لأنه نوى حقيقة كلامه فإن النداء في الحقيقة بوصف موجود وذلك من طلاق زوج كان قبله ولأن حقيقة كلامه الوصف وهو غير الإيقاع .
( قال ) وإن قال لها طلقتك أمس وهو كاذب كانت طالقا في القضاء فأما فيما بينه وبين الله تعالى فهي امرأته لأن الإقرار إخبار محتمل للصدق والكذب إلا أن دينه وعقله يحمله على الصدق ويمنعه عن الكذب فحملنا كلامه في الظاهر على الصدق فأما فيما بينه وبين الله تعالى فالمخبر عنه إذا كان كذبا لا يصير بالإخبار عنه صدقا فلهذا لا يقع شيء .
( قال ) ولو قال لها يا بائن أو يا حرام أو ما أشبه ذلك من الكلام الذي يشبه الفرقة وهو يريد بذلك أن يسميها تسمية لا ينوي الطلاق لم تطلق لأنا قد بينا في قوله أنت بائن أنه لا يقع الطلاق إلا إذا نوى لأن اللفظ مبهم محتمل فكذلك في قوله يا بائن فإذا قال لم أنو الطلاق كان مدينا في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى وإن قال يا مطلقة يريد أن يسميها بذلك ولا يريد الطلاق وسعه فيما بينه وبين الله تعالى ولم يصدق في القضاء لأن اللفظ صحيح فوقوع الطلاق به يكون بعينه لا بنيته بخلاف ما سبق إلا أن ما نواه محتمل فيدين فيما بينه وبين الله تعالى بمنزلة قوله عنيت الطلاق عن الوثاق وكذلك لو قال لعبده يا حر يريد أن يسميه بذلك فهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى ولكن يعتق به في القضاء .
( قال ) ولو قال لامرأته هذه أختي فهو صادق في ذلك ولا يقع عليها شيء لأن هذا الكلام محتمل للأخوة في الدين قال الله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } وفي القيبلة قال الله تعالى : { وإلى عاد أخاهم هودا } وبالمحتمل لا تثبت الحرمة وعلى هذا لو قال لمملوكه هذا أخي كان صادقا ولم يعتق وإن قال هذه أمي أو ابنتي من نسب أو رضاع أو قال هي عمتي أو خالتي من نسب أو رضاع فإنه يسأل عن ذلك فإن ثبت عليه فرق بينهما وإن قال كذبت أو توهمت فهي امرأته وقد بينا هذا في كتاب النكاح وذكرنا الفرق بينما إذا قال لمملوكه ولزوجته وكذلك إذا قال يا أماه أو يا بنتاه أو يا عمتاه أو يا خالتاه أو يا أختاه أو يا جدتاه كان هذا باطلا ولا تقع به الفرقة لأن في موضع النداء المراد إحضارها لا تحقيق ذلك الوصف فيها ألا ترى أنه قد يناديها بما لا يتحقق فيها في موضع الإهانة كالكلب والحمار وفي موضع الإكرام كحور العين ونحوه فعرفنا أنه ليس مراده التحقيق وبدون قصد التحقيق لا عمل لهذا الكلام في قطع الزوجية فلهذا لا يقع شيء .
( قال ) قال رجل لامرأته قد وهبت لك طلاقك ولا نية له فهي طالق في القضاء لأن معنى كلامه هذا طلقتك بغير عوض فإن هبة الشيء من غيره جعله له مجانا ولو قال بعتك طلاقك بكذا فقالت قبلت طلقت فكذلك إذا قال وهبت لك طلاقك تطلق وإن لم تقبل لأن اشتراط قبولها لأجل البدل وإن كان ينوي بذلك أن يكون الطلاق في يدها لم يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر فإن الهية تزيل ملك الواهب عن الموهوب وبجعل الطلاق في يدها لا يزول ملكه عن الطلاق ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وقد روي عن أبي حنيفة - C تعالى - أنه يدين في القضاء لأن هبة الشيء من غيره تمليك لذلك الشيء منه في الظاهر فيكون هذا تمليكا للأمر منها فإن طلقت نفسها في ذلك المجلس طلقت وإلا فهي امرأته .
( قال ) وإذا قال لآخر أخبر امرأتي بطلاقها فهي طالق سواء أخبرها به أو لم يخبرها لأن حرف الباء للإلصاق فيكون معناه أخبرها بما أوقعت عليها من الطلاق موصولا بالإيقاع وذلك يقتضي إيقاعا سابقا لا محالة وكذلك لو قال احمل إليها طلاقها أو بشرها بطلاقها فهي طالق بلغها أو لم يبلغها لأن معناه بشرها بما أوقعت عليها أو احمل إليها ما أوقعت عليها .
وكذلك لو قال أخبرها أنها طالق أو قل لها أنها طالق لأن الخبر وإن كان يحتمل الصدق والكذب فالأصل فيه الصدق وذلك لا يكون إلا بعد إيقاعه الطلاق عليها وكذلك لو قال لعبده وهبت لك عتقك أو تصدقت عليك بعتقك أو قال لغيره أخبره أنه حر أو بشره بأنه حر كان حرا لما بينا .
( قال ) وإذا أراد أن يطلق امرأته فقالت لا تطلقني هب لي طلاقي فقال قد وهبت لك طلاقك يريد بذلك لا أطلقك فهي امرأته في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لأن كلامه جواب لسؤالها وهي إنما سألته الإعراض عن الإيقاع وقد أظهر بكلامه أنه أجابها إلى ما سألته فلا يكون ذلك إيقاعا منه .
ولو قال لمرأته قد أعرضت عن طلاقك أو صفحت عن طلاقك يريد بذلك الطلاق لم تطلق لأنه نوى ضد كلامه فإن الإعراض عن الشيء بترك الخوض فيه وهو ضد الإيقاع .
ولو قال قد تركت طلاقك أو قد خليت طلاقك أو قد خليت سبيل طلاقك وهو يريد بذلك الطلاق فهي طالق لأن هذا الكلام محتمل يجوز أن يكون مراده تركها بطريق الإعراض عن التصرف فيها ويجوز أن يكون المراد تركتها بأن أخرجتها من يدي بالإيقاع فينوي فيه فإن لم بنو الطلاق فليس بشيء وإن نوى الطلاق فهو طلاق بمنزلة الكنايات .
( قال ) ولو قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق كل يوم فإن لم يكن له نية لم تطلق إلا واحدة عندنا وعند زفر تطلق ثلاثا في ثلاثة أيام لأن قوله أنت طالق إيقاع وكلمة كل تجمع الأسماء فقد جعل نفسه موقعا للطلاق عليها في كل يوم وذلك بتجدد الوقوع حتى تطلق ثلاثا ألا ترى أنه لو قال أنت طالق في كل يوم طلقت ثلاثا في كل يوم واحدة ولكنا نقول كلامه صفة وقد وصفها بالطلاق في كل يوم وهي بالتطليقة الواحدة تتصف به في الأيام كلها وإنما جعلنا كلامه إيقاعا لضرورة تحقيق الوصف وهذه الضرورة ترتفع بالواحدة ألا ترى أنه لو قال أنت طالق أبدا لم تطلق إلا واحدة بخلاف قوله في كل يوم لأن حرف في للظرف والزمان ظرف للطلاق من حيث الوقوع فيه فما يكون اليوم ظرفا له لا يصلح الغد ظرفا له فيتجدد الإيقاع لتحقيق ما اقتضاه حرف في وفي قوله كل يوم إن قال أردت أنها طالق كل يوم تطليقة أخرى فهو كما نوى وتطلق ثلاثا في ثلاثة أيام إما لأنه أضمر حرف في أو لأنه أضمر التطليقة فكأنه قال أنت طالق كل يوم تطليقة .
( قال ) وكذلك لو قال أنت طالق اليوم وغدا وبعد غد فإن لم يكن له نية فهي واحدة لأن بوقوع الواحدة عليها تتصف بالطلاق في هذه الأيام وإن نوى ثلاثا فهو كما نوى وهي طالق كل يوم واحدة حتى تستكمل ثلاثا في اليوم الثالث إما لإضمار حرف في أو لإضمار التطليقة .
( قال ) وإن قال أنت طالق ما لا يجوز عليك من الطلاق أو ما لا يقع عليك من الطلاق فهي طالق واحدة رجعية لأن آخر كلامه له فإنه ليس فيما لا يملكه الزوج عليها طلاق موصوف بما ذكر وكذلك إن قال أنت طالق ثلاثا لا يقعن عليك أو ثلاثا لا يجزن عليك فهي طالق ثلاثا لما بينا وفي النوادر قال أنت طالق أقبح الطلاق قال عند أبي يوسف - C تعالى - تطلق تطليقة رجعية وعند محمد - C تعالى - تطلق تطليقة بائنه لأنه جعل القبح صفة للطلاق وذلك هو الطلاق المزيل للملك وأبو يوسف - C تعالى - يقول قد يكون القبح بالإيقاع في غير وقت السنة فلا تثبت صفة البينونة بالشك .
( قال ) ولو قال أنت طالق ثلاثا وأنا بالخيار ثلاثة أيام فالخيار باطل والطلاق واقع لأن اشتراط الخيار للفسخ بعد الوقوع لا للمنع عن الوقوع والطلاق لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه فيلغى شرط الخيار فيه والعتق كذلك .
( قال ) ولو قال لامرأته اذهبي فتزوجي فإن كان نوى طلاقا فهو طلاق وإن نوى ثلاثا فثلاث وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وإن لم يكن له نية فليس بشيء لأن كلامه محتمل فلا يتعين معنى الطلاق فيه إلا بالنية وهو محتمل للطلاق لأنه ألزمها الذهاب من بيته وروي عن محمد - C تعالى - أنه لو قال لها أفلحي أو استفلحي ينوي به الطلاق فهو بمنزلة قوله اذهبي لأن العرب تقول أفلح بخير أي اذهب بخيروكذلك لو قال استفلحي لأن معناه اطلبي فحلا فكان هذا وقوله تزوجي سواء والله أعلم