وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي C إملاء : اعلم بأن الشرب هو النصيب من الماء للأراضي كانت أو لغيرها قال الله تعالى : { لها شرب ولكم شرب يوم معلوم } وقال تعالى : { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر وقسمة الماء بين الشركاء جائزة بعث رسول الله A والناس يفعلون ذلك فأقرهم عليه والناس تعاملوه من لدن رسول الله A إلى يومنا هذا من غير نكير منكر وهو قسمة تجري باعتبار الحق دون الملك إذ الماء في النهر غير مملوك لأحد والقسمة تجري تارة باعتبار الملك كقسمة الميراث والمشتري وتارة باعتبار الحق كقسمة الغنيمة بين الغانمين ثم بدأ الكتاب بحديث رواه عن الحسن البصري C أن رسول الله A قال : ( من حفر بئرا فله ما حوله أربعين ذراعا عطنا لما شقه ) والمراد الحفر في الموات من الأرض عند أبي حنيفة C بإذن الإمام وعندهما لا يشترط إذن الإمام على ما نبينه وظاهر الحديث يشهد لهما لأن النبي A ذكر الحفر فقط ومثل هذا في لسان صاحب الشرع لبيان السبب لقوله E : ( من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر ) ولكن أبو الحسن C يقول : اتفقنا على أن الاستحقاق لا يثبت بنفس الحفر ما لم يكن ذلك في الموات من الأرض وهذا اللفظ لا يمكن العمل بظاهره إلا بزيادة لا يدل اللفظ عليها فلا يقوى الاستدلال بها ثم فيه دليل على أن البئر لها حريم مستحق من قبل أن حافر البئر لا يتمكن من الانتفاع ببئره إلا بما حوله فإنه يحتاج أن يقف على شفير البئر يسقي الماء وإلى أن يبنى على شفير البئر ما يركب عليه البكرة وإلى أن ينبني حوضا يجمع فيه الماء وإلى موضع تقف فيه مواشيه عند الشرب وربما يحتاج أيضا إلى موضع تنام فيه مواشيه بعد الشرب فاستحق الحريم لذلك وقدر الشرع ذلك بأربعين ذراعا وطريق معرفة المقادير النص دون الرأي إلا أن من العلماء رحمهم الله من يقول أربعين ذراعا من الجوانب الأربعة من كل جانب عشرة أذرع لأن ظاهر اللفظ يجمع الجوانب الأربع والأصح أن المراد التقدير بأربعين ذراعا من كل جانب لأن المقصود دفع الضرر عن صاحب البئر الأول لكيلا يحفر أحد في حريمه بئرا أخرى فيتحول إليها ما ببئره وهذا الضرر ربما لا يندفع بعشرة أذرع من كل جانب فإن الأراضي تختلف بالصلابة والرخاوة وفي مقدار أربعين ذراعا من كل جانب يتيقن بدفع هذا الضرر ويستوي في مقدار الحريم بئر العطن وبئر الناضح عند أبي حنيفة C وعندهما حريم بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر الناضح سبعون ذراعا واستدلا بحديث الزهري أن النبي E قال : ( حريم العين خمسمائة ذراع وحريم بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر الناضح ستون ذراعا ) ولأن استحقاق الحريم باعتبار الحاجة وحاجة صاحب البئر الناضح إلى الحريم أكثر لأنه يحتاج إلى موضع يسير فيه الناضح ليستقي فيه الماء من البئر بذلك وفي بئر العطن إنما يستقى بيده فلا يحتاج إلى هذا الموضع واستحقاق الحريم بقدر الحاجة . ( ألا ترى ) أن صاحب العين يستحق من الحريم أكثر مما يستحق صاحب البئر لأن ماء العين يفيض على الأرض ويحتاج صاحبه إلى اتخاذ المزارع حول ذلك لينتفع بما يفيض من الماء وإلى أن ينبني غديرا يجتمع فيه الماء فاستحق لذلك زيادة الحريم واستدل أبو حنيفة C بالحديث الأول فإنه E قال : ( من حفر بئرا فله ما حولها أربعون ذراعا ) وليس فيه فصل بين بئر العطن والناضح ومن أصله أن العام المتفق على قبوله والعمل به يترجح على الخاص المختلف في قبوله والعمل بهذ ولهذا رجح قوله E : ( ما أخرجت الأرض ففيه العشر ) على قوله E : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) وعلى قوله E : ليس في الخضروات صدقة ورجح اصحابنا رحمهم الله قوله E ( التمر بالتمر مثلا بمثل ) على خبر العرايا ولأن استحقاق الحريم حكم ثبت بالنص بخلاف القياس لأن الاستحقاق باعتبار عمله وعمله في موضع البئر خاصة فكان ينبغي أن لا يستحق شيئا من الحريم ولكنا تركنا القياس بالنص فبقدر ما اتفق عليه الآثار ثبت الاستحقاق وما زاد على ذلك مما اختلف فيه الأثر لا يثبت استحقاقه بالشك هذا أصل أبي حنيفة C في مسائل الحريم ولهذا لم يجعل للنهر حريما وكذلك في غير هذا الموضع فإنه قال : لا يستحق الغازي لفرسه إلا سهما واحدا لأن استحقاقه ثبت بخلاف القياس بالنص فلا يثبت إلا القدر المتيقن به فأما حريم العين خمسمائة ذراع كما ورد به الحديث لأن الآثار اتفقت عليه ولكن عند بعضهم الخمسمائة في الجوانب الأربعة من كل جانب مائة .
وخمسة وعشرون ذراعا والأصح أن له خمسمائة ذراع من كل جانب وقد ذكر أبو يوسف في الأمالي هذا مفسرا في بئر الناضح قال : يتقدر حريمه بستين ذراعا من كل جانب إلا أن يكون الرشا أطول من ذلك فهذا دليل على أن المذهب التقدير من كل جانب بما سمى من الذرعان ثم الاستحقاق من كل جانب في الموات من الأرض بما لا حق لأحد فيه أما فيما هو حق الغير فلا حتى لو حفر إنسان بئرا فجاء آخر وحفر على منتهى حد حريمه بئرا فإنه لا يستحق الحريم من الجانب الذي هو حريم صاحب البئر الأول وإنما يستحقه من الجوانب الأخر فيما لاحق فيه لأن في ذلك الجانب الأول قد سبق إليه وقد ثبت استحقاقه كما قال E : ( منا مباح من سبق فلا يكون لأحد أن يبطل عليه حقه ويشاركه فيه ) وعن ابن مسعود Bه قال : أسفل النهر آمر على أهل أعلاه حتى يرووا وفيه دليل أنه ليس لأهل الأعلى أن يسكروا النهر ويحبسوا الماء عن أهل الأسفل لأن حقهم جميعا ثابت فلا يكون لبعضهم أن يمنع حق الباقين ويختص بذلك وفيه دليل على أنه إذا كان الماء في النهر بحيث لا يجري في أرض كل واحد منهم إلا بالسكر فإنه يبدأ بأهل الأسفل حتى يرووا ثم بعد ذلك لأهل الأعلى أن يسكروا ليرتفع الماء إلى أراضيهم وهذا لأن في السكر إحداث شيء في وسط النهر المشترك ولا يجوز ذلك مع حق جميع الشركاء وحق أهل الأسفل ثابت ما لم يرووا فكان لهم أن يمنعوا أهل الأعلى من السكر ولهذا سماهم آمرا لأن لهم أن يمنعوا أهل الأعلى من السكر وعليهم طاعتهم في ذلك ومن تلزمك طاعتك فهو أميرك بيانه في قوله E : ( صاحب الدابة العطوف أمير على الراكب ) لأنه يأمرهم بانتظارهم وعليهم طاعته بحق الصحبة في السفر وفيه حكاية أبي يوسف C حين ركب مع الخليفة يوما فتقدمه الخليفة لجوده ابنه فناداه أيها القاضي الحق بي فقال أبو يوسف : إن دابتك إذا حركت طارت وإن دابتي إذا حركت قطعت وإذا تركت وقفت فانتظرني فإن النبي E قال : ( صاحب الدابة العطوف أمير على الراكب ) فأمر بأن يحمل أبو يوسف C على جنبة له وقال : احمل أباك على هذا أهون من تأميرك علي وعن محمد بن إسحاق يرفعه إلى النبي A قال : ( إذا بلغ الوادي الكعبين لم يكن لأهل الأعلى أن يحبسوه عن الأسفل ) والمراد به الماء في الوادي والوادي اسم لموضع في أسفل الجبل ينحدر الماء من كل جانب من الجبل فيجتمع فيه ويجري إلى الموضع الذي ينتفع به الناس فقوله : إذا بلغ الوادي الكعبين ليس بتقدير لازم بالكعبين بل الإشارة إلى كثرة الماء لأن في موضع الوادي سعة فإذا بلغ الماء فيه هذا المقدار فهو كثير يتوصل كل واحد منهم إلى الانتفاع به بقدر حاجته عادة فإذا أراد أهل الأعلى أن يحبسوه عن أهل الأسفل فإنما قصدوا بذلك الإضرار بأهل الأسفل فكانوا متعنتين في ذلك لا منتفعين بالماء وإذا كان الماء دون ذلك فربما لا يفضل عن حاجة أهل الأعلى فهم منتفعون بهذا الحبس والماء الذي ينحدر من الجبل إلى الوادي على أصل الإباحة فمن يسبق إليه فهو أحق بالانتفاع به بمنزلة النزول في الموضع المباح كل من سبق إلى موضع فهو أحق به ولكن ليس له أن يتعنت ويقصد الإضرار بالغير في منعه عما وراء موضع الحاجة فعند قلة الماء بدئ أهل الأعلى أسبق إلى الماء فلهم أن يحبسوه عن أهل الأسفل به قضى رسول الله A للزبير بن العوام Bه في حادثة معروفة وعند كثرة الماء يتم انتفاع صاحب الأعلى من غير حبس فليس له أن يتعنت بحبسه عن أهل الأسفل وعن رسول الله A قال : ( المسلمون شركاء في ثلاث : الماء والكلأ والنار ) وفي الروايات : ( الناس شركاء في ثلاث ) وهذا أعم من الأول فيه إثبات الشركة للناس كافة المسلمين والكفار في هذه الأشياء الثلاثة وهو كذلك وتفسير هذه الشركة في المياه التي تجري في الأودية والأنهار العظام كجيحون وسيحون وفرات ودجلة ونيل فإن الانتفاع بها بمنزلة الانتفاع بالشمس والهواء ويستوي في ذلك المسلمون وغيرهم وليس لأحد أن يمنع أحدا من ذلك وهو بمنزلة الانتفاع بالطرق العامة من حيث التطرق فيها ومرادهم من لفظة الشركة بين الناس بيان أصل الإباحة والمساواة بين الناس في الانتفاع إلا أنه مملوك لهم فالماء في هذه الأودية ليس بملك لأحد فأما ما يجري في نهر خاص لأهل قرية ففيه نوع شركة لغيرهم وهو حق السعة من حيث الشرب وسقي الدواب فإنهم لا يمنعون أحدا من ذلك ولكن هذه الشركة أخص من الأول فليس لغير أهل القرية أن يسقوا نخيلهم وزروعهم من هذا .
النهر وكذلك الماء في البئر فيه لغير صاحب البئر شركة لهذا القدر وهو السعة وكذلك الحوض فإن من جمع الماء في حوضه وكرمه فهو أخص بذلك الماء مع بقاء حق السقي فيه للناس حتى إذا أخذ إنسان من حوضه ماء للشرب فليس له أن يسترده منه وإذا أتى إلى باب كرمه ليأخذ الماء من حوضه للشرب فله أن يمنعه من أن يدخل كرمه لأن هذا ملك خاص له ولكن إن كان يجد الماء قريبا من ذلك الموضع في غير ملك أحد يقول له : اذهب إلى ذلك الموضع وخذ حاجتك من الماء لأنه لا يتضرر بذلك وإن كان لا يجد ذلك فأما أن يخرج الماء إليه أو يمكنه من أن يدخل فيأخذ بقدر حاجته لأن له حق السعة في الماء الذي في حوضه عند الحاجة فأما إذا أحرز الماء في جب أو جرة أو قربة فهو مملوك له حتى يجوز بيعه فيه وليس لأحد أن يأخذ شيئا منه إلا برضاه ولكن فيه شبهة الشركة من وجه ولهذا لا يجب القطع لسرقته وعلى هذا حكم الشركة في الكلأ في المواضع التي لا حق لأحد فيها بين الناس فيه شركة عامة فلا يكون لأحد أن يمنع أحدا من الانتفاع به فأما ما نبت من الكلأ في أرضه مما لم ينبته أحد فهو مشترك بين الناس أيضا حتى إذا أخذه إنسان فليس لصاحب الأرض أن يسترده منه وإذا أراد أن يدخل أرضه ليأخذ ذلك فلصاحب الأرض أن يمنعه من الدخول في أرضه ولكن إن كان يجد ذلك في موضع آخر يأمره بالذهاب إلى ذلك الموضع وإن كان لا يجد وكان بحيث يخاف على ظهره فأما أن يخرج إليه مقدار حاجته أو يمكنه من أن يدخل أرضه فيأخذ مقدار حاجته فأما ما أنبته صاحب الأرض بأن سقى أرضه وكربها لنبت الحشيش فيها لدوابه فهو أحق بذلك وليس لأحد أن ينتفع بشيء منه إلا برضاه لأنه حصل بكسبه والكسب للمكتسب وهذا الجواب فيما لم ينبته صاحب الأرض من الحشيش دون الأشجار فأما في الأشجار فهو أحق بالأشجار النابتة في أرضه من غيره لأن الأشجار تحرز عادة وقد صار محرزا له من يده الثابتة على أرضه فأما الحشيش فلا يحرز عادة وتفسير الحشيش ما تيسر على الأرض مما ليس له ساق والشجر ما ينبت على ساق وبيان ذلك في قوله تعالى : { والنجم والشجر يسجدان } والنجم ما ينجم فتيسر على الأرض والشجر ما له ساق . وبيان الشركة في النار أن من أوقد نارا في صخر لا حق لأحد فيه فلكل واحد أن ينتفع بناره من حيث الاصطلاء بها وتجفيف الثياب والعمل بضوءها فأما إذا أراد أن يأخذ من ذلك الجمر فليس له ذلك إذا منعه صاحب النار لأن ذلك حطب أو فحم قد أحرزه الذي أوقد النار وإنما الشركة التي أثبتها رسول الله A في النار والنار جوهر الحر دون الحطب والفحم فإن أخذ شيئا يسيرا من ذلك الجمر نظر فإن كان ذلك ما له قيمة إذا جعله صاحبه فحما كان له أن يسرده منه وإن كان يسيرا لا قيمة له فليس له أن يسترده منه وله منه أن يأخذه من غير استئذان لأن الناس لا يمنعون هذا القدر عادة والمانع يكون متعنتا لا منتفعا وقد بينا أن المتعنت ممنوع من التعنت شرعا وعن عائشة Bها قالت : نهى رسول الله A عن بيع بقع الماء يعني المستنقع في الحوض وبه نأخذ فإن البيع تمليك فيستدعي محلا مملوكا والماء في الحوض ليس بمملوك لصاحب الحوض فلا يجوز بيعه فلظاهر الحديث لا يجوز بيع الشرب وحده لأن ما يجري في النهر الخاص ليس بمملوك للشركاء والبيع لا يسبق الملك وإنما الثابت للشركاء في النهر الخاص حق الاختصاص بالماء من حيث سقي النخيل والزرع ولصاحب المستنقع مثل ذلك وبيع الحق لا يجوز وعن الهيثم أن قوما وردوا ماء فسألوا أهله أن يدلوهم على البئر فأبوا فسألوهم أن يعطوهم دلوا فأبوا أن يعطوهم فقالوا لهم : إن أعناقنا وأعناق مطايانا قد كادت تقطع فأبوا أن يعطوهم فذكروا ذلك لعمر Bه فقال لهم عمر : فهلا وضعتم فيهم السلاح وفيه دليل أنهم إذا منعوهم ليستقوا الماء من البئر فلهم أن يقاتلوهم بالسلاح فإذا خافوا على أنفسهم أو على ظهورهم من العطش كان لهم في البئر حق السعة فإذا منعوا حقهم وقصدوا إتلافهم كان لهم أن يقاتلوهم عن أنفسهم وعن ظهورهم كما لو قصدوا قتلهم بالسلاح فأما إذا كان الماء محرزا في إناء فليس للذي يخاف الهلاك من العطش أن يقاتل صاحب الماء بالسلاح على المنع ولكن يأخذ منه فيقاتله على ذلك بغير سلاح وكذلك في الطعام لأنه ملك محرز لصاحبه ولهذا كان الآخذ ضامنا له فإذا جاز له أخذه لحاجته فالمانع يكون دافعا عن ماله وقال E : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) فكيف يقاتل من إذا قتله كان شهيدا على لسان رسول اللهصلى الله عليه .
وسلم فأما البئر مباح غير مملوك لصاحب البئر فلا يكون هو في المنع دافعا عن ملكه ولكنه مانع عن المضطر حقه فكان له أن يقاتله بالسلاح وللأول أن يقاتل بما دون السلاح لأن صاحب الماء مأمور بأن يدفع إليه بقدر ما يدفع به الضرورة عنه فهو في المنع مرتكب ما لا يحل فؤدبه على ذلك بغير سلاح وليس مراد عمر Bه المقاتلة بالسلاح على منع الدلو فإن الدلو كان ملكا لهم ولو كان المراد ذلك فتأويل قوله : فعلا وضعتم فيهم السلاح أي برهنتم عندهم ما معكم من السلاح ليطمئنوا إليكم فيعطونكم الدلو لا أن يكون المراد الأمر بالقتال وعن عروة عن النبي A قال : ( من أحيا أرضا ميتة فهي له ) وليس لعرف ظالم حق وفيه دليل على أن الموات من الأراضي يملك بالإحياء وأصح ما قيل في حد الموات أن يقف الرجل في طرف العمران فينادي بأعلى صوته فإلى أي موضع ينتهي صوته يكون من فناء العمران لأن سكان ذلك الموضع يحتاجون إلى ذلك لرعي المواشي وما أشبه ذلك وما وراء ذلك من الموات ثم عند أبي حنيفة C إنما يملكها بالإحياء بعد إذن الإمام وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله : لا حاجة فيه إلى إذن الإمام لأن النبي A قد أذن في ذلك وملكها ممن أحياها أو لأنه لا حق لأحد فيها فكل من سبقت يده إليها وتم إحرازه لها فهو أحق بها كمن أخذ صيدا أو حطبا أو حشيشا أو وجد معدنا أو ركازا في موضع لا حق لأحد فيه وأبو حنيفة استدل بقوله E : ( ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه ) وهذا وإن كان عاما فمن أصله أن العام المتفق عليى قبوله يترجح على الخاص وقال A : ( ألا إن عادى الأرض هي لله ورسوله ثم هي لكم من بعد ) فما كان مضافا إلى الله تعالى والرسول A فالتدبير فيه إلى الإمام فلا يستبد أحد به بغير إذن الإمام كخمس الغنيمة فرسول الله A في هذا الحديث أشار إلى أن هذه الأراضي كانت في يد المشركين ثم صارت في يد المسلمين بإيجاف الخيل فكان ذلك لهم من الله تعالى ورسوله E وما كان بهذه الصفة لم يختص أحد بشيء منه دون إذن الإمام كالغنائم وقوله A : ( من أحيا أرضا ميتة ) لبيان السبب وبه نقول أن سبب الملك بعد إذن الإمام هو الإحياء ولكن إذن الإمام شرط وليس في هذا اللفظ ما ينفي هذا الشرط بل في قوله E وليس لعرف ظالم حق إشارة إلى هذا الشرط فالإنسان على رأي الإمام والأخذ بطريق التغالب في معنى عرق ظالم وقيل : معنى قوله E وليس لعرق ظالم حق أن الرجل إذا غرس أشجارا في ملكه فخرجت عروقها إلى أرض جاره أو خرجت أغصانها إلى أرض جاره فإنه لا يستحق ذلك الموضع من أرض جاره بتلك الأغصان والعروق الظالمة فالظلم عبارة عن تحصيل الشيء في غير موضعه قيل : المراد بعرق الظالم أن يتعدى في الإحياء ما وراء أحد الموات فيدخل في حق الغير ولا يستحق بذلك شيئا من حق الغير وعن عمر Bه قال : من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس بعد ثلاث سنين حق والمراد بالمحجر المعلم بعلامة في موضع واشتقاق الكلمة من الحجر وهو المنع فإن من أعلم في موضع من الموات علامة فكأنه منع الغير من إحياء ذلك الموضع فسمى فعله تحجيرا وبيان ذلك أن الرجل إذا مر بموضع من الموات فقصد إحياء ذلك الموضع فوضع حول ذلك الموضع أحجارا أو حصد ما فيها من الحشيش والشوك وجعلها حول ذلك فمنع الداخل من الدخول فيها فهذا تحجير ولا يكون إحياء إنما الإحياء أن يجعلها صالحة للزراعة بأن كربها أو ضرب عليها المسناة أو شق لها نهرا ثم بعد التحجير له من المدة ثلاث سنين كما أشار إليه عمر Bه لأنه يحتاج إلى أن يرجع إلى وطنه ويهيء أسبابه ثم يرجع إلى ذلك الموضع فيحييه فيجعل له من المدة للرجوع إلى وطنه سنة وإصلاح أموره في وطنه سنة والرجوع إلى ذلك الموضع سنة فإلى ثلاثة سنين لا ينبغي أن يشتغل بإحياء ذلك الموضع غيره ولكن ينتظره ليرجع وبعد مضي هذه المدة الظاهر أنه قد بدا له وأنه لا يريد الرجوع إليها فيجوز لغيره إحياؤها هذا من طريق الديانة فأما في الحكم إذا أحياها إنسان بإذن الإمام فهي له لأن بالتحجير لم تصر مملوكة للأول فسبب الملك هو الإحياء دون التحجير وعن طاوس قال : قال رسول الله A : ( إن عادي الأرض لله ورسوله فمن أحيا أرضا ميتة فهي له ) والمراد الموات من الأراضي سماه عاديا على معنى أن ما خربت على عهد عاد وفي العادات الظاهرة ما يوصف بطوله مضي الزمان عليه ينسب إلى عاد .
فمعناه ما تقدم خرابه مما يعلم أنه لا حق لأحد فيه . وعن أبي معشر عن أشياخه رفعوه إلى النبي A أنه قضى في السراج من ماء المطر إذا بلغ الماء الكعبين أن لا يحبسه إلا على جاره قال أبو معسر السراج : السواقي وهي الجداول التي عند سفح الجبل يجتمع ماء السيل فيها ثم ينحدر منها إلى الوادي وقد بينا أن مراده من هذا اللفظ العبارة عن كثرة الماء . وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال : قال رسول الله A : ( من أخذ شبرا من أرض بغير حق طوقه الله من سبع أرضين ) قيل : معناه من تطوق في أرض الغير فالموضع الذي يضع عليه القدم بمنزلة شبر من الأرض وقيل : معناه من نقص من المسنات في جانب أرضه بأن حول ذلك إلى أرض جاره فذلك قدر شبر من الأرض أخذه أو كان أرضه بجنب الطريق فجعل المسناة على الطريق لتتسع به أرضه فهو في معنى شبر من الأرض أخذه بغير حق وهو معنى الحديث الذي روي : لعن الله من غير منار الطريق ) يعني العلامة بين الأرضين وقيل إنما ذكر رسول الله A الشبر على طريق التمثيل للمبالغة في المنع من غصب الأراضي وليس المراد به التحقيق ثم في الحديث بيان عظم الماء ثم في غصب الأراضي وهو دليل أبي حنيفة C في أنه لا ضمان على غاصب الأراضي في الدنيا لأن النبي E بين جزاء الآخذ بالوعيد الذي ذكره في القيامة ولو كان حكم الضمان ثابتا لكان الأولى أن يبينه لأن الحاجة إلى معرفته أمس ثم جعل المذكور من الوعيد جميع جزائه فلو أوجبنا الضمان مع ذلك لم يكن الوعد جميع جزائه وللفقهاء في معنى مثل هذه الألفاظ طريقين أحدهما : الحمل على حقيقته أنه يطوق ذلك الموضع في القيامة ليعرف به ما فعله ويكون ذلك عقوبة له كما قال E : ( لكل غادر لواء يوم القيامة يركز عند باب استه تعرف به غدرته ) والمراد به بيان شدة العقوبة لا حقيقة ماذكر من أنه يطوق ذلك الموضع من الأرض يوم القيامة فقال قال الله تعالى : { يوم تبدل الأرض غير الأرض } وعن أبي هريرة Bه أن رسول الله A قال : ( لا تمنعوا الماء مخافة الكلأ ) يريد به أن صاحب البئر إذا كان له مرعى حول بئره فلا ينبغي له أن يمنع من يستقي الماء من بئره لنفسه أو لظهوره مخافة أن يصيب ظهره من ذلك الكلأ لأن له في حق الشقة في ماء البئر فلا يمنعه حقه ولكن يحفظ جانب أرضه وما فيه من الكلأ حتى لا يدخل دابة المستقي في ذلك الموضع وإن شق عليه ذلك أخرج إليه من الماء مقدار حاجته وحاجة ظهره وعن نافع رفع حديثه إلى النبي A قال : ( لا تمنعوا أحدا ماء ولا كلأ ولا نارا فإنه متاع للمقوين وقوة للمستعينين ) والمقوي هو الذي فنى زاده والمستعين هو المضطر المحتاج وقد بينا أن صاحب الشرع E أثبت بين الناس في هذه الأشياء الثلاثة شركة عامة بطريق الإباحة فلا ينبغي لأحد أن يمنع أحدا مما جعله الشرع حقا له وإذا كان لرجل نهر أو بئر أو قناة فليس له أن يمنع ابن السبيل أن يسقي منها فيشرب ويسقي دابته وبعيره وشياهه فإن ذلك من الشقة والشقة عندنا الشرب لبني آدم والبهائم وهذا لأن الحاجة إلى الماء تتجدد في كل وقت ومن سافر لا يمكنه أن يستحصب الماء من وطنه لذهابه ورجوعه فيحتاج إلى أخذ الماء من الآبار والأنهار التي تكون على طريقه وفي المنع من ذلك حرج وكما يحتاج إلى ذلك لنفسه فكذلك يحتاج إليه لظهره لأنه في العادة يعجز عن السفر بغير مركب وكذلك يحتاج إلى ذلك للطبخ والخبز وغسل الثياب وأحد لا يمنع أحدا من ذلك فإن كان له جدول يجري فيه الماء إلى أرضه وبجنب ذلك الموضع صاحب ماشية إذا شربت الماشية منها انقطع الماء لكثرة المواشي وقلة ماء الجدول فقد اختلف المتأخرون رحمهم الله في هذا الفصل منهم من يقول هذا من الشقة وليس لصاحب الجدول أن يمنع ذلك وأكثرهم على أن له أن يمنع في مثل هذه الصورة لأن الشقة ما لا يضر بصاحب النهر والبئر فأما ما يضر به ويقطع حقه فله أن يمنع ذلك اعتبارا بسقي الأراضي والنخيل والشجر والزرع فله أن يمنع من يريد سقي نخله وشجره وزرعه من نهره أو قناته أو بئره أو عينه وليس لأحد أن يفعل ذلك إلا بإذنه إما لأنه يريد أنيسوي نفسه بصاحب الحق فيما هو المقصود فالنهر والقناة إنما يشق لهذا المقصود وليس لغير المستحق أن يسوي نفسه بالمستحق فيما هو المقصود بخلاف الشقة فذلك بيع غير مقصود لأن النهر والقناة لا يشق في العادة لأجله أو لأنه يحتاج إلى أن يحفر نهرا من هذا النهر إلى أرضه فيكسر به ضفة النهر وليس له أن يكسر ضفة نهر الغير وكذلك .
في البئر يحتاج إلى أن يشق نهرا من رأس البئر إلى رضه وما حول البئر حق صاحب البئر حريما له فليس لغيره أن يحدث فيه شيئا من ذلك بغير إذنه وكذلك إن كان يريد أن يجري ماءه في هذا النهر مع صاحب النهر ليسقي به أرضه لأن النهر ملك خاص لأهل النهر فلا يجوز له أن ينتفع بملك الغير إلا بإذنه فإن كان قد اتخذ شجره أو خضره في داره فأراد أن يسقي ذلك الموضع بحمل الماء إلي بالجرة فقد استقضى فيه بعض المتأخرين من أئمة بلخ رحمهم الله وقالوا : ليس له ذلك إلا بإذن صاحب النهر والأصح أنه لا يمنع من هذا المقدار لأن الناس يتوسعون فيه والمنع منه يعد من الدناءه قال E : ( إن الله يجب معالي الأمور ويبغض سفسافها ) فإن أذن له صاحب النهر في سقي أرضه أو عادة ذلك الموضع فلا بأس بذلك لأن المنع كان لمراعاة حقه فإذا رضي به فقد زال المانع وإن باعه شرب يوم أو أقل من ذلك أو أكثر لم يجز لأن ذلك الماء في النهر غير مملوك إنما هو حق صاحب النهر وبيع الحق لا يجوز لأنه مجهول لا يدري مقدار ما يسلم له من الماء في المدة المذكورة وبيع المجهول لا يجوز وهو غرر فلا تدري أن الماء يجري في ذلك الوقت في النهر أو لا يجري وإذا انقطع الماء فليس للبائع تمكن إجرائه ونهى رسول الله A عن بيع الغرر وكذلك لو استأجره لأنه يلتزم تسليم ما لا يقدر على تسليمه أو تسليم ما لا يعرف مقداره ثم المقصود من هذا الاستئجار الماء وهو عين والاستئجار المقصود لاستهلاك العين لا يجوز كاستئجار المرعى للرعي واستئجار البقرة لمنفعة اللبن بخلاف استئجار الظئر فإن لبن الآدمية في حكم المنفعة لأن منفعة كل عضو بحسب ما يليق به فمنفعة الثدي اللبن ولهذا لا يجوز بيع لبن الآدمية ولأن العقد هناك يرد على منفعة التربية واللبن آلة في ذلك بمنزلة الاستئجار على غسل الثياب فالحرض والصابون آلة في ذلك والاستئجار لعمل الصناعة فإن الصنع بمنزلة الآلة في ذلك فأما هنا لا مقصود في هذا الاستئجار سوى الماء وهو عين وكذلك لو شرط في إجارته أو شرابه شرب هذه الأرض وهذا الشجر وهذا الزرع أو قال حتى يكتفي فهذا كله باطل لمعنى الجهالة والغرر وإذا اشترى الرجل شرب ماء ومعه أرض فهو جائز لأن الأرض عين مملوكة مقدورة التسليم فالعقد يرد عليها والشرب يستحق بيعا وقد يدخل في البيع بيع ما لا يجوز إفراده بالبيع كالأطراف من الحيوانات لا يجوز إفرادها بالبيع ثم يدخل بيعا في بيع الأصل وبعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله أفتى أن يبيع الشرب وإن لم يكن معه أرض للعادة الظاهرة فيه في بعض البلدان وهذه عادة معروفة بنسف قالوا : المأجور الاستصناع للتعامل وإن كان القياس يأباه فكذك بيع الشرب دون الأرض وإذا استأجر أرضا مع شربها جاز كما يجوز الشراء وهذا لأن المقصود الانتفاع بالأرض من حيث الزراعة والغراسة وإنما يحصل هذا المقصود بالشرب فذكر الشرب مع الأرض في الاستئجار التحقيق ما هو المقصود بالاستئجار فلا يفسد به العقد وإذا اشترى الرجل أرضا لم يكن له شربها ولا مسك ما بها لأن العقد يتناول عين الأرض بذكر حدودها فما يكون خارجا من حدودها لا يدخل تحت العقد إلا بالتسمية والشرب والمسيل خارج من الحدود المذكورة فإن اشترط شربها فله الشرب وليس له المسيل لأن الشرب غير المسيل فالمسيل الموضع الذي يسيل فيه الماء والشرب الماء الذي يسيل في المسيل فباشتراط أحدهما لا يثبت له استحقاق الأجر وإنما يستحق المشروط خاصة ويجعل فيما لم يذكر كأنه لم يشترط شيئا ولو اشترط مسيل الماء مع الشرب يستحق ذلك كله بالشرط ولو اشتراها بكل حق هو لها كان له المسيل والشرب لأنهما من حقوقها فالمقصود باللأراضي الانتفاع بها وإنما يتأتى ذلك بالمسيل والشرب فكانت من حقوقها كالطريق للدار وكذلك لو اشترط مرافقها لأن المرافق ما يترفق به فإنما يتأتى الترفق بالأرض بالشرب والمسيل وكذلك لو اشترط كل قليل وكثير هو فيها أو منها كان له الشرب والمسيل لأنه من القليل والكثير ثم المراد بقوله منها أي من حقوقها ولكنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ومثل هذا الحذف عرف أهل اللسان وإذا استأجر أرضا فليس له مسيل ماء ولا شرب في القياس إذا أطلق العقد كما في الشراء فالمستأجر يستحق بالعقد بذكر الحدود كالمشتري فكما أن الشرب والمسيل الذي هو خارج عن الحدود المذكورة لا يستحق بالشراء فكذلك بالاستئجار ولكنه استحسن فجعل للمستأجر مسيل الماء والشرب هنا بخلاف الشراء لأن جواز الاستئجار باعتبار التمكن من الانتفاع . ( ألا ترى ) أن ما لا ينتفع به لا يجوز استئجاره .
كالمهر الصغير والأرض السبخة والانتفاع بالأرض لا يتأتى إلا بالشرب والمسيل فلو لم يدخلهما يفسخ العقد والمتعاقدان قصدا تصحيح العقد فكان هنا ذكر الشرب والمسيل بخلاف الشراء فموجبه ملك العين . ( ألا ترى ) أن شراء ما لا يملك الانتفاع به جائز نحو الأرض السبخة والمهر الصغير فلا يدخل في الشراء ما وراء المسمى بذكر الحدود وفي الكتاب ذكر حفرا آخر فقال : لأن الأرض لم تخرج من يد صاحبها يعني أن بعقد الإجارة لا يتملك المستأجر شيئا من العين وإنما يملك الانتفاع به في المدة المذكورة فلو أدخلنا الشرب والمسيل لم يتضرر صاحب الأرض بإزالة ملكه عنها وفي إدخالهما تصحيح العقد فأما البيع يزيل ملك العين عن البائع ففي إدخال الشرب والمسيل في البيع إزالة ملكه عما لم يظهر رضاه به وذلك لا يجوز وهذا نظير ما تقدم أن الثمار والزرع يدخل في رهن الأشجار والأرض من غير ذكر ولا يدخل في الهبة وإذا ثبت أن بدون الشرط يدخل الشرب والمسيل في الأشجار فمع الشرط أولى وكذلك إن شرط كل حق هو لها أو مرافقها أو كل قليل وكثير هو فيها أو منها فعند ذكر هذه الألفاظ يدخل الشرب والمسيل في الشراء ففي الإجارة أولى وإذا كان نهر بين قوم لهم عليه أرضون ولا يعرف كيف كان أصله بينهم فاختلفوا فيه واختصموا في الشرب فإن الشرب بينهم على قدر أراضيهم لأن المقصود بالشرب سقي الأراضي والحاجة إلى ذلك تختلف بقلة الأراضي وكثرتها فالظاهر أن حق كل واحد منهم من الشرب بقدر أرضه وقدر حاجته والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه فإن قيل : فقد استووا في إثبات اليد على المال في النهر والمساواة في اليد توجب المساواة في الاستحقاق عند الاشتباه قلنا : لا كذلك فاليد لا تثبت على الماء في النهر لأحد حقيقة وإنما ذلك الانتفاع بالماء والظاهر أن انتفاع من له عشر قطاع لا يكون مثل انتفاع من له قطعة واحدة ثم الماء لا يمكن إحرازه بإثبات اليد عليه وإنما إحرازه بسقي الأراضي فإنما يثبت اليد عليه بحسب ذلك وهذا بخلاف الطريق إذا اختصم فيه الشركاء فإنهم يستوون في ملك رقبة الطريق ولا يعتبر في ذلك سعة الدار وضيقها لأن الطريق عين تثبت اليد عليه والمقصود التطرق فيه والتطرق فيه إلى الدار الواسعة وإلى الدار الضيقة بصفة واحدة بخلاف الشرب على ما ذكرنا فإن كان الأعلى لا يشرب حتى يسكر النهر على الأسفل ولكنه يشرب بحصته لأن في السكر قطع منفعة الماء عن أهل الأسفل في بعض المدة وليس لبعض الشركاء هذه الولاية في نصيب شركائه يوضحه أن في السكر إحداث شيء في وسط النهر ورقبة النهر مشتركة بينهم فليس لبعض الشركاء أن يحدث فيها شيئا بدون إذن الشركاء وربما ينكسر النهر بما يحدث فيها عند السكر فإن فإن تراضوا على أن الأعلى يسكر النهر حتى تشرب حصته أجزت ذلك بينهم لأن المانع حقهم وقد انعدم بتراضيهم فإن اصطلحوا على أن يسكر كل واحد منهم في يومه أجزته أيضا فإن قسمة الماء في النهر تكون بالأجر تارة وبالأيام أخرى فإن تراضوا على القسمة بالأيام جاز لهم ذلك وهذا لحاجتهم إلى ذلك فقد يقل الماء في النهر بحيث لا يتمكن كل واحد منهم أن ينتفع بحصته من ذلك إلا بالسكر ولكنه إن تمكن من أن يسكر بلوح أو باب فليس له أن بيسكر بالطين والتراب لأن به ينكسر النهر عادة وفيه إضرار بالشركاء إلا أن يظهروا التراضي على ذلك فإن اختلفوا لم يكن لأحد منهم أن يسكره على صاحبه وإن أراد أحد منهم أن يكتري منه نهرا لم يكن له ذلك إلا برضاء من أصحابه لأن في كري النهر كسر ضفة النهر المشترك بقدر فوهة النهر الذي يكريه وفي الملك المشترك ليس لبعض الشركاء أن يفعل ذلك إلا برضاء أصحابه كما لو أراد هدم الحائط المشترك أو إحداث باب فيه وكذلك إن أراد أن ينصب عليه رحا لم يكن له ذلك إلا برضى من أصحابه لأن ما ينصب من الرحا إنما يضعه في ملك مشترك إلا أن تكون رحا لا تضر بالنهر ولا بالماء ويكون موضعها في أرض خاص له فإن كان هكذا فهو جائز يعني إذا لم يكن يغير الماء عن سنته ولا يمنع جريان الماء بسبب الرحى بل يجري كما كان يجري قبل ذلك وإنما يضع الرحا في ملك خاص له فإذا كان بهذه الصفة فله أن يفعل ذلك بغير رضا الشركاء لأنه إنما يحدث ما يحدثه من الأبنية في خالصة ملكه وبسبب الرحى لا ينتقص الماء بل ينتفع صاحب الرحا بالماء مع بقاء الماء على حاله فمن يمنعه عن ذلك يكون متعنتا قاصدا إلى الإضرار به لا دافعا الضرر عن نفسه فلا يلتفت إلى تعنته وإن أراد أن ينصب عليها دالية أو سانية وكان ذلك لا يضر بالنهر ولا بالشرب وكان بناء ذلك في ملكه .
خاصة كان له أن يفعل ذلك لما بينا أنه يتصرف في خالص ملكه ولا يلحق الضرر بغيره وإن أراد هؤلاء القوم أن يكروا هذا النهر فإن أبا حنيفة C قال : عليهم مؤنة الكراء من أعلاه فإذا جاوز أرض رجل دفع عنه وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله : الكراء عليهم جميعا من أوله إلى آخره بحصص الشرب والأراضي وبيان ذلك أن الشركاء في النهر إذا كانوا عشرة فمؤنة الكراء من أول النهر على كل واحد منهم عشرة إلى أن يجاوز أرض أحدهم فحينئذ تكون مؤنة الكراء على الباقين اتساعا إلى أن يجاوز أرضا أخرى ثم يكون على الباقين أثمان على هذا التفصيل إلى آخر النهر وعندهما المؤنة عليهم اعتبارا من أول النهر إلى آخره لأن لصاحب الأعلى حقا في أسفل النهر وهو تسييل الفاضل عن حاجته من الماء فيه فإذا سد ذلك فاض الماء على أرضه فأفسد زرعه فبهذا تبين أن كل واحد منهم ينتفع بالنهر من أوله إلى آخره والدليل عليه أنه يستحق الشفعة بمثل هذا النهر وحق أهل الأعلى وأهل الأسفل في ذلك سواء فإذا استووا في الغنم يستوون في الغرم أيضا وهو مؤنة الكراء وأبو حنيفة رحمهالله يقول : مؤنة الكراء على من ينتفع بالنهر بسقي الأرض منه . ( ألا ترى ) أنه ليس على أصحاب الشقة من مؤنة الكراء شيء وإذا جاوز الكراء أرض رجل فليس له في كراء ما بقي منفعة سقي الأرض فلا يلزمه شيء من مؤنة الكراء ثم منفعته في أسفل النهر من حيث إجراء فضل الماء فيه وصاحب المسيل لا يلزمه شيء من عمارة ذلك الموضع باعتبار تسييل الماء فيه . ( ألا ترى ) أن من له حق تسيبل ماء سطحه على سطح جاره لا يلزمه شيء من عمارة سطح جاره بهذا الحق ثم هو يتمكن من دفع الضرر عن نفسه بدون كري أسفل النهر بأن يسد فوهة النهر من أعلاه إذا استغنى عن الماء فعرفنا أن الحاجة المعتبرة في التزام مؤنة الكراء الحاجة إلى سقي الأرض فرع بعض مشايخنا رحمهم الله أن الكراء إذا انتهى إلى فوهة أرضه من النهر فليس عليه شيء من المؤنة بعد ذلك والأصح أن عليه مؤنة الكراء إلى أن يجاوز حد أرضه كما أشار إليه في الكتاب لأن له رأيا في اتحاد فوهة الأرض من أعلاها وأسفلها فهو منتفع بالكراء منفعة سقي الأرض ما لم يجاوز أرضه ويختلفون فيما إذا جاوز الكراء أرض رجل فسقط عنه مؤنة الكراء هل له أن يفتح الماء لسقي أرضه منهم من يقول له ذلك لأن الكراء قد انتهى في حقه حين سقطت مؤنته ومنهم من يقول ليس له ذلك ما لم يفرغ شركاؤه من الكري كما ليس له أن يسكر على شركائه فيختص بالانتفاع بالمأذون شركاؤه ولأجل التحرز عن هذا الخلاف جرى الرسم بأن يوجد في الكراء من أسفل النهر أو يترك بعض النهر من أعلاه حتى يفرغ من أسفله قال : وقال أبو حنيفة C فيما أعلم ليس على أهل الشقة من الكراء شيء لأنهم لا يحصون فمؤونة الكراء لا تستحق على قوم لا يحصون ولأنهم لا يستحقون الشفعة لحق الشفعة ولأنهم أتباع والمؤنة على الأصول دون الأتباع . ( ألا ترى ) أن الدية في القتيل الموجود في المحلة على عاقلة أصحاب الحطة دون المشتريين والسكان قال : والمسلمون جميعا شركاء في الفرات وفي كل نهر عظيم أو واد يستقون منه ويسقون منه الشقة والخف والحافر ليس لأحد أن يمنع أحدا من ذلك لأن الانتفاع بمثل هذه الأنهار كالانتفاع بالطرق العامة فكما لا يمنع أحد أحدا من التطرق في الطريق العام فكذلك لا يمنعه من الانتفاع بهذا النهر العظيم وهذا لأن الماء في هذه الأنهار على أصل الإباحة ليس لأحد فيه حق على الخصوص فإن ذلك الموضع لا يدخل تحت قهر أحد لأن قهر الماء يمنع قهر غيره فالانتفاع به كالانتفاع بالشمس ولكل قوم شرب أرضهم ونخلهم وشجرهم لا يحبس عن أحد دون أحد وإن أراد رجل أن يكري منه نهرا في أرضه فإن كان ذلك يضر بالنهر الأعظم لم يكن له ذلك وإن كان لا يضر به فله ذلك بمنزلة من أراد الجلوس في الطريق فإن كان لم يضر بالمارة لم يمنع من ذلك وإن كان يضر بهم في المنع من التطرق يمنع من ذلك لكل واحد منعه من ذلك الإمام وغيره في ذلك سواء فكذلك في النهر الأعظم فإن كسر ضفة النهر الأعظم ربما يضر بالناس ضررا عاما من حيث أن الماء يفيض عليهم وقال E : ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) وعند خوف الضرر يمنع من ذلك لدفع الضرر وعلى السلطان كراء هذا النهر الأعظم إن احتاج إلى الكراء لأن ذلك من حاجة عامة المسلمين ومال بيت المال معد لذلك فإنه مال للمسلمين أعد للصرف إلى مصالحهم . ( ألا ترى ) أن مال القناطر والجسور والرباطات على الإمام من مال بيت المال فكذا كراء هذا النهر الأعظم .
وكذلك إصلاح مسناته إن خاف منه غرقا فإن لم يكن في بيت المال مال فله أن يجبر المسلمين على ذلك ويحرجهم لأن المنفعة فيه للعامة ففي تركه ضرر عام والإمام نصب ناظرا فيثبت له ولاية الإجبار فيما كان الضرر فيه عاما لأن العامة قل ماينفقون على ذلك من غير إجبار وفي نظيره قال عمر Bه : لو تركتم لبعتم أولادكم وليس هذا النهر خاص لقوم ليس لأحد أن يدخل عليهم فيه ولهم أن يمنعوا من أراد أن