قال Bه رجل أهل بحجة ففاته فإنه يحل بعمرة وعليه الحج من قابل قال وبلغنا ذلك عن النبي A وعن " عمر " و " زيد بن ثابت " رضي الله تعالى عنهما والمراد " بالحديث المرفوع ما رواه " ابن عباس " و " ابن " عمر " " - رضي الله تعالى عنهم - أن النبي - A - قال : من أدرك " عرفة " بليل فقد أدرك الحج ومن فاته " عرفة " بليل فقد فاته الحج " وليتحلل بالعمرة وعليه الحج من قابل وأما حديث " عمر " و " زيد بن ثابت " - رضي الله تعالى عنهما - ما رواه الأسود قال سمعت " عمر بن الخطاب " - رضي الله تعالى عنه - يقول من فاته الحج تحلل بعمرة عليه الحج من قابل ثم لقيت " زيد بن ثابت " رضي الله تعالى عنه بعد ذلك بثلاثين سنة فسمعته يقول مثل ذلك وكان المعنى فيه أن الإحرام بعد ما انعقد صحيحا فطريق الخروج عنه أداء أحد النسكين أما الحج أو العمرة كمن أحرم إحراما بهما وهنا تعذر عليه الخروج عنه بالحج حين فاته الحج فعليه الخروج بعمل العمرة ثم إن عند " أبي حنيفة " و ا " محمد " رحمهما الله تعالى أصل إحرامه باق بالحج ويتحلل بعمل العمرة وعند " أبي يوسف " C تعالى يصير إحرامه إحرام عمرة وعند " زفر " - C تعالى - ما يؤديه من الطواف والسعي بقايا أعمال الحج لأنه بالإحرام بالحج التزم أداء أفعال يفوت بعضها بمضي الوقت ولا يفوته البعض فيسقط عنه ما يفوت بمضي المدة ويلزمه ما لا يفوت وهو الطواف والسعي و " أبو حنيفة " و ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - قالا : الطواف والسعي للحج إنما يتحلل بهما من الإحرام بعد الوقوف فأما قبل الوقوف فلا وحاجته إلى التحلل هنا قبل الوقوف فإنما يأتي بطواف وسعي يتحلل بهما من الإحرام وذلك طواف العمرة ولهذا قال " أبو يوسف " - C تعالى - يصير أصل إحرامه للعمرة ضرورة لأن التحلل بطواف العمرة إنما يكون بإحرام العمرة و " أبو حنيفة " و ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - قالا لا يمكن جعل إحرامه للعمرة إلا بفسخ إحرام الحج الذي كان شرع فيه ولا طريق لنا إلى ذلك والدليل عليه أن المكي إذا فاته الحج يتحلل بعمل العمرة من غير أن يخرج من الحرم ولو انقلب إحرامه للعمرة ولكان يلزمه الخروج إلى الحرم لأنه ميقات إحرام العمرة في حق المكي .
قال فإن كان أهل بحجة وعمرة فقدم " مكة " وقد فاته الحج فإنه يطوف بالبيت وبالصفا والمروة لحجه ويحل وعليه الحج من قابل ولا يجعل ما أتى به من الطواف والسعي قبل فوات الحج كافيا للتحلل عن إحرام الحج لأن ذلك كان طواف التحية وهو سنة فلا يحصل به التحلل فإن كان طاف لعمرته وسعى فقد أتى بهما وإن لم يكن طاف بعمرته يطوف لها الآن لأن العمرة لا تفوته ثم يطوف بعد ذلك لحجته ويسعى حتى يتحلل وهذا دليل ل " أبي حنيفة " و ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - على أن أصل إحرامه لا ينقلب عمرة لأنه لو انقلب عمرة لصار جامعا بين إحرام عمرتين وأدائهما في وقت واحد وذلك لا يجوز ثم لا يجب عليه الدم بالقياس على المحصر وهذا فاسد لأن المحصر عاجز عن التحلل بالطواف والسعي وفائت الحج قادر على ذلك ثم فائت الحج يقطع التلبية حين يستلم الحجر في الطواف لما بينا أن هذا الطواف عمل العمرة وأوان قطع التلبية في حقه ما هو أوان قطع التلبية في حق المعتمر فإن كان قارنا فإنما يقطع التلبية حين يأخذ في الطواف الثاني لأن العمرة ما فاتته فيجعل كأنه طاف لها قبل الفوات فلا يقطع التلبية عندها وإنما يقطع التلبية إذا أخذ في الطواف الذي يتحلل به عن الإحرام في الحج .
قال ولو فاته الحج فمكث حراما حتى دخلت أشهر الحج من قابل فتحلل بعمل العمرة ثم حج من عامه ذلك لم يكن متمتعا وهذا أيضا يدل على أن إحرامه لم ينقلب إحرام عمرة فإنه لو انقلب إحرام عمرة كان متمتعا كمن أحرم للعمرة في رمضان فطاف لها في شوال ولكنه بعمل العمرة يتحلل من إحرام الحج في شوال وليس هذا صورة المتمتع .
قال رجل أهل بحجة فجامع فيها ثم قدم وقد فاته الحج فعليه دم لجماعه ويحل بالطواف والسعي لأن الفاسد معتبر بالصحيح فكما أن التحلل بالإحرام الصحيح بعد الفوات يكون بالطواف والسعي فكذلك عن الإحرام الفاسد ولو كان أصاب في حجه صيدا فعليه الكفارة لأن إحرامه بعد الفساد باق فيجب بارتكاب المحظور ما يلزمه بارتكابه في الإحرام الصحيح وهذا الذي أفسد الحج إنما يقطع التلبية بعد الفوات حين يأخذ في الطواف ألا ترى أنه لو لم يفته كان أوان قطع التلبية في حقه حين يرمي جمرة العقبة اعتبارا بمن صح حجه فكذلك بعد الفوات .
قال رجل أهل بحجة فقدم " مكة " وقد فاته الحج فأقام حراما حتى يحج مع الناس من قابل بذلك الإحرام قال لا يجزئه عن حجته وبهذا يستدل " أبو يوسف " - C تعالى - على أن إحرامه صار للعمرة حيث لا يجوز أداء الحج به ولكنا نقول قد بقي أصل إحرامه للحج ولكنه تعين عليه الخروج بإعمال العمرة فلا يبطل هذا التعيين بتحول السنة مع أن إحرامه انعقد لأداء الحج في السنة الأولى فلو صح أداء الحج به في السنة الثانية تغير موجب ذلك العقد بفعله وليس إليه تغيير موجب عقد الإحرام وإن قدم وقد فاته الحج فأهل بحجة أخرى فإنه يطوف للذي قد فاته ويسعى ويرفض التي أهل بها وعليه فيها ما على الرافض وعليه قضاء الفائت أيضا لأن أصل إحرامه بعد الفوات تعين للحج فهو بالإهلال بحجة أخرى يصير جامعا بين حجتين فلهذا يرفض التي أهل بها وقد تعين عليه التحلل عن الأولى بالطواف والسعي فلا يتغير ذلك بفعله وإن نوى بهذه التي أهل بها قضاء الفائت فهي هي يعني لا يلزمه بهذا الإهلال شيء لأنه نوى إيجاد الموجود فإن إحرامه بالحج باق بعد الفوات ونية الإيجاد فيما هو موجود لغو فيتحلل بالطواف والسعي وعليه قضاء الفائت فقط بخلاف الأول فقد نوى بالإهلال هناك حجة أخرى سوى الموجود .
قال وإن أهل بعمرة بعد ما فاته الحج رفضها أيضا ومضى في عمل الفائتة لأنه لما لزمه التحلل عن الأول بعمل العمرة يصير جامعا بين العمرتين من حيث العمل وذلك لا يجوز فلهذا يرفض التي أهل بها وقد تعين عليه التحلل عن الأولى بالطواف والسعي فلا يتغير ذلك بفعله .
قال رجل أهل بحجتين وقدم " مكة " وقد فاته الحج قال يحل بالطواف والسعي وعليه عمرة وحجتان ودم لأنه صار رافضا لإحدى الحجتين ولزمه دم لرفضها وقضاء حجة وعمرة ثم قد فاتته الأخرى فيتحلل منها بالطواف والسعي وعليه قضاؤها ولا يكون له أن يتحلل منهما بعمل عمرتين لأنهما لا يجتمعان عملا فكما أخذ في عمل إحداهما صار رافضا للأخرى ولزمه الدم بالرفض .
قال وإذا ساق هديا للقران فقدم وقد فاته الحج قال يصنع بهديه ما شاء لأنه ملكه وقد أعده لمقصوده فإذا فاته ذلك المقصود صنع به ما أحب وكذلك إن لم يفته ولكنه جامع لأن بالجماع فسد حجه وخرج من أن يكون قارنا وإنما أعد هذا الهدي للقران فإذا فاته ذلك صنع به ما شاء فإن كان هديه قد نتج في الطريق ثم فاته الحج أو جامع أو أحصر صنع أيضا بالولد ما شاء لأنه جزء من الأم فكما يصنع بالأم ما شاء فكذلك بالولد وإن لم يكن شيء من هذه العوارض فعليه أن ينحر الأم والولد جميعا فإن نحر الأم ووهب الولد أو باعه فعليه قيمة الولد وكذلك إن ولد هذا الولد ولدا فعليه قيمة ذلك الولد أيضا لأن ما ثبت من الحق في الأصل سري إلى الولد لكونه جزء من أجزائه وإن كان قد كفر عن الولد بعد ما وهبه أو باعه ثم حدث له ولد لم يكن عليه من قبل ولده شيء لأن بأداء الكفارة قد سقط عنه الحق في الولد لله تعالى فلا يلزمه فيما يلد هذا الولد بعد ذلك شيء بخلاف ما قبل التكفير فإن حق الله تعالى في الولد لازم إياه قبل التكفير فيسري إلى ما يتولد منه وهو نظير من أخرج ظبية من الحرم فكفر عنها ثم ولدت ثم ماتت لم يكن عليه فيها ولا في ولدها شيء وإن لم يكفر عنها كان عليه فيها وفي ولدها الكفارة .
قال محرم بالحج قدم " مكة " وطاف بالبيت ثم خرج إلى الربذة فأحصر بها ثم قدم " مكة " بعد فوات الحج فعليه أن يحل بعمرة ولا يكفيه الطواف الأول لأن ذلك كان طواف التحية وليس لطواف التحية أثر في التحلل ولأن التحلل بالطواف يكون في يوم النحر أو بعده وذلك الطواف كان قبل يوم النحر فلا يكون معتبرا في التحلل وإن كان خروجه إلى الربذة بعد الوقت لم يفته " لقوله A من أدرك " عرفة " فقد أدرك الحج " ثم قد تقدم بيان ما عليه من الدماء بعد هذا بسبب الترك والتأخير . قال فإن أهل بعمرة في أشهر الحج ثم قدم " مكة " بعد يوم النحر يقضي عمرته وليس عليه شيء لأن العمرة غير مؤقتة فلا يفوته عمل العمرة بمضي أيام النحر فلهذا لا يلزمه شيء .
والحاصل أن جميع السنة وقت العمرة عندنا ولكن يكره أداؤها في خمسة أيام : يوم " عرفة " ويوم النحر وأيام التشريق هكذا روي عن " عائشة " Bها أنها كانت تكره العمرة في هذه الأيام الخمسة ولأن الله تعالى سمى هذه الأيام أيام الحج فيقتضي أن تكون متعينة للحج الأكبر فلا يجوز الاشتغال فيها بغيرها .
وعلى قول " الشافعي " - C تعالى - : لا تكره العمرة في هذه الأيام الخمسة .
وعن " أبي يوسف " - C تعالى - أنه لا تكره العمرة في يوم " عرفة " قبل الزوال لأن دخول وقت ركن الحج بعد الزوال لا قبله ولكن مع هذه الكراهة لو أدى العمرة في هذه الأيام صح فيبقى محرما في هذه الأيام بها وهو نظير بقاء حرمة الصلاة بعد دخول وقت الكراهة .
قال وإذا أهل الحاج صبيحة يوم النحر بحجة أخرى لزمته ويقضي ما بقي عليه من الأولى ويقيم حراما إلى أن يؤدي الحج بهذا الإحرام من قابل لأنه أحرم بعد مضي وقت الحج من السنة الماضية فينعقد إحرامه لأداء الحج به في السنة القابلة وعليه بجمعه بين الحجتين دم لأن إحرامه للحج باق ما لم يتحلل بالحلق والطواف والجمع بين إحرام الحجتين ممنوع عنه فإذا فعل ذلك لزمه الدم بالجمع المنهي عنه وهذا بخلاف ما إذا أهل بحجتين لأن الدم هناك يلزمه لرفض إحداهما لأن الجمع هناك لا يتحقق حين صار قاضيا لإحداهما وهنا يتحقق لأنه يؤدي ما بقي من أعمال الأولى من غير أن يصير رافضا للأخرى فلهذا لزمه للجمع بينهما دم وإن قدم الحاج " مكة " فأدرك الوقوف بمزدلفة لم يكن مدركا للحج " لقوله A : من فاته " عرفة " بليل فقد فاته الحج " ثم ذكر بعد هذا حكم الإهلال بحجتين أو بعمرتين وقد بينا ذلك ويستوي فيه إن أهل بهما معا أو بإحداهما ثم بالأخرى معا لأنه جامع بين الإحرامين في الحالين فإن رفض إحدى العمرتين ثم قضاها في العام القابل ومعها حجة فهو قارن لأن القران بالجمع بين الحجة والعمرة فكما أن كون الحج في ذمته لا يمنع تحقق القران فكذلك كون العمرة واجبة في ذمته وكذلك إن أتى بهذه العمرة في أشهر الحج ثم حج من عامه ذلك فهو متمتع إن لم يكن ألم بأهله بين النسكين حلالا فإن ألم بأهله بين النسكين حلالا لم يكن متمتعا بلغنا ذلك عن " ابن عمر " وسعيد بن المسيب - Bهم - وهذا بخلاف القارن إن رجع إلى أهله بعد طواف العمرة لأنه إنما رجع محرما فلم يصح إلمامه بأهله فلهذا كان قارنا وقد بينا الفرق بين المتمتع الذي ساق الهدي وبين الذي لم يسق الهدي في حكم الإلمام بأهله وقد بينا الفرق أيضا في حكم المكي الذي قدم الكوفة وبينا القران والتمتع وروى " ابن سماعة " عن ا " محمد " أن المكي إذا قدم الكوفة إنما يجوز له أن يقرن إذا كان خروجه من الميقات قبل دخول أشهر الحج فأما إذا دخلت أشهر الحج قبل خروجه من الميقات فقد حرم عليه القران والتمتع فلا يرتفع ذلك بالخروج عن الميقات بعد ذلك .
قال وإذا قدمت المرأة " مكة " محرمة بالحج حائضا مضت على حجتها غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر " لقوله A ل " عائشة " - Bها - واصنعي جميع ما يصنعه الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " فإذا طهرت بعد مضي أيام النحر طافت للزيارة ولا شيء عليها بهذا التأخير لأنه كان بعذر الحيض وعليها طواف الصدر لأنها طاهرة وإن حاضت بعد ما طافت للزيارة يوم النحر فليس عليها طواف الصدر لما بينا من الرخصة الواردة للحائض في ذلك .
قال وليس على أهل " مكة " ومن وراء الميقات طواف الصدر إنما ذلك على أهل الآفاق الذين يصدرون عن البيت بالرجوع إلى منازلهم فإن نوى الإقامة " بمكة " واتخذها دارا سقط عنه طواف الصدر إن كانت نيته قبل أن يحل النفر الأول لأن وقت الصدر بعد حل النفر الأول فإنما جاء وقت الصدر وهو من أهل " مكة " فلا يلزمه طواف الصدر وإن كانت نيته الإقامة بعد ما حل النفر الأول فعليه طواف الصدر في قول " أبي حنيفة " و ا " محمد " رحمهما الله تعالى لأن ذلك قد لزمه بمجيء وقت الصدر قبل نية الإقامة فلا يسقط عنه بنيته الإقامة بعد ذلك كالمرأة إذا حاضت بعد خروج وقت الصلاة لا تسقط عنها تلك الصلاة .
( يتبع . . . )