قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي C إملاء اختلف الناس في كتاب الحيل أنه من تصنيف محمد C أم لا كان أبو سلمان الجوزجاني ينكر ذلك ويقول من قال أن محمدا C صنف كتابا سماه الحيل فلا تصدقه وما في أيدي الناس فإنما جمعه وراقو بغداد وقال إن الجهال ينسبون علماءنا رحمهم الله إلى ذلك على سبيل التعيير فكيف يظن بمحمد C أنه سمى شيئا من تصانيفه بهذا الاسم ليكون ذلك عونا للجهال على ما يتقولون وأما أبو حفص C كان يقول هو من تصنيف محمد C وكان يروي عنه ذلك وهو الأصح فإن الحيل في الأحكام المخرجة عن الإمام جائزة عند جمهور العلماء وإنما كره ذلك بعض المتعسفين لجلهم وقلة تأملهم في الكتاب والسنة والدليل على جوازه من الكتاب قوله تعالى : { وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } هذا تعليم المخرج لأيوب عليه السلام عن يمينه التي حلف ليضربن زوجته مائة فإنه حين قالت له : لو ذبحت عناقا باسم الشيطان في قصة طويلة أوردها أهل التفسير رحمهم الله وقال تعالى : { ولما جهزهم بجهازهم } جعل السقاية في رحل أخيه إلى قوله : { ثم استخرجها من وعاء أخيه } كذلك كدنا ليوسف وذلك منه حيلة وكان هذا حيلة لامساك أخيه عنده حينئذ ليوقف إخوته على مقصوده وقال جل جلاله حكاية عن موسى عليه السلام : { ستجدني إن شاء الله صابرا } ولم يقل على ذلك لأنه قيد سلامته بالاستثناء وهو مخرج صحيح قال الله تعالى : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } وأما السنة فما روى أن رسول الله A قال يوم الأحزاب لعروة بن مسعود في شأن بني قريظة فلعلنا أمرناهم بذلك فلما قال له عمر Bه في ذلك قال عليه السلام الحرب خدعة وكان ذلك منه اكتساب حيلة ومخرج من الإثم بتقييد الكلام بلعل ولما أتاه رجل وأخبره أنه حلف بطلاق امرأته ثلاثا أن لا يكلم أخاه قال له : طلقها واحدة فإذا انقضت عدتها فكلم أخاك ثم تزوجها وهذا تعليم الحيلة والآثار فيه كثيرة من تأمل أحكام الشرع وجد المعاملات كلها بهذه الصفة فإن من أحب أمرأة إذا سأل فقال : ما الحيلة لي حتى أصل إليها يقال له تزوجها وإذا هوى جارية فقال ما الحيلة لي حتى أصل إليها يقال له اشتراها وإذا كره صحبة امرأته فقال : ما الحيلة لي في التخلص منها قيل له : طلقها وبعد ما طلقها إذا ندم وسأل الحيلة في ذلك قيل له : راجعها وبعد ما طلقها ثلاثا إذا تابت من سوء خلقها وطلبا حيلة قيل لهما الحيلة في ذلك أن تتزوج بزوج أخر ويدخل بها فمن كره الحيل في الأحكام فإنما يكره في الحقيقة أحكام الشرع وإنما يقع مثل هذه الأشياء من قلة التأمل فالحاصل أن ما يتخلص به الرجل من الحرام أو يتوصل به إلى الحلال من الحيل فهو حسن وإنما يكره ذلك أن يحتال في حق لرجل حتى يبطله أو في باطل حتى يموهه أو في حق يدخل فيه شبهة فما كان على هذا السبيل فهو مكروه وما كان على السبيل الذي قلنا أولا فلا بأس به لأن الله تعالى قال : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ففي النوع الأول معنى التعاون على البر والتقوى وفي النوع الثاني معنى التعاون على الإثم والعدوان إذا عرفنا هذا فنقول : بدأ الكتاب بحديث عبدالله بن بريدة Bه قال : سئل رسول الله A عن آية من كتاب الله تعالى فقال عليه السلام للسائل لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بها فقام رسول الله A فلما أخرج إحدى رجليه من المسجد أخبره بالآية قبل أن يخرج الرجل الأخرى فأهل الحديث رحمهم الله يروون هذا الحديث على وجه آخر فإنهم يروون عن أبي بن كعب Bه أنه كان يصلي في المسجد إذ دخل رسول الله A فدعاه فلما فرغ من صلاته جاء فقال عليه السلام ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك أما تدري قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا استجيبو لله وللرسول إذا دعاكم قال : كنت في الصلاة يا رسول الله عليك السلام فقال عليه السلام ألا أنبئك بسورة أنزلت علي ليس في التوراة ولا في الإنجبل ولا في الزبور مثلها فقلت : نعم فقال عليه السلام لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بها ثم شغله وفد عني فلما قام النبي A ليخرج جعلت أمشي معه وأقول في نفسي لعله نسى يمينه فلما أخرج إحدى رجليه فقلت السورة التي وعدتني يا رسول الله فقال عليه السلام ماذا تقرأ في صلاتك قلت : أم القرآن قال عليه السلام : نعم إنها هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها وفائدة الحديث أنه عليه السلام أخبره بعد إخراج إحدى الرجلين للتحرز عن خلف الوعد من الأنبياء عليهم السلام كالعهد من غيرهم وللتحرز عن .
الحنث على ما أشار إليه في حديث أبي Bه من قوله لعله نسى يمينه ففيه إشارة إلى أنه كان حلف له وفيه دليل على أنه لا يصير خارجا بإخراج إحدى الرجلين ولا داخلا بإدخال إحدى الرجلين ولهذا قال علماؤنا رحمهم الله من حلف على زوجته أن لا تخرج من الدار فأخرجت إحدى رجليها لم يحنث في يمينه وهذا لأن الخروج انتقال من الداخل إلى الخارج ولا يحصل ذلك إلا بإخراج القدمين وقد بينا وجوه هذه المسألة في كتاب الإيمان ثم مراد رسول الله A من تفضيل آية أو سورة على غيرها هو الثواب عند التلاوة فإن القرآن كله كلام الله تعالى غير محدث ولا مخلوق ولا تفاوت بين السور والآي في هذا ولكن يجوز أن يقال أن القارئ ينال الثواب على قراءة سورة ما لا يناله على قراءة سورة أخرى بيانه أنه بقراءة سورة الإخلاص يستحق من الثواب ما لا يستحق بقراءة تبت من حيث أنه في قراءة سورة الإخلاص قراءة القرآن والإقرار بوحدانية الله تعالى والثناء على الله تعالى بما هو أهله وفي قراءة سورة تبت قراءة القرآن ولكن ليس فيها ما بينا من المعاني الآخر وما نقل في هذا الباب من الآثار من نحو ما روى إن من قرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات فكأنما ختم القرآن ومن قرأ سورة الكافرون فكأنما قرأ ربع القرآن تأويله ما بينا وأيد ما قلنا اتفاق العلماء رحمهم الله على تعيين الفاتحة للقراءة في كل صلاة عند بعضهم واجبا وعند بعضهم فرضا ذكر عن عمر بن الخطاب Bه أنه قال : من معاريض الكلام مايغنى المسلم عن الكذب وفيه دليل على أنه لا بأس باستعمال المعاريض للتحرز عن الكذب فإن الكذب حرام لا رخصة فيه والذي يروى حديث عقبة ابن أبي معيط Bه أن رسول الله A رخص في الكذب في ثلاثة مواضع في الرجل يصلح بين الناس والرجل يكذب لامرأته والكذب في الحرب تأويله في استعمال معاريض الرجال الكلام فإن صريح الكذب لا يحل هنا كما لا يحل في غيره من المواضع والذي يروي أن الخليل عليه السلام كذب ثلاث كذبات إن صح فتأويل هذا أنه ذكر كلاما عرض فيه ما خفي عن السامع مراده وأضمر قلبه خلاف ما أظهره فأما الكذب المحض من جملة الكبائر والأنبياء عليهم السلام كانوا معصومين عن ذلك ومن جوز عليهم الكذب فقد أبطل الشرائع لأنه جعل ذلك باختيارهم وإذا جاز عليهم الكذب في خبر واحد جاز في جميع ما أخبروا به وبطلان هذا القول لا يخفى على ذي لب فعرفنا إن المراد استعمال المعاريض وقال ابن عباس ما يسرني بمعاريض الكلام حمر النعم فإنما يريد به أن بمعاريض الكلام يتخلص المرء من الإثم ويحصل مقصوده فهو خير من حمر النعم والأصل في جواز المعاريض قوله تعالى : { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } الآية فقد جوز الله تعالى المعاريض ونهى عن التصريح بالخطبة بقوله D { ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا } ثم بيان استعمال المعاريض من أوجه أحدهما أن يقيد المتكلم كلامه بلعل وعسى كما قال عليه السلام فلعنا أمرناهم بذلك ولم يكن أمر به ولم يكن ذلك كذبا منه لتقييد كلامه بلعل والثاني أنه يضمر في لفظه معنى سوى ما يظهره ويفهمه السامع من كلامه وبيانه فيما روى أن النبي A قال لتلك العجوز أن الجنة لا يدخلها العجائز فجعللت تبكي فقال لها رسول الله A أهل الجنة جرد مرد مكحلون أخبرها بلفظ أضمر فيه سوى ما فهمت من كلامه فدل أن ذلك لا بأس به ومن ذلك ما روى عن عبيدة السلماني Bه قال : خطب علي Bه فقال : والله ما قتلت عثمان ولا كرهت قتله وما أمرت ولا نهيت فدخل عليه بعض من الله أعلم بحاله فقال له في ذلك قولا فلما كان في مقام آخر فقال من كان سائلي عن قتل عثمان Bه فالله قتله وأنا معه قال ابن سيرين C هذه كلمة قرشية ذات وجوه أما قوله ماقتلت عثمان Bه فهو صدق حقيقة ولا كرهت قتله أي كان قتله بقضاء الله تعالى ونال درجة الشهادة فما كرهت له هذه الدرجة وما كرهت قضاء الله وقدره وأما قوله فالله قتله وأنا معه مقتول أقتل كما قتل عثمان Bه فقد كان رسول الله A أخبر بأنه يستشهد بقوله وإن أشقى الأولين والآخرين من خضب بدمك هذه من هذه وأشار إلى عنقه ولحيته وقد كان علي Bه ابتلى بصحبة قوم على همم متفرقة فقد كان يحتاج إلى أن يتكلم بمثل هذا الكلام الموجه ومنه ما يروى عن سويد بن عفلة أن عليا لما قتل الزنادفة نظر إلى الأرض ثم رفع رأسه إلى السماء ثم قال : صدق الله .
ورسوله ثم قام فدخل بيته فأكثر الناس في ذلك فدخلت عليه فقلت يا أمير المؤمنين ماذا فنيت به الشيعة منذ اليوم أرأيت نظرك إلى الأرض ثم رفعك إلى السماء ثم قولك صدق الله ورسوله أشيء عهد إليك رسول الله A أم شيء رأيته فقال علي هل علي من بأس أن أنظر إلى الأرض فقلت : لا فقال : وهل علي من بأس أن أنظر إلى السماء فقلت : لا فقال : هل علي من بأس أن أقول صدق الله ورسوله فقلت : لا فقال : فإني رجل مكابد وإنما أشار إلى المعنى الذي بينا أنه يحتاج إلى الوقوف على ما يضمره كل فريق من أصحابه وكان يضع مثل هذا الكلام ويتكلم بكلام موجه لذلك ومنه ما روى أنه كان إذا دخله ريبة من كل فريق جعل يمسح جبينه ويقول : ما كذبت ولا كدت يوهمهم أن رسول الله A أخبره بحالهم فيظهرون له ما في باطنهم ومن ذلك ما روي عن علي رضي لله عنه قال : والله لا أغسل شعري حتى أفتح مصر وأترك البصرة كجوف حمار ميت وأعرك أذن عمار عرك الأديم وأسوق العرب بعصاي فذكروا لابن مسعود Bه ذلك فقال : إن عليا يتكلم بكلام لا يصدر وها غرة هامته على مثل الطشت لا شعر عليها فأي شعر يغسله بهذه يتبين أن الكبار من الصحابة Bهم كانوا يستعملون معاريض الكلام في حوائجهم وكذلك من بعدهم من التابعين رحمهم الله على ما يحكى عن رجل قال : كنت عند إبراهيم C وامرأته تعاتبه في جاريته وبيده مروحة فقال : أشهدكم أنها لها فلما خرجنا قال : على ماذا شهدتم قلنا : شهدنا على أنك جعلت الجارية لها فقال أما رأيتموني أشير إلى المروحة إنماقلت لكم أشهدوا أنها لها وأنا أعني المروحة التي كنت أشير إليها وكانوا يعلمون غيرهم ذلك أيضا على ما ذكره في الكتاب عن إبرهيم C في رجل أخذه رجل فقال : إن لي معك حقا قال : لا فقال : احلف لي بالمشي إلى بيت الله تعالى فقال : أحلف وأعني مسجد حيك وإنما يحمل هذا على أن إبراهيم C علم أن المدعي مبطل وإنما المدعي عليه برئ فعليه الحيلة وهو أن يحلف بالمشي إلى بيت الله تعالى يعني مسجد حيه فإن المساجد كلها بيوت الله تعالى أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه قال D : { وإن المساجد لله } ولكن فيه بعض الشبهة فإنه إن كان الرجل بريأ عن الحق ما كان يلزمه شيء لو حلف بالمشي إلى بيت الله من غير هذه النية وإن لم يكن بريأ ما كان له أن يمنع ولا كان يحل لإبراهيم أن يعلمه هذا ليمنع به الحق وما كان ينفعه هذه النية فإن الحالف إن كان ظالما فاليمين على نية من يستحلفه لا على نية الحالف ولا يعتبر بنيته على ما بينته في هذا النوع من الشبهة وعن إبراهيم C أن رجلا قال له : أن فلانا أمرني أن آتى مكان كذا وأنا لا أقدر على ذلك فكيف الحيلة لي فقال قل والله لا أبصر إلا ما بصرني به غيري وفي رواية إلا ما سدد لي غيري يعني إلا ما بصرك ربك فيقع عند السامع أن في بصره ضعفا يمنعه من أن يأتيه في الوقت الذي يطلب منه فلا يستوجس بامتناعه وهو يضمر في نفسه معنى صحيحا فلا تكون يمينه كاذبة وبيانه فيما روي عن رسول الله A أنه قال : من كمال العقل موابأة الناس فيما لا يأثم به وذكر عن ابن سيرين C أنه قال : كان رجل من باهلة عيونا فرأى بغلة لشريح C فأعجبته فقال له شريح إما أنها إذا ربضت لم تقم حتى تقام أي أن الله D هو الذي يقيمها قدرته وقال الرجل أف أف وفي هذا الحديث زيادة فإن الرجل لما أبصر البغلة فأعجبته ربضت من ساعتها فقال شريح ماقال فلما قال الرجل أف أف قامت وفي هذا دليل أن العين حق وقد كان رسول الله A يتعوذ من عين السوء ومنه يقال إن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر فأراد شريح أن يرد عينه بأن يحقرها في عينه وقال ما قال وأضمر فيه معنى صحيحا وهو أن الله تعالى يقيمها بقدرته وذكر عن النزال بن سيدة قال : جعل حذيفة يحلف لعثمان Bهما أشياء بالله ما قالها وقد سمعناه يقولها فقلنا له : يا أبا عبدالله سمعناك تحلف لعثمان على أشياء ما قلتها وقد سمعناك قلتها فقال : إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله وإن حذيفة Bه من كبار الصحابة وكان بينه وبين عثمان Bه بعض المداراة فكان يستعمل معاريض الكلام فيما يخبره به ويحلف له عليه فلما أشكل على السامع سأله عن ذلك فقال إني أشتري ديني بعضه ببعض يعني أستعمل معاري الكلام على سبيل المداراة أو كأنه يحلف ما قالها ويعني ما قالها في هذا المكان أو في شهر كذا أو يعني الذي فإن ما قد تكون بمعنى الذي فهذا ونحوه من باب استعمال المعاريض وبيانه .
فيما ذكر عن إبراهيم C قال لي رجل أني أنال من رجل شيئا فيبلغه عني فكيف أعتذر منه فقال له إبراهيم : والله إن الله ليعلم ما قلت لك من ذلك من شيء أي أضمر في قلبك الذي معناه إن الله ليعلم الذي قلت لك من حقك من شيء وعن عقبة بن غرار C قال : كنا نأتي إبراهيم C وهو خائف من الحجاج فكنا إذا خرجنا من عنده يقول لنا إن سئلتم عني وحلفتم فاحلفوا بالله ما تدرون أين أنا ولا لكم علم بمكاني ولا في أي موضع أنا وأعنوا أنكم لا تدرون في أي موضع أنا فيه قاعد أو قائم فتكونون قد صدقتم وأتاه رجل في الديوان فقال : إني اعترضت على دابة وقد نفقت وهم بريدون يحلفونني أنها الدابة التي اعترضت عليها فكيف أحلف فقال : أركب دابة واعترض عليها على بطنك راكبا ثم أحلف لهم أنها الدابة التي اعترضت عليها فيفهمون الغرض وأنت تعني أعترضت عليها على بطنك ويحكى عن إبراهيم C أنه كان استأذن عليه رجل وهو لا يريد أن يأذن له ركب رشادا وأراد فرس البخت وقال لجاريته قولي أن الشيخ قد ركب وربما يقول لها اضربي قدمك على الأرض وقولي ليس الشيخ هنا أي تحت قدمي وعن ابن عمر Bه أنه قال : لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا ومراده بهذا المبالغة في النهي عن الحلف بغير الله تعالى فقد قال رسول الله : ( من حلف بغير الله فكفارته أن يقول : لا إله إلا الله ) وقال عليه السلام : لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت فالحلف بغير الله منهى عنه سواء كان كاذبا أو صادقا وليس المراد الرخصة في الحلف بالله كاذبا فإن الكذب حرام من غير أن يؤكده باليمين فكيف يرخص فيه مع التأكيد باليمين وقد أوله بعضهم على أن الحالف بالله تعالى وإن كان كاذبا في خبره فهو معظم اسم الله تعالى في حلفه ويروون فيه حديثا عن رجل من بني إسرائيل عن رجل أنه حلف بالله الذي لا إله إلا هو وكان كاذبا في يمينه فنزل الوحي على نبي ذلك الزمان أنه غفر له ذلك بتوحيده ولكن الأول أصح وذكر عن إبراهيم C قال : اليمين على نية الحالف إذا كان مظلوما وإن كان ظالما فعلى نية المستحلف وبه نأخذ ويقول المظلوم يتمكن من دفع الظلم عن نفسه بما تيسر له شرعا في وإنما يحلف له ليدفع الظلم عن نفسه فتعتبر نيته في ذلك والظالم مأمور شرعا بالكف عن الظلم واتصال الحق إلى المستحق فلا تعتبر نيته في اليمين وإنما تعتبر نية المستحلف وهذا لأن المدعي إذا كان محقا فاليمين مشروعة لحقه حتى يمتنع الظالم عن اليمين لحقه فيخرج من حقه أو يهلك إن حلف كادبا كما أهلك حقه فيكون أهلاكا بمقابلة إهلاك بمنزلة القصاص وإنما يتحقق هذا إذا اعتبرنا نية المستحلف فأما إذا كان الحالف مظلوما فاليمين مشروعة لحقه وهذا رجحان جانب الصدق في حقه وانقطاع منازعة المدعي معه بغير حجة فتعتبر نية الحلف في ذلك ولهذا يعتبر في اليمين علمه أيضا على ما روى عن الشعبي C قال : من حلف على يمين ولا يستثني فالإثم والبر فيهما على علمه يعني إذا حلف وعنده أن الأمر كما حلف عليه ثم تبين بخلافه لم يكن آثما في يمينه وهو تفسير يمين اللغو عندنا لأنه ما كان ظالما حين كان لا يعلم خلاف ما هو عليه فاعتبرنا ما عنده وإذا كان يعلم خلاف ذلك فهو ظالم في يمينه فيكون آثما ويعتبر فيه نية ما عند صاحب الحق والله أعلم بالصواب