( قال C ) : وإذا احتفر أهل المسجد فيه بئر الماء المطر أو وضعوا فيه حبا فصب فيه الماء أو طرحوا فيه بواري أو حصى أو ركبوا فيه بابا أو علقوا فيه قناديل أو ظللوه فلا ضمان عليهم فيما عطب بذلك لأن هذا النوع من التصرف مباح لأهل المسجد في مسجدهم مطلقا فإن حق التدبير في المسجد فيما يرجع إلى الإصلاح إليهم على الوجه الذي يكون للمالك في ملكه فكما أن المالك لا يكون جانيا بإحداث شيء من هذا في ملكه فكذلك أهل المسجد في مسجدهم وكذلك إن فعله غيرهم بإذنهم لا يكون فعل المأذون من جهتهم كفعلهم وإن فعل بغير أمرهم فهو ضامن في قول أبي حنيفة وهو القياس وفي قول أبي يوسف ومحمد : إذا كان مسجدا للعامة فلا ضمان عليه فيه استحسانا إلا البناء والحفر وجه قولهما أن هذا مما يرجع إلى إصلاح المسجد وعمارة المسجد مما ندب الله إليها كل مسلم قال الله تعالى : { إنما يعمر مساجد الله } الآية ثم بتعليق القنديل وبسط الحصر يتمكن الناس من إقامة الصلاة في المسجد وغير أهل المسجد سواء في إقامة الصلاة فيه فكذلك فيما يرجع إلى المكن منه إلا أن أهل المسجد أخص بالتدبير فهم في ذلك كالملاك وغيرهم كالسكان نحو المستعير والمستأجر في الدار ثم المستعير لا يكون جانيا في وضع الأمتعة وصب الماء ونصب القنديل في الدار ويكون جانيا في البناء وحفر البئر بغير إذن صاحب الدار فكذلك غير أهل المسجد في المسجد وهذا لأن المسجد معد للصلاة فيه والبناء والحفر يخرج ذلك الموضع من أن يكون مصلى فيكون ذلك من باب التدبير لا من باب التمكين من إقامة الصلاة فيه فيختص به أهل المسجد دون غيرهم فيكون جانيا إذا فعله بغير أمرهم وإذنهم فأما بسط الحصير ونصب القنديل فمن باب التمكين من إقامة الصلاة فيه فغير أهل المسجد فيه كأهل المسجد وأبو حنيفة يقول : اختص أهل المسجد بالتدبير في هذه البقعة فغيرهم إذا أراد شيئا من ذلك يباح له فعله ولكنه مقيد بشرط السلامة بمنزلة المشي والمسير على الدابة في الطريق والدليل على اختصاص أهل المسجد به أن التدبير في فتح الباب وإغلاقه ونصب الإمام والمؤذن والمتولي يكون إلى أهل المسجد دون غيرهم فإنه لو وجد في مسجدهم قتيل كان ذلك عليهم خاصة دون غيرهم والدليل عليه البناء والحفر فإن أهل المسجد هم المختصون بذلك وإذا فعله غيرهم وكان فيه إصلاح للمسجد كان مباحا لهم ولكنه مقيد بشرط السلامة ولا يبعد أن يكون المسلمون فيما هو المقصود وهو الصلاة فيه سواء ثم مع ذلك يختص أهله بالتدبير فيه كالكعبة فالناس فيما هو المقصود وهو الطواف سواء وقد اختص بنو شيبة بالتدبير فيها حتى أن النبي E لما أخذ المفتاح منهم يوم الفتح نزل عليه الوحي يأمره بالرد قال الله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } وإذا قعد الرجل في مسجد لحديث أو نام في غير صلاة أو مر فيه فهو ضامن لما أصاب كما يضمن في الطريق الأعظم في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : لا ضمان عليه فيه لأنه لو كان مصليا في هذه البقعة لم يضمن ما يعطب به فكذلك إذا كان جالسا فيه لغير الصلاة بمنزلة الجالس في ملكه وهذا لأن الاعتكاف في المسجد قربة كالصلاة والمعتكف يتحدث وينام في المسجد والجلوس لانتظار الصلاة مندوب إليه قال E : ( المنتظر للصلاة في الصلاة ما دام ينتظرها ) وندب رسول الله A إلى الجلوس في المسجد بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس وكذلك الجلوس في المسجد لتعليم العلم وتعلمه المندوب إليه فيكون ذلك مباحا مطلقا والمباح المطلق لا يكون سببا لوجوب الضمان على الحر وأبو حنيفة يقول : المسجد معد للصلاة والقعود والنوم فيه لغير الصلاة مقيد بشرط السلاة كالطريق فإنه معد للمشي فيه فالجلوس أو النوم فيه وإن كان لا يضر بالمارة يتقيد بشرط السلامة والدليل عليه أن من يجلس في المسجد للصلاة إذا احتاج من يصلي في ذلك الموضع إلى إزعاجه ليصلي كان له ذلك شرعا وليس لغير المصلي أن يزعج المصلي عن مكانه فعرفنا أنه معد للصلاة فيه فشغله بغير ذلك يتقيد بشرط السلامة وإن كان ذلك مباحا أو مندوبا إليه ولا يكون هذا أقوى من الرمي إلى الكافر أو العبد فإنه مباح أو مندوب إليه ومع ذلك إذا أصاب مسلما كان ضامنا له ولا خلاف انه إذا مشى في المسجد فأطأ انسانا أو نام فيه فانقلب على انسان فهو ضامن له لإتلافه وبمثل هذا السبب يضمن في ملكه ففي المسجد أولى وإذا احتفر الرجل في سوق العامة بئرا أو بنى فيها دكانا بغير أمر السلطان فهو ضامن لما عطب به من لا شيء لأنه متعد في هذا السبب فالحق بالطريق العامة وما يكون .
حقا لعامة المسلمين فالتدبير فيه إلى الإمام فإذا أحدثه بغير إذن الإمام كان متعديا وإذا فعله بأمر السلطان لا يكون متعديا في هذا التسبب فلا يكون ضامنا بمنزلة ما لو قتله بملكه وإذا أوقف دابة في السوق فما أصابت دابته فهو ضامن له ولأنه متعد بإيقافها في الطريق فإن ذلك يحول بين المارة والمرور في ذلك الموضع وإن كان موقفا تقف فيه الدواب للبيع وقد أذن له السلطان في ذلك فأوقف فيه الدابة لم يكن ضامنا فيما أصابت الدابة وإن لم يكن السلطان أذن فيه فهو ضامن لأن بإذن السلطان يصير ذلك الموضع معدا لإيقاف الدواب فيه فيكون إيقافها فيه بمنزلة إيقافها في ملكه فأما بدون إذن السلطان فهو ممر وليس بموضع لإيقاف الدابة فإذا أوقف فيه دابته أو أرسلها فيه كان ضامنا لما تلف به وإن لم يكن هو أوقفها ولا أرسلها فيه فلا ضمان عليه لأنها دابة منفلتة فجرحها هدر والقول في ذلك قوله مع يمينه مع أنه ينكر وجوب الضمان عليه في الموضع المعد لإيقاف الدواب إذا سار على دابته فيه لم يكن ضامنا للنفحة بالرجل والذنب لأن هذا جزء من الطريق كسائر أجزاء الطريق فالسير فيه يتقيد بشرط السلامة فيما يمكن التحرز عنه دون ما لا يمكن فإذا أنكر أن يكون أرسلها فهو ينكر وجوب الضمان عليه والمدعي يدعي ذلك فكان القول فيه قوله مع يمينه والله أعلم