( قال C ) : اعلم أن المزارعة والمعاملة فاسدتان في قول أبي حنيفة وزفر رحمهم الله وفي قول أبي يوسف ومحمد وابن أبي ليلى هما جائزتان وقال الشافعي : المعاملة في النخيل والكروم والأشجار صحيحة ويسمون ذلك مساقاة والمزارعة لا تصح إلا تبعا للمعاملة بأن يدفع إليه الكرم معاملة وفيه أرض بيضاء فيأمره أن يزرع الأرض بالنصف أيضا وقد قدمنا بيان الكلام من حيث الأخبار في المسألة فأما من حيث المعنى فهما يقولان : المزارعة عقد شركة في الخارج والمعاملة كذلك فتصح كالمضاربة وتحقيقه من وجهين أحدهما : أن الربح هناك يحصل بالمال والعمل جميعا فتنعقد الشركة بينهما في الربح بمال من أحد الجانبين وعمل من الجانب الآخر وهما باعتبار عمل من أحد الجانبين وبذر وأرض من الجانب الآخر أو نخيل من الجانب الآخر والدليل على أن للعمل تأثيرا في تحصيل الخارج أن الغاصب للبذر أو الأرض إذا زرع كان الخارج له وجعل الزرع حاصلا بعمله والثاني أن بالناس حاجة إلى عقد المضاربة فصاحب المال قد يكون عاجزا عن التصرف بنفسه والقادر على التصرف لا يجد مالا يتصرف فيه فجوز عقد المضاربة لتحصيل مقصودهما فكذلك هنا صاحب الأرض والبذر قد يكون عاجزا عن العمل والعامل لا يجد أرضا وبذرا ليعمل فيجوز العقد بينهما شركة في الخارج لتحصيل مقصودهما وفي هذا العقد عرف ظاهر فيما بين الناس في جميع البدان كما في المراضة فيجوز بالعرف وإن كان القياس يأباه كالاستبضاع وبهذا الطريق جوز الشافعي C المعاملة ولم يجوز المزارعة لأن المعاملة بالمضاربة أشبه من المزارعة فإن في المعاملة الشركة في الزيادة دون الأصل وهو النخيل كما أن المضاربة الشركة في الربح دون رأس المال وفي المزارعة لو شرط الشركة في الفضل دون أصل البذر بأن شرطا دفع البذر من رأس الخارج لم يجز العقد فجوزنا المعاملة مقصودا لهذا ولم نجوز المزارعة إلا تبعا للحاجة إليها في ضمن المعاملة وقد يصح العقد في الشيء تبعا وإن كان لا يجوز مقصودا كالوقت في المنقول وبيع الشرب وهذا كله بخلاف دفع الغنم معاملة بنصف الأولاد أو الألبان لأن ذلك ليس في معنى المضاربة فإن تلك الزوائد تتولد له من العين ولا أثر لعمل الراعي والحافظ فيها وإنما تحصل الزيادة بالعلف والسقي والحيوان يباشر ذلك باختياره فليس لعمل العامل تأثير في تحصيل تلك الزيادة وليس في ذلك العقد عرف ظاهر في عامة البلدان أيضا ولهذا لو فعل الغاصب لم يملك شيئا من تلك الزوائد فأما هنا فلعمل الزارع تأثير في تحصيل الخارج وكذلك لعمل العامل من السقي والتلقيح والحفظ تأثير في جودة الثمار لأن بدون ذلك لا يحصل إلا ما لا ينتفع به من الحشف فلهذا جوزنا المزارعة والمعاملة ولم نجوز المعاملة في الزوائد التي تحصل من الحيوانات كدود القز والديباج وما أشبه ذلك وأبو حنيفة يقول : هذا استئجار بأجرة مجهولة معدومة في وجودها خطر وكل واحد من المعنيين يمنع صحة الاستئجار والاستئجار بما يكون على خطر الوجود في معنى تعليق الإجارة بالخطر والاستئجار بأجرة مجهولة بمنزلة بيع بثمن مجهول وكل واحد منهما عقد معاوضة يعتمد تمام الرضا ثم البيع بثمن مجهول يكون فاسدا فكذلك الاستئجار بأجرة مجهولة وهذا القياس سنده الأثر وهو قوله E : ( من استأجر أجيرا فليعلمه أجره ) وبيان ما ذكرنا أن البذر إن كان من قبل العامل فهو مستأجر للأرض بما سمى لصاحبها من الخارج وفي حصول الخارج خطر ومقداره مجهول وإن كان من قبل رب الأرض فهو مستأجر للعامل والدليل على أن هذا إجارة لا شركة أنه يتعلق به اللزوم من جانب من لا بذر من قبله وكذلك من جانب الآخر بعد إلقاء البذر في الأرض وعقد المعاملة يتعلق به اللزوم من الجانبين في الحال والشركة والمضاربة لا يتعلق بهما اللزوم والدليل عليه أنه لا بد من بيان المدة واشتراط بيان المدة في عقد الإجارة لإعلام ما تناوله العقد من المنفعة . فأما في الشركة والمضاربة فلا يشترط التوقيت ولا معنى لاعتبار العرف لأن العرف يسقط اعتباره عند وجود النص بخلافه وقد وجد ذلك هنا وهو قوله A : ( لا تستأجره بشيء منه ) وقوله E : ( فليعلمه أجره ) وكما وجد العرف هنا فقد وجد العرف في دفع الدجاج معاملة بالشركة في البيض والفروج وفي دفع البقر والغنم معاملة للشركة في الأولاد والألبان والسمون وفي دفع دود القز معاملة للشركة في الإبريسم ومعنى الحاجة يوجد هناك أيضا ثم لا يحكم بصحة شيء من ذلك باعتبار العرف والحاجة فهنا كذلك وإذا ثبت فساد العقد على قوله كان الخارج كله لصاحب البذر فإن كان صاحب البذر هو العامل فعليه أجر مثل الأرض فينبغي لصاحب الأرض أن يشتري منه نصف الخارج بعد القسمة بما .
استوجب عليه من أجر المثل وكذلك يفعله العامل إن كان البذر من قبل صاحب الأرض وبهذا الطريق يطيب لكل واحد منهما على قوله ثم التفريع بعد هذا على قول من يجوز المزارعة والمعاملة وعلى أصول أبي حنيفة أن لو كان يرى جوازها وأبو حنيفة C هو الذي فرع هذه المسائل لعلمه أن الناس لا يأخذون بقوله في هذه المسألة ففرع على أصوله إن لو كان يرى جوازها ثم المزارعة على قول من يجيزها تستدعى شرائط ستة أحدها : التوقيت لأن العقد يرد على منفعة الأرض أو على منفعة العامل بعوض والمنفعة لا يعرف مقدارها إلا ببيان المدة فكانت المدة معيارا للمنفعة بمنزلة الكيل والوزن وهذا بخلاف المضاربة فإن هناك بالتصرف المال لا يصير مستهلكا فلا حاجة إلى إثبات صفة اللزوم كذلك العقد وهنا البذر يصير مستهلكا بالإلقاء في الأرض فبنا حاجة إلى القول بلزوم هذا العقد لدفع الضرر من الجانبين ولا يكون ذلك إلا بعد علم مقدار المعقود عليه من المنفعة والثاني : أنه يحتاج إلى بيان من البذر من قبله لأن المعقود عليه يختلف باختلافه فإن البذر إن كان هو من قبل العامل فالمعقود عليه منفعة الأرض وإن كان من قبل صاحب الأرض فالمعقود عليه منفعة العامل فلا بد من بيان المعقود عليه وجهالة من البذر من جهته تؤدي إلى المنازعة بينهما والثالث : أنه يحتاج إلى بيان جنس البذر لأن إعلام جنس الأجرة لا بد منه ولا يصير ذلك معلوما إلا ببيان جنس البذر والرابع : أنه يحتاج إلى بيان نصيب من لا بذر من قبله لأنه يستحق ذلك عوضا بالشرط فما لم يكن معلوما لا يصح استحقاقه بالعقد شرطا والخامس أنه يحتاج إلى التخلية بين الأرض وبين العامل حتى إذا شرط في العقد ما تنعدم به التخلية وهو عمل رب الأرض مع العامل لا يصح العقد والسادس : الشركة في الخارج عند حصوله حتى إن كل شرط يؤدي إلى قطع الشركة في الخارج بعد حصوله يكون مفسدا للعقد ثم المزارعة على قول من يجيزها على أربعة أوجه أحدها : أن تكون الأرض من أحدهما والبذر والعمل والبقر وآلات العمل كله من الآخر فهذا جائز لأن صاحب البذر مستأجر للأرض بجزء معلوم من الخارج ولو استأجرها بأجرة معلومة من الدراهم والدنانير صح فكذا إذا استأجرها بجزء مسمى من الخارج شائع والوجه الثاني : أن تكون الأرض والبذر والبقر والآلات من أحدهما والعمل من الآخر فهذا جائز أيضا لأن صاحب الأرض استأجر العامل ليعمل بآلاته له وذلك صحيح كما لو استأجر خياطا ليخيط بإبرة صاحب الثوب أو طيانا ليجعل الطين بآلة صاحب العمل والوجه الثالث : أن تكون الأرض والبذر من أحدهما والبقر والآلات من العامل وهذا جائز أيضا لأن صاحب الأرض استأجره ليعمل بآلات نفسه وهذا جائز كما إذا استأجر خياطا ليخيط بإبرة نفسه أو قصارا ليقصر الثوب بآلات نفسه أو صباغا ليصبغ الثوب بصبغ له فكذلك هنا وهذا لأن منفعة البقر والآلات من جنس منفعة العامل لأن إقامة العمل يحصل بالكل فيجعل ذلك تابعا لعمل العامل في جواز استحقاقه بعقد المزارعة والرابع : أن يكون البذر من قبل العامل والبقر من قبل رب الأرض وهذا فاسد في ظاهر الرواية لأن صاحب البذر مستأجر للأرض والبقر واستئجار البقر بجزء من الخارج مقصودا لا يجوز وهذا لأن منفعة البقر ليست من جنس منفعة الأرض فإن منفعة الأرض قوة في طبعها يحصل به الخارج ومنفعة البقر يقام به العمل فلانعدام المجانسة لا يمكن جعل البقر تبعا لمنفعة الأرض ولا يجوز استحقاق منفعة البقر مقصودا بالمزارعة كما لو كان البقر مشروطا على أحدهما فقط والأصل فيه حديث مجاهد في اشتراك أربعة نفر كما بينا وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف C أن هذا النوع جائز أيضا للعرف ولأنه لما جاز أن يكون البقر مع البذر مشروطا على رب الأرض في المزارعة فكذلك يجوز أن يكون البقر بدون الأرض مشروطا عليه كما في جانب العامل لما جاز أن يكون البذر مع البقر مشروطا على العامل جاز أن يكون البقر مشروطا عليه بدون البذر ثم في الوجوه الثلاثة إن حصل الخارج كان بينهما على الشرط وإن لم يحصل الخارج فلا شيء لواحد منهما على صاحبه لأن العقد انعقد بينهما شركة في الخارج ولئن كان إجارة فالأجرة يتعين محلها بتعيينها وهو الخارج ومع انعدام المحل لا يثبت الاستحقاق وهكذا في الوجه الرابع على رواية أبي يوسف فأما في ظاهر الرواية فالخارج كله لصاحب البذر لأنه نماء بذره فإنه يستحقه الغير عليه بالشرط بحكم عقد صحيح ولم يوجد وعليه لصاحب الأرض أجرة مثل الأرض والبقر لأنه صار مستوفيا منفعة أرضه وبقره بحكم عقد .
فاسد ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول : تأويل قوله : عليه أجر المثل لأرضه وبقره أنه يغرم له أجر مثل الأرض مكروبة فأما البقر فلا يجوز أن يستحقه بعقد المزارعة بحال فلا ينعقد العقد عليه صحيحا ولا فاسدا ووجوب أجر المثل لا يكون بدون انعقاد العقد فالمانع لا يتقوم إلا بالعقد والأصح أن عقد المزارعة من جنس الإجارة ومنافع البقر يجوز استحقاقها بعقد الإجارة فينعقد عليها عقد المزارعة بصفة الفساد ويجب أجر مثلها كما يجب أجر مثل الأرض وزعم بعض أصحابنا أن فساد العقد هنا على أصل أبي حنيفة لأنه فسد العقد في حصة البقر ومن أصله أن العقد إذا فسد بعضه فسد كله فأما عندهما فينبغي أن يجوز العقد في حصة الأرض وإن كان يفسد في حصة البقر والأصح أنه قولهم جميعا لأن حصة البقر لم يثبت فيه الاستحقاق أصلا وحصة الأرض من المشروط مجهول فيفسد العقد فيه للجهالة وقد بينا نظيره في الصلح إذا صولح أحد الورثة من العين والدين على شيء في التركة وسواء أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج فأجر المثل واجب لصاحب الأرض والبقر لأن محل وجوب الأجر هنا الذمة دون الخارج وإنما يجب استيفاء المنفعة وقد تحقق ذلك سواء أحصل الخارج أم لم يحصل وقيل : ينبغي في قياس قول أبي يوسف C أن لا يزاد بأجر مثل أرضه وبقره على نصف الخارج الذي شرط له وفي قول محمد : يجب أجر المثل بالغا ما بلغ على قياس الشركة في الاحتطاب وقد بيناه في كتاب الشركة فإن كان البذر من عند صاحب الأرض واشترط أن يعمل عنده مع العامل والخارج بينهم أثلاث جازت المزارعة وللعامل ثلث الخارج والباقي كله لرب الأرض لأن اشتراط العبد على رب الأرض والبذر كاشتراط البقر عليه في هذا الفصل وأنه صحيح فكذلك اشتراط العبد عليه ثم المشروط للعبد إن لم يكن عليه دين فهو مشروط لصاحب الأرض وإن كان عليه دين ففي قولهما كذلك وفي قياس قول أبي حنيفة المولى من كسب عبده لمديون كالأجنبي فكأنه دفع الأرض والبذر مزارعة إلى عاملين على أن لكل واحد منهما ثلث الخارج حتى أن في هذا الفصل لو لم يشترط العمل على العبد ففي قولهما المشروط للعبد يكون لرب الأرض فيجوز العقد وفي قياس قول أبي حنيفة : المشروط للعبد كالمسكوت عنه لأنه لا يستحق شيئا من غير بذر ولا عمل والمسكوت عنه يكون لصاحب البذر وإن كان البذر من العامل والمسألة بحالها فالعقد فاسد لأن اشتراط العمل على رب الأرض كاشتراط البقر عليه وذلك مفسد للعقد وإن كان شرط ثلث الخارج لعبد العامل فإن كان البذر من قبل العامل ولا دين على العبد فالعقد صحيح ولرب الأرض ثلث الخارج والباقي للعامل لأن اشتراط العبد عليه كاشتراط البقر والمشروط لعبده إن لم يكن عليه دين كالمشروط له وإن شرط لعبده ثلث الخارج ولم يشرط على عبده عملا فإن كان على العبد دين ففي قول أبي يوسف ومحمد هذا جائز والمشروط للعبد يكون للعامل لأنه يملك كسب عبده المديون وعند أبي حينفة كذلك الجواب لأن المشروط للعبد كالمسكوت عنه إذا لم يشرط عليه العمل فهو للعامل لأنه صاحب البذر بخلاف ما إذا شرط عليه العمل والعبد مديون لأن العبد منه كأجنبي فكأنه شرط عمل أجنبي آخر مع صاحب البذر على أن يكون له ثلث الخارج وذلك مفسد للعقد في حصة العامل الآخر على ما بينه في آخر الكتاب وإن كان البذر من عند صاحب الأرض واشترط أن يعمل هو مع العامل لم يجز لأن هذا الشرط يعدم التخلية بين العامل وبين الأرض والبذر وقد بينا نظيره في المضاربة أنه إذا شرط عمل رب المال مع المضارب يفسد العقد لانعدام التخلية والحاكم C في المختصر ذكر في جملة ما يكون فاسدا من المزارعة على قولهما يجمع بين الرجل وبين الأرض ومراده أن يكون البقر والبذر مشروطا على أحدهما والعمل والأرض مشروطا على الآخر وهذا فاسد إلا في رواية عن أبي يوسف يجوز هذا بالقياس على المضاربة لأن البذر في المزارعة بمنزلة رأس المال في المضاربة ويجوز في المضاربة دفع رأس المال إلى العامل فكذلك يجوز في المزارعة دفع البذر مزارعة إلى صاحب الأرض والعمل فأما في ظاهر الرواية فصاحب البذر مستأجر للأرض ولا بد من التخلية بين المستأجر وبين ما استأجر في عقد الإجارة وتنعدم التخلية هنا لأن الأرض تكون في يد العامل فلهذا فسد العقد ثم في كل موضع صار الريع لصاحب البذر من قبل فساد المزارعة والأرض له لم يتصدق بشيء لأنه لا يتمكن في الخارج خبث فإن الخارج نماء البذر بقوة الأرض والأرض ملكه والبذر ملكه وإذا لم تكن الأرض له تصدق بالفضل لأنه تمكن خبث .
في الخارج فإن الخارج إنما يحصل بقوة الأرض وبهذا جعل بعض مشايخنا الخارج لصاحب الأرض عند فساد العقد ومنفعة الأرض إنما سلمت له بالعقد الفاسد لا بملكه رقبة الأرض فيتصدق لذلك بالفضل ونعني بالفضل أنه يرفع من الخارج مقدار بذره وما غرم فيه من المؤن والأجر ويتصدق بالفضل وإن كان هو العامل لا يرفع منه أجر مثله لأن منافعه لا تتقوم بدون العقد ولا عقد على منافعه إذا كان البذر من قبله فلهذا لا يرفع أجر مثل نفسه من الخارج ولكن يتصدق بالفضل وما يشترط للبقر من الخارج فهو كالمشروط لصاحب البقر لأن البقر ليس من أهل الاستحقاق لنفسه فالمشروط له كالمشروط لصاحبه وما يشترط للمساكين للخارج فهو لصاحب البذر لأن المساكين ليس من جهتهم أرض ولا عمل ولا بذر واستحقاق الخارج في المزارعة لا يكون إلا بأحد هذه الأشياء فكان المشروط لهم كالمسكوت عنه فيكون لصاحب البذر لأن استحقاقه بملك البذر لا يشترط والأجرة تستحق عليه بالشرط فلا يستحق إلا مقدار ما شرط له وإذا لم يسم لصاحب البذر وسمى ما للآخر جاز لأن من لا بذر من قبله إنما يستحق بالشرط فأما صاحب البذر فيستحق بملكه البذر فلا ينعدم استحقاقه بترك البيان في نصيبه وإن سمى نصيب صاحب البذر ولم يسم ما للآخر ففي القياس هذا لا يجوز لأنهم ذكروا ما لا حاجة بهم إلى ذكره وتركوا ما يحتاج إليه لصحة العقد ومن لا بذر من قبله يستحق بالشرط فبدون الشرط لا يستحق شيئا ولكنه استحسن فقال الخارج مشترك بينهما والتنصيص على نصيب أحدهما يكون بيان أن الباقي للآخر قال الله سبحانه وتعالى : { وورثه أبواه فلأمه الثلث } معناه وللأب ما بقي فكأنه قال صاحب البذر على أن لي ثلثي الخارج ولك الثلث وإذا قال له : اعمل ببذري في أرضي بنفسك وبقرك وأجرائك فما خرج فهو كله لي جاز والعامل معين لأن صاحب الأرض والبذر استعان به في العمل حين لم يشترط له بمقابلته شيئا ولأن الذي من جانب العامل منفعة والمنفعة لا تتقوم إلا بالتسمية في العقد فإذا لم يسم لم تتقوم منافعه وإن قال على أن الخارج كله لك فهو جائز أيضا وصاحب الأرض معير لأرضه مقرض لبذره لأنه شرط للعامل جميع الخارج ولا يستحق جميع الخارج إلا بعد أن يكون البذر ملكا له ولتمليك البذر منه هنا طريقان أحدهما : الهبة والثاني : القرض فيثبت الأدنى وهو القرض لأنه متيقن به ثم البذر عين متقوم بنفسه فلا يسقط تقومه عنه إلا بالتنصيص على الهبة ومنفعة الأرض غير متقومة بنفسها فلا تتقوم إلا بتسمية البدل بمقابلتها ولم يوجد فلهذا كان معير الأرض مقرضا للبذر بمنزلة ما لو دفع إليه حانوتا وألف درهم وقال اعمل بها في حانوتي على أن الربح كله لك فإنه يكون مقرضا لإلف معيرا للحانوت ولو قال : ازرع في أرضي كرا من طعامك على أن الخارج كله لي لم يجز هذا العقد لأنه دفع الأرض مزارعة بجميع الخارج وحكى عن عيسى بن أبان C أنه قال : يجوز هذا لأنه لما شرط جميع الخارج لنفسه ولا يكون ذلك إلا بملك البذر فكأنه استقرض منه البذر وأمره بأن يزرعه في أرضه فيصير قابضا له باتصاله بملكه وقد بينا نظير هذا في كتاب الصرف ولكن ما ذكره في الكتاب أصح لأن الأصل أن يكون الإنسان في إلقاء بذره في الأرض عاملا لنفسه وقوله : على أن الخارج لي محتمل بجواز أن يكون المراد الخارج لي عوضا عن منفعة الأرض ويجوز أن يكون المراد الخارج لي بحكم استقراض البذر والمحتمل لا يترك الأصل به ولا يثبت تمليك البذر منه بالمحتمل فكان الخارج كله لصاحب البذر وعليه أجر مثله مثل الأرض لأن صاحب الأرض ابتغى عن منفعة أرضه عرضا ولم ينل فله أجر مثل أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج ولو قال : ازرع لي في أرضي كرا من طعامك على أن الخارج لي أو على أن الخارج نصفين جاز على ما قال والبذر قرض على صاحب الأرض أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج لأن قوله : ازرع لي تنصيص على استقراض البذر منه فإنه لا يكون عاملا له إلا بعد استقراضه البذر منه فكان عليه بذرا مثل ما استقرض أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج لأنه صار قابضا له باتصاله بملكه ثم إن كان قال : إن الخارج بيننا نصفان فهي مزارعة صحيحة وإن قال على أن الخارج لي فهو استعانة في العمل وكان محمد بن مقاتل C يقول : ينبغي أن يفسد العقد هنا لأنه مزارعة شرط فيها القرض إذا قال على أن الخارج بيننا نصفان والمزارعة كالإجارة تبطل بالشرط الفاسد ولكن في ظاهر الرواية قال : الاستقراض مقدم على المزارعة فهذا قرض شرط فيه المزارعة والقرض لا يبطل بالشروط الفاسدة كالهبة وفي الأصل .
استشهد فقال : أرأيت لو قال أقرضني مائة درهم فاشتر لي بها كرا من الطعام ثم ابذره في أرضي على أن الخارج بيننا نصفان ألم يكن هذا جائزا فكذلك ما سبق إلا أن هذا مكروه لأنه في معنى قرض جر منفعة ولو دفع بذرا إلى صاحب الأرض على أن يزرعه في أرضه على أن الخارج بينهما نصفان فهو فاسد وهذه مسألة دفع البذر مزارعة وقد بينا قول أبي يوسف C وحكم هذه المسألة على ظاهر الرواية نفى الإشكال في أنه أوجب لصاحب الأرض أجرا مثل أرضه ولم يسلم الأرض إلى صاحب البذر فيكون يستوجب عليه أجر مثله ولكنا نقول : صارت منفعته ومنفعة الأرض حكما كلها مسلمة إلى صاحب البذر لسلامة الخارج له حكما وكذلك إن لم تخرج الأرض شيئا لأن عمل العامل بأمره في إلقاء البذر كعمله بنفسه فيستوجب عليه أجر المثل في الوجهين جميعا وإن قالا على أن الخارج لصاحب البذر فهو جائز وصاحب البذر معين له في العمل معير لأرضه لأنه ما شرط بآراء منافعه ومنافع أرضه عوضا فيكون متبرعا بذلك كله وإن قال : ازرعه لي في أرضك على أن الخارج لك لم يجز لأنه نص على استئجار الأرض والعامل بجميع الخارج حين قال : ازرعه لي في أرضك والخارج كله لصاحب البذر وعليه للعامل أجر مثل أرضه وعمله وإن قال : ازرعه في أرضك لنفسك على أن الخارج لي لم يجز لأن قوله ازرعه لنفسك تنصيص على إقراض البذر منه ثم شرط جميع الخارج لنفسه عوضا عما أقرضه وهذا شرط فاسد لأن القرض مضمون بالمثل شرعا ولكن القرض لا يبطل بالشرط الفاسد والخارج كله لرب الأرض وعليه مثل ذلك البذر لصاحبه ولو دفع إليه الأرض على أن يزرع ببذره وبقره ويعمل فيها معه هذا الأجنبي لم يجز ذلك فيما بينهما وبين الأجنبي وهو فيما بينهما جائز وثلث الخارج لصاحب الأرض وثلثاه لصاحب البذر لأن صاحب البذر استأجر بثلث الخارج وذلك فاسد كما لو كانت الأرض مملوكة له وهذا فيما بينهما في معنى اشتراط عمل رب الأرض مع العامل ولكنهما عقدان مختلفان أحد العقدين على منفعة الأرض والآخر على منفعة العامل فالمفسد في أحدهما لا يفسد الآخر فلهذا كان لصاحب الأرض ثلث الخارج والباقي كله لصاحب البذر وعليه أجر مثل الرجل الذي عمل معه وقد أجاب بعد هذا في نظير هذه المسألة فقال : يفسد العقد كله وإنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فإنه قال هناك على أن يعمل معه الرجل الآخر فبهذا اللفظ يصير العقد الفاسد مشروطا في العقد الذي جرى بين صاحب الأرض وبين صاحب البذر فيفسد كله وهنا قال : ويعمل معه لرجل الآخر والواو للعطف لا للشرط فقد جعل العقد الفاسد معطوفا على العقد الصحيح لا مشروطا فيه فلهذا لم يفسد العقد بين صاحب الأرض وصاحب البذر ولو كان البذر من قبل رب الأرض كانت المزارعة جائزة والخارج أثلاثا كما اشترطوا لأن صاحب الأرض والبذر استأجر عاملين وشرط لكل واحد منهما ثلث الخارج وذلك صحيح والله أعلم بالصواب