( قال ) Bه بلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال يؤجل العنين سنة فإن وصل إلى امرأته فهي امرأته وإن لم يصل إليها فرق بينهما وجعلها تطليقة بائنة وجعل لها المهر كاملا وعليها العدة وبهذا أخذ علماؤنا بخلاف ما يقوله بعض الناس أنه لا خيار لامرأة العنين أصلا الحديث امرأة رفاعة فإنها تزوجت بعبدالرحمن بن الزبير - Bه - فلم يصل إليها فجاءت إلى النبي A وقالت أن رفاعة طلقني فابت طلاقي وتزوجت بعبدالرحمن بن الزبير فلم أجد منه إلا مثل هدبة ثوبي تحكى ضعف حاله في باب النساء فلم يخيرها رسول الله A وجاءت امرأة إلى علي Bه فذكرت أن زوجها لا يصل إليها فقال ولا وقت السحر فقالت ولا وقت السحر فقال هلكت وأهلكت ما أنا بمفرق بينكما ولأنه عجاز معذور فيكون منظرا بأنظار الله تعالى ولكنا نستدل بحديث عمر Bه وقد روى مثله عن عبدالله بن مسعود - Bه - وعن علي - Bه - أنه فرق بين العنين وبين امرأته وأوجب عليه المهر كاملا والصحيح من الحديث الذي رووا عن علي - Bه - أن تلك المرأة قالت لم يكن ذلك منه إلا مرة وفي هذا لا يفرق بينهما عندنا وامرأة رفاعة بما ذكرت حكت صغر متاعه لا العنة وفي مثل هذا عندنا لا تخير ثم هو معذور ولكنه في إمساكها ظالم لأنه ينسد عليها باب قضاء الشهوة بنكاحه ولا حاجة به إليها فوجب رفع الظلم عنها ولأن مقصودها بالعقد قد فات لأن مقصودها أن تستعف به وتحصل به صفة الإحصان لنفسها وفوات المقصود بالعقد أصلا يثبت للعاقد حق رفع العقد وهي تحتاج إلى تقرير مهرها أيضا وتمام ذلك بالاتفاق يحصل بالدخول فإذا انسد عليها الباب يثبت لها الخيار إلا أن العجز قد يكون لآفة في أصل الخلقه وقد يكون لعارض وإنما يتبين أحدهما عن الآخر بالمدة فلهذا يؤجل والأجل في هذا سنة كما اتفق الصحابة - Bهم .
وقد روي عن عبدالله بن نوفل - Bه - قال الأجل عشرة أشهر وإنما قدرنا بالسنة لأن التأجيل لابلاء العذر والحول حسن في ذلك قال قائلهم : ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر .
ولأن العجز عن الوصول قد يكون بعلة الرطوبة وإنما يعالج ذلك في فصل الحر واليبوسة من السنة وقد يكون لغلبة الحرارة وإنما يعالج ذلك في فصل البرد وقد يكون لغلبة اليبوسة وإنما يعالج في فصل الرطوبة فقدرنا الأجل بحول حتى يعالج نفسه فيوافقه العلاج في فصل من فصول السنة فيبرأ فإذا مضت السنة ولم يصل إليها علم أن الآفة في أصل الخلقة ولهذا قالوا يقدر بسنة شمسية أخذا بالاحتياط فربما تكون موافقة العلاج في الأيام التي يقع التفاوت فيها بين القمرية والشمسية وابتداء التأجيل من وقت الخصومة حتى إذا صبرت مدة ثم خاصمت فإن ادعى الزوج أنه قد وصل إليها سألها القاضي أبكر هي أم ثيب فإن قالت ثيب فالقول قول الزوج لأن الظاهر من حال الفحل أنه إذا خلا بأنثى نزى عليها .
وفي الدعاوي القول قول من يشهد له الظاهر وإن كانت بكرا أراها القاضي النساء فإن البكارة لا يطلع عليها الرجال والمرأة الواحدة تكفي لذلك والمثنى أحوط لأن طمأنينة القلب إلى قول المثنى أكثر فإن قلن أنها بكر فالقول قولها وكذلك أن أقر الزوج أنه لم يصل إليها ويؤجله القاضي سنة فيأمره أن يعالج نفسه في هذه المدة هكذا قال علي Bه أفيضوا عليه الدحج والعسل ليراجع نفسه فإن مضت السنة وادعى الزوج أنه وصل إليها فهو على ما بينا من البكارة والثيابة فإن أراها النساء فقلن هي بكر خيرها القاضي لأن البكارة لا تبقى مع الوصول إليها فإذا خيرها القاضي فاختارت الزوج أو قامت من مجلسها أو أقامها أعوان القاضي أو قام القاضي قبل أن تختار شيئا بطل خيارها لأن هذا بمنزلة تخيير الزوج امرأته وذلك يتوقت بالمجلس فهذا مثله والتفريق كان لحقها فإذا رضيت بالإسقاط صريحا أو دلالة بتأخير الاختيار إلى أن قامت أو أقيمت يسقط حقها فلا تطالب بعد ذلك بشيء وإن اختارت الفرقة أمر القاضي الزوج بأن يطلقها فإن أبى فرق القاضي بينهما وكان تطليقة بائنة عندنا وعند الشافعي يكون فسخا بمنزلة الرد بالعيب كما مذهبه .
فأما عندنا المستحق على الزوج أحد الشيئين أما الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان فإذا عجز عن أحدهما تعين الآخر فإذا امتنع منه ناب القاضي منابه في التسريح والتسريح طلاق وقد روينا عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه جعلها تطليقة بائنة وهذا لأن المقصود بالرجعي لا يحصل فالمقصود إزالة ظلم التعليق وفي الرجعى يستبد الزوج بالمراجعة مع أن حكم الرجعة مختص بعد واجبة بعد حقيقة الدخول وذلك غير موجود هنا .
وعن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - في غير الأصول أنها كما اختارت نفسها تقع الفرقة بينهما اعتبارا بالمخيرة بتخيير الزوج أو بتخيير الشرع كالمعتقة ثم لها المهر كاملا عليه لوجود التسليم المستحق بالعقد منها وعليها العدة لما استوفت كمال المهر به قضي عمر وعلي - Bهم - وقالا ما ذنبهن إذا جاء العجز من قبلكم وكما لا يسقط حقها بترك المرافعة زمانا فكذلك لا يسقط حقها بتأخير الخصومة بعد مضي الأجل فإن ذلك للاختبار منها لا للرضا به والإنسان لا يتمكن من الخصومة في كل وقت خصوصا في هذه الحالة إلا أنه لا يحتسب على الزوج بما مضى من المدة قبل المرافعة لأن الأمر لم يكن مضيقا عليه قبل التأجيل وربما كان امتناعه من صحبتها لغرض له في ذلك سوى العجز ولكن بعد التأجيل يترك ذلك الغرض بما يلحقه من العار وضرر زوال ملكه فلهذا لا يحتسب بالمدة قبل التأجيل ويحتسب عليه بزمان حيضها وشهر رمضان لأن الصحابة - Bهم - قدروا الأجل بسنة مع علمهم أنه لا يخلو عن ذلك عادة فإن مرض الزوج في المدة أو مرضت مرضا لا يستطاع جماعه فعن أبي يوسف - C تعالى - روايتان في إحدى الروايتين : .
إذا كان المرض أكثر من نصف الشهر لا يحتسب بمدة المرض على الزوج وإن كان دون ذلك يحتسب عليه بالقياس على أيام شهر رمضان فإنه في النهار يمتنع عليه غشيانها ثم ذلك محسوب عليها فعرفنا أن نصف الشهر وما دونه عفو وفي الرواية الأخرى قال إذا كانا صحيحين في شيء من السنة ولو في يوم واحد يحتسب عليه بزمان المرض وعلى قول محمد - C تعالى - أن مرض أحدهما فيما دون الشهر يحتسب عليه بذلك وأن كان المرض شهرا لا يحتسب ويزاد في مدته بقدر مدة المرض وأن أحرمت بحجة الإسلام لا يحتسب على الزوج بتلك المدة لأنه لا يقدر أن يحللها ألا ترى أنها لو كانت محرمة حين خاصمت لم يؤجه القاضي حتى تفرغ من الحج .
ولو خاصمت والزوج مظاهر منها فإن كان يقدر على العتق أجله وإن كان عاجزا عن ذلك أمهله شهرين لأنه ممنوع عن غشيانها ما لم يكفر والعاجز عن العتق كفارته بالصوم شهران فإن ظاهر منها بعد التأجيل لم يلتفت القاضي إلى ذلك واحتسب عليه تلك المدة لأنه كان متمكنا من أن لا يظاهر منها وكذلك أن كان يصل إلى غيرها من النساء أو جواريه ولا يصل إليها خيرها القاضي لأن التخيير لرفع الضرر عنها ولا يحصل ذلك بوصوله إلى غيرها بل تزداد به غيظا ولو كان غشيها مرة واحدة ثم انقطع بعد ذلك فلا خيار لها لأن ما هو مقصودها من تأكد البدل أو ثبوت صفة الإحصان قد حصل لها بالمرة .
( قال ) ولو وجدته مجبوبا خيرها القاضي في الحال لأن التأجيل في العنين لرجاء الوصول إليها وذلك في المجبوب ولا يوجد فالمقطوع من الآلة لا ينبت فلهذا فرق بينهما في الحال وإن كان قد خلا بها فلها المهر كاملا في قول أبي حنيفة C تعالى ولها نصف المهر في قولهما لأن التيقن بعدم الوصول إليها موجود هنا وعذر الجب في الزوج أبين من عذر المرض فإذا كان مرضه يمنع صحة الخلوة فكونه مجبوبا أولى بخلاف العنين فإن ذلك باطن لا يوقف على حقيقته وهذا ظاهر يشاهد فيجب إعتباره في الحكم .
وأبو حنيفة C تعالى يقول هي أتت بالتسليم المستحق عليها بالعقد وحقها في البدل يتقرر بذلك وهذا لأن العقد ما انعقد لاستحقاق المجامعة به فإنه لا كون له وإنما انعقد لما وراء ذلك وقد أتت به فيتقرر حقها ثم يجب عليها العدة أما عند أبي حنيفة C تعالى لا يشكل لأنه قد تقرر جميع المهر وإما عندهما تجب العدة استحسانا وأشار في كتاب الطلاق إلا أنه لا تجب العدة عندهما وإنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فحيث قال لا تجب العدة أراد في مجبوب قد جف ماؤه فيكون هذا بمنزلة الصبي لا تعتبر خلوته في إيجاب العدة وحيث قال تجب العدة أراد في مجبوب له ماء يسحتق فينزل فتجب العدة احتياطا وأن لم يكن دخل بها أو خلا بها فلها نصف المهر ولا عدة عليها ثم بعد ما فرق القاضي بينهما في الموضع الذي وجبت عليها العدة إذا جاءت بولد إلى سنتين يثبت النسب منه ولا تبطل تلك الفرقة لأن ثبوت النسب باعتبار الإنزال بالسحق وذلك غير مبطل حقها بخلاف العنين إذا فرق القاضي بينهما وهو يدعي الوصول إليها ثم جاءت بولد لأقل من سنتين يثبت النسب ويبطل التفريق لأنا حين حكمنا بثبوت النسب فقد حكمنا بوصوله إليها وكذلك لو شهد شاهدان بعد التفريق على إقرارها بالوصول إليها قبل التفريق بطل تفريق القاضي بينهما كما لو عرف القاضي إقرارها في ذلك الوقت بخلاف ما إذا أقرت بعد التفريق أنه كان وصل إليها فإن قولها في إبطال التفريق ورفع الطلاق الواقع غير مقبول لكونها متهمة في ذلك والخصي بمنزلة العنين لأن رجاء الوصول في حقه موجود لبقاء الآلة .
ولو تزوجت واحدا من هؤلاء وهي تعلم بحاله فلا خيار لها فيه لأنها صارت راضية به حين أفدمت على العقد مع علمها بحاله ولو رضيت به بعد العقد بأن قالت رضيت سقط خيارها فكذلك إذا كانت عالمة به ولا فرق في قولها رضيت بالمقام معه بين أن يكون عند السلطان أو غيره لأنه أسقاط لحقها .
( قال ) وليس يكون أجل العنين إلا عند قاضي مصر أو مدينة يجوز قضائه ولا يجوز عند من هو دون هؤلاء ومراده بهذا الإشارة إلى الفرق بين خيار المعتقة والعنين فإن ذلك لا يختص بمجلس الحكم وهو من جهتها فلم يكن طلاقا وهذا يختص بمجلس الحكم وهو لمعنى من الزوج فلهذا كان طلاقا وقد تبين بهذا اللفظ أن المصر شرط لجواز القضاء فإنه لا يجوز القضاء في غير المصر بمنزلة إقامة الجمعة أنه يختص بالمصر .
( قال ) ولو تزوج امرأة فوصل إليها ثم فارقها ثم تزوجها بنكاح جديد ولم يصل إليها يؤجل كما يؤجل العنين لأن النكاح الثاني غير النكاح الأول فلا يعتبر الوصول في النكاح الأول فيما يستحق في النكاح الثاني .
( قال ) والخنثى إذا كان يبول من مبال الرجال فهو رجل يجوز له أن يتزوج امرأة فإن لم يصل إليها أجل كما يؤجل العنين لأن رجاء الوصول قائم فإن كان يبول من مبال النساء فهو امرأة فإذا تزوجت رجلا لم يعلم بحالها ثم علم بذلك بعده فلا خيار للزوج لأن الطلاق في يده وهو نظير الرتقاء وقد بيناه .
( قال ) ولو كانت المرأة رتقاء والزوج عنينا لم يكن لها أن تخاصمه لأنه لاحق لها في المطالبة بالجماع مع قيام المانع فيها وذكر في اختلاف زفر ويعقوب إذا زوج أمته فوجدته عنينا أن الخصومة في ذلك إلى المولى في قول أبي يوسف - C تعالى - وهو رواية عن أبي حنيفة - C تعالى - لأن المهر واجب له فهو محتاج إلى أن يؤكد حقه ولأن النسل يكون ملكا له وبكونه عنينا يفوت ذلك وعلى قول زفر - C تعالى - الخيار لها لأن المقصود بالوطء قضاء الشهوة وذلك يحصل لها دون المولى فكان حق المرافعة إليها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب