وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( قال - C - ) ( وإذا أوصى بعتق عبد بعد موته أو قال : أعتقوه أو قال : هو حر بعد موتي بيوم وأوصى لإنسان بألف درهم تحاصا في الثلث وليس هذا من العتق الذي يبدأ به وإنما يبدأ به إذا قال : هو حر بعد موتي عنهما أو أعتقه في مرضه ألبتة أو قال : إن حدث لي حدث من مرضى هذا فهو حر فهذا يبدأ به قبل الوصية وكذلك كل عتق يقع بعد الموت بغير وقت فإنه يبدأ به قبل الوصية ) بلغنا عن ابن عمر وإبراهيم قالا : إذا كان وصية وعتق فإنه يبدأ بالعتق وكان المعنى فيه أن العتق الذي يقع بنفس الموت سببه يلزم في حالة الحياة على وجه لا يحتمل الرجوع عنه بخلاف الوصية بالعتق فإنه يحتمل الرجوع عنه ولكن هذا لا يستقيم في قوله ( إن حدث لي محدث من مرضى هذا ) فإن هذا يحتمل الفسخ ببيع الرقبة .
ولو قال هو حر بعد موتي بيوم فإن سببه لا يحتمل الفسخ بالرجوع عنه ومع ذلك لا يكون مقدما على سائر الوصايا .
ولكن الحرف الصحيح أن يقول : ما يكون منفذا عقيب الموت من غير حاجة إلى التنفيذ فهو في المعنى أسبق مما يحتاج إلى تنفيذه بعد الموت لأن هذا بنفس الموت يتم والآخر لا يتم إلا بتنفيذ من الموصى بعد موت الموصي والترجيح يقع بالسبق .
يوضحه : أن العتق المنفذ بعد الموت مستحق استحقاق الديون فإن صاحب الحق ينفرد باستيفاء دينه إذا ظفر بحبس حقه وههنا يصير مستوفيا حقه بنفس الموت والدين مقدم على الوصية فالعتق الذي هو في معنى الدين يقدم أيضا فأما ما يحتاج إلى تنفيذه بعد الموت فهو ليس في معنى الدين فيكون بمنزلة سائر الوصايا .
ولو أعتق أمته في مرضه فولدت بعد العتق قبل أن يموت الرجل أو بعد ما مات لم يدخل ولدها في الوصية لأنها ولدت وهي حرة وهذا التعليل مستقيم على أصلهما لأن المستسعاة عندهما حرة عليها دين والعتق في المرض نافذ عندهما كسائر التصرفات وكذلك عند أبي حنيفة إن كانت تخرج من ثلثه .
وإن كان الثلث أكثر من قيمتها فعليها السعاية فيما زاد على الثلث وتكون بمنزلة المكاتبة ما دامت تسعى وحق الغرماء والورثة لا يثبت في ولد المكاتبة لأن الثلث والثلثين لا يعتبر من رقبتها إنما يعتبر من بدل الكتابة فلا يثبت حق المولى في ولدها حتى يعتبر خروج الولد من الثلث .
فإن ماتت قبل أن تؤدي ما عليها من السعاية كان على ولدها أن يسعى فيما على أمه في قياس قول أبي حنيفة بمنزلة ولد المكاتبة وعندهما لا شيء على الولد لأنه حر فلا يلزمه السعاية في دين أمه بعد موتها ولو دبر عبدا له وقال : إن حدث لي حدث من مرضى هذا فأنت حر ثم مات من مرضه تحاصا في الثلث لأنهما استويا في معنى الاستحقاق بعد الموت على معنى أن كل واحد منهما في مرض موته فيتحاصان في الثلث .
ولو أوصى لعبده بدراهم مسماة أو بشيء من ماله مسمى لم تجز كما لو وهب له في حال حياته وهذا لأن الكسب يملك الرقبة ففي حياته الملك له في الموصى به والموصى له بعد موته الملك لورثته في جميع ذلك فهذه الوصية لا تفيد شيئا والعقود الشرعية لا تنعقد خالية عن فائدة .
( قال ) ( ولو أوصى له ببعض رقبته عتق ذلك المقدار وسمى في الباقي في قول أبي حنيفة بمنزلة ما لو وهب له بعض رقبته في حياته ) لأن العتق عند أبي حنيفة يتجزأ ولو أوصى له برقبته كلها عتق من الثلث وكذلك لو وهب له رقبته أو تصدق بها عليه في مرضه عتق من الثلث ولو أوصى له بثلث ما له جاز لأن هذه الوصية تتناول ثلث رقبته فإن رقبته من ماله فيعتق ذلك القدر منه بالموت ويصير عندهما حرا .
وعند أبي حنيفة بمنزلة المكاتب فتصح الوصية له بالمال فإذا بقى له من الثلث شيء أكمل له ذلك من رقبته وأعطى ما فضل على ذلك إن كان في المال .
وإن كان في قيمته فضل على الثلث سعى فيه للورثة بعد موته .
ولو أوصى بعبده لرجل ثم أوصى بذلك العبد أن يعتق أو يدبر فهذا رجوع عن الوصية الأولى لأن بين الوصيتين في محل واحد منافاة يعنى التمليك والعتق بعد موته فالإقدام على الثانية منه دليل الرجوع عن الأولى ولأنه صرفه بالوصية الثانية إلى حاجته واستثنى ولاء لنفسه ولو صرفه إلى حاجته في حياته كان به راجعا عن الوصية الأولى أرأيت لو لم يكن راجعا فأعتق الوصي نصفه عن الميت كان يضمن للموصى له النصف الباقي من تركة الميت أو يستسعى الغلام فيه أو يكون شريكا في الغلام هذا كله مستبعد .
( قال ) ( ولو أوصى بعبده لرجل ثم أوصى أن يباع من آخر بثمن سمى حط عنه الثلث ولا مال له غيره فللموصى له بالبيع أن يشتري خمسة أسداس العبد بثلثي قيمته إن شاء أو يدع ) لأن الوصية بالمحاباة بمنزلة سائر الوصايا وقد استوت الوصيتان من حيث استغراق كل واحد منهما الثلث بينهما نصفان لصاحب البيع نصفه وهو السدس وللآخر نصف الثلث وهو سدس الرقبة ولا يقال ينبغي أن يباع جميع العبد من الموصى له بالبيع بخمسة أسداس قيمته لأن الوصية بالرقبة وصية بالعين فلا يمكن تنفيذها من محل آخر بسوى العين وإن أبى الموصى له بالبيع أن يشتريها كان للموصى له بالعين ثلث الرقبة لأن الوصية بالمحاباة كانت في ضمن البيع وقد بطلت الوصية بالبيع حين ردها الموصي له فيسلم الثلث للموصى من ذلك له بالرقبة .
ولو أوصى بعتقه ثم أوصي له أن يباع وعلى عكس هذا قال آخر بالآخر لأن هاتين الوصيتين لا يجتمعان في محل واحد والثانية منهما دليل الرجوع عن الأولى فهو كالتصريح بالرجوع .
وإذا أوصى بعبده أن يباع ولم يزد على ذلك أو أوصي بأن يباع بقيمته فهو باطل لأنه ليس في هذه الوصية معنى القربة فيجب تنفيذها بحق الموصي ولا حق فيها للعبد أيضا لأن صفة المملوكية فيه لا تختلف بالبيع إنما يتغير النسبة من حيث أنه ينسب إلى المشترى بالملك بعد ما كان منسوبا إلى البائع ولا يمكن تنفيذها لحق الموصى له وهو المشترى لأنه مجهول جهالة نسبة ولو أوصي أن يباع نسيئة صحت الوصية بنسبة البيع للعتق بأن يحسن العبد خدمة مولاه فيرغب في إعتاقه ولا يتمكن من ذلك لغلة ماله فيبيعه نسيئة ويحط من ثمنه ممن يعتقه ليحصل به ما هو مقصود وهو تخليص العبد عن ذل الرق وهو معنى قوله عليه السلام لبعض أصحابه ( فك الرقبة وأعتق النسمة ) الحديث في تنفيذ هذه الوصية حق الموصي وحق العبد فيجب تنفيذها لذلك ثم يباع كما أوصى ويحط من ثمنه مقدار الثلث إن لم يجد من يزيدهم علي ذلك ولأن معدن الوصية الثلث وفي تنفيذ هذه الوصية حق الموصى فيجب تنفيذها من معدن هو خالص حقه وهو الثلث .
ولو أوصى أن يباع من رجل بعينه ولم يسم ثمنا فإنه يباع منه بقيمته لا ينقص منه شيء لأن تنفيذ هذه الوصية لحق المشتري وهو معلوم وإنما أوصى له بالعين بعوض يعد له فكان تنفيذ هذه الوصية ببيعه منه بمثل القيمة فإن شاء أخذ وإن شاء ترك .
ولو أوصى بأن يعتق عبده وأبى العبد أن يقبل ذلك فإنه يعتق من الثلث لأن تنفيذ هذه الوصية لحق الموصى فإنه استثنى ولاءه لنفسه .
ولو أوجب العتق له لم يرتد برده مراعاة لحق المولى في الولاء فكذلك إذا أوصي بعتقه .
ولو أوصى بعتق عبده وأوصي بأن يباع عبدا آخر من فلان بكذا وحط من قيمته مقدار الثلث فالثلث بينهما نصفان لأنهما استويا في القوة من حيث إن كل واحد منهما يحتمل الرجوع عنه ويحتال إلى تنفيذه بعد الموت .
فإن كان أعتق العبد بنفسه بأبى عتقه ثم باع العبد الآخر وحط عنه الثلث من جميع المال قيل للمشترى يحط عنك نصف الثلث وأد ما بقي إن شئت ويسعى المعتق في نصف قيمته وإن بدأ بالبيع ثم أعتق سلمت المحاباة للمشتري وعلى العبد السعاية في قيمته .
وهذا قول أبي حنيفة - C - فإنه يقول إذا بدأ بالمحاباة ثم بالعتق تقدم المحاباة وإذا بدأ بالعتق تحاصا .
وإن كانتا محاباتين أو عتقين تحاصا وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - يبدأ بالعتق في الوجوه كلها ولا يحط شيء من القيمة عن المشتري إلا أن يفضل شيء من الثلث .
وفي قول زفر - C - إن ما بدأ به منهما يبدأ به لأن لكل واحد منهما نوع قوة وقوة المحاباة من حيث إن سببه تجارة وهو غير محجور عن التجارة بسبب المرض وقوة العتق من حيث إنه لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه فلما استويا في القوة يبدأ بما بدأ به منهما بمنزلة واجبين أو تطوعين .
وأبو يوسف ومحمد قالا : المحاباة بمنزلة الهبة حتى لا تصح ممن لا تصح منه الهبة كالأب والوصى والعتق مقدم على الهبة وإن أجره فكذلك المحاباة وهذا لأن المحاباة إما أن تكون تمليك العين بغير عوض أو إسقاطا للعوض فإن كان إسقاطا فهو كالإبراء عن الدين وإن كان تمليكا فهو كالهبة والعتق مقدم على كل واحد منهما لأن المعنى الذي لأجله قدمنا العتق على الهبة أن الاستحقاق به يثبت بنفسه وأنه لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه بخلاف الهبة وهذا المعنى موجود في المحاباة لأنه يحتمل الفسخ كالهبة يوضحه : أن الوصية بالمحاباة ثابتة بطريق البيع ولهذا لو فسخ البيع لا تبقى الوصية بالمحاباة وما يكون مقصودا بنفسه فهو أقوى مما يكون ثابتا تبعا .
وأبو حنيفة يقول : المحاباة أقوى سببا من العتق لأن بسبب المحاباة التجارة فإن البيع بالمحاباة عقد تجارة حتى يجب للشفيع الشفعة في الكل والشفعة تختص بالمعاوضات دون التبرعات ولهذا قلت : إن البيع بالمحاباة يصح من العبد المأذون والصبي المأذون وبالمرض لا يلحقه الحجر عن التجارة فأما العتق تبرع محض وبالمرض يصير محجورا عن التبرعات فمن هذا الوجه المحاباة أقوى ومن حيث الحكم العتق أقوى لأنه لا يحتمل الفسخ غير أن السبب يسبق الحكم لأن الحكم يثبت بالسبب فلهذا بدأ بالمحاباة قلنا : يبدأ بها لبداية الموصى ولقوة السبب .
فإذا بدأ بالعتق فالعتق يقدم سببه على المحاباة حسا وسبب المحاباة أقوى حكما فيقع التعارض بينهما في قوة السبب فقلنا بأنهما يتحاصان وإنما يبدأ بما بدأ به الموصي إذا كانا لمستحق واحد فأما إذا كانا لمستحقين فلا كما لو أوصى بثلثه لإنسان ثم أوصي بثلثه لآخر ولا يستدل عليهم إلا بما قالوا أن الوصية بالمحاباة بيع فإن ما يثبت ضمنا للشيء يعتبر حكمه بذلك الشيء كالبيع الذي يثبت ضمنا للعتق يجعل بمنزلة العتق حتى لا يتوقف على القبول وهذا لما ثبت ضمنا للتجارة يجعل بمنزلة التجارة وإنما لا يحتمل العتق الفسخ لفوات المحل فإن المسقط يكون مثلا شيئا وتعذر الفسخ عند فوات المحل ثابت في البيع والهبة أيضا .
يوضح ما قلنا : أن المحاباة تستحق استحقاق الديون لأن استحقاقها بعقد ضمان فمن هذا الوجه هي كالديون ومن حيث إنه لا يقابله بدل مقصود كان بمنزلة التبرع فيوفر حظه عليهما فلشبهه بالتبرع يعتبر من الثلث ولشبهه بالديون يكون مقدما على ما هو تبرع محض إذا حصلت البداية بها فإن بدأ بالبيع وحابى بالثلث ثم أعتق عبدا وهو الثلث ثم باع وحابى بالثلث فللبائع الأول نصف الثلث ونصف الثلث بين المعتق والمشتري الآخر لأنه لا مزاحمة للعتق مع المحاباة الأولى فيجعل في حقها كالمعدوم ويقسم الثلث بين المحاباتين نصفين ثم النصف الذي يصيب المشترى الآخر يزاحمه فيه المعتق لأن المعتق مقدم عليه وإنما كان المعتق محجورا لحق صاحب المحاباة الأولى وخرج الوسط حين استوفى حقه ففيما بقي يعتبر حق صاحب العتق وصاحب المحاباة الأخرى فلهذا كان الباقي بينهما نصفين .
( قال ) ( وإذا اشترى الرجل ابنه في مرضه بألف درهم وذلك قيمته وله ألف درهم سوى ذلك فإن ابنه يعتق ولا سعاية عليه ويرثه في قول أبي حنيفة ) وقال أبو يوسف ومحمد يسعى في جميع قيمته ويقاص بها من ميراثه لأن العتق في المرض وصية ولا وصية لوارث والابن وارث ها هنا بالاتفاق فيلزمه رد رقبته لبطلان الوصية له وقد تعذر رده فليزمه السعاية في قيمته وهو بناء على أصلهما أن المستسعى حر عليه دين فبوجوب السعاية عليه لا يخرج من أن يكون وارثا .
وأبو حنيفة يقول : لو أوجبنا عليه السعاية في قيمته كان مكاتبا لأن المستسعى في بدل رقبته عنده مكاتب والمكاتب لا يرث فيجب تنفيذ الوصية له .
وإذا أنفذنا الوصية له وأسقطنا عنه السعاية صار وارثا لا يزال يدور هكذا وقطع الدور واجب فيجمع له بين الميراث والوصية لضرورة الدور لأن ثبوت الوصية للوارث أسهل من إبطال ميراثه .
( ألا ترى ) أن الميراث لا يرتد برد أحد فإنه واجب بإيجاب الله تعالى والوصية للوارث تصح عند إجازة الورثة فلهذه الضرورة جمعنا له بين الوصية والميراث وهو نظير جواز تنفيذ الوصية فيما زاد على الثلث لضرورة الدور وقد بينا ذلك في كتاب الهبة أنه قد تنفذ الهبة في ثلث المال لضرورة الدور .
والوصية للوارث بمنزلة الوصية للأجنبي بما زاد على الثلث .
ولو اشترى ابنه بألف درهم وقيمته خمسمائة وأعتق عبدا له آخر يساوي خمسمائة ولا مال له غيرهما : .
ففي قول أبي حنيفة المحاباة تقدم لأنه بدأ بها وقد استغرقت الثلث فيجب على كل واحد من العبدين السعاية في قيمته ولا يرث الابن شيئا لما عليه من السعاية .
وعندهما : العتق مقدم إلا أن الابن وارث فلا وصية له ولكن يعتق العبد الآخر محاباة ويسعى الابن في قيمته ويطالب البائع بالرد فما زاد على قيمته من الثمن فيكون ميراثا بينهم على فرائض الله تعالى .
ولو كان قيمة الابن ألفا فاشتراه بألف وأعتق عبدا آخر يساوي ألفا على قول أبي حنيفة يتحاصان في الثلث ويسعى الابن فيما زاد على حصته ولا ميراث له لأنه مستسعى في بعض قيمته فلا يكون وارثا .
وعند أبي يوسف ومحمد : الابن وارث فعليه أن يسعى في جميع قيمته ويقاص بها من ميراثه .
( قال ) ( وإذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها وهو مريض ثم دخل بها وقيمتها ألف درهم ومهر مثلها مائة فإن كانت قيمتها ومهر مثلها يخرج من الثلث جعلت لها الميراث والمهر وأجزت النكاح وإن كانت قيمتها ومهر مثلها لا يخرج من الثلث دفع لها مهر مثلها والثلث مما بقى بعد المهر ثم سعت فيما بقى من قيمتها ولا ميراث لها وهذا قول أبي حنيفة ) وقد طعن عيسى - C - في اشتراطه خروج القيمة ومهر المثل من الثلث قال : كيف يستقيم هذا والمهر دين يعتبر من جميع المال والقيمة وصية تعتبر من الثلث ولكن يقول مراده من ذلك خروج القيمة من الثلث بعد دفع مهر المثل من المال لأن مهر المثل دين فيعتبر فيبدأ به ثم إذا كانت القيمة تخرج من ثلث ما بقي فقد عرفنا نفوذ العتق وصحة النكاح وثبوت الميراث لها ولكن يجمع على أصله لها بين الميراث والوصية لضرورة الدور وإن كانت قيمتها ومهر مثلها لا يخرج من الثلث فقد علمنا بوجوب السعاية عليها في بعض قيمتها وإنها كالمكاتبة والمولى إذا تزوج مكاتبته لا يصح النكاح ولكنه لما دخل بها يلزمه مهر مثلها للشبهة فيأخذ مهر مثلها أولا ثم لها الثلث مما بقى بطريق الوصية ويسعى فيما بقي من قيمتها .
وفي قول أبي يوسف ومحمد النكاح جائز على كل حال لأن المستسعاة عندهما حرة عليها دين فيكون لها مهر مثلها والميراث وعليها السعاية في قيمتها لأنها حين ورثت لم يكن لها وصية فيحاسب بالقيمة التي عليها من مهرها وميراثها لأنه لا فائدة في قبض ذلك منها حين وجب ردها عليها فإن بقي شيء أداه إلى الورثة وإن كان زادها شيئا على مهر مثلها بطلت الزيادة لأنها وارثة له .
ولو أعتق أمته وقيمتها ألف ثم استدان منها مائة درهم ثم تزوجها ثم مات ولم يدخل بها وترك ألفين سوى ذلك عندهما هذا والأول سواء والنكاح جائز وترث ولها مهرها لانتهاء النكاح بالموت ولها دينها الذي استدان منها لكون ببينة معاينة وعليها السعاية في قيمتها لأنها لا وصية لها .
وعند أبي حنيفة : النكاح باطل لأنها تستوفى دينها من المال ثم لها ثلث ما بقي بطريق الوصية وقيمتها ومهر مثلها يزيد على الثلث فلذلك بطل النكاح .
ولو أعتقها وليس له مال غيرها ثم تزوجها فاستدان منها مائتي درهم فأنفقها على نفسه وذلك في مرضه ثم مات فالنكاح باطل في قول أبي حنيفة ولا ميراث لها ولا مهر إذا لم يكن دخل بها وعليها السعاية في ثلث ما بقي بعد الدين .
ولو أعتقها في مرضه ثم تزوجها وليس له مال غيرها ثم اكتسب مالا تخرج هي ومهرها من ثلثه فإن النكاح جائز ولها المهر والميراث ولا سعاية عليها لأن المعتبر عند الموت فإن وجوبه الوصية يكون عند موته وعند ذلك رقبتها تخرج من الثلث بعد المهر فلا تسعى في شيء وتبين أن النكاح كان صحيحا بينهما بالموت فلها المهر والميراث ويجمع لها بين الميراث والوصية لضرورة الدور .
وإذا أشهد الرجل على وصيته في كتاب شهودا ولم يقرأها عليهم ولم يكتبها بين أيديهم فإن ذلك لا يجوز لأنهم لم يعرفوا ما في الكتاب والشهادة على ما قال في الكتاب لا على الكتاب وبدون علم الشاهد المشهود به لا يصح الإشهاد وإن قرأها عليهم فقالوا : نشهد عليك بذلك فحرك رأسه بنعم ولم ينطق فهذا باطل لأنهم لم يسمعوا إقراره وتحريك الرأس من الناطق لا يكون إقرارا إذ هو محتمل في نفسه يجوز أن يكون لاستبعاد الشيء ويجوز أن يكون للرضي به .
وإن كتبها بين أيديهم وقال : اشهدوا أنها وصية أو قرأها عليهم فقال : اشهدوا أن هذا وصية فهو جائز لأنهم سمعوا إقراره وعلموا بما كتبه بين أيديهم أو قرأه عليهم .
وكذلك لو قالوا نشهد أن هذه وصيتك قال : نعم فهو جائز لأنه أخرج كلامه مخرج الجواب فيصير ما تقدم كالمعاد فيه قال تعالى : { فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم } ( الأعراف : 44 ) وإذا شهد الشاهدان أنه أعتق أحد عبديه في وصيته وقالا : سماه لنا فنسيناه لم تجز شهادتهم لأنهم لم أثبتوا الشهادة وقد أقروا على أنفسهم بالغفلة وبأنهم ضيعوا الشهادة وإن شهدوا أنه أعتق أحد عبيده الأربعة بغير عينه فهذا والأول سواء في القياس .
ولكني استحسن هذا وأجيزه فيعتق من كل واحد منهم ربعه ان كانت قيمتهم سواء ويسعى كل واحد في ثلاثة ارباع قيمته وقد تقدم بيان هذا في العتاق فإن كانت قيمتهم مختلفة أخذ أقلهم قيمة وأكثرهم قيمة فجمعنا قيمتهما ثم أخذنا نصف ذلك وقسمناه بينهم على قدر قيمتهم حتى إذا كان قيمة أحدهم ألفا وقيمة الثاني ألفين وقيمة الثالث ثلاثة آلاف وقيمة الرابع أربعة آلاف فإنه يجمع بين أقلهم قيمة وأكثرهم قيمة وذلك خمسة آلاف ثم يؤخذ نصف ذلك وهو ألفان وخمسمائة فيضرب أحدهم فيه بألف والآخر بالفين والآخر بثلاثة آلاف والآخر والآخر بأربعة آلاف فإذا جعلت كل ألف سهما بلعغت السهام عشرة فللاول عشر ألفين وخمسمائة وذلك مائتان وخمسون ربع قيمته وللثاني عشران وذلك خمسمائة ربع قيمته وللثالث ثلاثة اعشار وذلك سبعمائة وخمسون ربع قيمته فإن قيمته ثلاثة الاف وللآخر أربعة اعشار وهو ألف درهم ربع قيمته فإن كان له عبدان فشهد الشاهدان انه قال هذا حر وهذا فإنه يعتق من كل واحد منهما نصفه وليس للورثة أن يعتقوا أحدهما ويمسكوا الآخر لان العتق بالموت يشيع فيهما وإنما ينفذ من ثلث ماله ولو شهدوا انه قال لفلان عبدى هذا أو عبدى هذا للآخر وصية وهما يخرجان من الثلث كان للورثة أن يعطوه أيهما شاؤا لان المستحق واحد وهو الموصى له والاقل متيقن به فللورثة أن لا يعطوه الزيادة على ذلك بخلاف العتق وهناك العتق شاع فيهما بالموت لان المستحق مختلف وليس أحدهما بالتقديم بأولى من الآخر ولو شهدوا أنه أعتق عبده هذا وهو يخرج من الثلث ثم شهد آخران من الورثة أنه أعتق عبدا آخر سواه فشهادتهما جائزة ويتحصان في الثلث لانه لا تهمة في شهادة الورثة فان فيه ابطال ملكهم عن العبد وتأخير حقهم الى خروج السعاية فكانوا في هذه الشهادة كالاججانب وقد ثبت حق كل واحد منهما بمثل ما ثبت به حق الآخر فيتحاصان في الثلث ولو شهد الاجنبيان أنه أوصى لفلان بالثلث واجازه القاضي ثم شهد الوارثان انه أعتق عبده هذا في مرضه وهو الثلث جاز اعتاقه من الثلث وبطلت الوصية بالثلث لان ثبوتهما بالبينة كثبوتهما بالمعاينة والعتق المنفذ في الثلث مقدم على سائر الوصايا وذكر في الزيادات ان شهادة الوارثين لا تقبل ها هنا لان الموصى له بالثلث استحق الثلث عليهما بقضاء القاضي فهما بهذه الشهادة يبطلان استحقاقه وما قضى به القاضي عليهما بهذه الشهادة فلا يقبل ولكن يعتق العبد لاقرارهما بفساد رقه وعليه السعاية في قيمته لان العتق في المرض نفذ من الثلث وقد بينا ان الثلث كله مستحق للموصى له بقضاء القاضي لو شهد الاجنبيان أنه أوصى ان بعتق عبده سالم وهو الثلث وشهدا وارثان انه رجع عن ذلك وأوصى بعتق عبد زياد وهو الثلث جازت شهادتهما لانه لا منفعة في هذه الشهادة للورثة اذ لا فرق في حقهم بين أن يكون الاول هو السمتحق للثلث عليهم أو الآخر ولانهما يشهدان للآخر على الاول فهو بمنزلة مالو أوصي لرجل بالثلث فشهد وارثان انه قد رجع عنه وجعله لهذا الآخر أو انه اشركه معه فيه ولو كانت قيمة العبد الثاني أقل من الثلث أجزت شهادتهما للآخر فأعتقه ولا أصدهما على الفصل الذي في الاول لانهما بشهادتهما على الرجوع عن وصيته يجران الى أنفسهما منفعة ولا تقبل شهادتهما على ذلك ولكن يثبت عتق الآخر بشهادتهما لان أحد الحكمين ينفصل عن الآخر ولا تهمة في هذا فينفذ العتق للعبدين من الثلث بالحصص ولو شهد شاهدان انه أعتق عبديه هذين في مرضه وقيمة أحدهما ألف وقيمة الاخر خمسمائة ولا مال له غيرهما فالثلث بينهما اثلاثا لان الوصية لكل واحد منهما بالبراءه عن السعاية فيضرب بجميع ما أوصى له به في الثلث وان كان أكثر من الثلث ولو كان أوصي بأحدهما لرجل وبالآخر لآخر فكذلك عند أبي يوسف ومحمد الجواب وعند أبي حنيفة الثلث بينهما نصفان لان الموصي له بالعين تبطل وصيته فيما زاد على الثلث عند عدم الاجازة ضربا واستحقاقا وإذا قال الرجل في مرضه لعبد له ومدبر أحد كما حر ثم مات ولا مال له غيرهما وقيمتهما سواء فللمدبر ثلثا الثلث وللآخر ثلثه لان قوله أحدكما حر يتخييرا العتق وهو معتبر في حق المدبر لحاجته الى ذلك فيجب له حرية رقبته ويشيع فيهما بالموت قبل البيان فكان ألقن موصى له بنصف رقبته والمدبر موصى له بجميع رقبته والمدبر موصى له بجميع رقبته لا يزاد على ذلك شيء بما أصابه من العتق في المرض لان العتق في المرض وصية كالتدبير فيضرب المدبر في الثلث بجميع رقبته والقن بنصف رقبته فكان الثلث بينهما اثلاثا ولو كان قال في الصحة سعى المدبر في سدس قيمته والآخر في نصف قيمته لان العتق في الصحة من جمع المال فإذا فات البيان بالموت عتق من كل واحد منهما نصفه من جميع المال وانما مال الميت رقبة .
واحدة والمدبر موصي له بالنصف الباقي من قبته فتنفذ وصيته من الثلث فيسلم له بالعتق البات نصف الرقبة وبالتدبير ثلث الرقبة ويسعى في سدس القيمة وانما يسلم للقن نصف رقبته بالعتق البات فيسعى في قيمته ولو شهد شاهدان انه دبر عبده فلانا ان قتل وانه قد قتل وشهد شاهدان انه مات موتا فأنى أجيز العتق من الثلث لان في احدى الشهادتين اثبات العتق والقتل وفي الاخرى نفيهما والمثبت من التينتين أولى وكذلك لو شهدا انه أعتقه ان حدث به حدث في مرضه أو سفره هذا وانه قد مات في ذلك السفر أو المرض وشهد آخران انه رجع من ذلك السفر ومات في أهله فأنى أجيز شهادة شهود العتق لان في شهادتهما اثبات العتق واثبات تاريخ سابق في موته وان شهد هذان الآخران انه قال ان رجعت من سفري هذا فمت في أهلي ففلان حر وانه قد رجع فمات في أهله وجاؤا جميعا الى القاضي فانى لا أجيز شهادة اللذين شهدا على الرجوع وأجيز شهادة اللذين شهدا انه مات في أهله ذلك لانهما أثبتا موته بتاريخ سابق ولا بد من القضاء بموته في ذلك الوقت لانعدام المعارض ثم الموت لا يتكرر عادة فيبطل شهادة الاخرين جميعا ضرورة ( ألا ترى ) ان الرجل ولو قال ان مت في جمادى الآخر ففلان حر وان مت في رجب ففلان حر لعبد آخر فشهد شاهدان انه مات في جمادى الآخر وشهد آخران انه مات في رجب أخذنا بقول الشاهدين على الموت الاول لهذا المعنى ولو شهدا انه قال ان مت من مرضى هذا ففلان حر وقالا لا ندرى مات أم لا فقال الغلام مات منه وقالا لوارث صح منه ثم مات فالقول قول الوارث مع يمينه لان الغلام يدعى شرط العتق والوارث منكر لذلك فالظاهر وان كان يشهد للغلام ولكن ثبوت الشرط ظاهر الا يكفي لثبوت الحرية لان الظاهر يدفع به الاستحقاق ولا يثبت به الاستحقاق وان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة العبد لانه هو المثبت للشرط والعتق وان قال ان مت من مرضي هذا ففلان حر وان برأت منه ففلان آخر حر فقال العبد قد مات منه وقال الوارث قد برأ فالقول قول الوراث لما بينا فإن أقام الآخر البينة على ما يدعى اعتقته أيضا لانه يثبت العتق ببينة لنفسه وان قامت البيناتان لهما أخذت ببينة الذين شهدوا على الوقت الاول انه مات من مرضه وأبطلت الاخرى لانه لا يموت مرتين واذا أمته في الاول بطل الآخر ضرورة لان الميت لا يموت والله أعلم