( قال C ) : وإذا اشترطا أن يرفع صاحب البذر بذره من الريع والباقي بينهما نصفان فهو فاسد أياما كان البذر لأن جواز المزارعة على قول من يجوزها لمتابعة الآثار فأما القياس فما ذهب إليه أبو حنيفة C فمتى كان العقد لا على الوجه الذي ورد به الأثر أخذ فيه بالقياس ثم المزارعة شركة في الخارج وكل شرط يؤدي إلى قطع الشركة بينهما مع حصول الخارج في بعضه أو في كله كان مفسدا للعقد وقدر البذر من جملة الريع فإن البذر بالإلقاء في الأرض يتلف فهذا الشرط يؤدي إلى قطع الشركة بينهما في بعض الريع أو في جميعه إذا كان لا يحصل من الخارج إلا قدر البذر وهذا بخلاف المضاربة لأن رأس المال هنا ليس من الربح فإن بالتصرف لا يتلف رأس المال فاشتراط دفع رأس المال لا يوجب قطع الشركة بينهما شيء من الربح ثم اشتراطه دفع البذر هنا في كونه مخالفا لموجب العقد كاشتراط كون رأس المال بينهما في المضاربة ولو اشترطا أن الربح ورأس المال كله نصفان فسد العقد فهذا قياسه ولو اشترطا أن يرفع صاحب البذر عشر الخارج لنفسه والباقي بينهما نصفان جاز لأن هذا الشرط لا يؤدي إلى قطع الشركة في شيء من الريع بينهما مع حصول الخارج فإنه ما من قدر يخرج إلا ويبقى بعد رفع العشر منه تسعة أعشاره ثم هذا في المعنى اشتراط خمسة ونصف من عشرة لصاحب البذر وأربعة ونصف للآخر وذلك لا يؤدي إلى قطع الشركة في شيء من الريع وكذلك لو اشترط العشر لمن لا بذر من قبله والباقي بينهما نصفان جاز لما قلنا ولو اشترطا رفع الخراج من الريع والباقي بينهما نصفان كان فاسدا لأن الخراج على رب الأرض وهو دراهم مسماة أو حنطة مسماة فاشتراط رفع الخراج بمنزلة اشتراط ذلك القدر من الخارج لرب الأرض وهذا شرط يؤدي إلى قطع الشركة في الريع مع حصوله لجواز أن لا يحصل إلا ذلك القدر أو دونه ولو كانت الأرض عشرية فاشترطا رفع العشر إن كانت الأرض تشرب سحا أو نصف العشر إن كانت تشرب بدلو والباقي بينهما نصفان فهذا جائز لأن هذا الشرط لا يؤدي إلى قطع الشركة في الخارج فإنه ما من مقدار تخرجه الأرض إلا وإذا دفع منه العشر أو نصف العشر يبقى شيء ليكون مشتركا بينهما نصفين فإن حصل الخارج أخذ السلطان حقه من عشر أو نصف والباقي بينهما نصفان لأنهما شرطا كذلك والمؤمنون عند شروطهم وإن لم يأخذ السلطان منهم شيئا أو أخذوا بعض طعامهم سرا من السلطان فإن العشر الذي شرط من ذلك للسلطان يكون لصاحب الأرض في قول أبي حنيفة C على قياس من أجاز المزارعة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يكون بينهما نصفين وأصل المسألة فيما تقدم بيانه في الزكاة أن من أجر أرضه العشرية فالعشر عند أبي حنيفة على رب الأرض وعندهما العشر في الخارج على المستأجر ففي المزارعة رب الأرض مؤجر للأرض أو مستأجر للعامل إن كان البذر من قبله فالعشر عليه عند أبي حنيفة في الوجهين فالمشروط للعبد مشروط لرب الأرض وعندهما العشر في الخارج فإذا لم يأخذ السلطان منهما العشر أو أخذا بعض الطعام سرا ومن السلطان فالخارج بينهما نصفان وكذلك المشروط للعشر يكون بينهما نصفين وكان ذلك مشروطا لهما ولو كان صاحبه قال للعامل : لست أدري ما يأخذ السلطان منا العشر أو نصف العشر فإنما تلك على أن النصف لي مما تخرج الأرض بعد الذي يأخذ السلطان ولك النصف فهذا فاسد في قياس قول أبي حنيفة C وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله : هو جائز بينهما على ما قالا ومعنى هذه المسألة أن الأرض قد تكون بحيث تكتفي بماء السماء عند كثرة الأمطار وقد تحتاج إلى أن تسقى بالدلاء عند قلة المطر وفي مثله السلطن يعتبر الأغلب فيما يأخذ من العشر أو نصف العشر فكأنهما قالا لا ندري كيف يكون حال المطر في هذه السنة وماذا يأخذ السلطان من الخارج فتعاقدا على هذه الصفة ثم عند أبي حنيفة C العشر أو نصف العشر يكون على رب الأرض فبهذا الشرط هما شرطا لرب الأرض جزأ مجهولا من الخارج أما العشر أو نصف العشر وذلك مفسد للعقد وعند أبي يوسف ومحمد العشر أو نصف العشر يكون في الخارج والخارج بينهما نصفان فهذا في معنى اشتراط جميع الخارج بينهما نصفين وذلك غير مفسد للعقد وإذا دفع إلى رجل أرضا من أرض الخراج يزرعها بنفسه وبذره وبقره فما خرج منها دفع منه حظ السلطان وهو النصف مما تخرج وكان ما بقي بينهما لرب الأرض ثلثه وللعامل الثلثان فهو جائز على ما اشترطا وإنما يعني خراج المقاسمة وللإمام رأي في الخراج بين خراج المقاسمة وبين خراج الوظيفة وخراج المقاسمة جزء من الخارج حتى لا يجب إلا بوجود حقيقة الخارج بخلاف خراج الوظيفة فكان ذلك بمنزلة العشر عند أبي .
حنيفة وهو على رب الأرض فالمشروط لخراج المقاسمة كأنه مشروط لرب الأرض وهذا الشرط لا يؤدي إلى قطع الشركة وعندهما خراج المقاسمة في الخارج فيكون عليهما على قدر الخارج بينهما فكأنهما شرطا الثلث والثلثين في جميع الخارج فيصح العقد فإن أخذ السلطان من رب الأرض الخراج وترك المقاسمة فالنصف الذي شرطاه للسلطان هو لرب الأرض والباقي بينهما على ما اشترطا ومعنى هذا أن السلطان قد يفتح بلدة ويمن بها على أهلها ثم يتردد رأيه في توظيف خراج المقاسمة عليهم أو خراج الوظيفة فلا يعزم على شيء من ذلك حتى يحصل الخارج أو كان جعل عليهم خراج المقاسمة على أنه إن بدا له أن يجعل عليهم خراج الوظيفة فعل ذلك وقد يشترط ذلك حتى لا يعطلوا الأراضي فيكون هذا من الإمام نظرا لأرباب الخراج فإذا بدا له بعد حصول الخارج أن يأخذ خراج الوظيفة فإنه يأخذ ذلك من رب الأرض ثم النصف المشروط للسلطان يكون لرب الأرض . أما عند أبي حنيفة C فلا يشكل لأن ذلك على رب الأرض وإن كان خراج المقاسمة فالمشروط له مشروط لرب الأرض وعندهما لأن بدل ذلك أخذه السلطان من رب الأرض والغنم مقابل بالغرم فما شرط لخراج المقاسمة يكون لرب الأرض بهذا الطريق وكذلك لو لم يأخذ السلطان خراجا ولا مقاسمة وترك ذلك أصلا أو أخذا شيئا من الطعام سرا ثم قاسمهم السلطان ما بقي فأخذ نصفه فإن ما أخذاه سرا لصاحب الأرض ثلثه وللمزارع ثلثاه فقد عطف أحد الفصلين على الآخر بقوله وكذلك وجوابهما يختلف فإنه يأخذ إذا لم يأخذ السلطان شيئا فعطف ذلك على المسألة الأولى دليل على أن المشروط لخراج المقاسمة يكون لرب الأرض وفيما إذا أخذا شيئا من الطعام سرا نص على أنه يكون أثلاثا بينهما ففيما ذكره في هذا النوع نوع من التشويش والحاصل أن على قول أبي حنيفة المشروط للخراج يكون مشروطا لرب الأرض ففي الفصلين يكون النصف المشروط لخراج المقاسمة يكون لرب الأرض والباقي بينهم أثلاثا وعند أبي يوسف ومحمد خراج المقاسمة في الخارج إلا إذا أخذ السلطان الخراج من رب الأرض فحينئذ يكون ذلك له عوضا عما أخذه السلطان منه فإذا لم يأخذ منه شيئا أو أخذا شيئا من الطعام سرا فذلك مقسوم بينهما على أصل المشترط لصاحب الأرض ثلثه وللمزارع ثلثاه وقد ذكر في بعض النسخ في هذا الفصل الأخير أن ما أخذاه سرا يكون لصاحب الأرض ثلثاه وللمزارع ثلثه فعلى هذا يتفق الجواب في الفصول الثلاثة ويتحقق العطف فإن ذلك النصف لرب الأرض والثلث من النصف الباقي له فإذا أخذ ثلثي الخارج فقد وصل إليه جميع هذا ولكن هذا الجواب بناء على قول أبي حنيفة فأما عندهما فالتخريج ما ذكرنا وقيل : بل هذا الجواب قولهم جميعا لأن المقاسمة واجبة باسم الخراج كالوظيفة والخراج مؤنة تجب على رب الأرض فالمشروط للخراج بمنزلة المشروط لرب الأرض عندهما جميعا وكذلك لو كان البذر من صاحب الأرض والذي قلناه أولا من أن المسألة على الخلاف هو الأصح وقد نص عليه في بعض نسخ الأصل ولو قال : لا أدري ما يأخذ السلطان في هذه السنة المقاسمة أو الخراج فإنما تلك على أن أرفع مما تخرج الأرض حظ السلطان مقاسمة كان أو خراجا أو يكون ما بقي بيننا لي الثلث ولك الثلثان فرضي المزارع بذلك فهذه مزارعة فاسدة من أيهما كان البذر لأن هذا شرط يؤدي إلى قطع الشركة في الخارج مع حصول الخارج عشرا بأن يأخذ السلطان خراج الوظيفة ويكون الخارج بقدر ذلك أو دونه ثم الريع كله لصاحب البذر كما هو الحكم في المزارعة الفاسدة والخراج والمقاسمة أيهما كان على صاحب الأرض لما بينا أن الخراج مؤنة للأرض فيكون على صاحب الأرض ثم إن كان البذر من قبل صاحب الأرض فهو مستأجر للعامل ولو عمل بنفسه كان الخراج عليه فكذلك إذا استأجر العامل فيه وإن كان البذر من قبل العامل فرب الأرض مؤجر للأرض ومنفعة الأرض تحصل له بهذه الإجارة كما يحصل إذا استوفاها بنفسه فيكون الخراج عليه والله أعلم