قال - Bه - إعلم أن الفرائض ثلاثة فريضة عادلة وفريضة قاصرة وفريضة عائلة فالفريضة العادلة هي أن تستوي سهام أصحاب الفرائض بسهام المال بأن ترك أختين لأب وأم وأختين لأم فللأختين لأم الثلث وللأختين لأب وأم الثلثان وكذلك إن كان سهام أصحاب الفرائض دون سهام المال وهناك عصبة فإن الباقي من أصحاب الفرائض يكون للعصبة فهو فريضة عادلة .
وأما الفريضة القاصرة بأن يكون سهام أصحاب الفرائض دون سهام المال وليس هناك عصبة بأن ترك أختين لأب وأم وأما فللأختين لأب وأم الثلثان وللأم السدس ولا عصبة في الورثة ليأخذ ما بقي فالحكم فيه الرد على ما نبينه في بابه .
والفريضة العائلة أن يكون سهام أصحاب الفرائض أكثر من سهام المال بأن كان هناك ثلثين ونصفا كالزوج مع الأختين لأب وأم أو نصفين وثلثا كالزوج مع الأخت الواحدة لأب وأم ومع الأم فالحكم في هذا العول في قول أكثر الصحابة : عمر وعثمان وعلي وابن مسعود - Bهم - وهو مذهب الفقهاء .
وكان ابن عباس - Bه - ينكر العول في الفرائض أصلا وأخذ بقوله محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وزين العابدين .
وأول من قال بالعول العباس ابن المطلب فإنه قال لعمر - Bه - حين وقعت هذه الحادثة أعيلوا الفرائض وقيل لابن عباس - Bه - من أول من أعال الفرائض فقال ذلك عمر بن الخطاب ثم أتى بفريضة فيها ثلثان ونصف أو نصفان وثلث فقال : لا أدري من قدمه الله فأقدمه ولا من أخره الله فأؤخره وأعال الفريضة وأيم الله لو قدم من قدمه الله تعالى وأخر من أخره الله تعالى ما عالت فريضة قط فقيل : ومن الذي قدمه الله يا ابن عباس فقال من نقله الله من فرض مقدر إلى فرض مقدر فهو الذي قدمه الله تعالى ومن نقله الله تعالى من فرض مقدر إلى غير فرض مقدر فهو الذي أخره الله تعالى .
وعن عطاء - C - أن رجلا سأل ابن عباس - Bه - فقال : كيف يصنع في الفريضة العائلة فقال أدخل الضرر على من هو أسوأ حالا فقيل : ومن الذي هو أسوأ حالا فقال البنات والأخوات فقال عطاء - C - ولا يغني رأيك شيئا ولو مت لقسم ميراثك بين ورثتك على غير رأيك فغضب فقال : قل لهؤلاء الذين يقولون بالعول حتى نجمع ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين أن الذين أحصى رمل عالج عددا لم يجعل في مال نصفين وثلثا فإذا ذهب هذا بالنصف وهذا بالنصف فأين موضع الثلث فقال لم لم تقل هذا في زمن عمر - Bه - فقال كان رجلا مهيبا فهبت حتى قال الزهري - C - لولا أنه يقدم في العول قضاء إمام عادل ورع لما اختلف اثنان على ابن عباس - Bه - في قوله في مسألة المباهلة يعني مسألة العول .
ثم اشتبه مذهب ابن عباس - Bه - في فصول : .
فمنها إذا تركت زوجا وأما وابنة وابنة ابن فعلى قول عامة الصحابة للزوج الربع ثلاثة من اثني عشر وللأم السدس سهمان وللابنة النصف ستة ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين فتعول بسهم فتكون القسمة من ثلاثة عشر .
واختلفوا على قول ابن عباس - Bه - فيمن يدخل عليه ضرر النقصان منهم فقال سفيان وهو مذهب أهل الكوفة على مذهبه إنما يدخل الضرر على ابنة الابن خاصة فتأخذ الابنة فريضتها ستة وللأم السدس سهم والباقي وهو ثلاثة ونصف مقسومة بين الابنة وابنة الابن أرباعا ثلاثة أرباعه للابنة وربعه لابنة الابن لأن كل واحد منهما ينتقل من فرض مقدر إلى غير فرض مقدر فضرر النقصان يدخل عليهما فإن صح هذا عن ابن عباس - Bه - فهو قول بالعول لأن العول ليس إلا هذا فإن ثلاثة ونصفا لا يسع لأربعة فتضرب كل واحدة منهما فيها بجميع حصتها فيقسم بينهما أرباعا وهذا هو العول .
ومن هذه الفصول إذا تركت زوجا وأما وأختين لأب وأم وأختين لأم فعلى قول عامة الصحابة للزوج النصف ثلاثة من ستة وللأم السدس سهم وللأختين لأم الثلث سهمان وللأختين لأب وأم الثلثان أربعة فتعول بأربعة والقسمة من عشرة .
واختلفوا على قول ابن عباس فقال سفيان - C - على قوله : للزوج النصف وللأم السدس وللأختين لأم الثلث ولا شيء للأختين لأم وأب لأنه يتغير ضرر الحرمان بضرر النقصان فكما أن ضرر النقصان على قوله على الأختين لأب وأم دون الأختين لأم فكذلك ضرر الحرمان .
وإذا اعتبر التسوية بينهم في قرابة الأم لترجح قرابة الأب فينبغي أن يكون الثلث كله لهم كما يرجح الأخوة لأب وأم على الأخوة لأب بقرابة الأم والدليل عليه لو كان هناك أخ واحد لأم وعشرة لأب وأم فللأخ لأم السدس والباقي بين الأخوة لأب وأم ولا أحد يقول بالتسوية بينهم هنا فلو كان معنى الاستواء في قرابة الأم معتبرا لوجب أن يعتبر ذلك وبقي تفضيل الأخ لأم على الأخ لأب وأم .
وإذا اعتبر التسوية بينهم في قرابة الأم لترجح قرابة الأب فينبغي أن يكون الثلث كله لهم كما يرجح الأخوة لأب وأم على الأخوة لأب بقرابة الأم والدليل عليه لو كان هناك أخ واحد لأم وعشرة لأب وأم فللأخ لأم السدس والباقي بين الأخوة لأب وأم ولا أحد يقول بالتسوية بينهم هنا فلو كان معنى الاستواء في قرابة الأم معتبرا لوجب أن يعتبر ذلك وبقي تفضيل الأخ لأم على الأخ لأب وأم .
إذ عرفنا هذا فنقول : لو كان مكان الأخوين لأب وأم اختين لأب وأم لا تكون المسألة مشتركة لأن للاختين لأب وأم الثلثين بالفريضة وتكون المسألة عولية وكذلك لو كان مكانهما أخوين : لأب لا تكون المسألة مشتركة لأن من يقول بالتشريك إنما يقول به لوجود المساواة في الإدلاء بالأم وذلك لا يوجد في الأخوة لأب وكذلك إذا كان الأخ لأم واحدا لا تكون مشتركة لأنه يبقى بعد نصيب أصحاب الفرائض .
وإذا اعتبر التسوية بينهم في قرابة الأم لترجح قرابة الأب فينبغي أن يكون الثلث كله لهم كما يرجح الأخوة لأب وأم على الأخوة لأب بقرابة الأم والدليل عليه لو كان هناك أخ واحد لأم وعشرة لأب وأم فللأخ لأم السدس والباقي بين الأخوة لأب وأم ولا أحد يقول بالتسوية بينهم هنا فلو كان معنى الاستواء في قرابة الأم معتبرا لوجب أن يعتبر ذلك وبقي تفضيل الأخ لأم على الأخ لأب وأم .
وقال طاوس على قول ابن عباس - Bه - الثلث الباقي بين الأختين لأم والأختين لأب وأم بالسوية ليدخل الضرر عليهما جميعا وهذا يرجع إلى القول بالتشريك ثم حجة ابن عباس الكلام الذي ذكرناه عنه فإنه لا يدخل في وهم أحد من العقلاء يوهم نصفين وثلثا أو ثلثين ونصفا في مال واحد فكان تقرير ذلك من المحال وإنما يحتاج هو إلى بيان من يكون أولى بإدخال الضرر عليه فقال : أصحاب الفرائض يقدمون على العصبات كما قال عليه السلام ( ألحقوا الفرائض بأهلها ) الحديث فهو ينتقل من فرض مقدر إلى غير فرض مقدر فهو صاحب فرض من وجه عصبة من وجه فيكون إدخال ضرر النقصان عليه أولى وعلى الحرف الآخر قال : يدخل الضرر على من يكون أسوأ حالا وهم الأخوات والبنات أما الأخوات فلا يشكل لأنهن يسقطن بالأب والجد على الاختلاف وبالابن ويصرن عصبة إذا خالطهن ذكر والزوج والزوجة والأم لا يسقطون بحال وكذلك البنات فإنهن يصرن عصبة إذا خالطهن ذكر والعصبة مؤخر عن صاحب الفريضة فإذا كن أسوأ حالا كان إدخال الضرر والنقصان عليهن أولى .
وحجتنا : في ذلك أنهم استووا في سبب الاستحقاق في ذلك وذلك يوجب المساواة في الاستحقاق فيأخذ كل واحد منهم جميع حقه إن اتسع المحل ويضرب كل واحد منهم بجميع حقه عند ضيق المحل كالغرماء في التركة .
وبيان المساواة أن كل واحد منهم يستحق فريضة ثابتة له بالنص .
يوضحه : إن إيجاب الله تعالى يكون أقوى من إيجاب العبد ومن أوصى لإنسان بالثلث ولآخر بالربع ولآخر بالسدس ضرب كل واحد منهم في الثلث بجميع حقه ومراد الموصى أن يأخذ كل واحد منهم ما سمي له عند سعة المحل بإجازة الورثة ويضرب كل واحد منهم بما سمى له عند ضيق المحل لعدم الإجازة فكذلك لما أوجب الله تعالى في الفريضة نصفين وثلثا عرفنا أن المراد أخذ كل واحد منهم ما سمي له عند سمة المحل والضرب به عند ضيق المحل وفيما قلناه عمل بالنصوص كلها بحسب الإمكان وفيما قاله عمل ببعض النصوص وإبطال للبعض وهذا لا وجه له إلا أن من يذب عنه يقول فيما قاله ابن عباس - Bه - التعيين في بعض النصوص دون البعض والتعيين فيما قلتم في جميع النصوص فنقول : الطريق الذي ذهب إليه ابن عباس في إدخال النقصان على بعض المستحقين بما اعتمده من المعنى غير صحيح فإنه يعتبر التفاوت بينهم في حالة أخرى سوى حالة الاستحقاق وهذا غير معتبر .
ألا ترى أن رجلا لو أثبت دينه في التركة بشهادة رجلين وأثبت آخر دينه بشهادة رجل واحد وامرأتين استويا في الاستحقاق وإن كان في غير هذه الحالة شهادة الرجل أقوى من شهادة النساء مع الرجال ثم العصوبة أقوى أسباب الإرث فكيف يثبت الحرمان والنقصان لاعتبار معنى العصوبة في بعض الأحوال ولو جاز إدخال النقصان على بعضهم لكان الأولى به الزوج والزوجة لأن سبب توريثهما ليس بقائم عند التوريث وهو يحتمل الرفع فيكون أضعف مما لا يحتمل الرفع والعجب أنه يدخل على الأخوات لأب وأم دون الأخوات لأم وهن أسوأ حالا .
ألا ترى أنهن يسقطن بالبنات وبالجد بالاتفاق بخلاف الأخوات لأب وأم فعرفنا أن الطريق ما أخذ به جمهور الفقهاء - رحمهم الله .
ثم بيان الفريضة العائلة أن نقول : أصل ما يخرج به منه هذه الفريضة ستة ثم تعول مرة بنصف سهم ومرة بثلاثة أرباع سهم ومرة بسهم ومرة بسهم ونصف .
ومرة بسهمين ومرة بسهمين ونصف ومرة بثلاثة ومرة بأربعة فالتي تعول بنصف سهم صورتها امرأة ماتت . وتركت زوجا وابنة وأبوين فللأبوين السدسان سهمان وللابنة النصف ثلاثة وللزوج الربع سهم ونصف فتعول بنصف سهم والتي تعول بثلاثة أرباع سهم صورتهم رجل مات وترك امرأة وابنتين وأبوين فللأبوين السدسان وللابنتين الثلثان أربعة وللمرأة الثمن ثلاثة أرباع سهم فتعول بثلاثة أرباع وإذا أردت تصحيحها ضربت ستة وثلاثة أرباع في أربعة فيكون سبعة وعشرين وهذه هي المنبرية فإن عليا - Bه - سئل عنها على المنبر فأجاب على البديهة وقال انقلب ثمنها تسعا يعني أن لها ثلاثة من سبعة وعشرين وهو تسع المال .
والتي تعول بسهم صورتها : إذا ترك أختين لأب وأم وأختين لأم وأما فللأختين لأب وأم الثلثان أربعة وللأختين لأم الثلث سهمان وللأم السدس سهم فتعول بسهم .
والتي تعول بسهم ونصف بأن ترك الرجل أختين لأب وأم وامرأة وأختين لأم فللمرأة الربع سهم ونصف وللأختين لأب وأم الثلثان أربعة وللأختين لأم الثلث سهمان فتعول بسهم ونصف .
والتي تعول بسهمين صورتها فيما إذا تركت زوجا وأختا لأب وأم وأختين لأم فللزوج النصف ثلاثة وللأخت لأب وأم النصف ثلاثة وللأختين لأم الثلث سهمان فتعول بسهمين .
والتي تعول بسهمين ونصف بأن ترك أختين لأب وأم وأختين لأم وأما وامرأة فللمرأة الربع سهم ونصف وللأم السدس سهم وللأختين لأب وأم الثلثان أربعة وللأختين لأم الثلث سهمان فتعول بسهمين ونصف والتي تعول بثلاثة بأن تركت زوجا وأختين لأب وأم وأختين لأم فللزوج النصف ثلاثة وبها تعول والتي تعول بأربعة صورتها فيما قدمنا إذ تركت أختين لأب وأم وأختين لأم وأما وزوجا فإنها تعول بنصيب الأم وبنصيب الزوج ثلاثة فعرفنا أنها تعول بأربعة ولا تعول الفرائض بأكثر من هذا وتسمى هذه المسألة أم الفراخ لكثرة العول فيها وتسمى الشريحية لأنها رفعت إلى شريح - C - فقضى بهذا فجعل الزوج يسأل الفقهاء بالعراق فيقول : امرأة ماتت وتركت زوجا ولم تترك ولدا فماذا يكون للزوج فقالوا : النصف فقال : والله ما أعطيت نصفا ولا ثلثا فبلغ مقالته إلى شريح فدعاه وقال للرسول : قل له قد بقي لك عندنا شيء فلما أتاه عزره وقال : أنت تشنع على القاضي وتنسب القاضي بالحق إلى الفاحشة فقال الرجل : هذا الذي كان بقي لي عندك : .
وحق الله إن الظلم لؤم فما .
زال المسيء هو الظلوم .
إلى ديان يوم الدين نمضي .
وعند الله يجتمع الخصوم .
فقال شريح : ما أخوفني من هذا القضاء لولا أنه سبقني به إمام عادل ورع يعني عمر بن الخطاب - Bه - ثم المسائل على ما ذكرنا من الأصل بكثرة تعدادها .
ولكنا بينا لكل فريضة صورة فذلك يكفي لمن له فهم يقيس عليه ما يشاء من ذلك والذي بقي في الباب مسألة الالتزام وهي امرأة تركت زوجا وأما وأختين لأم فمذهبنا فيه ظاهر للزوج النصف وللأم السدس وللأختين الثلث وهي فريضة عادلة ويتعذر على ابن عباس - Bه - تخريج هذه المسألة على أصله فإن من مذهبه أن الأختين لا ينقلان الأم من الثلث إلى السدس فإن قال للزوج النصف والأم الثلث والأختين الثلث لزمه القول بالعول وإن قال للزوج النصف وللأم السدس كان تاركا مذهبه في أن الأختين لا يحجبان الأم من الثلث إلى السدس ولا يمكنه إدخال النقصان هنا على واحد منهن لأن الأم صاحبة فرض محض والأخوات لأم كذلك فإنهن لا يصرن عصبة بحال .
فإن قال الأخوات لأم أسوأ حالا من الأم فقد يسقطن بمن لا تسقط الأم به .
قلنا : هذا اعتبار التفاوت في غير حالة الاستحقاق وقد بينا أن التفاوت إنما يعتبر في حالة الاستحقاق وقد أدخل هو الضرر على البنات والأخوات لأب وأم دون الأخوات لأم وفي غير حالة الاستحقاق الأخوات لأم أسوأ حالا فهذا يتبين أن قول ابن عباس - Bه - لا يتمشى في الفصول وأن الصحيح ما قالت به عامة الصحابة - Bهم - والفقهاء والله أعلم بالصواب