( تابع . . . 1 ) : صفحة [ 2 ] قال : الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام .
وفي تفسير الجدال قولان : أحدهما أن يجادل رفيقه في الطريق والثاني أن المراد مجادلة المشركين في تقديم وقت الحج وتأخيره وذلك هو النسيء الذي قال الله تعالى : { " إنما النسيء زيادة في الكفر " } الآية وذلك منفي بعد الإسلام قال : ولا يشير إلى صيد ولا يدل عليه " لحديث " أبي قتادة " - Bه - أن النبي - A - قال : لأصحابه - رضوان الله عليهم - وكانوا محرمين هل أشرتم هل أعنتم هل دللتم فقالوا لا فقال إذن فكلوا " ولأن المحرم على المحرم التعرض للصيد بما يزيل الأمن عنه وذلك يحصل بالدلالة والإشارة وربما يتطرق به إلى القتل وما يكون محرم العين فهو محرم بدواعيه كالزنا .
قال : ولا تغط رأسك ولا وجهك وعلى قول " الشافعي " - C تعالى - لا بأس للرجل بأن يغطي وجهه ولا يغطي رأسه والمرأة تغطي رأسها لا وجهها و " استدل بقوله - A - إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها " ولنا " حديث الأعرابي حين وقصت به ناقته في أخافيق جردان وهو محرم فقال - A - لا تخمروا رأسه ووجهه " وفي هذا تنصيص على أن المحرم لا يغطي رأسه ووجهه و " رخص رسول الله - A " لعثمان " - Bه - حين اشتكت عينه في حال الإحرام أن يغطي وجهه " فتخصيصه حالة الضرورة بالرخصة دليل على أن المحرم منهي عن تغطية الوجه ولأن المرأة لا تغطى وجهها بالإجماع مع أنها عورة مستورة فإن في كشف الوجه منها خوف لفتنة فلأن لا يغطي الرجل وجهه لأجل الإحرام أولى وتأويل الحديث بيان الفرق بين الرجل والمرأة في تغطية الرأس قال : ولا تلبس قباء ولا قميصا ولا سراويل ولا قلنسوة لحديث " ابن عمر " - Bه - أن النبي - A - قال : لا يلبس المحرم القباء ولا القميص ولا السراويل ولا القلنسوة ولا الخفين إلا أن يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تتنقب المرأة الحرم . قال : ولا تلبس ثوبا مصبوغا بالعصفر ولا بالزعفران ولا بالورس لما " روي عن النبي - صفحة [ 8 ] A - أنه قال لا يلبس المحرم ثوبا مسه زعفران أو ورس " وإن " عمر بن الخطاب " - Bه - لما رأى على " طلحة بن عبيدالله " ثوبا مصبوغا بعد إحرامه علاه بالدرة فقال لا تعجل يا أمير المؤمنين فإنما هو بمشق فقال نعم ولكن من ينظر إليك من بعد لا يعرف ذلك فيرجع إلى قبيلته ويقول رأيت على " طلحة " في إحرامه ثوبا مصبوغا فيعيرك الناس بذلك فإن كان قد غسل حتى لا ينفض فلا بأس بلبسه لأن المنهي نفس الطيب لا لونه وبعد الغسل بهذه الصفة لا يبقى من عين الطيب فيه شيء .
قال : ولا تمس طيبا بعد إحرامك ولا تدهن " لقوله - A - الحاج الشعث التفل " واستعمال الدهن والطيب يزيل هذه الصفة فيكون محرما بعد الإحرام .
قال : وإذا حككت رأسك فارفق بحكه حتى لا يتناثر الشعر فإن إزالة ما ينمو من البدن حرام على المحرم لأن أوان قضاء التفث عند التحلل من الإحرام كما قال الله تعالى بعد ذبح الهدي { " ثم ليقضوا تفثهم " } .
قال : ولا تغسل رأسك ولحيتك بالخطمى لأن الخطمى تقتل هوام الرأس وتزيل الشعث الذي جعله رسول الله - A - صفة الحاج وهو من نوع قضاء التفث أيضا .
قال : ولا تقص أظفارك لأنه إزالة ما ينمو من البدن فكان من نوع قضاء التفث .
قال : وأكثر من التلبية في دبر كل صلاة وكلما لقيت ركبا وكلما علوت شرفا وكلما هبطت واديا وبالأسحار هكذا نقل أن أصحاب رسول الله - A - ورضي عنهم - كانوا يلبون في هذه الأحوال ثم تلبية المحرم في أدبار الصلوات كتكبير غير المحرم في أيام الحج . في أدبار الصلوات فكما يؤتى بالتكبير بعد السلام فكذلك بالتلبية وكما أن المصلي يكبر عند الانتقال من ركن إلى ركن فكذلك المحرم يلبي عند الانتقال من حال إلى حال . وروى " الأعمش " عن " خثعمة " قال : كانوا يستحبون التلبية عند ست في أدبار الصلوات وإذا استعطف الرجل براحلته وإذا صعد شرقا وإذا هبط واديا وإذا لقي بعضهم بعضا وبالأسحار .
قال : وإذا قدمت مكة فلا يضرك ليلا دخلتها أو نهارا لأن هذا دخول بلدة فيستوي فيه الليل والنهار كسائر البلدان والرواة اختلفوا في وقت دخول رسول الله - A - " مكة " فروى " جابر " - Bه - أنه - A - صلى العشاء بذي طوى ثم هجع هجعة ثم دخل " مكة " فطاف ليلا وروى " ابن عمر " - Bه - أنه بات " بذي طوى " فلما أصبح دخل " مكة " نهارا والذي روى " عن عمر " - Bه - أنه كان ينهى الناس عن دخول " مكة " ليلا كان .
صفحة [ 9 ] ذلك للإشفاق مخافة السرق ليرى الإنسان أين ينزل ويضع رحله وروي " عن عمر " - Bه - أنه حين قدم " مكة " معتمرا في رمضان وجد الناس يصلون التروايح فصلى معهم وعن " عائشة " و " الحسن " و " الحسي " ن - رضوان الله عليهم - أنهم كانوا يدخلون " مكة " ليلا .
قال : فادخل المسجد لأنه قصد زيارة البيت والبيت في المسجد وروى " جابر " - Bه - أن النبي - A - لما دخل " مكة " دخل المسجد فلما وقع بصره على البيت قال : اللهم زد بيتك تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا ومهابة ولم يذكر في الكتاب تعيين شيء من الأدعية في مشاهد الحج لما قال " محمد " - C تعالى - التوقيت في الدعاء يذهب رقة القلب فاستحبوا أن يدعو كل واحد بما يحضره ليكون أقرب إلى الخشوع وإن تبرك بما نقل عن رسول الله - A - فهو حسن وكان " ابن عمر " - Bه - يقول : إذا لقي البيت بسم الله والله أكبر وعن " عطاء " - Bه - " أن النبي - A - كان إذا لقي البيت يقول : أعوذ برب البيت من الدين والفقر ومن ضيق الصدر وعذاب القبر " . قال : ثم ابدأ بالحجر الأسود فاستلمه هكذا روى " جابر " - Bه - أن النبي - A - بدأ بالحجر الأسود فاستلمه وعن " عمر " - Bه - أنه استلم الحجر الأسود وقال رأيت " أبا القاسم " بك حفيا وعن " ابن عمر " - Bه - أن النبي - A - قبل الحجر ووضع شفتيه عليه وبكى طويلا ثم نظر فإذا هو بعمر - Bه - فقال يا " عمر " هنا تسكب العبرات وإن " عمر " - Bه - في خلافته لما أتى الحجر الأسود وقف فقال : أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله - A - استلمك ما استلمتك فبلغت مقالته " عليا " - Bه - فقال أما إن الحجر ينفع فقال " عمر " - Bه - وما منفعته يا ختن رسول الله - A - فقال : سمعت رسول الله - A - يقول : إن الله تعالى لما أخذ الذرية من ظهر آدم - عليه السلام - وقررهم بقوله ألست بربكم ؟ قالوا : بلى أودع إقرارهم الحجر فمن يستلم الحجر فهو يجدد العهد بذلك الإقرار والحجر يشهد له يوم القيامة واستلام الحجر للطواف بمنزلة التكبير للصلوات فيبدأ به طوافه .
قال : إن استطعت من غير أن تؤذي مسلما لما " روي أن النبي - A - قال " لعمر " - Bه - إنك رجل أيد تؤذي الضعيف فلا تزاحم الناس على الحجر ولكن إن وجدت فرجة فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر وهلل " ولأن استلام الحجر سنة والتحرز عن أذى المسلم واجب فلا ينبغي له أن يؤذي .
صفحة [ 10 ] مسلما لإقامة السنة ولكن إن استطاع تقبيله فعل وإلا مس الحجر بيده وقبل يده وإن لم يستطع ذلك أمس الحجر شيئا من عرجون أو غيره ثم قبل ذلك الشيء جاء في الحديث أن النبي - A - طاف على راحلته واستلم الأركان بمحجنه وإن لم يستطع شيئا من ذلك استقبله وكبر وهلل وحمد الله تعالى وصلى على النبي - A - وهذا استقبال مستحب غير واجب لأن استقبال البيت عند الطواف لو كان واجبا كان في جميعه كاستقبال القبلة في الصلوات ولكنه مستحب لحديث " ابن عباس " - Bه - قال : إن الحجر يبعث يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به فيشهد بالحق لمن استلمه أو استقبله قال : ثم خذ عن يمينك على باب البيت فطف سبعة أشواط هكذا " رواه " جابر " - Bه - أن النبي - A - أخذ على يمينه من باب الكعبة فطاف سبعة أشواط ومقادير العبادة تعرف بالتوقيف لا بالرأي " .
قال : يرمل في الثلاثة الأول في كل شوط منها من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود فالحاصل أن كل طواف بعده سعي فالرمل في الثلاثة الأول منها سنة وكل طواف ليس بعده سعي فلا رمل فيه والرمل هو الاضطباع وهز الكتفين وهو أن يدخل أحد جانبي ردائه تحت إبطه ويلقيه على المنكب الآخر ويهز الكتفين في مشيه كالمبارز الذي يتبختر بين الصفين وكان " ابن عباس " - Bه - يقول لا رمل في الطواف وإنما فعله رسول الله - A - إظهارا للجلادة للمشركين على ما روي أن في عمرة القضاء لما أخلوا له البيت ثلاثة أيام وصعدوا الجبل طاف رسول الله - A - مع أصحابه فسمع بعض المشركين يقول لبعض أضناهم حمى يثرب فاضطبع رسول الله - A - رداءه فرمل فقال لأصحابه - رضوان الله عليهم - أجمعين رحم الله امرأ أداهم من نفسه قوة وجلدا فإذا كان ذلك لإظهار الجلادة يومئذ وقد انعدم ذلك المعنى الآن فلا معنى للرمل والمذهب عندنا أن الرمل سنة لحديث " جابر " و " ابن عمر " - Bهما - أن النبي - A - طاف يوم النحر في حجة الوداع فرمل في الثلاثة الأول ولم يبق المشركون " بمكة " عام حجة الوداع وروي أن " عمر بن الخطاب " - Bه - لما أراد الرمل في طوافه فقال : علام أهز كتفي وليس هنا أحد أرائيه ولكنني رأيت رسول الله - A - يفعله فأفعله اتباعا له وأكثر ما فيه أن سببه ما ذكره " ابن عباس " - Bه - ولكنه صار سنة بذلك السبب فيبقى بعد زواله كرمى الجمار سببه رمي " الخليل " - صلوات الله عليه - الشيطان ثم بقي بعد زوال ذلك السبب والرمل من .
صفحة [ 11 ] الحجر الأسود إلى الحجر الأسود عندنا .
وقال " سعيد بن جبي " ر - Bه - لا رمل بين الركن اليماني والحجر وإنما الرمل من الحجر إلى الركن اليماني وروي في بعض الآثار : " أن النبي - A - كان يرمل من الحجر الأسود إلى الركن اليماني " لأن المشركين كانوا يطلعون عليه فإذا تحول إلى الجانب الآخر حال البيت بينه وبينهم فكان لا يرمل وبهذا أخذ " سعيد بن جبير " " وعطاء " - رحمهما الله تعالى - ولكنا نأخذ " بحديث " جابر " و " ابن عمر " - Bهما - أن النبي - A - رمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر " قال : وإن زحمك الناس في رملك فقم فإذا وجدت مسلكا فارمل لأنه تعذر عليه إقامة السنة في الطواف للزحام فليصبر حتى يتمكن من إقامة السنة كالمزحوم يوم الجمعة يصبر حتى يتمكن من السجود وتطوف الأربعة الأشواط الأخر مشيا على هينتك على هذا اتفق رواة نسك رسول الله - A - وكلما مررت بالحجر الأسود في طوافك هذا فاستلمه إن استطعت من غير أن تؤذي مسلما فإن لم تستطع فاستقبله وكبر وهلل لأن أشواط الطواف كركعات الصلوات فكما تفتتح كل ركعة تقوم إليها بالتكبير فكذلك تفتتح كل شوط باستلام الحجر وإن أفتتحت به الطواف وختمت به أجزأك كما في الصلوات فترك تكبيرات الانتقال لا يمنع الجواز فكذلك لا بأس بترك استلام الحجر عند افتتاح كل شوط فإذا كان افتتاحه للطواف باستلام الحجر وختمه بذلك ففيما بين ذلك يجعل كالمستلم حكما .
قال : وليكن طوافك في كل شوط وراء الحطيم والحطيم اسم لموضع بينه وبين البيت فرجة يسمى ذلك الموضع حطيما وحجرا فتسميته بالحجر على معنى أنه حجر من البيت أن منع منه وتسميته بالحطيم على معنى أنه محطوم من البيت أي مكسور منه فعيل بمعنى مفعول كالقتيل بمعنى مقتول وقيل بل فعيل بمعنى فاعل أي حاطم كالعليم بمعنى عالم وبيانه فيما جاء في الحديث من دعى على من ظلمه فيه حطمه الله تعالى فينبغي لمن يطوف أن لا يدخل في تلك الفرجة في طوافه ولكنه يطوف وراء الحطيم كما يطوف وراء البيت لأن الحطيم من البيت وهكذا روي أن " عائشة " - Bها - نذرت إن فتح الله " مكة " على رسول الله - A - أن تصلي في البيت ركعتين فأخذ رسول الله - A - بيدها وأدخلها الحطيم وقال صلى هنا فإن الحطيم من البيت إلا أن قومك قصرت بهم النفقة فأخرجوه من البيت ولولا حدثان عهد قومك بالجاهلية لنقضت بناء الكعبة وأظهرت قواعد الخليل - صلوات الله عليه - وأدخلت الحطيم في البيت .
( يتبع . . . )