( قال C ) الأصل في توريثهم آيتان من كتاب الله تعالى إحداهما قوله تعالى { وإن كان رجل يورث كلالة وله أخ أو أخت } ( النساء : 12 ) معناه أخ أو أخت لأم هكذا في قراءة سعد بن أبي وقاص - Bه - وتسمى هذه الآية آية النساء لأنها في النساء نزلت والثانية قوله تعالى { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } ( النساء : 176 ) إلى آخر السورة والمراد الأخوة والأخوات لأب وأم أو لأب هكذا قاله الصديق - Bه - على منبر رسول الله - A - وتسمى هذه الآية آية الصيف لأن نزولها كان في الصيف ثم اختلف الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - ومن بعدهم في معنى اللفظ المذكور في الآيتين وهو الكلالة : أنه عبارة عما خلا عن الولد والوالد وفي آية النساء الكلام مبهم جدا وفي آية الصيف زيادة بيان بقوله D { إن امرؤ هلك ليس له ولد } ( النساء : 176 ) وكان عمر - Bه - أحرص الناس على السؤال عن الكلالة حتى أنه روى لما ألح على رسول الله - A - في السؤال عنه وضع في صدره فقال أما يكفيك آية الصيف وإنما أحاله على الآية ليجتهد في طلب معناها فينال ثواب المجتهدين .
وروى أن ابن عمر - Bه - قال لحفصة - Bها - متى وجدت من رسول الله - A - طيبة نفس فسليه عن الكلالة فلبس رسول الله - A - ثيابه يوما ليخرج فقالت حفصة : أخبرني عن الكلالة يا رسول الله فقال عليه السلام : ( أبوك أمرك بذلك ما أراه يعرف الكلالة ) فكان عمر - Bه - يقول : ما أراني أعرف الكلالة بعدما قال رسول الله - A - فيما قال وكان عمر - Bه - يقول : قبض رسول الله - A - قبل أن يبين لنا ثلاثا ولو علمتها لكان أحب إلي من الدنيا وما فيها : الكلالة والخلابة والربا .
وقال أبو بكر الصديق - Bه - إني رأيت في الكلالة رأيا فإن يك صوابا فمن الله ورسوله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان أرى الكلالة ما خلى عن الولد والوالد فاتبعه عمر - Bه - على رأيه وقال : لا أرضى من نفسي أني أنسب إلى مخالفة أبي بكر - Bه - وأثبت ذلك في كتف فلما طعن وأيس من نفسه دعا بالكتف ومحاه وقال اشهدوا أني ألقى الله تعالى ولا قول لي في الكلالة .
ثم اتفق أكثر الصحابة أبو بكر وعلي وزيد وابن مسعود - Bهم - أن الكلالة ما عدى الولد والوالد وهو قول جمهور العلماء وقد روى ذلك عن ابن عباس - Bه - وقد صح عنه في زوج وأبوين أن للأم ثلث جميع المال ولا يظن به أنه يسقط الأب بالأخ ولا أنه ينقص نصيبه من السدس بسبب الأخ ولم يبق السدس يعنى أن الله تعالى أثبت للأخ لأم السدس إذا كانت المرأة كلالة .
وأما إذا ماتت المرأة عن زوج وأبوين وأخ لأم فعلى قول ابن عباس للزوج النصف وللأم ثلث جميع المال ولم يبق إلا السدس فلو كانت المسألة كلالة مع قيام الأب عنده لصار ذلك السدس للأخ لأم فيصير الأب محجوبا بسبب الأخ لأم ولا يظن به هذا فعرفنا أن الصحيح من مذهبه أن الكلالة ما خلا الولد والوالد وأظهر الروايتين عنه أو الكلالة ما خلا الولد فإن كان هناك والد فقلت أنهم يقولون ما عدا الوالد والولد فغضب فقال أنتم أعلم أم الله قال الله تعالى { قل الله يفتيكم في الكلالة إن أمرؤ هلك ليس له ولد } يعنى الكلالة هالك ليس له ولد .
وعامة الصحابة والعلماء استدلوا بحديث رواه أبو سلمة بن عبدالرحمن : أن رسول الله - A - سئل عن الكلالة فقال رسول الله - A - ( من ليس له ولد ولا والد ) .
وأما الآية فقد قيل : المراد بقوله { ليس له ولد } وهو يشمل الولد والوالد جميعا فإن اسم الولد مشتق من الولادة ويطلق ذلك على الوالد لتولد الولد منه وعلى الولد لتولده من الوالد كاسم الذرية يتناول الأولاد والآباء قال الله تعالى { وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون } ( يس : 41 ) يعنى آباءهم فسمى الأب بهذا الاسم لأن الولد ذري منه وسمى به الولد لأنه ذري من الأب والمراد بقوله D { ليس له ولد } الولد ومن يقوم مقام الولد .
( ألا ترى ) أن من له ولد ابن لا يكون كلالة لوجود من يقوم مقام الولد فكذلك من له أب لا يكون كلالة لوجود من يقوم مقام الولد .
ومن حيث معنى اللغة والاشتقاق الحجة فيه لعامة العلماء - رحمهم الله - أن السبب نوعان : سرد وكلالة فالسرد لا يتيع فردا فردا قال الله تعالى { وقدر في السرد } ( سبأ : 11 ) ومنه قول القائل : .
نسب توارث كابر عن كابر .
كالرمح أنبوبا على أنبوب .
وهذا المعنى في الآباء والأولاد لأنه يتبع فردا فردا فعرفنا أن الكلالة ما سوى ذلك ومن حيث الاشتقاق لأهل اللغة ولأن أحدهما أن اشتقاق الكلالة من قولهم تكلله النسب أي أحاط به ومنه يقال تكلل الغمام السماء أي أحاط به من كل جانب ومنه الإكليل فإنه يحيط بجوانب الرأس ومنه الكل والمراد به الجمع والإحاطة وذلك لا يتحقق في الآباء والأولاد لأن اتصال كل واحد منهما بصاحبه من جانب واحد وإنما يتحقق هذا فيما سوى الآباء والأولاد فإن الاتصال يحيط من الجانبين ومن ذلك قول الفرزدق : .
ورثتم قناة المجد لا عن كلالة .
عن ابني مناف عبد شمس وهاشم .
وقيل : اشتقاق الكلالة من قولهم حمل فلان على فلان ثم كل عنه أي بعد ومنه الكل وهو اسم لما تباعد عن المقصود ومعنى التباعد إنما يتحقق فيما عدا الوالد والولد لكون الاتصال بواسطة أو واسطتين أو واسطات والدليل عليه قول القائل : .
وإن أب المرء حمالة .
ومولى الكلالة لا يعصب .
فقد أخرج الأب من الكلالة .
ثم اختلفوا في أن الكلالة اسم للميت أو للورثة ؟ فقال أبو عبيدة معمر بن المثنى هو اسم لميت ليس له ولد ولا والد وهو اختيار أهل البصرة .
وقال أهل الكوفة وأهل المدينة هو اسم لورثه ليس فيهم ولد ولا والد .
وحجة القول الأول قوله تعالى { وإن كان رجل يورث كلالة } أي يورث في حال ما يكون كلالة فهو نصب على الحال . كما يقال ضرب زيدا قائما وإنما يورث الميت فعرفنا أن الكلالة صفة له وحجة القول الثاني قوله تعالى { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } أي يستفتونك عن الكلالة وإنما يستقيم الاستفتاء عن ورثة ليس فيهم ولد ولا والد فأما إذا سئل عن ميت ليس له ولد ولا والد لا يفهم بهذا السؤال شيء والآية قرئت بالنصب بيورث وبالكسر يورثه والقراءة بالكسر دليل على أن الكلالة اسم للورثة .
وتأويل القراءة بالنصب ما أشرنا إليه أن اسم الكلالة يتناول الورثة ويتناول الميت كاسم الأخ بتناول كل واحد منهما : ثم قد ثبت بالسنة أن المراد بالكلالة الورثة قال عليه السلام ( ومن ترك كلا وعيالا فعلي نفقته ) يعنى كلالة .
إذا عرفنا هذا فنقول : الأخوة والأخوات أصناف ثلاثة : بنو الأعيان وهم الأخوة والأخوات لأب وأم سموا بذلك لأن عين الشيء أتم ما يكون منه وتمام الاتصال من الجانبين في حقهم وبنو العلات وهم الأخوة والأخوات لأب قال القائل : .
ويوسف إذ دلاه أولاد علة .
فأصبح في قعر الركية ثاويا .
وبنو الأحياف وهم الأخوة والأخوات لأم سموا بذلك من قولهم فرس أحيف إذا كانت إحدى عينيه زرقا والأخرى كحلا فنسب بإحدى عينيه إلى شيء وبأخرى إلى شيء آخر فحال الأخوة والأخوات لأم كذلك ثم نبدأ ببيان ميراث بني الأحياف اقتداء بكتاب الله تعالى فقد ذكر الله تعالى في أول السورة ميراثهم بقوله تعالى { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت } أي لأم وهكذا في قراءة سعد - Bه - وهم أصحاب الفريضة للواحد منهم السدس ذكرا كان أو أنثى وللمثنى فصاعدا منهم الثلث بين الذكر والأنثى بالسوية لا يزاد لهم على الثلث وإن كثروا إلا عند الرد فلا ينتقص الفرد منهم عن السدس إلا عن العول وهذا حكم ثابت بالنص قال الله تعالى { لكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } ولفظ الشركة يقتضي التسوية فهو دليل على أنه سوى بين ذكورهم وإناثهم والمعنى يدل عليه فإنهم يدلون بالأم فيعتبر ميراثهم بميراث المدلى به وللأم في الميراث حالان فالفرد منهم يعتبر حاله بأسوإ حالى الأم فله السدس والجماعة منهم يعتبرون بأخس حالى الأم لتقوى حالهم بالعدد وفي معنى الإدلاء بالأم الذكور والإناث سواء ويفضل الذكر على الأنثى باعتبار العصوبة ثم هم لا يرثون مع أربعة نفر بالاتفاق مع الولد وولد الابن ذكرا كان أو أنثى ومع الأب والجد فإن الله تعالى شرط في توريثهم الكلالة وقد بينا أن الكلالة ما خلا الوالد والولد .
واتفقوا أنهم لا يسقطون ببنى الأعيان ولا ببني العلات ولا ينقص نصيبهم ببني العلات وإنما يختلفون في أنه هل ينقص نصيبهم يبنى الأعيان أم لا ؟ وبيان هذا الاختلاف في امرأة ماتت وتركت زوجا وأما وأخوين لأم أو أختين أو أخا وأختا وأخوين لأب وأم فالمذهب عند علي وأبي موسى الأشعري وأبي بن كعب - Bهم - أن للزوج النصف وللأم السدس وللأخوة لأم الثلث ولا شيء للأخوة لأب وأم وبه أخذ علماؤنا - رحمهم الله .
وقال عثمان وزيد - Bهما - الثلث مقسوم بين الأخوة لأم وبين الأخوة لأب وأم بالسوية وهو مذهب شريح والثوري ومالك والشافعي .
وهذه المسألة المشتركة وكان عمر - Bه - ينفي التشريك ثم رجع إلى التشريك .
وعن ابن عباس - Bه - روايتان : أظهرهما التشريك .
وعن ابن مسعود - Bه - روايتان : أظهرهما نفي التشريك وتسمى هذه المسألة التشريك والحمارية وذلك لأنه روى أن الأخوة لأب وأم سألوا عمر - Bه - عن هذه المسألة فأفتى بنفي التشريك كما كان يقوله أولا فقالوا : هب أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة فقال عمر - Bه - صدقتم ورجع إلى القول بالتشريك .
وهو المعنى الفقهي فإن استحقاق الميراث باعتبار القرب والإدلاء وقد استوفوا في الإدلاء إلى الميت بالأم ويرجع الأخوة لأب وأم بالإدلاء إليه بالأب فإن كانوا لا يتقدمون بهذه الزيادة فلا أقل من يستووا بهم . وإنما لم يتقدموا لأن الإدلاء بالأب بسبب العصوبة واستحقاق العصبات متأخر عن استحقاق أصحاب الفرائض فلا يبقى هنا شيء من أصحاب الفرائض فيسقط اعتبار الإدلاء بقرابة الأب في حقهم وإنما يبقي الإدلاء بقرابة الأم وهم في ذلك سواء .
واحتجاجنا على القوم الذين قالوا هب أن أبانا كان حمارا : إنا إذا جعلنا أباكم حمارا فإنا نجعل أمكم أتانا فلا يستحق بالإدلاء بها شيء ومعنى هذا الكلام وهو أن الإدلاء بقرابة الأب سبب لاستحقاق العصوبة وبعدما وجد هذا السبب لا تكون قرابة الأم علة الاستحقاق بل تكون علة للترجيح فلهذا يرجح الأخ لأب وأم على الأخ لأب .
وما يكون علة للاستحقاق بانفراده لا يقع به الترجيح وإنما يقع الترجيح بما لا يكون علة للاستحقاق فلهذا يتبين أن قرابة الأم في حقهم ليست بسبب للاستحقاق ثم العصوبة أقوى أسباب الإرث والضعيف لا يظهر مع وجود القوي فلا يظهر الاستحقاق بالفرضية في حق الأخوة والأخوات لأب وأم وإذا لم يظهر ذلك وجب إلحاق الفرائض بأهلها فإن بقي سهم فهو للعصبة وإن لم يبق فلا شيء لهم .
وإذا اعتبر التسوية بينهم في قرابة الأم لترجح قرابة الأب فينبغي أن يكون الثلث كله لهم كما يرجح الأخوة لأب وأم على الأخوة لأب بقرابة الأم والدليل عليه لو كان هناك أخ واحد لأم وعشرة لأب وأم فللأخ لأم السدس والباقي بين الأخوة لأب وأم ولا أحد يقول بالتسوية بينهم هنا فلو كان معنى الاستواء في قرابة الأم معتبرا لوجب أن يعتبر ذلك وبقي تفضيل الأخ لأم على الأخ لأب وأم .
إذ عرفنا هذا فنقول : لو كان مكان الأخوين لأب وأم اختين لأب وأم لا تكون المسألة مشتركة لأن للاختين لأب وأم الثلثين بالفريضة وتكون المسألة عولية وكذلك لو كان مكانهما أخوين : لأب لا تكون المسألة مشتركة لأن من يقول بالتشريك إنما يقول به لوجود المساواة في الإدلاء بالأم وذلك لا يوجد في الأخوة لأب وكذلك إذا كان الأخ لأم واحدا لا تكون مشتركة لأنه يبقى بعد نصيب أصحاب الفرائض .
فأما بيان ميراث بني الأعيان فنقول : إنهم يقومون مقام أولاد الصلب عند عدمهم في التوريث ذكورهم مقام ذكورهم وإناثهم مقام إناثهم حتى أن الأنثى منهم إذا كانت واحدة فلها النصف وللمثنى فصاعدا الثلثان وذلك يتلى في القرآن قال الله تعالى { وله أخت فلها نصف ما ترك } ثم قال D { فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك } كما في ميراث البنات إذا كان فوق اثنتين ولم يذكر ذلك هنا ونص على ميراث البنتين هنا ولم ينص عليه ثمة ليستدل بأحدهما على الآخر .
وللفرد منهم إذا كان ذكرا جميع المال ثبت بقوله تعالى { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } أي يرثها جميع المال وإن كثروا فالمال بينهم بالسوية اعتبارا بالأبناء .
وعند اختلاط الذكور بالإناث يكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ثبت بقوله تعالى { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } كما هو في ميراث الأولاد وشيء من المعقول يدل عليه فالإرث خلافة مشروعة لمن يقوم مقام الميت عند استحقاقه عما يخلفه من المال بعد موته والخلافة إما بالمناسبة أو بالمواصلة أو بالقرابة .
وميراث بنى العلات كميراث أولاد الابن على معنى أنهم عند عدم بني الأعيان يقوم ذكورهم مقام ذكورهم وإناثهم مقام إناثهم كأولاد الابن عند عدم أولاد الصلب فإنهم لا يرثون مع الذكر من بني الأعيان شيئا كما لا يرث أولاد الابن مع الابن حتى أن الأخت لأب لا ترث مع الأخ لأب وأم ولا تصير عصبة مع البنت إذا كان معها أخ لأب وأم بل يكون النصف للبنت والباقي للأخ لأب وأم ولا شيء للأخت لأب وإن كان بنو الأعيان إناثا مفردات فإن كانت واحدة فلها النصف ولبني العلات إذا كن إناثا مفردات السدس تكملة الثلثين .
وإن كانوا مختلطين فالباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى قول ابن مسعود - Bه - ينظر للإناث منهم إلى المقاسمة وإلى السدس فلهن شرهما .
وإن كان بنو الأعيان بنتين من الإناث فصاعدا فلهما الثلثان .
ولا شيء للأخوات إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي .
وعلى قول ابن مسعود الباقي للذكر خاصة وهو نظير ما ذكرنا من مسائل الإضرار على قول ابن مسعود - Bه - في أولاد الابن مع بنات الصلب ولا خلاف أنهم لا يرثون مع الأب شيئا إلا في رواية شاذة عن ابن عباس وقد بينا في توريثهم مع الجد اختلافا ظاهرا نبينه في موضعه ولا خلاف أنهم لا يرثون مع الابن شيئا لأن شرط توريثهم أن يكون الميت هالكا قال الله تعالى { إن امرؤ هلك } ومن له ابن فليس بهالك وإنما يختلفون في توريثهم مع البنات وهذا الاختلاف في الإناث المفردات منهم دون الذكور حتى أن من مات وترك ابنة أو ابنتين وأخا لأب وأم أو لأب فللأخ ما بقي نصفا كان أو ثلثا وذلك ثابت بالسنة فقد قال عليه السلام ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأولى رجل ذكر ) وأقرب رجل ذكر هو الأخ .
فأما إذا كان مع الابنة أو الابنتين أخت لأب وأم أو لأب فعلى قول عمر وعلي وزيد وابن مسعود ما بقي للأخت نصفا كان أو ثلثا .
وعلى قول ابن عباس لا شيء للأخت في هذه الحالة وأصله أن الأخوات يصرن عصبة مع البنات عند أكثر الصحابة وهو قول جمهور الفقهاء .
وعند ابن عباس - Bه - لا يصرن عصبة .
واختلفت الرواية عنه : فيما إذا اختلط الذكور بالإناث من الأخوة فروى عنه أن الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وهو الأصح من مذهبه وروى عنه أن الباقي كله للذكر .
فالأخت تصير عصبة مع البنت سواء كانت لأب وأم أو لأب إلا أنه إذا كان مع الأخت لأب أخ لأب وأم بأن ترك بنتا وأخا لأب وأم وأختا لأب فللبنت النصف والباقي للأخ لأب وأم ولا شيء للأخت لأب وكذلك إن كان هناك ابنة وأخت لأب وأم وأخت لأب فقد روى عنه أن الباقي كله للذكر والأظهر من مذهبه أن الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وعندنا الباقي كله للأخت لأب وأم .
وحجته ما روى معمر عن الزهري عن أبي مسلمة بن عبدالرحمن - Bه - قال : سألت ابن عباس - Bه - عن فريضة فيها ابنة وأخت فقال : للابنة النصف ولا شيء للأخت فقلت قد كان عمر - Bه - يقول للابنة النصف وللأخت ما بقي فغضب وقال أنتم أعلم أم الله قال الله تعالى { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت } قال الزهري : فلم أفهم مراد ابن عباس حتى سألت عنه عطاء فقال مراده أن الله تعالى إنما جعل للأخت النصف بشرط عدم الولد ولم يجعل لها النصف مع الولد فإن اسم الولد حقيقة للذكر والأنثى جميعا .
ألا ترى أن الله تعالى لما حجب الأم من الثلث إلى السدس بالولد استوى فيه الذكر والأنثى ولما حجب الزوج عن النصف إلى الربع والمرأة إلى الثمن من الربع بالولد استوى فيه الذكر والأنثى فكذلك هنا شرط عدم الولد لتوريث الأخت فيستوي فيه الذكر والأثنى والدليل عليه أن الباقي بعد نصيب صاحب الفريضة يستحقه العصبة بالنسبة والأخ عصبة فأما الأخت فليست بعصبة لأنها عند الانفراد لا تكون عصبة فعرفنا أنها ليست بعصبة في نفسها وإنما تعتبر عصبة بغيرها إذا كان ذلك الغير عصبة والابنة ليست بعصبة فلا يجوز أن يجعل عصبة معها ولو صار عصبة معها لشاركها في الميراث وبالإجماع لا يشاركها في نصيبها فعرفنا أنها ليست بعصبة أصلا إلا أن يخالطها ذكر فحينئذ تصير عصبة بالذكر .
وحجتنا في ذلك قوله تعالى { إن امرؤ هلك ليس له ولد } ومعناه ابن بدليل ما عطف عليه بقوله تعالى { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } فإن معناه بالاتفاق إن لم يكن لها ابن حتى أن الأخ يرث مع الابنة .
فإن قيل : هما شرطان ذكر كل واحد منهما في حادثة على حدة فإن قام الدليل على أن المراد بأحدهما الذكر لا يتبين أن المراد بالثاني الذكر .
قلنا : لا كذلك بل الكل شرط واحد لأنه ذكرا ولا إذا كان الأخ هو الميت يجعل للميت النصف ثم قلت المسألة بجعل الأخت هي الميت والأخ هو الوارث وجعل له جميع المال فبهذا يتبين أن الشرط واحد وهو عدم الولد ثم المراد في أحد الموضعين الذكر دون الأنثى فكذلك المراد في الموضع الآخر .
والسنة تدل على ذلك فقد روى أن أبا موسى الأشعري سئل عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال : للابنة النصف وللأخت ما بقي فسئل عن ذلك ابن مسعود - Bه - فقال : قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين سمعت رسول الله - A - يقول ( للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين والباقي للأخت ) ففي هذا تنصيص على أن الأخت عصبة مع البنت والمعنى فيه أن حالة الانفراد حال الأخت أقوى من حال الاختلاط بالأخوة لأن حالة الاختلاط حال مزاحمة وحال الانفراد حال عدم المزاحمة .
فإذا كانت هي لا تحجب عن الميراث في حالة الاختلاط بالأخوة فلأن لا تحجب في حالة الانفراد كان أولى وبهذا يتبين أن وجود عين الولد ليس بموجب حرمان الأخوة والأخوات وإنما يحجبون بفريضة الابنة .
ألا ترى أن للأخوات المفردات لأبوين السدس مع الابنة الواحدة ولو لم يكن حجب الأخوات بفريضة البنات لكانت تثبت المزاحمة بينهن وبين الابنة الواحدة في فريضة البنات كبنات الابن فإنهن يزاحمن الابنة الواحدة في فريضة البنات فيكون لهن السدس وإذا ثبت أن حجب الأخوات بفريضة البنات فيما وراء فريضة الابنة انعدم الحجب فيثبت الاستحقاق لهن بخلاف بنات الابن مع الابنتين لأن حجبهن بوجود البنات لا بفريضة البنات يدل عليه أن استحقاق البنات الميراث ينبني على القرب وذلك يكون بالولادة فولد الرجل أقرب إليه من ولد ابنه وولد ابنه أقرب من ولد جده كما أن الأب أقرب إليه من الجد والأخوات ولد الأب والعصوبة تستحق بالولادة لا بالأب في الجملة فعند الحاجة يثبت حكم العصوبة لولد الأب ذكرا كان أو أنثى وقد تحققت الحاجة إلى ذلك في حق الأخوات مع البنات لأنهن صرن محجوبات عن فريضة البنات فإذا كان هناك ذكر معهن فجعلهن عصبة بالذكر أولى وإذا لم يكن يجعلهن عصبة في استحقاق ما وراء فريضة البنات بخلاف فريضة بنات الابن فالحاجة لا تتحقق إلى ذلك في حقهن فإنهن لا يحجبهن عن فريضة البنات بخلاف الأخوات لأم لأنهن يدلين بالأم ولا تأثير لقرابتها في العصوبة .
ألا ترى أن الذكر هو الذي يدلي بقرابتها .
يوضحه : أن الله تعالى شرط كلالة مبهمة لتوريث أولاد الابن ومن له ابنة فليس بكلالة مطلقا وشرط توريث أولاد الأب كلالة مقيدة بقوله تعالى { إن امرؤ هلك ليس له } أي ولد ذكر بدليل آخر الآية وهو قوله تعالى { وإن كانوا أخوة رجالا ونساء } فالشرط هناك عدم ولد ذكر بالاتفاق ولم يذكر الشرط هناك نصا بل هو معطوف على ما في أول الآية والدليل عليه أن من له ابنة فهو كلالة معنى وليس بكلالة صورة فإن الكلالة من يكون منقطع النسب ولا نسب لأحدهم فإن الأخوة لا ينسبون إلى أخيهم وأولاد البنت لا ينسبون إلى أب أمهم وإنما ينسبون إلى أب أبيهم فلكونه كلالة معنى قلنا : يرثه الأخوات لأب وأم أو لأب ولكونه غير كلالة صورة قلنا : لا يرثه الأخوات لأم .
إذا عرفنا هذا فنقول : الأخوة والأخوات وإن كانوا ينزلون منزلة الأولاد في الإرث فلا ينزلون منزلتهم في الحجب حتى أنهم لا يحجبون الزوج والزوجة والواحد منهم لا يحجب الأم من الثلث إلى السدس بخلاف الأولاد لأن الحجب ثابت بالنص من غير أن يعقل فيه المعنى فإنما يثبت في مورد النص وإنما ورد النص به في الأولاد خاصة بخلاف الإرث فإنه معقول المعنى وهو القرب على ما قررنا .
فصل في ميراث الأخوة والأخوات .
فإن سئلت عن ثلاث أخوة متفرقين مع كل واحد منهم ثلاث أخوة متفرقون فقل هذا ميت ترك أخوين لأب وأم وأربع أخوات لأب وأربع أخوة لأم لأن أخ أخيه لأب وأم مثله أخ للميت لأب وأم وأخوة لأب للميت كذلك وأخوة لأم للميت كذلك فأما أخ الأخ لأب وأم وأخوة هما أخوا الميت لأب وأخوه لأم أجنبي عن الميت فحصل للميت أخوان لأب وأم وأربع أخوة لأب وأربع أخوة لأم فللأخوة لأم الثلث والباقي للأخوين لأب وأم ولا شيء للأخوة لأب .
فإن قال : ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاث أخوات متفرقات فهو في الحاصل ترك أختين لأب وأم وأربع أخوات لأب وأربع أخوات لأم على التفصيل الذي قلنا فللأخوات لأم الثلث وللأختين لأب وأم الثلثان .
فإن قال : ترك ثلاث أخوة متفرقين وثلاث أخوات متفرقات مع كل أخ ثلاث أخوة متفرقين ومع كل أخت ثلاث أخوات متفرقات فهذا في الحاصل ترك أخوين وأختين لأب وأم وأربع أخوات لأم وأربع أخوة وأربع أخوات لأب على التفسير الذي قلنا فيكون للأخوة والأخوات لأم الثلث بينهم بالسوية والباقي بين الأخوة والأخوات لأب وأم للذكر مثل حظ الأنثيين .
وعن ابن عباس - Bه - في رواية شاذة أن الثلث الذي هو نصيب الأخوة والأخوات لأم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين قال : لأنهم يدلون بالأم فيكون قسمة هذا الميراث بينهم على نحو قسمة ميراث الأم بينهم وميراث الأم يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فكذلك ميراث الذي يستحقونه بقرابة الأم .
ولكنا نستدل بقوله تعالى { فهم شركاء في الثلث } والشركة تقتضي التسوية ثم يفضل الذكر على الأنثى في حالة الاختلاط من حكم العصوبة ولا تأثير لقرابة الأم في استحقاق العصوبة بها وإنما يستحقون الميراث بالإدلاء بالأم والأنثى قد استوت بالذكر في ذلك فيستويان في الاستحقاق كما لو أعتق رجل وامرأة عبدا بينهما ثم مات العبد استويا في الميراث عنه لاستوائهما في السبب .
فإن قال : ترك ابن أخ لأب معه ثلاثة أعمام متفرقين فنقول أما عمه لأب وأم فهو أخ الميت لأب لأنه مثل أبيه وأبوه أخ للميت لأب وأما عمه لأم فهو أجنبي عن الميت وأما عمه لأب .
فإن كانت أمه أم الميت فهو أخ الميت لأب وأم وإن كانت أمه امرأة أخرى غير أم الميت فهو أخ الميت لأب ففي حال ترك الأخوين لأب وابن أخ فالمال كله للأخوين وفي حال أخ لأب وأم وأخت لأب فالمال كله للأخ لأب وأم .
فإن قال ترك ابن الأخ لأب معه ثلاث بني أعمام متفرقين .
قلنا : ابن عمه لأبيه وأمه مثله ابن أخ الميت لأب وابن عمه لأمه أجنبي عن الميت وابن عمه لأبيه يجوز أن يكون ابن الميت لأن الميت عمه لأمه .
فإن قال السائل : وليس للميت فقل حينئذ ابن عمه لأبيه إن كان أبوه من أم الميت فهو ابن أخ الميت لأب وأم فيكون أولى بالميراث .
فإن كان من امرأة أخرى غير أم الميت فإنما ترك ثلاث بني أخ لأب فالميراث بينهم بالسوية وما كان من هذا الجنس فعلى هذا القياس بخرج والله أعلم بالصواب