( تابع . . . 3 ) : قال وإذا عطب الصيد بفسطاط المحرم أو بحفيرة حفرها للماء فلا شيء .
قال وليس عليه أن يعرف بالجزور في جزاء الصيد ولا أن يقلده لأن سنة التقليد والتعريف فيما يكون نسكا وهذا دم كفارة فلا يسن فيه التعريف والتقليد وإن كان لو فعل ذلك لا يضره وعلى هذا هدي الأحصار والكفارات وكان المعنى فيه أن ما يكون نسكا فالتشهير فيه أولى ليكون باعثا لغيره على أن يفعل مثل ما فعله فأما ما يكون كفارة فسببه ارتكاب المحظور فالستر على نفسه في مثله أولى من التشهير " قال A من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر يستر الله تعالى عليه " .
قال وإذا رمى الصيد وهو حلال ثم أحرم فليس عليه في ذلك شيء لأن فعله في الرمي كان مباحا مطلقا ولأن الجناية على الإحرام بما يتعقبه لا بما يسبقه .
قال وإذا رمى طائرا على غصن شجرة أصلها في الحرم أو في الحل لم ينظر إلى أصلها ولكن ينظر إلى موضع الطائر فإن كان ذلك الغصن في الحل فلا جزاء عليه وإن كان في الحرم فعليه فيه الجزاء لأن قوام الصيد ليس بالغصن قال الله تعالى { " أولم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله " } النحل : 79 فكان المعتبر فيه موضع الصيد فإن كان ذلك الموضع من هواء الحرم فالصيد صيد الحرم وإن كان من هواء الحل فالصيد صيد الحل فأما في قطع الغصن فينظر إلى أصل الشجرة فإن كان في الحل فله أن يقطعه وإن كان في الحرم فليس له أن يقطعه لأن قوام الأغصان بالشجرة فينظر إلى أصل الشجرة فيجعل حكم الأغصان حكم أصلها وإن كان بعض الأصل في الحرم وبعضه في الحل فهو من شجر الحرم أيضا لأنه اجتمع فيه المعنى الموجب للحظر والموجب للحل فهو بمنزلة صيد قائم بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم يكون من صيد الحرم بخلاف ما إذا كانت قوائم الصيد في الحل ورأسه في الحرم فإن قوامه بقوائمه دون رأسه إلا أن يكون نائما ورأسه في الحرم فحينئذ قوامه بجميع بدنه فإذا كان جزء منه في الحرم فهو بمنزلة صيد الحرم ثم الأصل في حرمة أشجار الحرم " قوله A لا يختلي خلاها ولا يعضد شوكها " . قال " هشام " سألت ا ا " محمد " ا - C تعالى - عن معنى هذا اللفظ فقال كل مالا يقوم على ساق . وروي أن " عمر " - رضي الله تعالى عنه - قطع دوحة كانت في موضع الطواف تؤذي الطائفين فتصدق بقيمتها وحرمة أشجار الحرم كحرمة صيد الحرم فإن صيد الحرم يأوي إلى أشجار الحرم ويستظل بظلها ويتخذ الأوكار على أغصانها فكما تجب القيمة في صيد الحرم على من أتلفه فكذلك تجب القيمة على من قطعه وشجر الحرم ما ينبت بنفسه لا ما ينبته الناس فأما ما ينبته الناس عادة ليس له حرمة الحرم سواء أنبته إنسان أو نبت بنفسه لأن الناس يزرعون ويحصدون في الحرم من لدن رسول الله A - إلى يومنا هذا من غير نكير ومنكر ولا زجر زاجر فأما ما لا ينبته الناس عادة إذا أنبته إنسان فلا شيء عليه في قطعه أيضا لأنه ملكه والتحق فعله بما ينبته الناس عادة فأما إذا نبت بنفسه فله حرمة الحرم وإن كان مملوكا لإنسان بأن نبت في ملكه حتى قالوا لو نبت في ملك رجل أو غيلان فقطعه إنسان فعليه قيمته لمالكه وعليه قيمة لحق الشرع بمنزلة ما لو قتل صيدا مملوكا في الحرم .
قال وإن قطع رجلان شجرة من شجر الحرم فعليهما قيمة واحدة على قياس صيد الحرم إذا قتله رجلان إلا أن هنا يستوي إن كانا محرمين أو حلالين بخلاف صيد الحرم لأن حرمة الصيد في حق المحرم بسبب الإحرام فيتكامل على كل واحد منهما فأما حرمة الشجرة بسبب الحرم لأن الإحرام لا يمنع قطع الشجرة فلهذا كان المحرم والحلال في ذلك سواء ويكون الواجب على كل واحد منهما نصف القيمة ولا يجزي فيه الطعام إنما يهدى أو يطعم على قياس ما بينا في صيد الحرم في حق الحلال .
قال ولا أحب له أن ينتفع بتلك الشجرة التي أدى قيمتها لأنه لو أبيح له ذلك لتطرق الناس إلى مثله فلا تبقى أشجار الحرم وفي ذلك إيحاش صيد الحرم ولكنه لو انتفع بها فلا شيء عليه لأن المقطوع صار مملوكا له بما غرم من القيمة وليس للمقطوع حرمة الحرم بعد القطع فلا شيء عليه في الانتفاع ألا ترى أنه لو ذبح صيد الحرم ثم تناوله بعد ما أدى الجزاء لم يلزمه بالتناول شيء فهذا مثله فإن غرسها فنبتت فله أن يقطعها ويصنع بها ما شاء لأن المقطوع ملكه وهو الذي أنبته وقد بينا أن ما ينبته الناس لا يثبت فيه حرمة الحرم .
قال وما تكسر من شجر الحرم ويبس حتى سقط فلا بأس بالانتفاع به لأن ثبوت الحرمة بسبب الحرم بما يكون ناميا فيه حياة مثله والمتكسر وما يبس ليس فيه معنى النمو فلا بأس بالانتفاع به .
قال ولا يختلي حشيش الحرم ولا يقطع إلا الأذخر فإنه بلغنا عن رسول الله - A - أنه رخص فيه وإنما أراد به ما " روي أن " العباس " - Bه - لما قال رسول الله - A - لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها قال إلا الأذخر يا رسول الله فإنها لقبورهم وبيوتهم أو لبيوتهم وقبورهم فقال A إلا الأذخر " وتأويل هذا أنه كان من قصده A أن يستثني إلا أن " العباس " سبقه لذلك أو كان أوحى إليه أن يرخص فيما يستثنيه " العباس " - Bه - وكما لا يرخص في قطع الحشيش في الحرم بالمنجل فكذلك لا يرخص في رعي الدواب في قول " أبي حنيفة " و ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - وقال " أبو يوسف " - C تعالى - لا بأس بالرعي لأن الذين يدخلون الحرم للحج أو العمرة يكونون على الدواب ولا يمكنهم منع الدواب من رعي الحشيش ففي ذلك من الحرج ما لا يخفى فيرخص فيه لدفع الحرج وعلى قول " ابن أبي ليلى " C تعالى - لا بأس بأن يحتش ويرعى لأجل البلوى والضرورة فيه فإنه يشق على الناس حمل علف الدواب من خارج الحرم ولكن " أبو حنيفة " و ا ا " محمد " - رحمهما الله تعالى - " استدلا بقوله A لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها " وفي الاحتشاش ارتكاب النهي وكذلك في رعي الدواب لأن مشافر الدواب كالمناجل وإنما تعتبر البلوى فيما ليس فيه نص بخلافه فأما مع وجود النص لا معتبر به .
قال ولا بأس بأخذه الكمأة في الحرم لأنه ليس من نبات الأرض بل هو مودع فيه وكذلك لا بأس بأخذ حجارة الحرم . وقد نقل عن " ابن عباس " و " ابن عمر " - Bهما - أنهما كرها ذلك ولكنا نأخذ بالعادة الجارية الظاهرة فيما بين الناس بإخراج القدور ونحوها من الحرم ولأن الانتفاع بالحجر في الحرم مباح وما يجوز الانتفاع به في الحرم يجوز إخراجه من الحرم أيضا ثم حرمة الحرم خاصة " بمكة " عندنا وليس للمدينة حرمة الحرم في حق الصيود والأشجار ونحوها .
وقال " الشافعي " - C تعالى - للمدينة حرمة الحرم حتى أن من قتل صيدا فيها فعليه الجزاء " لقوله A إن " إبراهيم " عليه السلام حرم " مكة " وأنا أحرم ما بين لابتيها يعنى المدينة وقال من رأيتموه يصطاد في المدينة فخذوا ثيابه " .
وحجتنا في ذلك ما " روي أن رسول الله - A - أعطى بعض الصبيان بالمدينة طائرا فطار من يده فجعل يتأسف على ذلك ورسول الله A - يقول : يا " أبا عمير " ما فعل النغير اسم ذلك وهو طير صغير مثل العصفور ولو كان للصيد في " المدينة " حرمة الحرم لما ناوله رسول الله - A - صبيا ولأن هذه بقعة يجوز دخولها بغير إحرام فتكون قياس سائر البلدان بخلاف الحرم فإنه ليس لأحد أن يدخلها إلا محرما . " .
قال وإذا قتل المحرم البازي المعلم فعليه فيه الكفارة غير قيمته معلما لأن وجوب الجزاء باعتبار معنى الصيدية فكونه معلما صفة عارضة ليست من الصيدية في شيء لأن معنى الصيدية في تنفره وبكونه معلما ينتقص ذلك ولا يزداد لأن توحشه من الناس يقل إذا كان معلما فلا يجوز أن يكون ذلك زائدا في الجزاء بخلاف ما إذا كان مملوكا لإنسان فإن متلفه يغرم قيمته معلما لأن وجوب القيمة هناك باعتبار المالية وماليته بكونه متنفعا به وذلك يزداد بكونه معلما وكذلك الحمامة إذا كانت تجيء من موضع كذا ففي ضمان قيمتها على المحرم لا يعتبر ذلك المعنى وفي ضمان قيمتها للعباد يعتبر فأما إذا كانت تصوت فتزداد قيمتها لذلك ففي اعتبار ذلك في الجزاء روايتان في إحدى الروايتين لا يعتبر لأنه ليس من معنى الصيدية في شيء وفي رواية أخرى يعتبر لأنه وصف ثابت بأصل الخلقة بمنزلة الحمام إذا كان مطوقا .
وإذا ركبت فصيدى الأبطال .
قال وإذا اضطر المحرم إلى قتل الصيد فلا بأس بأن يقتله ليأكل من لحمه ويؤدي الجزاء وقد بينا هذا فيما سبق أورد في كتاب اختلاف " زفر " و " يعقوب " - رحمهما الله تعالى - أنه إذا اضطر إلى ميتة أو صيد فعلى قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " - رحمهما الله تعالى - يتناول من هذا الصيد ويؤدي الجزاء وعلى قول " زفر " - C تعالى - يتناول من الميتة لأنه لو قتل الصيد صار ميتة فيكون جامعا بين أكل الميتة وقتل الصيد وله عن أحدهما غنية بأن يتناول الميتة ولكنا نقول حرمة الميتة أغلظ . ألا ترى أن حرمة الصيد ترتفع بالخروج من الإحرام وحرمة الميتة لا فعليه أن يتحرز عن أغلظ الحرمتين بالإقدام على أهوانهما وقتل الصيد وإن كان محظور الإحرام ولكنه عند الضرورة لا بأس به كالحلق عند الأذى فلهذا يقتل الصيد ويتناول من لحمه ويؤدي الجزاء والله سبحانه وتعالى أعلم