( قال C ) وإذا أقر رب المال للمضارب بسدس الربح وقال المضارب لي نصف الربح وأقام شاهدين فشهد أحدهما أنه شرط له ثلث الربح وشهد الآخر أنه شرط له نصف الربح فالشهادة باطلة في قياس قول أبي حنيفة لأنه يشترط الموافقة بين الشهادتين لفظا ولم يوجد والثلث غير النصف وإذا بطلت الشهادة كان للمضارب ما أقر به رب المال وهو السدس وفي قول أبي يوسف ومحمد الشهادة جائزة على ثلث الربح للمضارب لأنهما يعتبران الموافقة بين الشهادتين معنى وقد اتفقا على مقدار الثلث فالشاهد بالنصف شاهد بالثلث وزيادة فيقضي القاضي له بثلث الربح ويبطل ما زاد على ذلك إلى تمام النصف لأن الشاهد به واحد ولو كان ادعى المضارب نصف الربح فشهد له شاهد على نصف الربح وشهد له شاهد آخر إن رب المال شرط له ثلثي الربح فالشهادة باطلة عند أبي حنيفة وعندهما لأن المضارب يكذب أحد شاهديه وهو الذي شهد له بأكثر مما ادعاه بخلاف الأول فهناك المضارب يدعي الأكثر فلا يكون مكذبا أحد شاهديه ولو قال رب المال دفعته إليك بضاعة وادعي المضارب إنه شرط له مائتي درهم من الربح فالقول قول رب المال مع يمينه لأن المضارب يدعي عليه أجر المثل في ذمته ورب المال ينكر ذلك فالقول قوله مع يمينه وإن أقام المضارب شاهدين فشهد أحدهما إنه شرط له مائتي درهم وشهد الآخر أنه شرط له مائة درهم ففي قول أبي حنيفة الربح كله لرب المال ولا شيء للمضارب على رب المال من أجر ولا غيره لأن الشاهدين اختلفا في المشهود به لفظا فتبطل الشهادة أصلا وعندهما له أجر مثله فيما عمل لأنهما اتفقا على شرط المائة معنى فيوجب قبول شهادتهما على ذلك فكان للمضارب أجر مثله لفساد عقد المضاربة ولو ادعي المضارب أنه شرط مائتين وخمسين وشهد له شاهد بها وشاهد بمائة فله أجر مثله عندهم جميعا لاتفاق الشاهدين على المائة لفظا ومعنى وإن كان المضارب يدعي المائة لم تقبل الشهادة لأنه مكذب أحد شاهدين فيما يشهد به من الزيادة على المائة ولو دفع إلى رجلين ألف درهم مضاربة فعملا بها وربحا ربحا فادعى أحدهما إنه شرط لهما نصف الربح وادعى الآخر أنه شرط لهما الثلث وادعي رب المال أنه شرط لهما مائة درهم من الربح فالقول قول رب المال لأن المضارب يستحق الربح على رب المال بالشرط فهما يدعيان عليه استحقاق جزء من الربح ورب المال ينكر ذلك فالقول قوله مع يمينه فإن أقاما شاهدين فشهد أحدهما بنصف الربح والآخر بثلث الربح ففي قياس قول أبي حنيفة لا تقبل هذه الشهادة لاختلاف الشاهدين في المشهود به لفظا ويكون للمضاربين أجر مثلهما فيما عملا لأن رب المال أقر لهما بذلك فيأخذان ذلك منه من الوجه الذي يدعيانه وعندهما الشهادة جائزة للمضارب الذي ادعى نصف الربح ويكون له من الربح سدسه لأنه مدع للأكثر فلا يكون مكذبا أحد شاهديه ولكن الشهادة تقبل له في مقدار ما اتفق الشاهدان عليه معنى وهو سدس الربح وللآخر أجر مثله لأنه صار مكذبا أحد شاهديه وهو الذي شهد له بأكثر مما ادعاه فإذا بطلت شهادتهما له كان له أجر مثله كما أقر به رب المال ومن كتاب المضاربة الصغيرة قال وإذا اشترى المضارب بالمال وهو ألف درهم خادما ثم هلكت الألف فيرجع بمثلها على رب المال ونقدها ثم باع الخادم بثلاثة آلاف درهم فاشترى بها متاعا فهلكت قبل أن ينقدها فإنه يرجع على رب المال بألفين وخمسمائة ويؤدي من عنده خمسمائة لأنه حين رجع بمثل الألف التي هلكت على رب المال فقد لحق رب المال في المضاربة دين ألف درهم وصار رأس ماله ألفين فلما باع الغلام بثلاثة آلاف فألفان من ذلك مشغولان برأس المال وألف ربح بينهما نصفان فحين اشترى بها متاعا كان هو في الشراء بحصته من الربح عاملا لنفسه وذلك خمسمائة فيغرم ذلك من ماله وفي مقدار رأس المال وحصة رب المال من الربح عامل له فيرجع عليه بذلك وهو ألفان وخمسمائة فإن باع المتاع بعد ذلك بعشرة آلاف كان للمضارب سدس الثمن لأن سدس المتاع كان مملوكا فقد نقد ثمنه من مال نفسه فيكون سدس الثمن له من غير المضاربة وخمسة أسداس الثمن على المضاربة يستوفي منها رب المال ما غرم في المرات وذلك أربعة آلاف وخمسمائة والباقي ربح بينهما وقال أبو يوسف إذا عمل الوصي بمال اليتيم فوضع أو ربح فقال عملت به مضاربة فهو مصدق في حال الوضيعة لأنه ليس مسلطا على التصرف فيما في يده من مال اليتيم وهو بمقابلته ينكر وجوب الضمان عليه فالقول قوله في ذلك ولا يصدق في حال الربح حتى يشهد قبل العمل إنه يعمل به مضاربة لأن الربح نماء المال فيكون مملوكا لليتيم بملك المال والوصي يدعي استحقاق بعض الربح لنفسه والقول قول الأمين في براءته عن الضمان لا في استحقاق الأمانة .
لنفسه إلا أن يشهد قبل العمل فحينئذ يكون هذا إقرارا بما منه يملك استئنافه على ما بينا أن للوصي أن يأخذ مال اليتيم مضاربة فيعمل به ولو قال استقرضته لم يصدق وإن كان فيه ربح حتى يشهد قبل العمل لأن ما حصل من الربح مستحق لليتيم بملكه أصل المال في الظاهر فالوصي يدعي استحقاق ذلك عليه لنفسه فلا يقبل قوله في ذلك وإن أشهد قبل العمل فقد علمنا أنه في التصرف عامل لنفسه ضامن لمال الصبي لأنه ليس له أن يستقرض مال اليتيم لنفسه ولكن الفاسد من القرض معتبر بالصحيح فيكون الربح الحاصل بعمل له وإن كانت فيه وضيعة فهو ضامن لها وإن لم يشهد قبل العمل لأنه في قوله استقرضه أقر لليتيم على نفسه بالضمان وفي مقدار الوضيعة وإقراره على نفسه حجة وذلك لو دفعه إلى رجل فعمل به ثم قال دفعته قرضا ليعمل به وصدقه ذلك الرجل فهو يقر له باستحقاق الربح وإقراره في مال اليتيم ليس بحجة وإن قال مضاربة لليتيم أو بضاعة له وصدقه الرجل وفيه وضيعة فلا ضمان عليهما لأن في تصادقهما انتفاء الضمان عن العامل لا إثبات الاستحقاق له في شيء من مال اليتيم وللوصي هذه الولاية فإنه يودع مال اليتيم ويبضعه وإن كان فيه ربح فهو لليتيم كله إلا أن يشهد على ما صنع من ذلك قبل أن يعمل به لأن الصبي صار مستحقا لجميع الربح بملكه أصل المال فإقرار الوصي بجزء منه للعامل يكون إقرارا في مال اليتيم لغيره وذلك غير مقبول عن الوصي وكل هذا يسعه فيما بينه وبين الذي يعمل على ما قال إن كان صادقا لأن الله تعالى مطلع على ضميرهما عالم بما كان منهما إلا أن القاضي لا يقبل قوله إلا ببينة لأن القاضي مأمور باتباع الظاهر وأصله في الوصي إذا عرف وجوب الدين على الميت فإنه يسعه فيما بينه وبين ربه أن يقضي دينه من التركة ولكن إن علم به القاضي ضمنه إذا لم يكن لصاحب الدين بينة على حقه فهذا قياسه والله أعلم بالصواب