( قال ) Bه بلغنا عن رسول الله - A - أنه نهى عن نكاح الشغار وأصل الحديث قوله - A - لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام والشغار أن يقول الرجل للرجل أزوجك أختي على أن تزوجني أختك على أن يكون مهر كل واحد منهما نكاح الأخرى أو قالا ذلك في ابنتيهما أو أمتيهما ثم النكاح بهذه الصفة يجوز عندنا ولكل واحدة منهما مهر مثلها وعند الشافعي Bه النكاح باطل لنهيه - A - عن نكاح الشغار والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ولأنه شرط الإشراك في بضع كل واحدة منهما حين جعل النصف منه صداقا والنصف منكوحة وملك النكاح لا يحتمل الإشتراك فالإشتراك به يكون مبطلا كما إذا زوجت المرأة نفسها من رجلين وحجتنا في ذلك أنه سمى بمقابلة بضع كل واحدة منهما ما لا يصلح أن يكون صداقا فكأنه تزوجها على خمر أو خنزير وهذا لأنه لما لم يكن في البضع صلاحية كونه صداقا لم يتحقق الإشراك فبقي هذا شرطا فاسدا والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة كما لو شرط أن يهبها لغيره أو نحوه بخلاف ما إذا زوجت المرأة نفسها من رجلين لأنها تصلح منكوحة لكل واحد منهما فيتحقق معنى الإشراك واستدلاله بالنهي باطل لأن النهي للخلو عن المهر هكذا قال ابن عمر Bهما نهى رسول الله - A - أن تزوج المرأة بالمرأة من غير مهر لكل واحد منهما وهذا لأن الشغار هو الخلو في اللغة يقال شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول وبلدة شاغرة إذا كانت خالية من السلطان وإنما أراد به أن لا تخلوا المرأة بالنكاح عن المهر وبه نقول وإن سمى لكل واحدة من المرأتين مهرا فلكل واحدة منهما ما سمي من المهر واشتراط أحد العقدين في الآخر غير مؤثر هنا لأنه شرط فاسد والنكاح لا يبطل بمثله .
( قال ) وإذا جعل مهر امرأته طلاق أخرى كان النكاح جائزا بمهر مثلها ولم يكن الطلاق مهرا وكذلك أن جعل القصاص مهرا فقد وقع العفو ولها مهر مثلها عندنا .
وقال الشافعي - C تعالى - كل ما يجوز أخذ العوض عنه بالشرط يصلح أن يكون مهرا لأن المقصود تحقق المعاوضة وأصل المسألة في تعليم القرآن فإن عنده تعليم القرآن يصلح أن يكون صداقا للحديث الذي روينا في قوله زوجتكها بما معك من القرآن ولكنا نقول اشتراط صفة المالية في الصداق ثابت بالنص وهو قوله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } وطلاق الضرة والعفو عن القصاص ليس بمال وكذلك تعلم القرآن وتأويل الحديث بحرمة ما معك من القرآن وعلى هذا الأصل قلنا إذا اعتق أمته على أن يتزوجها ويكون العتق صداقا لها فزوجت نفسها منه فلها مهر مثلها لأن الإعتاق إبطال للرق فلا يصلح أن يكون صداقا خلافا للشافعي C تعالى وقد روى عن أبي يوسف - رحمه لله تعالى - أنه جوز ذلك لأن رسول الله - A - أعتق صفية بنت حي - Bها - وتزوجها وجعل عتقها صداقا لها ولكنا نقول قد روى إنه تزوجها بمهر جديد ولو ثبت ذلك فقد كان رسول الله - A - مخصوصا بالنكاح بغير مهر وعلى هذا لو تزوجها على أن يخدمها سنة فإن كان الزوج عبدا صحت التسمية لتضمنها تسليم المال إليها فإن رقبة العبد مال وإن كان الزوج حرا لم تصح التسمية هكذا ذكر في الجامع الصغير ونحوه وروى ابن سماعة عن محمد - رحمهما الله تعالى - إنه إذا تزوجها على أن يرعى غنمها سنة يجوز استدلالا بقصة موسى مع شعيب عليهما السلام فمن أصحابنا من فرق بينهما فقال هي مأموروة بأن تعظمه وتراعى حقه وذلك ينعدم باستخدامها إياه فلهذا لم يجز أن تكون خدمتها صداقا وذلك لا يوجد في عمل الرعي ألا ترى أن الابن لا يستأجر أباه للخدمة ويستأجره لعمل آخر والأصح أن في الفصلين روايتين في إحدى الروايتين لا تصح التسمية لأن المنفعة ليست بمال واشتراطها من الحر لا يتضمن تسليم المال إليها وفي الرواية الأخرى تصح التسمية لأن المنفعة تأخذ حكم المالية عند العقد ولهذا لا يثبت الحيوان دينا في الذمة بمقابلتها فإذا لم تصح تسمية الخدمة فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى لها مهر مثلها لأنه سمي ما لا يصلح أن يكون صداقا لها فهو كتسمية الخمر .
وعند محمد C تعالى لها قيمة خدمته لأن الخدمة متقومة عند العقد وإن لم تكن مالا فإذا تعذر سلامتها لها تجب قيمتها كما لو تزوجها على عبد فاستحق ثم قد بينا الفرق بينهما إذا تزوج المرأة على طلاق ضرتها وبين ما إذا تزوجها على أن يطلق ضرتها في حكم وقوع الطلاق على الضرة فكذا إذا تزوجها على القصاص حصل العفو بنفس العقد وإذا تزوجها على أن يعفو عن القصاص لم يسقط القصاص إلا بمباشرة العفو ولا يجبر على ذلك وكذلك إذا تزوجها على عتق أبيها عتق الأب بنفس العقد بخلاف ما إذا تزوجها على أن يعتق أباها ولها مهر مثلها لأن ما سمي صداقا من عتق الأب ليس بمال بخلاف ما إذا تزوجها على عتق أبيها عنها لأنه يتضمن تمليك رقبة الأب منها فإن العتق عنها لا يكون إلا بهذا الشرط ورقبة الأب مال يصلح أن يكون صداقا لها وإذا زوج ابنته من رجل على مهر مسمى على أن يزوجه الآخر ابنته على مهر مسمى فإن زوجه فلكل واحدة منهما ما سمى لها من المهر وإن لم يزوجه الآخر كان للمزوجة تمام مهر مثلها لأن رضاها بدون مهر المثل باعتبار منفعة مشروطة لأبيها ومنفعة أبيها كمنفعتها ولو شرط لها مع المسمى منفعة كان لها مهر مثلها كذا هنا والله أعلم بالصواب