( قال C ) وإذا ارتهن عبدا بألف درهم وقبضه وقيمته ألف درهم ثم وهب المرتهن المال للراهن أو أبرأه منه ولم يرد عليه الرهن حتى هلك عنده من غير أن يمنعه إياه فهو ضامن في القياس قيمته للراهن وهو قول زفر وفي الاستحسان لا ضمان عليه وهو قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله وجه القياس أن يقبض الرهن ثبتت يد الاستيفاء للمرتهن ويتم ذلك بهلاك الرهن وصيرورته مستوفيا بهلاك الرهن بعد الإبراء بمنزلة استيفائه حقيقة بعد الإبراء فيلزمه رد المستوفي ولا يقال إنما يصير مستوفيا من وقت القبض حتى تعتبر قيمته من ذلك الوقت فيكون بريئا بعد الاستيفاء وهذا لأن الإبراء بعد الاستيفاء صحيح موجب لرد المستوفي كالبائع إذا قبض الثمن ثم أبرأ المشتري عن الثمن وقد قال بعد هذا في الرهن بالصداق إذا طلقها الزوج قبل الدخول بها ثم هلك الرهن لا يلزمها رد شيء على الزوج بطريق الاستحسان ولو كان الطريق فيه هذا للزمها رد النصف لأن الطلاق قبل الدخول بعد استيفاء الصداق يلزمها رد نصف المستوفي ولا وجه لإسقاط الضمان الفائت في مالية الرهن بسبب الإبراء عن الدين لأن ضمان العقد بالقبض فيبقى بعد القبض وإن سقط الدين كما لو استوفى الدين حقيقة أو اشترى بالدين عينا أو صالح منه على عين أو أحاله على إنسان آخر بقي ضمان الرهن وإن برئت ذمة الراهن عن الدين وكذلك لو تصادقا على أن لا دين بقي ضمان الرهن لبقاء القبض وإن انعدم الدين ولو تبادلا رهنا برهن بقي ضمان الأول ما لا يرده على الراهن لبقاء القبض والمشتري إذا قبض المبيع فهو بالخيار ثم فسخ البيع بقي مضمونا بالثمن لبقاء القبض وإن انفسخ البيع وإذا كان الخيار للبائع ففسخ البيع يبقي مضمونا بالقيمة على المشتري لبقاء القبض كما في الابتداء ولا يقال لو وجب الضمان على المرتهن إنما يجب بسبب الإبراء وهو متبرع فيه فلا يوجب عليه ضمانا لأن وجوب الضمان عليه ليس بالإبراء بل الاستيفاء بهلاك الرهن إلا أنه قبل الإبراء كانت تقع المقاصة وبعد الإبراء لا يمكن إثبات المقاصة فيبقي المستوفي مضمونا عليه كما لو استوفاه حقيقة بعد الإبراء ويلزمه ضمان المستوفي وإن كان لو لم يسبق الإبراء لم يكن عليه شيء وللاستحسان وجهان أحدهما إن ضمان الرهن يثبت باعتبار الدين وبالإبراء عن الدين انعدم أحد المعنيين وهو الدين والحكم الثابت بعلة ذات وصفين ينعدم بانعدام أحدهما ( ألا ترى ) إنه لو رد الدهن سقط الضمان لانعدام القبض مع بقاء الدين فكذلك إذا أبرأ من الدين يسقط الضمان لانعدام الدين مع بقاء القبض وهذا بخلاف ما لو استوفى حقيقة لأن هناك الدين بالاستيفاء لا يسقط بل يتقرر فإن ما هو المقصود يحصل بالاستيفاء وحصول المقصود بالشيء ينهيه ويقرره ولهذا جاز الإبراء عن الثمن بعد الاستيفاء فإذا بقي الدين حكما بقي ضمان الرهن وبهلاك الرهن يصير مستوفيا فتبين إنه استوفي مرتين فيلزمه رد أحدهما فأما بالإبراء فيسقط الدين فلا يبقي الضمان بعد انعدام أحد المعنيين وكذلك إذا اشترى بالدين أو صالح من الدين على عين فذلك استيفاء الدين بطريق المقاصة وكذلك إذا أحال على غيره لأن بالحوالة لا يسقط الدين ولكن ذمة المحال عليه تقوم مقام ذمة المحيل وهو بصدد أن يعود إلى ذمة المحيل إذا كان المحتال عليه مفلسا فلهذا بقي ضمان الرهن وكذلك بعدما تبادلا رهنا برهن الدين والقبض باقيان في حق العين الأول فيبقي الضمان فيه وإذا تصادقا على أن لا دين فإنما يسلم هذا فيما إذا كان تصادقهما بعد هلاك الرهن والدين كان واجبا ظاهرا حين هلك الرهن ووجوب الدين ظاهرا يكفي لضمان الرهن فصار مستوفيا فأما إذا تصادقا على أن لا دين والرهن قائم ثم هلك الرهن فإن هناك تهلك أمانته لأن بتصادقهما من الأصل وضمان الرهن لا يبقى بدون الدين والوجه الآخر وعليه الاعتماد أن مقصود الراهن بتسليم الرهن إلى المرتهن أن يبرئ ذمته عند هلاك الرهن من غير أن يلزمه شيء آخر وقد حصل له هذا المقصود بالإبراء قبل هلاك الدين فلا يستوجب عند هلاك الرهن سببا آخر كمن عليه الدين المؤجل إذا عجل الدين ثم حل الأجل وصاحب المال إذا عجل الزكاة ثم تم الحول لا يلزمه شيء آخر لهذا المعنى بخلاف ما إذا استوفى الدين فهناك مقصوده لم يحصل لأن ذمته إنما برئت بما أعطى من المال وكذلك إذا اشترى بالدين أو صالح أو أحال أو تبادلا رهنا برهن فما هو المقصود له عند هلاك الرهن لم يحصل بهذه الأسباب وإذا تصادقا على أن لا دين له ثم هلك الرهن بعد ذلك لا يكون مضمونا لأن مقصوده حصل بالتصادق حين لم يلزمه شيء آخر ولا يقال مقصود براءة ذمته عند هلاك الرهن بطريق الإيفاء وإنما برئت ذمته بطريق الإسقاط بالإبراء أو الإسقاط عن الإيفاء وهذا لأن الأسباب غير مطلوبة لأعيانها بل لأحكامها فإنما ينظر إلى حصول المقصود ولا ينظر .
إلى اختلاف الطريق بمنزلة ما لو قال لفلان على ألف درهم قرضا وقال المقر له بل هو غصب يلزمه المال لإيفاء ما هو المقصود وإن اختلفا في السبب وكذلك لو قال لفلان على ألف درهم ثمن هذه الجارية التي بعتها وقال فلان الجارية جاريتك : بعتها ولي ألف درهم يلزمه المال لحصول المقصود وهو سلامة الجارية له وإن اختلفا في السيد فهذا مثله وهذا بخلاف البيع بالضمان فإنه هناك انعقد بالقبض ولكن فسخ البيع يبطل بالهلاك قبل الرد كما يبطل البيع بالهلاك قبل التسليم وهنا الإبراء ما يبطل بهلاك الرهن بعده لأن هناك ما هو المقصود للبائع لا يحصل بفسخ البيع ما لم يعد المبيع إلى يده فلهذا بقي الضمان ولو منعه العبد بعدما أبرأه عن الدين حتى مات في يده ضمن قيمته لأنه كان أمينا فيه فبالمنع بعد طلب الحق يصير غاصبا كالمودع ولو ارتهن المرأة رهنا بصداقها وهو مسمى وقيمته مثله ثم أبرأته أو وهبته له ولم يقبضه حتى هلك عندها فلا ضمان عليها في الاستحسان وكذلك لو اختلعت منه قبل أن يدخل بها ثم لم يقبضه حتى مات لأن مقصود الزوج هو براءة ذمته عن الصداق بالخلع من غير أن يلزمه شيء آخر وقد حصل وكذلك لو طلقها قبل أن يدخل بها وقد أبرأته عن الصداق ولم لم تبرئه من الصداق قبل الطلاق ولكن أبرأته من حقها قبل الطلاق أو لم تبرئه حتى هلك فلا ضمان عليها فيه أما إذا أبرأته فلحصول مقصود الزوج وإذا لم تبرئه فقد حصل مقصود الزوج في النصف بالطلاق قبل الدخول وإنما بقي ضمان الرهن في النصف الذي هو حقها فبهلاك الرهن يصير مستوفيا ذلك القدر خاصة فلهذا لا يلزمها رد شيء ولو تزوجها على غير مهر مسمى وأعطاها بمهر المثل رهنا فمهر المثل في نكاح لا تسمية فيه بمنزلة المسمى في النكاح الذي فيه تسمية فإن طلقها قبل الدخول بها سقط جميع مهر المثل ولها المتعة ثم في القياس ليس لها أن تحبس الرهن بالمتعة وهو قول محمد والآخر وهو قول أبي حنيفة رحمهما الله وفي الاستحسان لها أن تحبس الرهن بالمتعة وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد رحمهما الله وقد بينا في كتاب النكاح إن عند محمد المتعة في حكم جزء من مهر المثل بمنزلة نصف مهر المسمى أو هو خلف عنه والرهن بالشيء يكون رهنا بخلفه على ما بينه في السلم وأبو يوسف يقول المتعة دين حادث ليس بجزء من مهر المثل لأنه ثياب ومهر المثل دراهم ولا هو خلف عن مهل المثل لأن كل واحد منهما يجب باعتبار ملك البضع في حال فلا يكون أحدهما خلفا عن الآخر وكيف يكون خلفا ولا تجب المتعة إلا بعد سقوط مهر المثل بالطلاق قبل الدخول فإذا لم يكن الرهن بمهر المثل رهنا بالمتعة عند أبي يوسف قلنا : إن هلك الرهن قبل أن يمنع لا ضمان عليها فيه لحصول مقصود الزوج وهو سقوط مهر المثل عنه بالطلاق وإن منعته ما هي ضامنة قيمته وعند محمد لها أن تمنع فبالهلاك تصير مستوفية مقدار المتعة ولا ضمان عليها فيما زاد على ذلك لحصول مقصود الزوج وإذا أسلم الرجل خمسمائة درهم إلى رجل في طعام مسمى فارتهن منه عبدا يساوي ذلك الطعام ثم صالحه على رأس ماله ففي القياس له أن يقبض العبد ولا يكون للمرتهن أن يحبس الرهن برأس المال لأن العبد كان مرهونا بالمسلم فيه وقد سقط لا إلى بدل ورأس المال دين آخر واجب بسبب آخر وهو القرض فلا يكون العبد مرهونا به كما لو كان له على غيره دراهم ودنانير فرهنه بالدنانير رهنا ثم أبرأه المرتهن عن الدنانير لا يكون له أن يحبس الرهن بالدراهم وفي الاستحسان له أن يحبس الرهن حتى يستوفي رأس المال لأنه ارتهن بحقه الواجب بسبب العقد الذي جرى بينهما وحقه في المسلم فيه عند قيام العقد وحقه في رأس المال عند فسخ العقد فيكون له أن يحبس الرهن بكل واحد منهما كمن ارتهن بالمغصوب به فهلك المغصوب كان له أن يحبس الرهن حتى يستوفي قيمته لأن الواجب بالغصب استرداد العين عند قيامه والقيمة عند هلاكه وهذا لأن المسلم فيه مع رأس المال أحدهما بدل عن الآخر ولهذا لا يجوز الاستبدال بالمسلم فيه قبل الإقالة والرهن بالشيء يكون رهنا ببدله لأن البدل يقوم مقام الأصل وحكمه حكم الأصل فإن هلك العبد في يده من غير أن يمنعه فعلى المرتهن أن يعطي مثل الطعام الذي كان على المسلم إليه ويأخذ رأس ماله لأنه يقبض الرهن صارت ماليته مضمونة بطعام السلم وقد بقي حكم الرهن إلى أن هلك فصار بهلاك الرهن مستوفيا طعام السلم ولو استوفاه حقيقة قبل الإقالة ثم تقايلا أو بعد الإقالة لزمه رد المستوفي واسترداد رأس المال فكذلك هناك وهذا لأن الإقالة في باب السلم لا تحتمل الفسخ بعد ثبوتها فهلاك الرهن لا يبطل الإقالة وإن صار مستوفيا طعام السلم .
ومحمد يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين فصل المتعة فهناك جعل الرهن بعد الطلاق محبوسا بالمتعة وجعلها بهلاك الرهن مستوفية للمتعة وهنا جعل الرهن محبوسا برأس المال وجعله هناك هالكا بطعام السلم لأن المتعة في جزء من مهر المثل فإن الطلاق مسقط فلا يصلح أن يكون موجبا دينا آخر ابتداء وإذا كان بمنزلة الجزء فهو كنصف المسمى فإنما يبقى حكم الضمان بقدره وهذا رأس المال ليس بجزء من المسلم فيه وعند هلاك الرهن إنما يتم الاستيفاء من وقت القبض ولهذا تعتبر القيمة من وقت القبض فإنما يصير مستوفيا لما صار مضمونا به .
وتوضيحه إن بالطلاق سقط مهر المثل لا إلى بدل ولا يمكن إيفاء ضمان المهر في مهر المثل وقد سقط لا إلى بدل فلهذا بقي الرهن بقدر المتعة رهنا بالإقالة وسقط السلم فيه لا إلى بدل ولكن إلى بدل وهو رأس المال لما بينا إن أحدهما بدل عن الآخر فلهذا بقي ضمان الرهن بالطعام كما انعقد عند القبض وكذلك لو وهب له رأس المال بعد الصلح ثم هلك العبد فعليه طعام مثله لأن المرهون مضمون بطعام السلم لا رأس المال فالإبراء عن رأس المال وجوده كعدمه في إيفاء حكم الضمان بطعام السلم قال ( ألا ترى ) أن رجلا لو أقرض رجلا كر حنطة وارتهنه منه ثوبا قيمته مثل قيمته فصالحه الذي عليه الكر على كرى شعيرا يدا بيد جاز ذلك ولم يكن له أن يقبض الثوب حتى يدفع الكرين من الشعير ولو هلك الرهن عنده بطل طعامه ولم يكن له على الشعير سبيل وبيان هذا الاستشهاد إن حبس الرهن بعد هذا الصلح لا يمكن باعتبار ضمان الشعير لأن الشعير مبيع عين والرهن مثله لا يجوز فعرفنا إنه بقي مرهونا بالطعام لأن سقوطه كان بعوض فبقي حكم الرهن والضمان فيه ما لم يأخذ العوض وكذلك في مسألة السلم إلا أن هنا إذا هلك الرهن تم استيفاؤه للطعام فيبطل العقد في الشعير كما لو استوفاه حقيقة ثم اشترى به شعيرا بعينه وفي السلم أيضا صار مستوفيا للمسلم فيه بهلاك الرهن ولكن إقالة السلم بعد استيفاء المسلم فيه صحيحة فلهذا يلزمه رد مثل ذلك الطعام ولو باعه كرا بدراهم ثم افترقا قبل أن يقبضها بطل البيع لأنهما افترقا عن دين بدين وبقي الطعام عليه والثوب رهن به بخلاف الشعير فإنه عين فإنما الافتراق هنا عن عين بدين حتى ولو كان الشعير بغير عينه وتفرقا قبل أن يقبضا كان البيع باطلا أيضا لأنه ديه بدين هكذا ذكر في الأصل وينبغي في هذا الموضع أن لا يصح البيع أصلا لأن الشعير بغير عينه بمقابلة الحنطة يكون مبيعا وبيع ما ليس عند الإنسان لا يجوز وإذا اشترى ألف درهم بمائة دينار وقبض الألف وأعطاه بالمائة الدينار رهنا يساويها ثم تفرقا فسد البيع لأن الاستيفاء لا يتم مع قيام الرهن فإنما افترقا في عقد الصرف قبل قبض أحد البدلين فإذا فسد الصرف وجب عليه رد الألف وليس له أن يأخذ الرهن حتى يوفيه الألف لما بينا أنه إنما ارتهن بحقه الثابت بسبب عقد الصرف وذلك المائة الدينار عند بقاء العقد واسترداد الألف بعد انفساخ عقد الصرف كما في مسألة السلم فإن هلك الرهن عنده صار مستوفيا للدنانير بهلاك الرهن فإن عند القبض انعقد ضمان الرهن بالدنانير ولو استوفاه حقيقة لزمه رد المستوفي لفساد عقد الصرف فهنا أيضا ترد الدنانير ويرجع على المرتهن بالألف فإن لم تفرقا حتى ضاع الرهن فهو بالمائة الدنانير لأن الاستيفاء تم بهلاك الرهن قبل الافتراق وقد بينا في كتاب الصرف والبيوع حكم الرهن ببدل الصرف ومن خلاف زفر وكذلك إن كان الرهن على يدي عدل لأن في حكم الرهن يد العدل كيد المرتهن وإذا قبض المرتهن حقه من الراهن ثم ملك عنده فعليه أن يرد ما قبض وقد بينا معنى هذه المسألة وفي هذا اللفظ إشارة إلى أن سقوط الدين بهلاك الرهن على معنى إن ضمان الاستيفاء الذي ثبت بقبض الرهن يتم بهلاك الرهن ويصير كأنه استوفى بقبض الدراهم بعدما استوفى بقبض الرهن فيلزمه رد ما قبض لهذا ولو كان الدين طعاما قرضا فاشتراه الذي هو عليه بدراهم ودفعها إلى المرتهن ثم هلك الرهن كان على المرتهن أن يرد مثل ذلك الطعام على الراهن لأنه بهلاك الرهن صار مستوفيا للطعام وقد سقط حقه عن الطعام حين باعه ممن عليه بدراهم وقبض الدراهم ولو ارتهن رجل عبدا بألف درهم يساويها فقضاها رجل تطوعا عن المطالب ثم هلك الرهن عنده فعلى الطالب أن يرد المال على المتطوع عندنا وقال زفر يضمن المرتهن ذلك للراهن وهو بناء على ما تقدم لأن عنده الضمان انعقد بالقبض وصار حقا للراهن فيبقى ذلك ببقاء القبض والمتطوع ينزع بقضاء الدين فيكون ذلك كتبرع المرتهن بالإبراء عن الدين فلا يتغير به حكم الضمان الثابت له وعندنا قضاء المتبرع للمال كقضاء المطلوب ولو كان قضاه الدين بنفسه ثم هلك الرهن تم استيفاء الدين بهلاك الرهن ووجب عليه رد المقبوض بسبب القبض فكذلك هنا يلزمه رد المقبوض بسبب القبض وإنما قبضه من المتطوع فيرده عليه وعلى هذا لو اشترى عبدا بألف فنقدها رجل عنه متطوعا ثم رد العبد بعيب أو استحق رجع المال إلى المتطوع وكذلك لو أن امرأة نقد رجل مهرها تطوعا عن زوجها ثم ارتدت قبل الدخول بها رجع المال إلى المتطوع ولو طلقها قبل الدخول بها رجع نصف المال إلى المتطوع فلو لم يكن في النكاح تسمية رجع بمهر المثل إلى المتطوع والمتعة على الزوج لأن التطوع بأداء مهر المثل لا يكون تطوعا بأداء المتعة كما إن الكفالة لمهر المثل لا تكون كفالة بالمتعة وزفر مخالف في هذا كله وما أشرنا إليه من .
المعنى صحيح في الفصول كلها وإذا جني العبد الرهن وقيمته ألف والدين ألف والجناية ألف أو أكثر فأتى المرتهن أن يفتكه وفداه الراهن بالجناية ثم مات العبد عند المرتهن فعلى المرتهن أن يرد على الراهن ألفا لأن الفداء من المضمون في الرهن على المرتهن فإن مالية الرهن تجني به وهو حق المرتهن والراهن في الفداء لا يكون متطوعا لأنه قصد بالفداء لا يكون متطوعا لأنه قصد بالفداء تخليص ملكه فيستوجب الرجوع به على المرتهن وللمرتهن عليه مثله فيصير قصاصا وفي المقاصة آخر الدينين قضاء عن أولها فصار الراهن قاضيا دين المرتهن وقد بينا أنه لو هلك الرهن بعدما اقتضى الدين وجب عليه رد ما اقتضى فهذا مثله وكذلك لو كان استهلك متاعا يستغرق رقبته فقضاه الراهن ثم مات العبد لأن المستحق للدين ماليته وهو حق المرتهن فيكون ذلك عليه والراهن لا يكون متطوعا في أداء ذلك لتخليص ملكه كما في الأول ولو ارتهن عبدا بألف يساويها ثم تصادقا إنه لم يكن عليه شيء وقد مات العبد فعلى المرتهن أن يرد عليه ألف درهم لأن عند هلاك الرهن كان الدين واجبا ظاهرا فيصير بهلاك الرهن مستوفيا ولو استوفاه حقيقة ثم تصادقا على أن لا دين عليه يلزمه رد المستوفي وعن أبي يوسف أنه ليس عليه رد شيء لأنهما تصادقا على انتفاء الدين عند هلاك الرهن وتصادفهما حجة في حقهما والاستيفاء بدون الدين لا يتصور وكذلك لو أخذه منه على أن يقرضه ألفا لأن الدين الموعود بمنزلة الدين المستحق في انعقاد ضمان الرهن به كما إن المقبوض على سوم الشراء كالمقبوض على حقيقة السوم في حكم الضمان فهلاك الرهن يصير مستوفيا فيجعل في الحكم كأنه استوفاه حقيقة فيلزمه رده وإنما أورد هذا إيضاحا للأول فإن كون الدين واجبا ظاهر عند هلاك الرهن أقوى من الدين الموعود فإذا كان الرهن يهلك مضمونا بالدين الموعود ففيما كان واجبا ظاهرا أولى ولو أحال الراهن المرتهن على رجل بالمال ثم مات العبد قبل أن يرده فهو بما فيه لما بينا أن ضمان الرهن باق بعد الحوالة فيتم الاستيفاء بهلاك الرهن فيجعل هذا بمنزلة ما لو استوفى الطالب الدين من المحيل وذلك مبطل للحوالة فهذا مثله وكذلك لو أعطاه رهنا مكان الرهن الأول ثم هلك الرهن الأول قبل أن يرده فهو رهن بالمال لبقاء القبض والدين بعد تسليم العين الثاني إليه وإذا تم الاستيفاء بهلاك الرهن الأول بطل الرهن الثاني ولو هلك الثاني قبل هلاك الأول أو بعده فهو مؤتمن فيه لأنه لم يوجد منهما مرهونا مضمونا بالدين فمن ضرورة بقاء الدين في الرهن الأول إبقاء ضمان الدين عن الثاني وإنما بقي مقبوضا بإذن المالك فيكون القابض أمينا فيه إذا هلك وكذلك لو ناقضه الراهن فقبل أن يرده هلك فهو هالك بالمال لبقاء القبض والدين وهذا لأن فسخ العقد معتبر بأصل العقد فكما إن ضمان الرهن لا يثبت بالعقد وجعلها في الرهن فإنه لا يكون في الرهن وهما فصلان أحدهما الزيادة وصورته إذا رهنه ثوبا بعشرة يساوي عشرة ثم زاد الراهن المرتهن ثوبا آخر ليكون مرهونا مع الأول بالعشرة ففي القياس لا تصح هذه لزيادة وهو قول زفر C لأنه لا بد من أن يجعل بعض الدين بمقابلة الزيادة ليكون مضمونا به وذلك متعذر مع بقاء حكم الرهن في الثوب الأول لبقاء القبض فهو نظير ما لو ناقصه الرهن أو تبادلا رهنا برهن على ما بينا وهذا في الحقيقة بناء على أصل زفر C إن الزيادة في الثمن والبيع لا يثبت ملحقه بأصل العقد وقد بينا في البيوع وفي الاستحسان وهو قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله تعالى وتثبت الزيادة في الرهن في حكم الدين لأن تراضيهما على الزيادة بعد العقد بمنزلة تراضيهما عليه عند العقد ولو رهنه في الابتداء يومين بالعشرة جاز الرهن وانقسم الدين على قيمته فكذلك هنا يقسم الدين على قيمة الأصل وقت العقد وعلى قيمة الزيادة وقت القبض وهذا بخلاف ما إذا تبادلا رهنا برهن فلم يوجد هناك افتراض منهما على ثبوت حكم الرهن فيهما جميعا توضيحه إنه بالناس حاجة إلى تصحيح هذه الزيادة وربما نطق المرتهن بالابتداء إنه في الرهن وفاء بدينه ثم ثبت له خلاف ذلك فلا يرضى برهن لا وفاء فيه فيحتاج الراهن برد عين آخر ليطمئن قلبه والزيادة في الرهن تجوز إن ثبت حكما فإن المرهونة إذا ولدت يكون الولد زيادة تثبت في الرهن حكما فيجوز إثباته أيضا فضلا والفضل الثاني في الزيادة بالدين فإن المرتهن إذا زاد الراهن عشرة أخرى ليكون الرهن عنده رهنا بهما جميعا فهذه الزيادة لا تثبت في حكم الرهن في القياس وهو قول أبي حنيفة ومحمد وزفر رحمهم الله وفي الاستحسان تثبت وهو قول أبي يوسف C وأوجهه قول أبي يوسف إن الدين مع الرهن يتحاذيان محاذاة .
المبيع مع الثمن حتى يكون المرهون محبوسا بالدين مضمونا به كالمبيع بالثمن عن الزيادة في الرهن يجعل ملحقة بأصل العقد فكذلك الزيادة في الدين كما في البيع فإن الزيادة في الثمن والمبيع ثبتت على سبيل الالتحاق بأصل العقد وهنا مثله وكما إن الحاجة تمس إلى الزيادة في الرهن فقد تمس الحاجة إلى الزيادة في الدين بأن يكون في مالية الرهن فضلا على الدين ويحتاج الراهن إلى مال آخر فيأخذه من المرتهن ليكون الرهن رهنا بهما وهذا بخلاف المسلم فيه فالزيادة في المسلم فيه لا تجوز وإن كانت تجوز في رأس المال لأن جواز السلم بخلاف القياس فإنه بيع المعدوم وإنما جعل المسلم فيه كالموجود حكما لحاجة المسلم إليه والزيادة في رأس المال بين حوائج المسلم إليه فأما الزيادة في المسلم فيه فليس من حوائج المسلم إليه في شيء فلا يظهر هذا العقد فيه فأما جواز الرهن بالدين فثابت بمقتضى القياس إذ هو لحاجة المديون والزيادة في الدين من حوائج المديون والفرق لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله بين الزيادة في الرهن وبين الزيادة في الدين من وجهين أحدهما أن الزيادة في الدين تؤدي إلى الشيوع في الرهن لأن بعض الرهن يفرغ من الدين الأول يثبت فيه ضمان الدين الثاني ويبقى حكم الأول في البعض مشاعا ويثبت فيما يقابل الزيادة مشاعا والشيوع في الرهن يمنع صحة الرهن فأما الزيادة في الرهن فتؤدي إلى شيوع في الدين لأن بعض الدين يحول ضمانه من الرهن الأول إلى الثاني والشيوع في الدين لا يصير كما لو رهنه بنصف الدين رهنا ولا يقال الزيادة تثبت على سبيل الالتحاق بأصل العقد فلا يؤدي إلى الشيوع فيه لأنا نسلم هذا ولكنه مع الالتحاق بأصل العقد تثبت قيمته ملحقا فهو كما لو رهنه في الابتداء ثوبا بعشرين نصفه بعشرة ونصفه بعشرة وذلك لا يجوز وبه فارق البيع فالشيوع وتفرق التسمية لا يؤثر في إفساد البيع والثاني أن الزيادة إنما تصح ملحقة بأصل العقد في المعقود عليه والمعقود به والدين ليس بمعقود عليه ولا بمعقود به لأن المعقود به ما يكون وجوبه بالعقد والدين كان واجبا قبل عقد الرهن بسببه ويبقى بعد فسخ الرهن فلا يملك إثبات الزيادة فيه ملقحة بأصل العقد فأما الرهن فمقعود عليه لأنه لم يكن محبوسا قبل عقد الرهن ولا يبقى محبوسا بعد فسخ عقد الرهن فالزيادة في الرهن زيادة في المعقود عليه فيلتحق بأصل العقد ( وفقه هذا الكلام ) أن صحة الزيادة باعتبار إنه تصرف في العقد يعسر وصفه أو حكمه وذلك مستحق في الزيادة في الرهن لأن الحكم قبل الزيادة إن الرهن الأول مضمون بعشرة وبعد الزيادة يكون مضمونا بخمسة فثبتت الزيادة فيه ملتحة بأصل العقد فإما الزيادة في الدين فلا تغير وصف العقد ولا حكمه لأن الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين سواء وجدت الزيادة في الدين أو لم توجد فلهذا لا يثبت حكم الزيادة في ضمان الرهن وعلى هذا لو أنفق المرتهن على الرهن بأمر القاضي أو بأمر صاحبه فذاك دين وجب له على الرهن وفي ثبوت حكم الجنس باعتباره اختلاف كما بينا وكذلك إذا كان الرهن يساوي ألفين والدين ألفا فجنى المرهون وفداه المرتهن والراهن غائب فنصف الفداء من ذلك على المرتهن ونصفه وهو حصة الأمانة على الراهن ولا يكون المرتهن متطوعا فيه عند أبي حنيفة على ما بيناه في باب الجنايات فهو دين حادث له على الراهن فلا يكون له أن يحبس الرهن بعد استيفاء الأول بمنزلة ما لو أقرضه ما لا زيادة في الدين الأول والله أعلم بالصواب