وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

قد بينا عدة ذات القروء والآيسة والصغيرة إذا كانت حرة أو أمة فأما عدة الوفاة فإنها لا تجب إلا عن نكاح صحيح ويستوي فيه المدخول بها وغير المدخول بها صغيرة كانت أو كبيرة حتى إذا كانت حرة مسلمة أو كتابية تحت مسلم فعدتها ما قال الله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } ( البقرة : 234 ) وقوله { ويذرون أزواجا } ( البقرة : 234 ) بيان أنها لا تجب إلا بنكاح صحيح لأن اسم الزوجية مطلقا لا يكون إلا بعد صحة النكاح ويستوي في هذا الاسم المدخول بها وغير المدخول بها وهذا لأن العدة محض حق النكاح لأن النكاح بالموت ينتهي فإنه يعقد للعمر ومضي مدة العمر ينهيه فتجب العدة حقا من حقوقه وبين السلف - رحمهم الله - فيه خلاف في أربعة فصول : .
( أحدها ) : أن منهم من يقول لها عدتان الأطول وهو الحول والأقصر : وهو أربعة أشهر وعشرا كما قال الله تعالى : { وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن } - أي بعد أربعة أشهر وعشرا - { فلا جناح عليكم } ( البقرة : 240 ) ففي هذا بيان أن العدة الكاملة هو الحول وأن الاكتفاء بأربعة أشهر وعشرا رخصة لها ولكنا نقول هذه الآية منسوخة وهذا حكم كان في الابتداء أن على الزوج أن يوصي لها بالنفقة والسكنى إلى الحول وقد انتسخ ذلك بقوله تعالى : { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } ( البقرة : 234 ) والدليل عليه ما روي ( أن المتوفى عنها زوجها لما جاءت إلى رسول الله - A - تستأذنه في الاكتحال قال A : كانت إحداكن في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها قعدت في شر أحلاسها حولا ثم خرجت فرمت كلبة ببعرة أفلا أربعة أشهر وعشرا ) .
( والثاني ) : أن المعتبر عشرة أيام وعشر ليال من الشهر الخامس عندنا وعن عبدالله بن عمرو بن العاص - Bهما - أنه كان يقول عشر ليال وتسعة أيام حتى يجوز لها أن تتزوج في اليوم العاشر لظاهر قوله تعالى { وعشرا } ( البقرة : 234 ) فإن جمع المؤنث يذكر وجمع المذكر يؤنث فيقال عشرة أيام وعشر ليال فلما قال هنا وعشرا عرفنا أن المراد الليالي ولكنا نقول هو كذلك إلا أن ذكر أحد العددين من الأيام والليالي بعبارة الجمع يقتضي دخول ما بإزائه من العدد الآخر وقد بينا هذا في باب الاعتكاف .
( والثالث ) : أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها عندنا وهو قول ابن عمر وابن مسعود - Bهما - وكان علي - Bه - يقول : تعتد بأبعد الأجلين إما بوضع الحمل أو بأربعة أشهر وعشرا لأن قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } ( الطلاق : 4 ) يوجب عليها العدة بوضع الحمل وقوله تعالى { يتربصن بأنفسهن } يوجب عليها الاعتداد بأربعة أشهر وعشرا فيجمع بينهما احتياطا ولو وضعت قبل أربعة أشهر وعشرا فليس لها أن تتزوج لأن أمر العدة مبني على الاحتياط ولكن قد صح عن ابن عمر وابن مسعود - Bهما - أن قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن } ( الطلاق : 4 ) قاضية على قوله تعالى { يتربصن بأنفسهن } ( البقرة : 234 ) حتى قال ابن مسعود - Bه - من شاء باهلته أن سورة النساء القصوى { وأولات الأحمال أجلهن } نزلت بعد قوله { أربعة أشهر وعشرا } ( البقرة : 234 ) التي في سورة البقرة وقال عمر - رضي الله تعالى عنه - ولو وضعت ما في بطنها وزوجها على سريرة لانقضت عدتها والدليل عليه حديث سبيعة بنت الحارث الأسلمية - رضي الله تعالى عنها - ( فإنها وضعت ما في بطنها بعد موت الزوج بتسعة أيام فسألت أبا السنابل بن بعكك هل لها أن تتزوج ؟ فقال : لا حتى يبلغ الكتاب أجله فجاءت إلى رسول الله - A - وأخبرته بما قال أبو السنابل فقال - A - : كذب أبو السنابل فقد بلغ الكتاب أجله إذا أردت النكاح فادأبي وإنما اشتبه على علي - رضي تعالى عنه - لأن بوضع الحمل يتبين براءة الرحم وفي التربص بأربعة أشهر وعشرا لا عبرة بشغل الرحم حتى تستوي فيها الصغيرة والكبيرة بخلاف عدة الطلاق ولكنا نقول أصل العدة مشروع لبراءة الرحم وتمام ذلك بوضع الحمل ففي حق الحامل لا يعتبر شيء آخر بأي سبب وجبت عليها العدة .
( والرابع ) : أن عدة الوفاة معتبرة من وقت موت الزوج عندنا .
وهو قول ابن مسعود وابن عباس - Bهما .
وكان علي - Bه - يقول : من حين تعلم بموته حتى إذا مات الزوج في السفر فأتاها الخبر بعد مضي مدة العدة عند علي - رضي الله تعالى عنه - يلزمها عدة مستأنفة لأن عليها الحداد في عدة الوفاة ولا يمكنها إقامة سنة الحداد إلا بعد العلم بموته ولأن هذه العدة تجب بطريق العبادة فلا بد من علمها بالسبب لتكون مؤدية للعبادة ولكنا نقول العدة مجرد مضي المدة وذلك يتحقق بدون علمها فهو وعدة الطلاق سواء وأكثر ما في الباب أنها لم تقم سنة الحداد ولكن ذلك لا يمنع من انقضاء العدة كما لو كانت عالمة بموت الزوج ومعنى العبادة في العدة تبع لا مقصود ألا ترى أنها تجب على الكتابية تحت المسلم وهي لا تخاطب بالعبادات .
( قال ) ( والمتوفى عنها زوجها إذا كانت أمة أو مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد فإن كانت حائلا فعدتها شهران وخمسة أيام ) لأن الرق منصف للعدة كما بينا وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها لأن مدة الحبل لا تحتمل التنصيف فإن شيئا من المقصود وهو براءة الرحم لا يحصل قبل وضع الحمل .
( قال ) ( ولا ينبغي للمطلقة ثلاثا أو واحدة بائنة أو رجعية أن تخرج من منزلها ليلا ولا نهارا حتى تنقضي عدتها ) لقوله تعالى { ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } ( الطلاق : 1 ) قال إبراهيم - Bه - الفاحشة خروجها من بيتها وبه أخذ أبو حنيفة - C تعالى - وقال ابن مسعود - Bه - الفاحشة أن تزني فتخرج لإقامة الحد وبه أخذ أبو يوسف - C تعالى - وقال ابن عباس - Bه - الفاحشة نشوزها وأن تكون بذيئة اللسان تبذو على أحماء زوجها وما قاله ابن مسعود - Bه - هو الأصح فإنه جعل الفاحشة غاية والشيء لا يجعل غاية لنفسه وما ذكره إبراهيم محتمل أيضا والمعنى أن يكون خروجها فاحشة كما يقال لا يسب النبي - A - إلا أن يكون كافرا ولا يزني إلا أن يكون فاسقا وعلى هذا لا تخرج لسفر الحج ولا لغيره لأن الامتناع من الخروج موقت بالعدة يفوت بمضيها والخروج للحج لا يفوتها فتقدم ما يفوت على ما لا يفوت وأما المتوفى عنها زوجها فلها أن تخرج بالنهار لحوائجها .
ولكنها لا تبيت في غير منزلها لما روي أن فريعة بنت مالك بن أبي سنان أخت أبي سعيد الخدري - Bه - جاءت إلى رسول الله - A - بعد وفاة زوجها تستأذنه أن تعتد في بني خدرة فقال A : ( امكثي في بيتك حتى تنقضي عدتك ) .
ولم ينكر عليها خروجها للاستفتاء وعن علقمة - رضي الله تعالى عنه - أن اللاتي توفي عنهن أزواجهن شكون إلى ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - الوحشة فرخص لهن أن يتزاورن بالنهار ولا يبتن في غير منازلهن والمعنى فيه أنه لا نفقة في هذه العدة على زوجها فهي تحتاج إلى الخروج لحوائجها في النهار وتحصيل ما تنفق على نفسها بخلاف المطلقة فإنها مكفية المؤنة ونفقتها على زوجها على أي وجه وقعت الفرقة بالطلاق فلا حاجة بها إلى الخروج وإن كانت أبرأت زوجها في الخلع فهي التي أضرت بنفسها فلا يعتبر ذلك وذكر ابن سماعة عن محمد - رحمهما الله تعالى - أن للمتوفى عنها زوجها أن تبيت في غير منزلها أقل من نصف الليل وهذا صحيح لأن المحرم عليها البيتوتة في غير منزلها والبيتوتة في جميعها أو أكثرها .
( قال ) ( وإن كانت مدبرة أو أم ولد أو أمة أو مكاتبة فلها أن تخرج في عدة الطلاق والوفاة جميعا ) لأنها ما كانت ممنوعة عن الخروج في حال النكاح والمنع في العدة على ذلك ينبني وهذا لأن خدمتها حق مولاها والمنع عن الخروج إما لحق الشرع أو لحق الزوج وحق المولى في الخدمة مقدم على ذلك كله والمكاتبة إنما تخرج للاكتساب وفي كسبها حق المولى إما أن يستوفي منه بدل الكتابة أو يخلص له إذا عجزت والمستسعاة كالمكاتبة عند أبي حنيفة - C تعالى - وكذلك الكتابية تحت مسلم أما في الطلاق الرجعي للزوج أن يمنعها من الخروج لقيام النكاح بينهما وأما في الطلاق البائن فإن منعها الزوج عن الخروج فله ذلك تحصينا لمائه ولكيلا تلحق به نسبا ليس منه وهو معنى قوله تعالى { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } ( الطلاق : 1 ) أي ولدا وأما إذا كان لا يمنعها الزوج فلها أن تخرج وكذلك في عدة الوفاة لها أن تبيت في غير منزلها لأن المنع لحق الشرع وهي لا تخاطب بذلك وإليه أشار فقال لأن ما فيها من الشرك أعظم من الخروج في العدة وإن كانت صبية فلها أن تخرج لأنها لا تخاطب بما هو أعظم من هذا من حقوق الشرع كالصلوات والحدود وليس للزوج أن يمنعها في الطلاق البائن لأنه لم يبق له عليها ملك ولا يتوهم الحبل قالوا : إلا أن تكون مراهقة يتوهم أن تحبل فحينئذ هي كالكتابية فأما في الطلاق الرجعي هي لا تخرج إلا بإذن الزوج لبقاء ملك النكاح له عليها .
( قال ) ( وإذا كانت المرأة مع زوجها في منزل مكرا فطلقها فيه فالكراء على زوجها حتى تنقضي عدتها ) لأن السكنى عليه والكراء مؤنة السكنى فتكون عليه كما في حال قيام النكاح فإن أخرجها أهل المنزل فهي في سعة من التحول لأن الحق لهم في منزلهم وهي لا تقدر على المقام مع الإخراج فيكون ذلك عذرا لها في التحول كما إذا انهدم المنزل فأما في عدة الوفاة أجر المنزل عليها لأنها لا تستوجب على زوجها السكنى كما لا تستوجب النفقة فإن مكنها أهل المنزل من المقام بكراء وهي تقدر على ذلك فعليها أن تسكن وإن كانت لا تجد ذلك فهي في سعة من التحول لأن سكناها في ذلك المنزل حق الشرع فإذا قدرت عليه بعوض لزمها كالمسافر إذا وجد الماء بثمن مثله فإن كان عنده الثمن فليس له أن يتيمم وإن لم يكن عنده الثمن فله أن يتيمم .
وكذلك إن كان زوج المطلقة غائبا فأخذها أهل المنزل بكراء فعليها . أن تعطي الأجر وتسكن إذا كانت تقدر على ذلك وإن كانت في منزل زوجها فمات الزوج إن كان نصيبها من ذلك يكفيها فعليها أن تسكن في نصيبها في العدة ولا يخلو بها من ليس بمحرم لها من ورثة الزوج وإن كان نصيبها لا يكفيها فإن رضي ورثة الزوج أن تسكن فيه سكنت وإن أبوا كانت في سعة من التحول للعذر وإن كانت في منزل مخوف على نفسها أو مالها وليس معها رجل كانت في سعة من الرحلة لأن المقام مع الخوف لا يمكن وفي المقام ضرر عليها في نفسها ومالها وذلك عذر في إسقاط حق الشرع كما لو كان بينه وبين الماء سبع أو عدو ولو كانت بالسواد فدخل عليها الخوف من سلطان أو غيره كانت في سعة من التحول إلى المصر لأنها تتمكن من إزالة الخوف هنا بالتحول إلى المصر ولو كان زوال الخوف بالتحول من منزل إلى منزل كان لها أن تتحول فكذلك إذا كان بالتحول من السواد إلى المصر .
( قال ) ( وإذا طلقها وهي في بيت أهلها أو غيرهم زائرة كان عليها أن تعود إلى منزل زوجها حتى تعتد فيه سواء كان زوجها معها أو لم يكن ) لأن الواجب عليها المقام في منزل مضاف إليها قال الله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } ( الطلاق : 1 ) والإضافة إليها بكونها ساكنة فيه فعرفنا أن المستحق عليها المقام في منزل كانت ساكنة فيه إلى وقت الفرقة وهذا لأن المنزل الذي هي فيه زائرة ليس بمضاف إليها فعليها أن تعود إلى المنزل الذي كانت ساكنة فيه لتتمكن من إقامة حق الشرع .
قال ) ( ولو سافر بها ثم طلقها فإن كان الطلاق رجعيا فهي لا تفارق زوجها ) لأن الطلاق الرجعي لا يقطع النكاح فأما إذا طلقها طلاقا رجعيا في منزلها فليس له أن يسافر بها قبل الرجعة عندنا وله ذلك عند زفر - C تعالى - قيل هذا بناء على أن السفر بها رجعة عند زفر - C تعالى - لأنه دليل استدامة الملك كالتقبيل والمس بشهوة وعندنا لا يكون السفر بها رجعة لأنه غير مختص بالملك كالخلوة وقيل هي مسألة مبتدأة فهو يقول الحل والنكاح بينهما قائم فله أن يسافر بها ولكنا نقول هي معتدة والمعتدة ممنوعة من إنشاء السفر مع زوجها كما تمنع من إنشاء السفر مع المحرم وربما تنقضي عدتها في الطريق فتبقى بغير محرم . ولا زوج وأما في الطلاق البائن فإن كان بينها وبين مقصدها دون مسيرة سفر وبينها وبين منزلها كذلك فعليها أن ترجع إلى منزلها لأنها كما رجعت تصير مقيمة وإذا مضت تكون مسافرة ما لم تصل إلى المقصد فإذا قدرت على الامتناع من استدامة السفر في العدة تعين عليها ذلك .
وإن كان بينها وبين مقصدها دون مسيرة سفر وبينها وبين منزلها مسيرة سفر مضت إلى مقصدها ولم ترجع لأنها إذا مضت لا تكون منشئة سفرا ولا سائرة في العدة مسيرة سفر وإذا رجعت تكون منشئة سفرا فلهذا مضت إلى مقصودها وإن كان كل واحد من الجانبين مسيرة سفر .
فإن كان الطلاق أو موت الزوج في موضع لا تقدر على المقام فيه كالمفازة توجهت إلى أي الجانبين شاءت سواء كان معها محرم أو لم يكن وينبغي لها أن تختار أقرب الجانبين وهي في هذه المسألة كالتي أسلمت في دار الحرب لها أن تهاجر إلى دارنا من غير محرم . لأنها خائفة على نفسها ودينها فهذه في المفازة كذلك .
فأما إذا كانت في مصر أو قرية تقدر على المقام فيه فليس لها أن تخرج عند أبي حنيفة - C تعالى - حتى تنقضي عدتها وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - إن لم يكن معها محرم فكذلك وإن كان معها محرم فلها أن تخرج إلى أي الجانبين شاءت لأنها غريبة في هذا الموضع والغريب يؤذى ويقصد بالجفاء ومن يصبر على الأذى فكانت مضطرة إلى الخروج فلها أن تخرج إلى أي الجانبين شاءت كما لو كانت في المفازة إلا أن هذا من وجه إنشاء سفر فيعتبر فيه المحرم بخلاف تلك المسألة .
ولأبي حنيفة - C تعالى - طريقان : .
( أحدهما ) : أنها إلى الآن كانت تابعة للزوج في السفر ألا ترى أن المعتبر نية الزوج في السفر والإقامة لا نيتها وقد زال ذلك فتكون هي منشئة سفرا من موضع أمن وغياث والعدة تمنعها من ذلك كما لو كانت في منزلها بخلاف المفازة فإنها ليست بموضع الإقامة فلا تكون هي في التحول منشئة سفرا وقالوا على هذا الطريق إذا كانت سافرت مع المحرم بغير زوج فأتاها خبر موت الزوج أو الطلاق لا يكون عليها عند أبي حنيفة - C تعالى - المقام فيه لأنها ماضية على سفرها لا منشئة .
( والطريق الآخر ) : أن تأثير العدة في المنع من الخروج أكثر من عدم المحرم ألا ترى أن للمرأة أن تخرج من غير المحرم ما دون مسيرة السفر وليس لها أن تخرج من منزلها في عدتها دون مدة السفر ثم فقد المحرم هنا يمنعها من الخروج بالاتفاق فلأن تمنعها العدة من الخروج وإنها ليست في موضع مخوف أولى بخلاف ما إذا كانت في المفازة فإن فقد المحرم هناك لا يمنعها من الخروج لأنها ليست في موضع القرار فكذلك في العدة حتى لو وصلت إلى مصر أو قرية لم يكن لها أن تخرج بعد ذلك عند أبي حنيفة - C تعالى .
( قال ) ( وللمعتدة أن تخرج من بيتها إلى الدار وتبيت في أي بيوت الدار شاءت ) لأن جميع الدار منزل واحد وعليها أن تبيت في منزلها وذلك موجود في أي بيت باتت وبالخروج إلى صحن الدار لا تصير خارجة من منزلها ألا ترى أنها في حال بقاء النكاح ليس للزوج أن يمنعها من ذلك إلا أن يكون في الدار منازل غيرهم فحينئذ لا تخرج إلى تلك المنازل لأن صحن الدار هنا بمنزلة السكة وبالوصول إليه تصير خارجة من منزلها وهي ممنوعة من ذلك في العدة .
( قال ) ( وإذا طلقها طلاقا بائنا وليس له إلا بيت واحد فينبغي أن يجعل بينه وبينها سترا وحجابا ) لأنه ممنوع من الخلوة بها بعد ارتفاع النكاح فيتخذ بينه وبينها سترة حتى يكون في حكم بيتين وكذلك في الوفاة إذا كان له أولاد رجال من غيرها فإذا هم وسعوا عليها وخرجوا عنها أو ستروا بينهم وبينها حجابا فلتقم حتى تنقضي عدتها وإن أبوا أن يفعلوا ذلك فلتنتقل معناه إذا أخرجوها وكان نصيبها لا يكفيها أو كانت تخاف على نفسها منهم فإذا لم يكن بهذه الصفة فلا بأس بأن تقيم معهم لأن أولاده محرم لها إلا أن يكون من ورثته من ليس بمحرم لها .
( قال ) ( بلغنا أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - نقل أم كلثوم حين قتل عمر - رضي الله تعالى عنه - ) لأنها كانت في دار الإمارة وروي أن عائشة - رضي الله تعالى عنها - نقلت أختها أم كلثوم حين قتل طلحة بن عبيدالله - رضي الله تعالى عنه .
( قال ) ( وإذا انهدم منزل المطلقة أو المتوفى عنها زوجها فهي في سعة من التحول إلى أي موضع شاءت ) لأن المقام في المنزل المهدوم غير ممكن فكان ذلك عذرا في التحول والتدبير في اختيار المنزل إليها بعد زوال الملك عنها إلا في الطلاق الرجعي فإن التدبير إلى الزوج في اختيار المنزل فله أن ينقلها حيث أحب وكذلك في الطلاق البائن إذا كان الزوج حاضرا وأراد أن ينقلها إلى منزل آخر عند العذر فالخيار في ذلك إليه لأن ملك اليد له عليها باق ما دامت في العدة والسكنى والنفقة عليه فكان له أن يحصنها حتى لا تلحق به ما يكره وإنما الاختيار إليها إذا كان الزوج ميتا أو غائبا عند تحقق العذر .
( قال ) ( ولا ينبغي للمعتدة أن تحج ولا تسافر مع محرم وغير محرم على ما مر ) وفي الكتاب قال بلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أنه رد المتوفى عنها زوجها من ذي الحليفة وعن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أنه ردهن من قصر النجف وكن قد خرجن حاجات فدل أن المعتدة تمنع من ذلك .
( قال ) ( وإذا طلقت الأمة تطليقة رجعية ثم أعتقت صارت عدتها عدة الحرة وإن كان الطلاق بائنا لم تنتقل عدتها من عدة الإماء إلى عدة الحرائر ) وعند مالك لا تنتقل عدتها إلى عدة الحرائر في الوجهين جميعا وهو أحد قولي الشافعي .
وفي القول الآخر قال : تنتقل عدتها في الوجهين .
وجه قول مالك أن ما يختلف بالرق والحرية يكون المعتبر فيه حال تقرر الوجوب كالحدود وهكذا يقول الشافعي - C تعالى - في أحد القولين بناء على أصله : أن الطلاق الرجعي يرفع الحل فالعتق بعده لا يؤثر في الحل فلا تتغير العدة كما بعد البينونة .
وحجتنا في ذلك : أن ملك النكاح يختلف بالحرية والرق لتنصف الحل بسبب الرق وقد بيناه في كتاب النكاح ثم الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح فإذا أعتقت كمل ملك النكاح عليها بكمال حالها بعد العتق والعدة في الملك الكامل تتقدر بثلاث حيض فأما بعد البينونة فقد زال الملك فلا يتكامل بالعتق الملك الزائل عن الحل توضيحه أن العدة بعد الطلاق الرجعي بعرض التغير حتى تتغير بموت الزوج من الأقراء إلى الشهور بعد موته فكذلك بعتقها تتغير إلى ثلاث حيض فأما بعد ما بانت في الصحة فلا تتغير من الأقراء إلى الأشهر بعد موته فكذلك لا تتغير بعتقها توضيحه أن زوال الملك بعد الطلاق الرجعي بانقضاء العدة فلا يزول الملك عن الحرة إلا بثلاث حيض بخلاف ما بعد البينونة وبخلاف الحدود فإنها مبنية على الدرء والإسقاط والعدة مأخوذ فيها بالاحتياط وسائر وجوه الفرقة كالطلاق في هذا وكذلك في عدة الوفاة لأن الملك هناك يزول بالموت .
ومذهبنا في الفصلين مروي عن النخعي والشعبي - رحمهما الله تعالى .
( قال ) ( وإذا مات زوج أم الولد عنها ومولاها ولا يعلم أيهما مات أولا وبين موتيهما أقل من شهرين وخمسة أيام فعليها أربعة أشهر وعشرا من آخرهما موتا احتياطا ولا معتبر بالحيض فيها ) لأنا تيقنا أنه ليس له عليها العدة بالحيض فإن المولى لو مات أولا فقد مات وهي منكوحة الغير فلا عدة عليها منه لأن وجوب العدة من المولى بزوال فراشه عنها ولا فراش للمولى عليها هنا .
فإن مات المولى آخرا فقد مات وهي معتدة من الزوج فلم تكن فراشا للمولى أيضا ولكن من وجه عليها شهران وخمسة أيام وهو ما إذا مات الزوج أولا ومن وجه عليها أربعة أشهر وعشرا وهو ما إذا مات الزوج آخرا فقلنا تعتد بأربعة أشهر وعشرا احتياطا وإن علم أن بين موتيهما شهرين وخمسة أيام أو أكثر فعدتها أربعة أشهر وعشرا تستكمل فيها ثلاث حيض لأنه إن مات الزوج أولا فقد انقضت عدتها بشهرين وخمسة أيام ثم مات المولى فعليها العدة بثلاث حيض لأنه مات بعد ما صارت فراشا وإن مات المولى أولا فقد عتقت بموته ثم عليها بموت الزوج أربعة أشهر وعشرا والعدة يؤخذ فيها بالاحتياط فلهذا جمعنا بين العدتين فأما إذا لم يعلم ما بين موتيهما ولا أيهما مات أولا فعند أبي حنيفة - C تعالى - عليها أربعة أشهر وعشرا لا حيض فيها وعندهما تستكمل فيها ثلاث حيض لأنه يحتمل أن يكون الزوج مات أولا ثم مات المولى بعد ما مات الزوج بعد شهرين وخمسة أيام وفي العدة معنى العبادة فالوجه الواحد يكفي لوجوبها للاحتياط .
وهو نظير مسائل العقد إذا تزوج أربعا في عقدة وثلاثا في عقدة واثنتين في عقدة ثم مات قبل البيان وجب على كل واحدة منهن عدة الوفاة احتياطا وأبو حنيفة - C تعالى - يقول : سبب وجوب العدة بالحيض لم يوجد وهو زوال فراش المولى عنها والاحتياط إنما يكون بعد ظهور السبب .
وبيانه أنه إذا مات المولى أولا فقد مات وهي منكوحة الزوج وإن مات آخرا فقد مات وهي معتدة من الزوج .
وأما قولهما إن مضى الشهرين وخمسة أيام بين الموتين محتمل قلنا نعم ولكن مضي هذه المدة بين الموتين ليس بعدة حتى يؤخذ فيها بالاحتياط ولا سبب لوجوب العدة فلا يقدر به عند التردد مع أن كل أمرين ظهرا ولا يعرف التاريخ بينهما يجعل كأنهما حصلا معا فيجعل كأنهما ماتا معا كالغرقى والحرقى والهدمى لا يرث بعضهم بعضا ولأن هنا أحوالا ثلاثة : .
إن مات المولى أولا فهناك نكاح يمنع وجوب العدة بالحيض .
وإن مات الزوج أولا ثم مات المولى بعده قبل شهرين وخمسة أيام فهناك عدة تمنع وجوب العدة بالحيض وإن كان بعد شهرين وخمسة أيام فحينئذ تجب العدة بالحيض والحالة الواحدة لا تعارض الحالتين وهذا بخلاف العقد لأن هناك في حق كل امرأة حالتين : إما حال صحة النكاح أو حال فساده والتعارض يقع بين الحالتين فلهذا يؤخذ بالاحتياط هناك وكذلك إذا علم أن بين الموتين شهرين وخمسة أيام فهنا حالتان : إما العدة بالأشهر من الزوج أو بالحيض من المولى فلتعارض الحالتين أخذنا بالاحتياط .
( قال ) ( وكذلك لو كان الزوج طلقها تطليقة رجعية في هذه الوجوه ) لأن الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح فهو وما تقدم سواء ولا ميراث لها من الزوج لأنه إن مات الزوج أولا فقد مات وهي أمة والأمة لا ترث من الحر شيئا وإن مات المولى أولا ترث والإرث بالشك لا يثبت وشرط ارثها منه أن تكون حرة عند موته فما لم يتيقن بذلك الشرط لا ترث منه .
( قال ) ( وإذا طلق الرجل امرأته طلاق الرجعة ثم مات عنها بطلت عدة الطلاق عنها ولزمها عدة الوفاة ) لأن النكاح قائم بينهما بعد الطلاق الرجعي فكان منتهيا بالموت وانتهاء النكاح بالموت يلزمها عدة الوفاة ولأن العدة بعد الطلاق الرجعي بالحيض ليزول الملك بها وقد زال بالموت فعليها العدة التي هي من حقوق النكاح وهي عدة الوفاة وإن كانت بائنة عنه في الصحة بوجه من الوجوه لم تنتقل عدتها إلى عدة الوفاة لأن النكاح ما انتهى بالوفاة هنا وهو السبب الموجب لعدة الوفاة لأن الله تعالى قال : { ويذرون أزواجا } ( البقرة : 234 ) وهذه ليست بزوجة له عند وفاته حتى لا ترث منه بالزوجية شيئا فلا يلزمها عدة الوفاة أيضا .
( قال ) ( وإذا أتى المرأة خبر وفاة زوجها بعد ما مضت مدة العدة فقد انقضت العدة ) لما قلنا أن المعتبر وقت موته لا وقت علمها به وإن شكت في وقت وفاته اعتدت من الوقت الذي تستيقن فيه بموته لأن العدة يؤخذ فيها بالاحتياط والاحتياط في أن يؤخذ باليقين وفي الوقت المشكوك فيه لا يقين فلهذا لا تعتد إلا من الوقت المتيقن .
( قال ) ( وطلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان تحت حر كانت أو تحت عبد وطلاق الحرة ثلاث تطليقات وعدتها ثلاث حيض تحت حر كانت أو تحت عبد وفي العدة اتفاق أن العبرة بحالها لا بحال الزوج ) لأنها هي المعتدة ألا ترى أنها تختلف بصغرها وكبرها وكونها حاملا أو حائلا فكذلك برقها وحريتها .
فأما الطلاق بالنساء أيضا عندنا وهو قول علي وابن مسعود - Bهما .
وعند الشافعي - C تعالى - عدد الطلاق معتبر بحال الرجل في الرق والحرية وهو مذهب عمر وزيد - Bهما .
وابن عمر - Bه - يعتبر بمن رق منهما حتى لا يملك عليها ثلاث تطليقات إلا إذا كانا حرين وحجتهم في ذلك قوله A ( الطلاق بالرجال والعدة بالنساء ) وفي رواية ( يطلق العبد تطليقتين وتعتد الأمة بحيضتين ) والمعنى فيه أن الزوج هو المالك للطلاق المتصرف فيه وثبوت الملك باعتبار حال المالك كملك اليمين .
ألا ترى أن ما يمنع إيقاع الطلاق وهو الصغر والجنون يعتبر وجوده في الرجل دون المرأة فكذلك ما يمنع ملك الطلاق ولأن في اعتبار عدد الطلاق اعتبار عدد النكاح لأن من يملك على امرأته ثلاث تطليقات يملك عليها ثلاث عقد ومن يملك عليها تطليقتين يملك عليها عقدتين والمعتبر حال الزوج في ملك العقد ألا ترى أن الحر يتزوج أربع نسوة والعبد لا يتزوج إلا اثنتين وأصحابنا رحمهم الله استدلوا بقوله A : طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان فقد جمع بين الطلاق والعدة وما روي أن الطلاق بالرجال قيل إنه كلام زيد - رضي الله تعالى عنه - لا يثبت مرفوعا إلى رسول الله - A - وقيل معناه إيقاع الطلاق بالرجال وما روي يطلق العبد اثنتين فليس فيه أنه لا يطلق الثالثة أو معناه إذا كانت تحته أمة وإنما قاله بناء على ظاهر الحال واعتبار الكفاءة في النكاح ولأنه A قابل الطلاق بالعدة والمقابلة تقتضي التسوية وبالاتفاق في العدة المعتبر حالها فكذلك في الطلاق ومن ملك على امرأته عددا من الطلاق يملك إيقاعه في أول أوقات السنة .
وبهذا أفحم عيسى بن إبان الشافعي - Bه - فقال أيها الفقيه إذا ملك الحر على امرأته الأمة ثلاث تطليقات كيف يطلقها في أوقات السنة ؟ فقال : يوقع عليها واحدة فإذا حاضت وطهرت أوقع عليها أخرى فلما أن أراد أن يقول فإذا حاضت وطهرت قال حسبك فإن عدتها قد انقضت فلما تحير رجع فقال ليس في الجمع بدعة ولا في التفريق سنة ولأن الطلاق تصرف مملوك في النكاح فيستوي فيه العبد والحر كالظهار والإيلاء وهذا لأن العبد يستبد بإيقاع الطلاق من غير أن يحتاج فيه إلى رضا المولى فيكون فيه مبقي على أصل الحرية كالإقرار بالقصاص وما يؤثر فيه الرق يخرج الرقيق من أن يكون أهلا لملكه كالمال ولما بقي أهلا لملك الطلاق عرفنا أن الرق لا يؤثر فيه ولا يدخل عليه النكاح لأن الرق يؤثر فيه ولكن ملك النكاح باعتبار الحل والحل يتنصف برقه فلهذا لا يتزوج إلا اثنتين وهذا لأن الحل نعمة وكرامة فيكون في حق الحر أزيد منه في حق العبد ألا ترى أن حل رسول الله - A - كان يتسع لتسع نسوة كرامة له بسبب النبوة .
فأما اعتبار عدد النكاح فلا معنى فيه لأن الإنسان يملك على امرأته من العقد ما لا يحصى حتى لو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق مرارا كان له أن يتزوجها مرة بعد أخرى ما لم تحرم عليه ولو كان معتوها فهذا دليلنا لأن جميع ما يملكه الحر على النساء اثنتي عشرة عقدة فإنه يتزوج أربع نسوة ويملك على كل واحدة ثلاث عقد فينبغي أن يملك العبد نصف ذلك وذلك ست عقد بأن يتزوج حرتين فيملك على كل واحدة منهما ثلاث عقد كما هو مذهبنا فأما الصغر والجنون لا يؤثر في ملك الطلاق وإنما يؤثر في المتصرف والمتصرف هو الزوج ثم هو مقابل بصفة البدعة والسنة في الطلاق فإن المعتبر فيه حالها في الحيض والطهر لا حال الرجل .
( قال ) ( وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض لم يعتد بتلك الحيضة من عدتها هكذا قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - وشريح وإبراهيم - رحمهما الله تعالى - ) وهذا لأن الحيضة الواحدة لا تتجزأ وما سبق الطلاق منها لم يكن محسوبا من العدة فيمنع ذلك الاحتساب بما بقي ولو احتسب بما بقي وجب إكمالها بالحيضة الرابعة لأن الاعتداد بثلاث حيض كوامل فإذا وجب جزء من الحيضة الرابعة وجب كلها .
( قال ) ( ولو اعتدت المرأة بحيضتين ثم أيست فعليها استئناف العدة بالشهور ) وقد بينا هذا وفيه اشكال فإن بناء البدل على الأصل يجوز كالمصلي إذا سبقه الحدث فلم يجد ماء يتيمم ويبني وإذا عجز عن الركوع والسجود يومئ ويبني ولكنا نقول الصلاة بالتيمم ليست ببدل عن الصلاة بالوضوء إنما البدلية في الطهارة ولا تكمل إحداهما بالأخرى قط وكذلك الصلاة بالإيماء ليست ببدل عن الصلاة بالركوع والسجود فأما العدة بالأشهر فهي بدل عن العدة بالحيض وإكمال البدل بالأصل غير ممكن .
ثم قال : إذا أيست من الحيض فاعتدت شهرا أو شهرين ثم حاضت اعتدت بالحيض وهذا يجوز في العبادة فإنها بعد ما أيست لا تحيض وإنما كان ذلك معجزة لنبي من الأنبياء عليهم السلام ولكنها حين حاضت تبين أنها لم تكن آيسة وإنما كان ممتدة طهرها فلها تعتبر ما مضى من الحيض قبل أيامها إذا حاضت .
( قال ) ( وإذا ولدت المعتدة وفي بطنها ولد آخر لم تنقض عدتها حتى تلد الآخر هكذا نقل عن علي وابن عباس والشعبي - Bهم - ) وهذا لأن الله تعالى قال { إن يضعن حملهن } ( الطلاق : 4 ) وذلك اسم لجميع ما في بطنها ولأن المقصود هو العلم بفراغ الرحم ولا يحصل ذلك ما لم تضع جميع ما في بطنها .
( قال ) ( وإذا تزوجت المرأة المعتدة من الطلاق برجل ودخل بها ففرق بينهما فعليها عدة واحدة من الأول والآخر ثلاث حيض وهو مذهبنا ) لأن العدتين إذا وجبتا يتداخلان وينقضيان بمضي مدة واحدة إذا كانتا من جنس واحد وهو قول معاذ بن جبل - Bه .
وعند الشافعي - C تعالى - لا يتداخلان ولكنها تعتد بثلاث حيض من الأول ثم بثلاث حيض من الثاني .
فإن كانت العدتان من واحد بأن وطئ معتدته بعد البينونة بالشبهة فلا شك عندنا أنهما ينقضيان بمدة واحدة وهو أحد قولي الشافعي - C تعالى - وفي القول الآخر يقول : لا تجب العدة بسبب الثاني أصلا وحجته في ذلك أنهما حقان وجبا لمستحقين فلا يتداخلان كالمهرين ولأن العدة فرض كف لزمها في المدة ولا يجتمع الكفان في مدة واحدة كصومين في يوم واحد وهذا هو الحرف الذي يدور عليه الكلام فإن المعتبر عنده معنى العبادة في العدة لأنه كف عن الأزواج والخروج فتكون عبادة كالكف عن اقتضاء الشهوات في الصوم وأداء العبادتين في وقت واحد لا يتصور ولو جاز القول بالتداخل في العدة لكان الأولى أقراء عدة واحدة فينبغي أن يكتفي بقرء واحد لأن المقصود يحصل وهو العلم بفراغ الرحم وحجتنا في ذلك أن العدة مجرد أجل والآجال تنقضي بمدة واحدة في حق الواحد والجماعة كآجال الديون وبيانه أن الله سبحانه وتعالى سمى العدة أجلا فقال D { أجلهن أن يضعن حملهن } ( الطلاق : 4 ) وسماه تربصا والتربص : هو الانتظار والانتظار يكون سبب الأجل كالانتظار في المطالبة بالدين إلى انقضاء الأجل ومن حيث المقصود في الأجل يحصل مقصود كل واحد من الغريمين بمدة واحدة وهنا مقصود كل واحد من صاحبي العدة يحصل بثلاث حيض وهو العلم بفراغ رحمها من مائة ثم معنى العبادة في العدة تبع لا مقصود وإنما ركن العدة حرمة الخروج والتزوج ألا ترى أن الله تعالى ذكر ركن العدة بعبارة النهي فقال تعالى { ولا يخرجن } وقال D { ولا تعزموا عقدة النكاح } ( البقرة : 235 ) وموجب النهي التحريم والحرمات تجتمع فإن الصيد حرام على المحرم في الحرم لحرمة الاحرام والحرم والخمر حرام على الصائم لصومه ولكونه خمرا وليمينه إذا حلف لا يشربها بخلاف ركن الصوم فإنه مذكور بعبارة الأمر قال الله تعالى { ثم أتموا الصيام إلى الليل } ( البقرة : 187 ) فعرفنا أن الركن فيه الفعل ثم عدتها تنقضي وإن لم تعلم وتنقضي وإن لم تكف نفسها عن الخروج والبروز ولا يتصور أداء العبادة بدون ركنها ولأن بوطء الثاني قد لزمها العدة .
والشروع في العدة لا يتأخر عن حال تقرر عن سبب الوجوب وهذا لأنه لو امتنع شروعها فيه إنما يمتنع بسبب العدة الأولى والعدة الأولى أثر النكاح وأصل النكاح لا يمنع شروعها في العدة إذا تقرر سبب وجوبها كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة فأثرها أولى أن لا يمنع ولأن هذه العدة لتبين فراغ الرحم وبمضي العدة الأولى يتيقن بفراغ الرحم فيستحيل أن يكون شروعها في العدة موقوفا على التيقن بفراغ الرحم ولا معنى لما ذكره من أقراء العدة الواحدة فإن الشهور في الأجل الواحد لا تتداخل والجلدات في الحد الواحد لا تتداخل ويتداخل الحدان وهذا لأن الحيضة الواحدة لتعريف براءة الرحم والثانية لحرمة النكاح والثالثة لفضيلة الحرية .
فإذا قلنا بالتداخل في أقراء عدة واحدة يفوت هذا المقصود وفي الكتاب قال ألا ترى أنها لو كانت حاملا فوضعت حملها انقضت عدتها منهما أما إذا كانت حاملا من الأول فقد وجب عليها كل واحدة من العدتين وهي حامل وعدة الحامل تنقضي بوضع الحمل وإن حبلت من الثاني فلا بد من القول بسقوط الأقراء إذا حبلت والعدة بعد ما سقطت لا تعود فإن كانت حاضت من الأول حيضة ثم دخل بها الثاني فعليها ثلاث حيض حيضتان تمام العدة من الأول وابتداء العدة من الثاني والحيضة الثالثة لإكمال عدة الثاني حتى لو تزوجها الثاني في هذه الحيضة جاز لأن عدتها منه لا تمنع نكاحها ولا يجوز أن يتزوجها غيره حتى تمضي هذه الحيضة وإن كان الأول طلقها تطليقة رجعية فله أن يراجعها في الحيضتين الأوليين لأن الرجعة استدامة النكاح وعدة الغير لا تمنعه من استدامة النكاح ولكن لا يقربها حتى تنقضي عدتها من الآخر وليس له أن يراجعها في الحيضة الثالثة لأنها بانت منه بانقضاء عدتها في حقه وليس له أن يتزوجها لأنها معتدة من غيره وكذلك إن طلقها تطليقة بائنة فليس له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها من الآخر كما ليس للآخر أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها من الأول وعلى هذا لو كانت العدتان بالشهور .
( قال ) ( ولو تزوجت في عدة الوفاة ودخل الثاني بها ثم فرق بينهما فعليها بقية عدتها من الميت ) تمام أربعة أشهر وعشرا وعليها ثلاث حيض من الآخر ثم تحتسب بما حاضت بعد التفريق في الأربعة الأشهر وعشر من عدة الآخر ولا منافاة بين الشهور والحيض فتكون شارعة في العدتين تحتسب بالمدة من العدة الأولى وبما يوجد فيها من الحيض من العدة الثانية .
( قال ) ( وإذا مات الرجل وله امرأتان وقد طلق إحداهما طلاقا بائنا ولا يعلم أيتهما هي فعلى كل واحدة منهما أربعة أشهر وعشرا فيها ثلاث حيض احتياطا ) لأن كل واحدة منهما يحتمل أن تكون مطلقة وعليها العدة بالحيض ويحتمل أن تكون منكوحة وعليها عدة الوفاة وهذا بخلاف ما إذا قال لامرأته إن لم أدخل الدار اليوم فأنت طالق ثلاثا ثم مات بعد مضي اليوم ولا يدري أدخل أم لم يدخل فعليها عدة الوفاة وليس عليها العدة بالحيض لأن سبب وجوب العدة بالحيض الطلاق ووقوع الطلاق بوجود الشرط غير معلوم ولا معنى للاحتياط قبل ظهور السبب وهنا وقوع الطلاق معلوم إنما الجهالة في محله فلهذا ألزمنا كل واحدة منهما العدة بالحيض احتياطا .
( قال ) ( وإذا طلق الرجل امرأته في مرضه ثلاثا أو واحدة بائنة ثم مات قبل انقضاء العدة ورثته بالفرار ) على ما تبين في بابه إن شاء الله تعالى وعليها من العدة أربعة أشهر وعشرا تستكمل فيها ثلاث حيض في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وقال أبو يوسف - Bه - ليس عليها عدة الوفاة لأنا حكمنا بانقطاع النكاح بينهما بالطلاق وسبب وجوب عدة الوفاة انتهاء النكاح بالموت فإذا لم يوجد لا يلزمها عدة الوفاة كما لو كان الطلاق في صحته وإنما أخذت الميراث بحكم القرار وذلك لا يلزمها عدة الوفاة ألا ترى أن المرتد إذا مات أو قتل على ردته ترثه زوجته المسلمة وليس عليها عدة الوفاة لأن زوال النكاح كان بردته لا بموته .
وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - قالا : أخذت ميراث الزوجات بالوفاة فيلزمها عدة الوفاة كما لو طلقها تطليقة رجعية وهذا لأنا إنما أعطيناها الميراث باعتبار أن النكاح بمنزلة القائم بينهما حكما إلى وقت موته أو باعتبار إقامة العدة مقام أصل النكاح حكما إذ لا بد من قيام السبب عند الموت لاستحقاق الميراث والميراث لا يثبت بالشك والعدة تجب بالشك فإذا جعل في حكم الميراث النكاح كالمنتهي بالموت حكما ففي حكم العدة أولى وسبب وجوب العدة عليها بالحيض متقرر حكما فألزمناها الجمع بينهما وأما امرأة المرتد فقد أشار الكرخي في كتابه إلى أنه لا يلزمها عدة الوفاة ولئن سلمنا فنقول هناك ما استحقت الميراث بالوفاة لأن عند الوفاة هي مسلمة والمسلمة لا ترث من الكافر ولكن يستند استحقاق الميراث إلى وقت الردة وبذلك السبب لزمها العدة بالحيض ولا يلزمها عدة الوفاة وهنا استحقاق الميراث عند الموت لا عند الطلاق فعرفنا أن النكاح قائم بينهما إلى وقت الوفاة .
( قال ) وإذا ولدت المرأة في طلاق بائن لأكثر من سنتين من يوم طلقها لم يكن الولد للزوج إذا أنكره وهذه المسألة تنبني على معرفة أقل مدة الحبل وأكثرها فأقل مدة الحبل ستة أشهر لما روي أن رجلا تزوج امرأة فولدت ولدا لستة أشهر فهم عثمان بن عفان - C تعالى عنه - أن يرجمها فقال ابن عباس - رضي اله عنه - أما إنها لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم قال الله تعالى : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } وقال D : { وفصاله في عامين } فإذا ذهب للفصال عامان لم يبق للحبل إلا ستة أشهر فدرأ عثمان - Bه - الحد وأثبت النسب من الزوج وهكذا روي عن علي - Bه - ولأنه ثبت بالنص أن الولد تنفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر كما ذكره في حديث ابن مسعود - Bه - : يجمع خلق أحدكم في بطن أمه . . . الحديث وبعد ما تنفخ فيه الروح يتم خلقه بشهرين فيتحقق الفصال لستة أشهر مستوي الخلق .
فأما أكثر مدة الحبل سنتان عندنا وقال الشافعي - C تعالى - أربع سنين لما روي أن رجلا غاب عن امرأته سنتين ثم قدم وهي حامل فهم عمر - Bه - برجمها فقال معاذ - Bه - إن يك لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها فتركها حتى ولدت ولدا قد نبتت ثنيتاه يشبه أباه فلما رآه الرجل قال ابني ورب الكعبة فقال عمر - Bه - أتعجز النساء أن يلدن مثل معاذ لولا معاذ لهلك عمر - Bه - فقد وضعت هذا الولد لأكثر من سنتين ثم أثبت نسبه من الزوج وقيل أن الضحاك ولدته أمه لأربع سنين وولدته بعد ما نبتت ثنيتاه وهو يضحك فسمي ضحاكا .
وعبد العزيز الماجشوني - Bه - ولدته أمه لأربع سنين وهذه عادة معروفة في نساء ماجشون Bهم أنهن يلدن لأربع سنين .
ولنا حديث عائشة - Bها - قالت : لا يبقى الولد في رحم أمه أكثر من سنتين ولو بفلكة مغزل . ومثل هذا لا يعرف بالرأي فإنما قالته سماعا من رسول الله - صلى اله عليه وسلم - ولأن الأحكام تنبني على العادة الظاهرة وبقاء الولد في بطن أمه أكثر من سنتين في غاية الندرة فلا يجوز بناء الحكم عليه مع أنه لا اصل لما يحكى في هذا الباب فإن الضحاك وعبد العزيز ما كانا يعرفان ذلك من أنفسهما وكذلك غيرهما كان لا يعرف ذلك لأن ما في الرحم لا يعلمه إلا الله تعالى ولا حجة في حديث عمر - Bه - لأنه إنما أثبت النسب بالفراش القائم بينهما في الحال أو بإقرار الزوج وبه نقول .
ويحتمل أن معنى قوله أنه غاب عن امرأته سنتين أي قريبا من سنتين إذا عرفنا هذا فنقول متى كان الحل قائما بين الزوجين يستند العلوق إلى أقرب الأوقات وهو ستة أشهر إلا أن يكون فيه إثبات الرجعة بالشك أو إيقاع الطلاق بالشك فحينئذ يستند العلوق إلى أبعد الأوقات فإن الطلاق والرجعة لا يحكم بهما بالشك ومتى لم يمن الحل قائما بينهما يستند العلوق إلى أبعد الأوقات للحاجة إلى إثبات النسب وهو مبني على الإحتياط .
( قال ) وإذا تزوج الرجل امرأة فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا من وقت النكاح يثبت نسبه من الزوج لأنها ولدته على فراشه لمدة حبل تام من وقت النكاح .
( قال ) وإذا طلق الرجل امرأته بعد ما دخل بها ثم جاءت بولد فإن كان الطلاق رجعيا فجاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الطلاق يثبت النسب منه ولا يصير مراجعا لها بل يحكم بانقضاء عدتها لأنا نسند العلوق إلى أبعد الأوقات وهو ما قبل الطلاق فإنا لو أسندناه إلى أقرب الأوقات صار مراجعا لها والرجعة لا تثبت بالشك وإن جاءت به لأكثر من سنتين ولم تقر بانقضاء العدة ثبت النسب منه ويصير مراجعا لها لأن حمل أمرها على الصلاح واجب ما أمكن فلو جعلنا كأن الزوج وطئها في العدة فحبلت كان فيه حمل أمرها على الصلاح ولو جعلنا كان غيره وطئها كان فيه حمل أمرها على الفساد فأما إذا كان الطلاق بائنا فإن جاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الطلاق ثبت نسبه منه باعتبار إسناد العلوق إلى ما قبل الطلاق لأن ذلك ممكن وفيه حمل أمرها على الصلاح وإن جاءت به لأكثر من سنتين لا يثبت النسب من الزوج لأنا تيقنا أن العلوق كان بعد الطلاق وسواء جعلناه من الزوج أو من غيره ففيه حمل أمرها على الفساد فيجعل من غيره لأنا إذا جعلناه من الزوج كان فيه حمل أمر الزوج على الفساد وهو أنه أقدم على الوطء الحرام وذلك لا يجوز من غير دليل وثبوت فراشه القائم بسبب العدة لا يثبت نسب الولد كفراش الصبي على امرأته ثم يلزمها أن ترد نفقة ستة أشهر في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وهو رواية بشر عن أبي يوسف - C تعالى .
والظاهر من قول أبي يوسف - C تعالى - أنه لا يلزمها رد شيء من النفقة وجه قول أبي يوسف - C تعالى - أنه لم يظهر انقضاء عدتها قبل الولادة فلا يلزمها رد شيء من النفقة كما لو ولدت لأقل من سنتين وهذا لأنها ما دامت معتدة فهي مستحقة للنفقة وما لم يظهر سبب الانقضاء فهي معتدة ولم يظهر للانقضاء هنا سبب سوى الولادة ولو جعلناها كأنها وطئت لشبهة في العدة لم تسقط نفقتها وإن جعلناها كأنها تزوجت بعد انقضاء العدة بزوج آخر كان فيه حمل أمرها على الفساد من وجه وهو أنها أخذت مالا بغير حق من زوجها مع أن فيه حكما بنكاح لم يعرف سببه .
وأبو حنيقة ومحمد - رحمهما الله تعالى - قالا حمل أمرها على الصلاح واجب ما أمكن فلو جعلنا هذا الولد من علوق في العدة كان فيه حمل أمرها على الزنا ولو جعلنا كأن عدتها قد انقضت وتزوجت بزوج آخر وعلقت منه كان فيه حمل أمرها على الصلاح فتعين هذا الجانب ثم تزويجها نفسها بمنزلة إقرارها بانقضاء عدتها أو أقوى فتبين أنها أخذت النفقة بعد انقضاء عدتها فعليها ردها وهذا اليقين في مقدار ستة أشهر أدنى مدة الحمل ولا يلزمها الرد إلا باليقين ولا معنى لما قال أن في ذلك حمل أمرها على الفساد وهو أخذ المال بغير حق لأن حرمة المال دون الزنا فإن المال بذله يباح بالإذن ولا يسقط إحصانها بالأخذ بغير حق وبالزنا يسقط إحصانها ومن ابتلى ببليتين يختار أهونهما ولئن جعلناها كأنها وطئت بالشبهة في العدة فكذلك تسقط نفقتها أيضا لأنه بمعنى النشوز منها حين جعلت رحمها مشغولا بماء غير الزوج ومقصود الزوج من العدة صيانة رحمها فإذا فوتت ذلك كان أعظم من نشوزها وهروبها من بيت العدة فإذا سقطت نفقتها تبين أنها أخذت بغير حق فلزمها الرد .
( قال ) رجل قال لإمرأته كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين في بطن واحد كانت طالقا بالولد الأول لوجود شرط الطلاق وهو ولادة الولد ثم تصير معتدة فلما وضعت الولد الثاني حكمنا بانقضاء عدتها لأنها معتدة وضعت جميع ما في بطنها والولد الذي تنقضي به العدة لا يقع به طلاق لأن أوان وقوع الطلاق ما بعد وجود الشرط وبعد وضع الولد الثاني هي ليست في نكاحه ولا في عدته ولو ولدت ثلاثة أولاد في بطن واحد وقعت عليها تطليقتان لأن كلمة كلما تقتضي تكرر نزول الجزء بتكرر الشرط وبولادة الولد الثاني تكرر الشرط ولا تنقضي به العدة لأن في بطنها ولدا آخر فيقع عليها تطليقة أخرى ثم بوضع الولد الثالث تنقضي عدتها ولا يقع شيء ولو كان كل ولد في بطن على حدة فإن كان بين كل ولدين ستة أشهر حتى يعلم أنهما ليسا بتوءمين تطلق ثلاثا وعليها ثلاث حيض لأن بولادة الولد الأول وقعت عليها تطليقة فلما ولدت الولد الثاني لستة أشهر فصاعدا عرفنا أنه من علوق حادث ويجعل ذلك من الزوج حملا لأمرها على الصلاح فصار مراجعا لها ثم وقع عليها تطليقة ثانية لوجود الشرط وهو ولادة الولد الثاني وكذلك حين وضعت الولد الثالث وقعت عليها تطليقة ثالثة لوجود الشرط بعد ما صار مراجعا لها فصارت مطلقة ثلاثا وعليها العدة بثلاث حيض .
( قال ) ولو أن رجلا مات عن امرأته فجاءت بولد لأقل من سنتين فإن كانت أقرت بانقضاء عدتها بمضي أربعة أشهر وعشرا ثم جاءت بولد بعد ذلك لستة أشهر فصاعدا لم يثبت نسبه من الزوج لأنه من علوق حادث بعد إقرارها بانقضاء العدة وحمل كلامها على الصحة واجب ما أمكن وإن كانت ادعت حبلا وولدت لأقل من سنتين يثبت النسب من الزوج لأن إسناد العلوق إلى حالة حياته ممكن وفيه حمل أمرها على الصلاح والصحة ولو لم تدع حبلا ولم تقر بانقضاء العدة حتى جاءت بالولد لأقل من سنتين عندنا يثبت النسب منه وعلى قول زفر إذا جاءت به لتمام عشرة اشهر وعشرة أيام من حين مات الزوج لم يثبت النسب منه لأنه لما لم يكن الحبل ظاهرا فقد حكمنا بانقضاء عدتها بمضي أربعة أشهر وعشرا بالنص وذلك أقوى من إقرارها بانقضاء العدة ولو أقرت بذلك ثم جاءت بولد لمدة حبل تام لم يثبت النسب منه فكذلك هنا ولكنا نقول انقضاء عدتها بمضي أربعة أشهر وعشرا معلق بشرط وهو أن لا تكون حاملا فإن آية الحبل قاضية على آية التربص على ما بينا وهذا الشرط لا يوقف عليه إلا من جهتها فما لم تقر بانقضاء العدة لا يحكم بانقضائها وإنما جاءت بالولد امدة يتوهم أن يكون العلوق قبل موت الزوج فيثبت نسبه منه كما لو ادعت حبلا ثم إنما يثبت النسب منه إذا كانت ولادتها معاينة أو أقر بها الورثة فأما إذا جحدوا ذلك لم يثبت النسب منه إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين في قول أبي حنيفة - C تعالى .
وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - يثبت النسب بشهادة امرأة واحدة وهي القابلة وحجتهما في ذلك أن الولادة مما لا يطلع عليها الرجال وشهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه الرجال حجة تامة فكانت شهادة القابلة فيه حجة تامة .
ألا ترى أنه لو كان هناك حبل ظاهر أو فراش قائم أو إقرار من الزوج بالحبل تثبت الولادة بشهادة إمرأة واحدة وكذلك هنا وهذا لأن النسب والميراث لا يثبت بهذه الشهادة وإنما تثبت ولادتها هذا الولد ثم ثبوت النسب والميراث باعتبار أن العلوق به كان في حال قيام النكاح ولأبي حنيفة - C تعالى - طريقان : .
( أحدهما ) ما أشار إليه في الكتاب فقال من قبل أنه يرث ومعنى هذا الكلام أن ثبوت الميراث معلق بالنسب والموت والحكم المعلق بعلة ذات وصفين يحال به على آخر الوصفين وجودا ولهذا لو رجع شهود النسب وقد شهدوا به بعد الموت ضمنوا الميراث وآخر الوصفين هنا النسب فكانت هذه الشهادة قائمة على تمام علة الأمس والميراث لا يثبت بشهادة امرأة واحدة ولأنها أجنبية للحال لأنا نتيقن انقضاء عدتها ونسب ولد الأجنبية لا يثبت من الأجنبي بشهادة امرأة واحدة كما لو لم يكن النكاح بينهما ظاهرا بخلاف ما إذا كان الفراش قائما فإن ثبوت النسب هناك باعتبار الفراش وإنما تظهر الولادة بالشهادة وكذلك إن أقر الزوج بالحبل فثبوت النسب هناك بإقراره وكذلك إن كان هناك حبل ظاهر فثبوت النسب بظهور الحبل في حال قيام الفراش وإنما تظهر الولادة بالشهادة فقط ولذلك إذا أقر الزوج بالحبل فثبوت النسب هناك بإقراره وهنا لا سبب للنسب سوى الشهادة ولا يثبت النسب بشهادة امرأة واحدة توضيحه : .
أن شهادة المرأة الواحدة حجة ضعيفة لأن شهادة المرأة الواحدة ليست بشهادة أصلا ولهذا لو شهد رجلان وامرأة واحدة بالمال ثم رجعوا لم تضمن المرأة شيئا وإنما جعلت حجة في الولادة للضرورة فكانت ضعيفة في نفسها والضعيف ما لم يتأيد بمؤيد لا يجوز فصل الحكم به كشهادة النساء في المال والمؤيد الفراش أو الحبل الظاهر أو إقرار الزوج بالحبل فإن تأيدت شهادتها ببعض هذه الأسباب وجب الحكم بها وإلا فلا .
ولو أقرت بانقضاء العدة ثم ولدت لأقل من ستة أشهر ثبت النسب منه لأنا تيقنا أنها أبطلت فيما قالت فإنها أقرت بانقضاء العدة بالشهور وقد تبين أنها كانت حاملا يومئذ فكان إقرارها باطلا .
( قال ) ولو أن رجلا طلق امرأته ثلاثا أو تطليقة بائنة ثم جاءت بالولد بعد الطلاق لسنتين أو أقل وشهدت امرأة على الولادة والزوج ينكر الولادة والحبل لم يلزمه النسب في قول أبي حنيفة - C تعالى - ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان ويلزمه النسب في قولهما بشهادة امرأة واحدة وهذا والأول سواء لأنها للحال أجنبية منه في الوجهين ويستوي إن كانت هذه المعتدة مسلمة أو كافرة أو أمة في هذا الحكم لأن بقاء الولد في البطن لا يختلف بهذه الأوصاف .
( قال ) ولو كانت المرأة عند زوجها لم يطلقها فجاءت بولد وأنكر الزوج الحبل قبلت شهادة امرأة واحدة حرة مسلمة على الولادة ويثبت النسب عندنا وعند الشافعي - C تعالى - لا يقبل إلا شهادة أربع نسوة لأن الأصل في الشهادة أن الحجة لا تتم إلا بشهادة رجلين والمرأتان تقومان مقام رجل واحد في باب الشهادة بالنص حتى أن المال لا يثبت إلا بشهادة رجل وامرأتين وقد تعذر أعتبار صفة الذكورة فيما لا يطلع عليه الرجال للضرورة وبقي ما سواه على الأصل فيشترط شهادة الأربع ليكون ذلك في معنى شهادة رجلين ودليل كونه شهادة اعتبار الحرية ولفظ الشهادة فيها ولا معنى لقول من يقول إباحة النظر لأجل الضرورة فإذا ارتفعت الضرورة بالمرأة الواحدة لا يحل للثانية النظر لأنكم وإن قلتم أنه يكتفى بالواحدة تقولون المثنى أحوط وعلى قول ابن أبي ليلى - C تعالى - لا بد من شهادة امرأتين لأن المعتبر في الشهادة العدد والذكورة وقد سقط اعتبار صفة الذكورة للتعذر هنا فيبقى العدد على ظاهره .
وأصحابنا - رحمهم الله تعالى - استدلوا بحديث حذيفة - Bه - أن النبي - A - أجاز شهادة القابلة على الولادة وفي حديث آخر قال رسول الله - A : ( شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه ) والنساء اسم جنس يتناول الواحدة وما زاد والمعنى فيه أن هذا خبر لا يعتبر فيه صفة الذكورة فلا يعتبر فيه العدد كرواية الأخبار وهذا لأن النظر إلى الفرج حرام فلا يحل إلا عند تحقق الضرورة وعند الضرورة نظر الجنس أهون من نظر الذكور ولما سقطت صفة الذكورة لهذا المعنى سقط أيضا اعتبار العدد لأن نظر الواحد أهون من نظر الجماعة وبهذا لا يسقط اعتبار الحرية لأن نظر الأمة والحرة سواء والذي يقول أن المثنى أحوط فذلك لا يوجب حل نظر الثانية ولكن إن اتفق ذلك كان أحوط .
فأما من يشترط العدد يوجب نظر الجماعة ونظر الواحدة أهون ثم هذا خبر من وجه شهادة من وجه لاختصاصها بمجلس الحكم وما تردد بين أصلين يوفر حظه عليهما فلاعتباره بالشهادة تعتبر فيه الحرية ولفظة الشهادة ولاعتباره بالخبر لا يعتبر فيه الذكورة والعدد فإذا ثبت ما قلنا فإنما يثبت بشهادتها الولادة وما هو من ضرورة الولادة وهو عين الولد ثم النسب إنما يثبت باعتبار الفراش القائم بمنزلة ما لو أقر الزوج بولادتها وقال ليس الولد مني يثبت النسب بالفراش القائم ولا ينتفي إلا باللعان .
( قال ) وإذا أقرت المطلقة بانقضاء عدتها بالحيض في مدة يحيض فيه مثلها ثلاث حيض ثم جاءت بالولد فإذا جاءت به لأقل من ستة أشهر ثبت النسب لتيقننا بكذبها فيما قالت وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر من وقت إقرارها لم يثبت النسب عندنا .
وقال الشافعي - C تعالى - يثبت النسب منه ما لم تتزوج ثم تأتي به لستة أشهر لأن ثبوت النسب لحق الولد وقولها في إبطال حقه غير مقبول فكان وجود إقرارها كعدمه بخلاف ما إذا تزوجت لأن الحق في النسب هناك ثبت للزوج الثاني فينتفي من الأول ضرورة وحجتنا في ذلك أنها أمينة في الإخبار لما في رحمها فإذا أخبرت بانقضاء عدتها وهو ممكن وجب قبول خبرها ثم إذا جاءت بالولد بعد ظهور انقضاء عدتها بمدة حبل تام فلا يثبت النسب منه كما لو تزوجت وهذا لأن حمل كلامها على الصحة واجب ما أمكن .
( قال ) ولو طلق امرأته ولم يدخل بها ولم يخل بها ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر لزمه لأن العلوق به كان قبل الطلاق وحمل أمرها على الصحة واجب ما أمكن فيجعل هذا العلوق من الزوج ويتبين لنا أنه طلقها بعد الدخول وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر لم يلزمه لأن النكاح بالطلاق ارتفع لا إلى عدة وإنما جاءت بالولد لمدة حبل تام بعده وإن كان الطلاق بعد الخلوة لزمه الولد إلى سنتين لأن النكاح بالطلاق قد ارتفع إلى عدة ولما جعلنا الخلوة بمنزلة الدخول في إيجاب العدة فكذلك فيما ينبني عليه وهو ثبوت نسب الولد .
( قال ) وإذا طلقها وعدتها بالشهور لإياسها من الحيض فاعتدت بثلاثة أشهر ثم جاءت بولد لسنتين أو أقل من وقت الطلاق فإن النسب يثبت من الزوج سواء أقرت بانقضاء العدة أو لم تقر لأنها إنما أقرت بانقضاء العدة بالشهور ولما ولدت فقد تبين أنها غلطت فيما قالت لأن الآيسة لا تلد وإنما كانت هي ممتدة طهرها لا آيسة فلا تكون عدتها منقضية بالشهور فلهذا ثبت النسب منه .
( قال ) وإن كانت صغيرة فطلقها زوجها بعد ما دخل بها فإن ادعت حبلا فذلك إقرار منها بأنها بالغة وقولها في ذلك مقبول فكانت هي كالكبيرة في نسب ولدها وإن أقرت بانقضاء العدة بعد ثلاثة أشهر ثم جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر لم يثبت النسب منه لأنا حكمنا بانقضاء عدتها فإنها إن كانت صغيرة تنقضي عدتها بثلاثة أشهر بالنص وإن كانت كبيرة تنقضي عدتها بإقرارها وإن جاءت بالولد لمدة حبل تام بعده فأما إذا لم تقر بانقضاء العدة ولم تدع حبلا ففي قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهم الله تعالى - إن جاءت به لأقل من تسعة أشهر منذ طلقها يثبت النسب وإلا فلا .
وعند أبي يوسف - C تعالى - إن جاءت به لأقل من سنتين منذ طلقها ثبت النسب منه في الطلاق البائن وفي الطلاق الرجعي إن جاءت به لأقل من سبعة وعشرين شهرا ثبت النسب منه وإن كانت جاءت به لأكثر من ذلك لا يثبت النسب وحجته في ذلك أن الحبل في المراهقة موهوم والحكم بانقضاء عدتها بالشهور شرطه أن لا تكون حاملا وذلك لا يعلم إلا بقولها كما قررناه في عدة الوفاة في حق الكبيرة وإذا جاءت بالولد لأقل من سنتين ولم تقر بانقضاء العدة فيحتمل أن يكون هذا من علوق قبل الطلاق وهذا الإحتمال يكفي للنسب .
وفي الطلاق الرجعي إذا جاءت به لأقل من سبعة وعشرين شهرا فيحتمل أن يكون هذا من علوق كان في العدة وهو مثبت للنسب من الزوج وموجب للحكم بأنه كان مراجعا لها وهما يقولان عرفناها صغيرة وما عرف ثبوته بيقين لا يحكم بزواله بالاحتمال وصفة الصغر منافية للحبل فإذا بقي فيها صفة الصغر حكم بانقضاء عدتها بثلاثة أشهر بالنص فكان ذلك أقوى من إقرارها بانقضاء العدة .
فإذا جاءت بالولد لمدة حبل تام بعده لا يثبت النسب بخلاف المرأة الكبيرة فإنه ليس فيها ما ينافي الحبل فلا يحكم بانقضاء عدتها بمضي المدة إلا إذا لم تكن حاملا ولا يقال الأصل عدم الحبل لأن هذا في غير المنكوحة فأما النكاح لا يعقد إلا للإحبال وعلى هذا الصغيرة إذا توفي عنها زوجها فإن أقرت بانقضاء العدة بعد أربعة أشهر وعشر ثم جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا لم يثبت النسب منه فإن ادعت حبلا ثم جاءت بالولد لأقل من سنتين يثبت النسب .
فإن لم تقر بانقضاء العدة ولم تدع حبلا فعلى قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهم الله تعالى - إذا جاءت بالولد لأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام يثبت النسب منه وإلا فلا وعند أبي يوسف - C تعالى - إن جاءت بولد لأقل من سنتين منذ مات الزوج يثبت النسب منه وهذا والأول سواء .
( قال ) وإذا تزوجت المرأة في عدتها من طلاق بائن ودخل بها الزوج فجاءت بولد لأقل من سنتين من يوم طلقها الأول ولستة أشهر أو أكثر منذ تزوجها الثاني فالولد للأول لأن نكاح الثاني فاسد والفاسد من الفراش لا يعارض الصحيح في حكم النسب فكان الولد لصاحب الفراش الصحيح فإذا جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول ولأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الآخر لم نلزمه الأول ولا الآخر لأنا تيقنا أن العلوق به كان بعد الطلاق من الأول فلا يثبت النسب منه وتيقنا أنه كان قبل عقد الثاني لأن أدنى مدة الحبل ستة أشهر وإذا جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول ولستة أشهر منذ تزوجها الآخر ودخل بها فهو للآخر فإنه لا مزاحمة للأول هنا في النسب لأنا تيقنا أن العلوق به كان بعد طلاقه فبقي الحكم للآخر وقد جاءت به لمة حبل تام بعد ما دخل بها الثاني بالعقد الفاسد فثبت النسب منه .
( قال ) وإذا مات الصبي عن امرأته فظهر بها حبل بعد موته فإن عدتها أربعة أشهر وعشر ولا ينظر إلى الحبل لأنه من زنا حادث بعد موته فلا يغير حكم العدة الواجبة وقد وجب عليها التربص بأربعة أشهر وعشر عند الموت .
وزعم بعض المتأخرين من مشايخنا - رحمهم الله - أن في امرأة الكبير إذا حدث الولد بعد الموت يكون انقضاء العدة بالوضع وليس كذلك بل الجواب في الفصلين واحد ومتى كان الحبل حادثا بعد الموت كان من زنا فلا يتغير به حكم العدة وإنما الفرق في امرأة الكبير إذا جاءت بالولد لأقل من سنتين تنقضي عدتها به لأنه يستند العلوق إلى ما قبل الموت حتى يحكم بثبوت النسب فيتبين به أن الحبل ليس بحادث بعد الموت وفي امرأة الصغير لا يستند العلوق إلى ما قبل الموت وإنما يستند إلى أقرب الأوقات لأن النسب لا يثبت منه .
وإذا لم يكن الحبل ظاهرا وقت الموت وإنما ظهر بعد الموت يجعل هذا حبلا حادثا فأما إذا كانت حبلى عند موت الصبي فعدتها أن تضع حملها استحسانا في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى .
وعند أبي يوسف - C تعالى - أن عدتها بالشهور وهو القياس وهو قول زفر والشافعي - رحمهم الله تعالى - ووجهه أنا نتيقن أن هذا الحبل من زنا فلا يتقدر بانقضاء العدة به كما لو ظهر بعد موته وهذا لأن اعتبار وضع الحمل في العدة لحرمة الماء وصيانته ولا حرمة لماء الزاني ولأنا نتيقن بفراغ رحمها من ماء الزوج عند موته فعليه العدة بالشهور حقا لنكاحه كما لو لم يكن بها حبل ولكنا استحسنا لظاهر قوله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } وقد ذكرنا أنها قاضية على آية التربص لأنها نزلت بعدها وعموم هذه الآية يوجب أن لا تجب العدة على الحامل إلا بوضع الحمل وهو المعني أنه قد لزمتها العدة وهي حامل فيتقدر انقضاء العدة بالوضع كإمرأة الكبير وهذا لأن العدة في الأصل مشروعة لتعرف براءة الرحم وحقيقة ذلك وضع الحمل وذلك موجود في جانبها هنا وإنما انعدم اشتغال رحمها بماء الزوج وليس الشرط فيما تنقضي به العدة أن يكون من الزوج كالشهور والحيض وكما لو نفى حبل امرأته وفرق القاضي بينهما باللعان وحكم أن الولد ليس منه تنقضي عدتها بوضعه والدليل الحكمي كالدليل المتيقن به بخلاف ما إذا لم يكن الحبل ظاهرا عند الموت لأنا حكمنا بفراغ رحمها عند ذلك حملا لأمرها على الصلاح وألزمناها العدة بالشهور حقا للنكاح فلا يتغير ذلك بحدوث الحبل من زنا بعده .
( قال ) والخصي كالصحيح في الولد والعدة لأن فراشه كفراش الصحيح وهو يصلح أن يكون والدا والوطء منه يتأتى مع أنه لا معتبر بالوطء في حكم النسب حتى لا يشترط التمكن من الوطء لإثبات النسب بخلاف الصبي فإنه لا يصلح أن يكون والدا وبدون الصلاحية لا تعمل العلة .
( قال ) وكذلك المجبوب إذا كان ينزل لأنه يصلح أن يكون والدا والإعلاق بالسحق منه متوهم وزاد في رواية أبي حفص - C تعالى - وإن كان لا ينزل لم يلزمه الولد لأنه إذا جف ماؤه فهو بمنزلة الصبي أو دونه لأن في حق الصبي ينعدم الماء في الحال إلى توهم ظهوره في الثاني عادة وفي حق هذا ينعدم الماء لا إلى توهم الظهور في الثاني فإذا كان هناك تنعدم الصلاحية فهنا أولى .
( قال ) ولا يكون طلاق الصبي طلاقا حتى يبلغ لقول علي وابن مسعود وابن عمر - رضوان الله تعالى عنهم - كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمعتوه وقد روي ذلك مرفوعا ثم بلوغه إما أن يكون بالعلامة أو بالسن والعلامة في ذلك الإنزال بالإحتلام والإحبال وفي حق الجارية بالاحتلام والحبل والحيض قالوا وأدنى المدة في حق الغلام إثنا عشر سنة وفي حق الجارية تسع سنين وقد بينا هذا في كتاب الحيض .
وأما بلوغهما بالسن فقدر أبو حنيفة - C تعالى - في الجارية بسبع عشر سنة وفي الغلام بتسع عشرة سنة وفي كتاب الوكالة ذكر في الغلام ثمان عشر سنة في موضع وفي موضع تسع عشرة سنة من أصحابنا من وفق فقال : المراد أن يتم له ثمان عشرة سنة ويطعن في التاسع عشرة .
ولكن ذكر في نسخ أبي سليمان في كتاب الوكالة حتى يستكمل تسع عشرة سنه ففيه روايتان إذا .
وعلى قول أبي يوسف ومحمد والشافعي - رحمهم الله تعالى - في الغلام والجارية يتقدر بخمس عشرة سنة لحديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال : عرضت على رسول الله - A - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني ولما سمع عمر بن عبد العزيز - رضي الله تعالى عنه - هذا الحديث قال : هذا هو الفصل بين البالغ وغير البالغ وكتب به إلى أمراء الأجناد والمعنى فيه أن العادة الظاهرة أن البلوغ لا يتأخر عن هذه المدة وقد بينا أن الحكم يبنى على الظاهر دون النادر .
وأبو حنيفة يقول صفة الصغر فيهما معلومة بيقين فلا يحكم بزوالها إلا بيقين مثله ولا يقين في موضع الإختلاف ثم أدنى المدة لبلوغ الغلام اثنا عشر سنة وقد وجب زيادة المدة على ذلك فإنما يزاد سبع سنين اعتبارا بأول أمره كما أشار إليه صاحب الشرع - A - مروهم بالصلاة إذا بلغوا سبعا وبين أهل التفسير اختلاف في تفسير الأشد ولم يقل أحد بأقل من ثمان عشرة سنه في قوله تعالى : { ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما } فوجب تقدير مدة البلوغ به ولكن الأنثى أسرع نشوا عادة فينقص في حقها سنة فيكون التقدير بسبع عشرة سنة ولا حجة في حديث ابن عمر - Bه - لأنه ما أجازه باعتبار أنه حكم ببلوغه بل لأنه رآه قويا صالحا للقتال .
وقد كان رسول الله - A - يجيز من الصبيان من كان صالحا للقتال على ما روي أنه - A - عرض عليه صبي فرده فقيل أنه رام فأجازه وعرض عليه صبيان فأجاز أحدهما ورد الآخر فقال المردود يا رسول الله أجزته ورددتني ولو صارعته لصرعته فصارعه فأجازه رسول الله - A .
( قال ) ولا يجوز طلاق المجنون وإن مات عن امرأته كان في حكم العدة والولد بمنزلة الصحيح لأن المجنون يجامع ويحبل وقد ثبت الفراش له بحكم النكاح وهو يصلح أن يكون والدا .
( قال ) وإذا مات عن أم ولده أو أعتقها فعدتها ثلاث حيض فإن كانت لا تحيض من إياس فعدتها ثلاثة أشهر وقد بينا هذا في كتاب النكاح وكذلك لو كانت حرمت عليه قبل موته بوجه من الوجوه فعليها منه العدة لأنها فراشه بعد ما حرمت عليه حتى لو ادعى نسب ولدها ثبت منه وإنما لا يثبت بدون الدعوى لما فيه من إساءة الظن به والحكم بإقدامه على الوطء الحرام فيتحقق زوال الفراش إليها بالعتق وهذا بخلاف ما إذا زوجها من غيره ثم مات المولى أو أعتقها لأن هناك قد اعترض على فراشه فراش الزوج وفراش النكاح أقوى من فراش الملك فينعدم الضعيف بالقوي وإذا انعدم لم يتقرر بالعتق سبب وجوب العدة وهو زوال فراشه إليها وكذلك لو كانت في عدة من زوج ألا ترى أن النسب لا يثبت من المولى وإن ادعاه فعرفنا أنها لم تبق فراشا له اصلا .
( قال ) ولو مات عن أم ولده او أعتقها فجاءت بولد ما بينها وبين سنتين لزمه لتوهم أن يكون العلوق به قبل الموت وهذا لأن الفراش زال بالعتق إلى عدة وهو نظير فراش النكاح في أنه يستند العلوق إلى أبعد الأوقات ولكن إذا نفاه المولى لا ينتفي بخلاف ما قبل العتق لأن الفراش بالعتق يتقوى حتى لا يملك نقله إلى غيره بالتزويج فيلزمه نسب الولد على وجه لا يملك نفيه وقبل العتق كان يملك نقل فراشها إلى غيره بالتزويج فكذلك يملك نفي نسب الولد لأن ثبوت الحكم بحسب السبب فإن جاءت به لأكثر من سنتين منذ أعتقها لم يلزمه إلا .
أان يدعيه لأنا تيقنا أن العلوق كان بعد العتق فإن ادعاه ثبت النسب منه لأنهما تصادقا على أن الولد منه وألحق لهما وما تصادقا عليه محتمل لجواز أن تكون زوجت نفسها منه في عدتها .
( قال ) رجل توفي عن امرأته وهي مملوكة فأقرت بانقضاء عدتها بعد شهرين وخمسة أيام ثم جاءت بولد لأكثر من ستة أشهر منذ يوم أقرت لم يلزم الزوج لأن الشهرين وخمسة أيام في حقها كأربعة أشهر وعشر في حق الحرة وإقرارها بانقضاء العدة بعد ذلك معتبر ما لم يتبين كذبها فكذلك هنا وإن لم تقر بانقضاء العدة لزمه الولد إلى سنتين لأنا نسند العلوق إلى أبعد أوقات الإمكان في حقها لإثبات نسب ولدها من الزوج كما في الحرة .
( قال ) وإن أعتق أم ولده وهي حامل أو مات عنها فعدتها بوضع الحمل لما بينا أن العدة لزمتها وهي حامل فيتقدر انقضاؤها بوضع الحمل كما في عدة النكاح بل أولى لأن معنى تبين فراغ الرحم هو المعتبر هنا لا غير .
( قال ) ولو مات عن أمة كان يطأها أو عن مدبرة كان يطأها فلا عدة عليها وكذلك إن أعتقها لأن الفراش لا يثبت إلا بالوطء في ملك اليمين وهو معروف في كتاب الدعوى وبدون الفراش لا تجب العدة وفي الكتاب يقول : ألا ترى انه لو باعها بعد ما وطئها لم تلزمها العدة والاستبراء الواجب على المشتري ليس بعدة لأن العدة تجب عليها والاستبراء يجب على المشتري .
( قال ) ولو زوجها المشتري قبل أن يستبرئها جاز ووجوب الاستبراء عليه هناك كوجوبه إذا اشتراها من صبي أو امرأة أو اشتراها وهي بكر .
( قال ) ولو دخل بامرأة على وجه شبهة أو نكاح فاسد فعليه المهر وعليها العدة ثلاث حيض إن كانت حرة وحيضتان إن كانت أمة وقد بينا هذا في كتاب النكاح أن الفراش يثبت بالدخول عند فساد العقد فتجب العدة بزواله بالتفريق ويستوي إن مات عنها أو فرق بينهما وهو حي لأن هذه العدة لا تجب إلا لتعرف براءة الرحم فلا تختلف بالحياة والممات كعدة أم الولد وهذا لأن التربص بالأشهر في عدة الوفاة لقضاء حق النكاح ولهذا يجب من غير توهم الدخول وهذا لا يوجد في الوطء بالشبهة ولا في النكاح الفاسد وإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر فعدة الحرة ثلاثة أشهر وعدة الأمة شهر ونصف اعتبارا للفراش الفاسد بالفراش الصحيح إذا وجبت العدة بالفرقة في حالة الحياة .
( قال ) وإذا تزوج المكاتب بنت مولاه بإذنه ثم مات المولى ثم مات المكاتب وترك وفاء فعدتها أربعة أشهر وعشر ولها عليه الصداق وترثه لأنها لم تملك شيئا من رقبته بموت المولى لقيام عقد الكتابة وموت المكاتب عن وفاء لا يوجب فسخ الكتابة عندنا بل يؤدي كتابته ويحكم بحريته في حياته فيكون النكاح منتهيا بينهما بموت الزوج فعليها عدة الوفاة ولها جميع الصداق وإن لم يدخل بها وترثه بالزوجية لانتهاء النكاح بالموت بعد الحكم بحرية الزوج فإن لم يترك وفاء وقد دخل بها فلها الصداق دينا في عنقه ومعنى هذا أنه كان دينا في عنقه ويبطل عنه مقدار نصيبها من رقبته لأن بموته عاجزا انفسخت الكتابة قبل الموت لتحقق العجز حين أشرف على الهلاك فملكت جزء من رقبة زوجها إرثا من أبيها وذلك مفسد للنكاح بينهما إلا أن الصداق كله قد تأكد بالدخول ولكن بقدر نصيبها يسقط لأنها لا تستوجب دينا على عبدها كصاحب الدين إذا وهب له العبد المديون وبقدر نصيب سائر الورثة يبقى فتستوفي ذلك مما ترك من كسبه وعليها ثلاث حيض لوقوع الفرقة بينهما بعد الدخول قبل الموت حين ملكت جزءأ منه فلا يتغير ذلك بموته وإن كان لم يدخل بها فلا صداق لها ولا عدة عليها لأن الفرقة وقعت قبل الدخول بسبب مضاف إليها وهو ملكها جزءا من رقبته وذلك مسقط لجميع الصداق .
( قال ) وإذا اشترى المكاتب امرأته وقد ولدت منه لم يبطل النكاح لأن الثابت له في كسبه حق الملك وقد بينا في كتاب النكاح أن حق الملك لا يمنع بقاء النكاح فإن مات وترك وفاء تؤدى كتابته ويحكم بحريته قبل موته إما إسنادا للعتق إلى ما قبل الموت أو إبقاء له حيا حكما إلى وقت أداء الكتابة ولما حكم بحريته ثم ملك رقبتها صارت أم ولد له فارتفع النكاح وعتقت .
وأم الولد إذا عتقت بموت مولاها اعتدت بثلاث حيض وإن لم يترك وفاء فعدتها شهران وخمسة أيام لأنه مات عاجزا فكان النكاح منتهيا بالموت وعلى الأمة عند وفاة زوجها من العدة شهران وخمسة أيام وإن لم تكن ولدت منه وقد ترك وفاء فإن كان دخل بها فعدتها حيضتان كالحر إذا اشترى امرأته بعد ما دخل بها فعليها من العدة حيضتان حتى لا يملك تزويجها إلا بعد مضي المدة وإن لم تظهر هذه الفرقة في حقه حتى كان له أن يطأها وإن لم يدخل بها فلا عدة عليها لأن هذه الفرقة وقعت في حالة الحياة قبل الدخول وإن كان لم يترك وفاء ولم يدخل بها أو دخل بها غير أنها لم تلد منه فعدتها شهران وخمسة أيام وكذلك إن كانت قد ولدت منه لأنه مات عاجزا فلم يملك شيئا من رقبتها وإنما كان النكاح بينهما منتهيا بالموت فعليها العدة شهران وخمسة أيام وهي أمة لمولى المكاتب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب