قال الشيخ الإمام أجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي C إملاء .
( اعلم ) بأن الرهن عقد وثيقة بمال مشروع للتوثق في جانب الاستيفاء فالاستيفاء هو المختص بالمال ولهذا كان موجبه ثبوت يد الاستيفاء حقا للمرتهن عندنا لأن موجب حقيقة الاستيفاء ملك عين المستوفي وملك اليد فموجب العقد الذي هو وثيقة الاستيفاء بعض ذلك وهو ملك اليد وعلى قول الشافعي C موجبه ما هو موجب سائر الوثائق كالكفالة والحوالة وهو أن تزداد المطالبة به فيثبت به للمرتهن حق المطالبة بإيفاء الدين من ماليته وذلك بالبيع في الدين ولكنا نقول الكفالة والحوالة عقد وثيقة ما لزمه والذمة محل لالتزام المطالبة فيها فيكون الثابت بهما بعض ما ثبت لحقيقة التزام الدين وهو المطالبة والرهن عقد وثيقة بمال والمال محل لاستيفاء الدين منه فعرفنا أن الثابت به بعض ما ثبت لحقيقة الاستيفاء وكيف يكون البيع في الدين موجب عقد الرهن ولا يملك المرتهن ذلك بعد تمام الرهن إلا بتسليط الراهن إياه على ذلك نصا وكم من رهن ينفك عن البيع في الدين وموجب العقد ما لا يخلو العقد عنه بعد تمامه ثم جواز هذا العقد ثابت بالكتاب والسنة .
أما الكتاب فقوله تعالى : { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } وهو أمر بصيغة الخبر لأنه معطوف على قوله تعالى : { فاكتبوه } وعلى قوله تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم } وأدنى ما يثبت بصيغة الأمر الجواز .
والسنة حديث عائشة Bها أن رسول الله A اشترى من يهودي طعاما لبيته ورهنه درعه وفي حديث أسماء بنت يزيد أن رسول الله A توفي ودرعه مرهون عند يهودي بوسق من شعير وعن ابن عباس وأنس Bهما أن النبي A رهن درعه ليهودي فما وجد ما يفتكه حتى توفي صلوات الله عليه وجاء اليهودي في أيام التعزية يطالب بحقه ليغيظ المسلمين به وفي هذا دليل جواز الرهن في كل ما هو مال متقوم ما يكون معدا للطاعة وما لا يكون معدا له في ذلك سواء فإن درعه صلوات الله عليه كان معدا للجهاد به فيكون دليلا على جواز رهن المصحف بخلاف ما يقوله الشيعة أن ما يكون للطاعة لا يجوز رهنه لأنه في صورة حسبة عن الطاعة وفيه دليل أن الرهن جائز في الحضر والسفر جميعا فإنه رهنه A بالمدينة في حال إقامته بها بخلاف ما يقوله أصحاب الظواهر أن الرهن لا يجوز إلا في السفر لظاهر قوله تعالى : { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } والتعليق الشرط يقتضي الفصل بين الوجود والعدم ولكنا نقول ليس المراد به الشرط حقيقة بل ذكر ما يعتاده الناس في معاملاتهم فإنهم في الغالب يميلون إلى الرهن عند تعذر إمكان التوثق بالكتاب والشهود والغالب أن يكون ذلك في السفر والمعاملة الظاهرة من لدن رسول الله A إلى يومنا هذا فالرهن في الحضر والسفر دليل على جوازه بكل حال ثم ذكر عن علي بن أبي طالب قال يترادان الفضل في الرهن وفيه دليل أن المقبوض بحكم الرهن يكن مضمونا ثم بيان هذا اللفظ أنه إذا رهن ثوبا قيمته عشرة بعشرة فهلك عند المرتهن سقط دينه فإن كانت قيمة الثوب خمسة يرجع المرتهن على الراهن بخمسة أخرى وهو مذهبنا أيضا وإن كانت قيمته خمسة عشر فالراهن يرجع على المرتهن بخمسة وهو مذهب علي Bه وبه أخذ بعض الناس ولسنا نأخذ بهذا وإنما نأخذ بقول عمر وابن مسعود Bهما فإنهما قالا إنه مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين فإذا كانت القيمة أكثر فالمرتهن في الفضل أمين وهكذا روى محمد بن الحنفية عن علي Bه أن المرتهن في الفضل أمين وحاصل الاختلاف فيه بين العلماء رحمهم الله على ثلاثة أقاويل فعندنا هو مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين وعند شريح C هو مضمون بالدين قلت قيمته أو كثرت فإنه قال الرهن بما فيه وإن كان خاتما من حديد بمائة درهم وفي إحدى روايتي علي Bه يترادان الفضل هذا بيان الاختلاف الذي كان بين المتقدمين Bهم في الرهن إلى أن أحدث الشافعي C قولا رابعا إنه أمانة ولا يسقط شيء من الدين بهلاكه واستدل في ذلك بحديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة Bه أن النبي صلوات الله عليه وسلامه قال : لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه وفي رواية الرهن من راهنه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه وزعم أن معنى قوله A : ( لا يغلق الرهن لا يصير مضمونا بالدين ) فقد فسر ذلك بقوله الرهن من راهنه الذي رهنه أي من ضمان راهنه وقوله A : ( وعليه غرمه ) أي عليه هلاكه فالغرم عبارة عن الهلاك . قال الله تعالى : { إنا لمغرمون } أي هلكت علينا أموالنا والمعنى فيه أن الرهن وثيقة بالدين فبهلاكه لا يسقط الدين كما لا يسقط بهلاك الصك وموت الشهود وهذا لأن بعقد الوثيقة يزداد معنى الصيانة فلو قلنا بأنه يسقط دين المرتهن بهلاكه كان ضد ما اقتضاه العقد لأن الحق به يصير بعرضة الهلاك وذلك ضد معنى الصيانة والدليل عليه أن عين الرهن ما زاد على قدر الدين أمانة في يد المرتهن والقبض في الكل واحد وما هو موجب الرهو وهو الحبس ثابت في الكل فلا يجوز أن يثبت حكم الضمان بهذا القبض في البعض دون البعض والدليل عليه أن عليه الرهن تهلك على ذلك الراهن حتى لو كان عبدا فكفنه على الراهن ولو استحق وضمنه المرتهن يرجع بالضمان والدين جميعا على الراهن ولو كان قبضه قبض ضمان لم يرجع بالضمان عند الاستحقاق كالغاصب وعندكم إذا اشترى المرتهن المرهون من الراهن لا يصير قابضا بنفس الشراء ولو كان مضمونا عليه بالقبض لكان قبضه عن الشراء كقبض الغاصب والمقبوض بحكم الرهن الفاسد لا يكون مضمونا عندكم كرهن المشاع وغيره والفاسد معتبر بالجائز في حكم الضمان وليس من ضرورة ثبوت حق الحبس الضمان كالمستأجر بعد الفسخ محبوس عند المستأجر بالأجرة المعجلة بمنزلة المرهون حتى إذا مات الآجر كان المستأجر أحق به من سائر غرمائه ثم لم يكن مضمونا إذا هلك وكذلك زوائد الرهن عندكم والدليل على أنه أمانة أن النفقة على الراهن دون المرتهن كما في الوديعة وحجتنا في ذلك ما أشرنا إليه من إجماع .
المتقدمين رضوان الله عليهم أجمعين فاتفاقهم على ثلاثة أقاويل يكون إجماعا منهم على أنه ليس فيه قول رابع لم يستدل بحديث عطاء أن رجلا رهن فرسا عند رجل بحق له فنفق الفرس عند المرتهن فاختصما عند رسول الله A فقال للمرتهن : ذهب حقك ولا يجوز أن يقال ذهب حقك في الحبس لأن هذا مما لا يشكل ولأن ذكر الحق منكرا فى أول الحديث ثم أعادته معرفا فيكون المراد بالمعرف ما هو المراد بالمنكر قال الله تعالى : { كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول } وقال النبي A : ( الرهن بما فيه ) ذهبت الرهان بما فيها أي بما فيها من الديون ولا حجة لهم في قوله A : ( لا يغلق الرهن ) فإن أحدا من أهل اللغة لا يفهم منه هذا اللفظ بقي الضمان على المرتهن وذكر الكرخي أن أهل العلم من السلف رحمهم الله كطاوس وإبراهيم وغيرهما اتفقوا أن المراد لا يحبس الرهن عند المرتهن احتباسا لا يمكن فكاكه بأن يصير مملوكا للمرتهن واستدلوا عليه بقول القائل : .
وفارقتك برهن لا فكاك له .
يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا .
يعني احتبس قلب المحب عند الحبيب على وجه لا يمكن فكاكه وليس فيه ضمان ولا هلاك والدليل عليه ما روي عن الزهري قال : كانوا في الجاهلية يرتهنون ويشترطون على الراهن إن لم يقض الدين إلى وقت كذا فالرهن مملوك للمرتهن فأبطل رسول الله A ذلك بقوله : ( لا يغلق الرهن ) سعيد بن المسيب Bه عن معنى هذا اللفظ فقيل : أهو قول الرجل إن لم يأت بالدين إلى وقت كذا فالرهن بيع لي في الدين فقال : نعم وقوله A : ( الرهن من راهنه ) الذي راهنه يؤكد هذا المعنى أي هو على ملك راهنه الذي رهنه لا يزول ملكه بهذا الشرط وكذلك قوله A : ( له غنمه وعليه غرمه ) يعني في حال إبقائه هو مردود عليه لا يتملك غيره عليه أو أن يبيع بالدين فزاد الثمن على الدين فالزيادة له وإن انتقص فالنقصان عليه وبه نقول والمعنى في المسألة أن الرهن مقبوض للاستيفاء والمقبوض على وجه الشيء لا يكون كالمقبوض على حقيقته في حكم الضمان ( ألا ترى ) أن المقبوض على سوم البيع يجعل كالمقبوض على جهة الاستيفاء وبيان الوصف أن عقد الرهن يختص بما يمكن استيفاء الدين منه وهو المال المتقوم الذي يقبل البيع في الدين ويختص بحق يمكن استيفاؤه من الرهن وهو الدين حتى لا يجوز الرهن بالأعيان ولا بالعقوبات من القصاص والحدود وتحقيق ما ذكرنا أن موجب العقد ثبوت يد الاستيفاء وهذه اليد في حقيقة الاستيفاء تثبت الملك والضمان فكذا فيها أيضا يثبت الضمان في عقد الرهن يقرره أن عند أبي حنيفة C استيفاء المستوفي يكون مضمونا على المستوفي وله على الموفي مثل ذلك فيصير قصاصا به فكذلك إذا قبضه رهنا وصار مضمونا عليه بهذه اليد فإذا هلك وجب على المرتهن من أولها فيصير المرتهن مستوفيا حقه ولهذا يثبت الضمان بقدر الدين وصفته لأن الاستيفاء به يتحقق وكان الراهن جعل مقدار الدين في وعاء وسلمه إلى رب الدين ليستوفي حقه منه فعند هلاكه في يده يتم استيفاؤه في مقدار حقه ولهذا كان الفضل أمانة عنده بمنزلة ما لو جعل خمسة عشر درهما في كيس ودفعه إلى صاحب الدين على أن يستوفي دينه منه عشرة فيكون أمينا في الزيادة ولهذا جعلت العين أمانة في يد المرتهن لأن الاستيفاء تحصل منه المالية دون العين والاستيفاء بالعين يكون استبدالا والمرتهن عندنا مستوف لا مستبدل وإنما يتحقق الاستيفاء بحبس الحق والمجانسة بين الأموال باعتبار صفة المالية دون العين فكان هو أمينا في العين والعين كالكيس في حقيقة الاستيفاء وبهذا التقرير اتضح الجواب عما قال لأن معنى الصيانة يتحقق إذا صار المرتهن بهلاك الرهن مستوفيا حقه وإنما ينعدم ذلك إذا قلنا يتوى بينه والاستيفاء ليس مأتوا للحق ثم موجب العقد ثبوت يد الاستيفاء وفيه معنى الصيانة ومن ضرورته فراد ذمة الراهن عند هلاك الرهن وتمام الاستيفاء فلا يخرج به من أن يكون وثيقة لصيانة حق المرتهن كالحوالة فإنها توجب الدين في ذمة المحتال عليه لصيانة حق الطالب وإن كان من ضرورته فراد ذمة المحيل وبه لا ينعدم معنى الوثيقة وكذلك المقصود بالعارية منفعة المستعير ومن ضرورة حصول تلك المنفعة له أن تكون نفقته عليه فلا يخرج به من أن يكون العقد محض منفعة له وبهذا فارق موت الشهود وهلاك الصك لأن سقوط الدين عندنا باعتبار ثبوت يد الاستيفاء إذا تم ذلك بهلاك الرهو وذلك لا يوجد في الصك والشهود وإنما لا يصير المرتهن قابضا بنفس الشراء لأن الشراء لاقى العين وقد بينا أن العين في حكم الأمانة وقبض الأمانة دون قبض الشراء وإنما يرجع بالضمان عند الاستحقاق لأجل الغرر فالراهن هو المنتفع بقبض الرهن منه حيث إنه يصير موفيا ذمته عند الهلاك في يد المرتهن فيصير المرتهن مغرورا من جهته من هذا الوجه ولهذا تكون النفقة على الراهن بمنزلة المؤجر في يد المستأجر ثم يد المستأجر بعد فسخ الإجارة ليست بيد الاستيفاء ولأنها هي اليد التي كانت له قبل الفسخ وإنما قبض لاستيفاء المنفعة لا لاستيفاء الأجرة من المالية فلهذا لا يصير مستوفيا بهلاك العين في يده والمقبوض بحكم الرهن الفاسد عندنا مضمون فإن السلم إذا ارتهن من ذمي خمرا أو عصيرا فتخمر في يده كان مضمونا عليه إذا هلك وهو رهن فاسد فإن المرهون بأجرة النائحة والمغنية ولا عقد هناك فاسدا ولا جائزا لانعدام الدين أصلا وكذلك رهن المشاع فقد قامت الدلالة لنا على أن يد الاستيفاء التي هي موجب الرهن لا تثبت في الجزء الشائع على ما نبينه فلهذا لا يكون مضمونا فأما شريح C فكان يقيس المرهون بالمبيع في يد البائع والمبيع في يد البائع مال غير محبوس بدين هو مال فسقط الدين بهلاكه قلت قيمته أو كثرت فكذلك المرهون في يد المرتهن ولأن بهلاك الرهن تعذر على المرتهن رده لا إلى غاية ولو تعذر إحضاره إلى غاية لم يكن له أن يطالب بشيء من الدين ما .
لم يحضره فكذلك إذا تعذر إحضاره لا إلى غاية ولكن لما حققنا تبين الفرق بين الرهن والبيع من حيث إن سقوط الثمن هناك بسبب انفساخ العقد وبهلاك جميع العقود عليه ينفسخ جميع العقد وهنا سقوط الدين بطريق الاستيفاء ولا يتحقق الاستيفاء إلا بعد مالية الرهن فاستيفاء العشرة من خمسة لا يتحقق فلهذا كان للمرتهن أن يرجع على الراهن بفضل الدين قال : ولا يجوز الرهن غير مقبوض عينا وقال مالك C : لا يلزم الرهن بالإيجاب والقبول اعتبارا بالبيع فإن هذا العقد يختص بمال من الجانبين فيكون في معنى مبادلة مال بمال وهو وثيقة بالدين بمنزلة الكفالة والحوالة وذلك يلزم بالقبول وحجتنا في ذلك قوله تعالى : { فرهان مقبوضة } فقد وصف الله تعالى الرهن بالقبض فينتقض أن يكون هذا وصفا لازما لا يفارقه الرهن ثم قد بينا أن موجب العقد ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن وكما أن حقيقة الاستيفاء لا تكون إلا بالقبض فكذلك يد الاستيفاء لا تثبت إلا بالقبض والمقصود الجاء الراهن حياته ليسارع إلى قضاء الدين ولا يحصل ذلك إلا بثبوت يد المرتهن على الرهن ومنع الراهن منه والمقصود أيضا ثبوت حياة حق المرتهن عند الضرر الذي يلحقه بمزاحمة سائر الغرماء فإنما يحصل ذلك للمرتهن باعتبار يده لأن به يصير أحق من سائر الغرماء ثم في ظاهر الروايات القبض بحكم الرهن ثبت بالتخلية لأن القبض بحكم عقد مشروع بمنزلة قبض المبيع وقد روي عن أبي يوسف C إنه لا يثبت في المنقول إلا بالنقل لأنه قبض موجب للضمان ابتداء بمنزلة الغصب فكما أن المغصوب لا يصير مضمونا بالتخلية بدون النقل فكذلك المرهون بخلاف الشراء فكذلك القبض ناقل للضمان من البائع للمشتري إلا أن يكون موجبا للضمان ابتداء والأول أصح لأن حقيقة الاستيفاء تثبت بالتخلية فالقبض الموجب لهذا الاستيفاء أيضا ثبت بالتخلية ولا يجوز رهن المشاع فيما يقسم وما لا يقسم من جميع أصناف ما يرهن عندنا وقال الشافعي C : يجوز لأن المشاع عين يجوز بيعه فيجوز رهنه كالمقسوم وهذا لأن موجب الرهن استحقاق البيع في الدين لأن الرهن مشروع لصيانة حق المرتهن عن الضرر الذي يلحقه بمزاحمة سائر الغرماء فالمشروع وثائق منها ما يؤمنه عن جحود المديون وذلك كالشهود ومنها ما يؤمنه عن سياق الشهود وذلك الكتاب ومنها ما يؤمنه عن التوى بإفلاس من عليه وذلك الكفالة والحوالة ومنها ما يؤمنه عن إبراء بعض حقه بمزاحمة سائر الغرماء إياه بعد موت المديون وذلك الرهن فإذا كان مشروعا لهذا النوع من الوثيقة كان المستحق به البيع في الدين فيختص بمحل يقبل البيع في الدين ثم القبض شرط تمام هذا والشيوع لا يمنع أصل القبض ( ألا ترى ) أن الشائع يصلح أن يكون رأس مال السلم وبدلا عن الصرف وبالإجماع هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة تتم بالقبض وكذلك عندي فيما يحتمل القسمة جائز ودوام يد المرتهن ليس بشرط لبقاء حكم الرهن فإنه بعد القبض لو أعاره من الراهن أو غصبه الراهن منه يبطل به الرهن وكان للمرتهن أن يشترطه ولا يجوز أن يدعي أن موجب العقد اليد لأن بالعقود المشروعة إنما يستحق ما هو المقصود واليد ليست بمقصودة بنفسها بل للتصرف أو للانتفاع والمرتهن لا يتمكن منه بشيء من ذلك والدليل عليه جواز رهن العين من رجلين بدين لهما عليه وإنما يكون رهنا من كل واحد منهما نصف العين وهذا على أصلكم أظهر حتى إذا هلك كان نصفه مضمونا بدين كل واحد منهما وإذا كان إيجاب البيع في العين لاثنين إيجابا لكل واحد منهما في النصف فكذلك الرهن ثم كل عقد جاز في جميع العينن مع اثنين يجوز في نصفه مع الواحد كالبيع ولنا في المسألة الحالة طريقان أحدهما أن رهن النصف الشائع بمنزلة قوله : رهنتك هذا العير يوما ويوما لا وذلك لا يجوز فهذه مسألة وبيانه أن موجب عقد الرهن دوام بين المرتهن عليه من وقت العقد إلى وقت انفكاكه وذلك لا يتحقق مع الشيوع لأنه يحتاج إلى المهايأة مع المالك في الإمساك فينتفع المالك به يوما بحكم الملك ويحفظه المرتهن يوما بحكم الرهن فهو بمنزلة قوله : رهنتك يوما ويوما لا لأنه يعدم استحقاق اليد للمرتهن في يوم الراهن وكان ذلك سببا يقترن بالعقد وهو الشيوع ومتى اقترن بالعقد ما يمنع موجبه لم يصح العقد والدليل على أن دوام اليد موجب العقد قوله تعالى : { فرهان مقبوضة } هذا يقتضي أن لا يكون مرهونا إلا في حال يكون مقبوضا فيه ولأن المقصود بالرهن ضمان حق المرتهن عن التوى لجحود منه عليه فنقل الحكم من الكتاب والشهود إلى الرهن فيكون المقصود بالمنقول إليه ما هو المقصود بالمنقول عنه وذلك لا يحصل إلا بدوام اليد عليه لأنه إذا عاد إلى يد الراهن ربما يجحد .
الرهن والدين جميعا وكذلك المقصود الجاء الراهن ليسارع إلى قضاء الدين وإنما يحصل هذا المقصود بدوام المرتهن عليه والدليل عليه أن المرهون إذا كان شيئا لا ينتفع به مع بقاء عينه فللمرتهن أن يحبسه عند إطلاق العقد ولو لم يكن دوام اليد موجب العقد ما كان له أن يحبسه لأن الراهن يقول أنا أشفق على ملكي منك وحقك البيع في الدين ولا يفوت ذلك عليك بيدي وحيث كان المرتهن أحق بإمساكه عرفنا أن دوام اليد موجب هذا العقد ولسنا نعين وجود يد المرتهن حينا وإنما نعني استحقاق دوام اليد وبالإعادة من الراهن أو الغصب لا ينعدم الاستحقاق فلهذا لا يبطل منه الرهن وفي الرهن من رجلين استحقاق دوام اليد ثابت لكل واحد منهما في جميع العين حتى إذا قضى جميع دين أحدهما يكون للآخر حبس جميع الرهن حتى يستوفي دينه وكما يجوز أن يكون الواحد محبوسا بدين اثنين لا يكون جميعه محبوسا بدين واحد منهما فكذلك حبس العين بحكم الرهن ثم اليد مستحقة على الراهن هناك ولا يكون له حق إعادة شيء من العين إلى يده ما لم يقبض الدين والعقد بهذا يتم وإن لم يكن لكل واحد منهما حق التعذر بإمساك العين كما لو شرط أن يكون الرهن على يدي عدل يجوز العقد لاستحقاق اليد على الراهن وإن لم يكن للمرتهن حق إثبات اليد عليه في شيء من المدة وللمالك فيما له ملك العي والمنفعة واليد فكما يجوز أن يوجب له ملك العين أو المنفعة يجوز أن يوجب له ملك اليد مقصودة وذلك بعقد الرهن وهذا لأن اليد مقصودة ( ألا ترى ) أن الغاصب يضمنه بتفويت اليد كما يضمن المتلف بإتلاف العين وإذا كان باليد يتوصل إلى التصرف والانتفاع كانت اليد مقصودة بالطريق الآخر إذا موجب عقد الرهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن على ما بيناه ومنه جانب الاستيفاء في الجزء الشائع لا يتحقق لأن اليد حقيقة لا تثبت إلا على جزء معين وإذا كان المرهون جزءا شائعا لو ثبت حكم الرهن إنما يكون عند التخلي لجميع العين أو عند نقل جميع العين حقيقة ونصف العين ليس بمعقود عليه وإذا كان موجب العقد لا يتحقق إلا باعتبار ما ليس بمعقود عليه لا ينعقد العقد أصلا كما لو استأجر أحد زوجي المقراض لمنعه قرض الثياب وبهذا تبين أن العين فيما هو موجب الرهن غير محتمل للتجزئ وعند إضافة العقد إلى نصفه لم يثبت في كله فيبطل العقد أصلا لتعذر أسباب موجبه في النصف كالمرأة في حكم الحلى لما كانت لا تجزأ فإذا أضيف النكاح إلى نصفها بطل عند الخصم وعندنا يثبت في الكل وهذا بخلاف الرهن من رجلين لأن موجب العقد هناك وهو يد الاستيفاء ثبت في جميع المحل غير متجزئ ثم حكم التجزي يثبت بين المرتهنين عند تمام الاستيفاء بالهلاك للمزاحمة وبه لا يظهر التجزي في المحل ( ألا ترى ) أن نصف العين لا يستحق قصاصا ثم يجب القصاص لاثنين في نفس واحدة ويكون كل واحد منهما مستوفيا للنصف عند العقل باعتبار أن لا يظهر حكم التجزي في القصاص فكذلك فيما نحن فيه فإن قيل كيف يستقيم هذا والشرع لا يمنع الاستيفاء حقيقة فإن من كان له على غيره عشرة فدفع إليه المديون كيسا فيه عشرون درهما ليستوفي حقه منه يصير مستوفيا حقه من النصف شائعا وإذا كان الشيوع لا يمنع حقيقة الاستيفاء فكيف يمنع ثبوت يد الاستيفاء قلنا موجب حقيقة الاستيفاء ملك عين المستوفي واليد هي على الملك والشيوع ولا يمنع الملك فيما هو الموجب يمكن إثباته في الجزء الشائع هناك وموجب الرهن يد الاستيفاء فقط وذلك لا يتحقق في الجزء الشائع وبهذا الطريق كان مستوفيا في حكم الرهن عما يحتمل القسمة وعما لا يحتمل القسمة بخلاف الهبة فإن موجب العقد هناك الملك والقبض شرط تمام ذلك العقد فيراعى وجوده في كل محل بحسب الإمكان ولهذا لا يجوز رهن المشاع من الشريك هنا لأن موجب العقد لا يتحقق فيما أضيف إليه العقد سواء كان العقد مع الشريك أو مع الأجنبي بخلاف الإجارة عند أبي حنيفة C فالشيوع هناك إنما يؤثر لا لأن موجب العقد ينعدم به بل لأنه يتقرر استيفاء المعقود عليه على الوجه الذي أوجبه العقد لأن استيفاء المنفعة يكون من جزء معين وذلك لا يوجد في الإجارة من الشريك فإنه يستوفي منفعة الكل فيكون مستوفيا منفعة ما استأجر لا على الوجه الذي استحقه وإن كان لا يمكن استيفاء المعقود عليه إلا بما يتناوله العقد لا يمنع جواز العقد كبيع الرهن فإنه استيفاء لا يمكن إلا بالوعاء ولا تمنع به صحة العقد وعلى هذا قلنا إذا استحق نصف المرهون من يد المرتهن بطل الرهن في الكل وقال ابن أبي ليلى C على الرهن في النصف الآخر لأن العقد صح في الآلة في جميع العين فإن كون الملك .
بغير الراهن لا يمنع صحة الرهن وثبوت موجبه كما لو استعار منه غيره بيتا ليرهنه بدين ثم بطل حكم العقد في البعض لانعدام الرضا من المالك به فيبقي صحيحا فيما بقي كما لو استحق نصف المبيع ولكنا نقول العقد في المستحق يبطل منه الأصل لانعدام الرضا من المالك به فلو صح في النصف الآخر لكان هذا إثبات حكم الرهن في النصف شائعا والنصف الشائع ليس بمحل موجب الرهن وهو نظير ما لو تزوج أمة بإذن مولاها فاستحق نصفها ولم يجز المستحق النكاح بطل النكاح في الكل لهذا المعنى فأما الشيوع الطارئ بأن رهن جميع العين ثم تفاسخا فالعقد ليس بمحل موجب الرهن وهو نظير ما لو تزوج أمة في النصف ورده المرتهن لم يذكر جوابه في الكتاب نصا والصحيح أن الشيوع الطارئ كالمقارن في أنه مبطل للرهن فإنه قال في القلب المكسور إذا ملك المرتهن البعض بالضمان يتعين ذلك القدر مما بقي منه مرهونا كيلا يؤدي إلى الشيوع وقالوا في العدل إذا سلط على بيع الرهن كيف شاء فباع نصفه يبطل الرهن في النصف الباقي لما بينا أن الجزء الشائع لا يكون محلا بخلاف الشيوع الطارئ في الهبة والقبض هناك شرط تمام العقد وليس شرط بقاء العقد وتأثير الشيوع في المنع منه تمام التبعيض وذكر سماعا أن أبا يوسف C رجع عن هذه وقال الشيوع الطارئ لا يمنع بقاء حكم الرهن بخلاف المقارن وقاس ذلك بصيرورة المرهون دينا في ذمة غير المرتهن فإنه يمنع ابتداء الرهن ولا يمنع بقاءه حتى إذا أتلف المرهون إنسانا ووضع المرهون ثمنه تكون القيمة والثمن رهنا في ذمة من عليه وابتداء عقد الرهو مضافا إلى دين في الذمة لا يجوز فكذلك الجزء الشائع قال : وإذا ارتهن الرجل ثمرة في نخل دون النخل أو زرعا أو رطبا في أرض دون الأرض لم يجز لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون خلفه فيكون بمنزلة الجزء الشائع وكذلك لو رهن النخل والشجر دون الأرض أو البناء دون الأرض فهو باطل لاتصال المرهون بما ليس مرهونا إلا أن يقول بأصولها فحينئذ يدخل مواضعها من الأرض في الرهن وذلك معلوم معين فيجوز رهنه كما لو رهن بيتا معينا من الدار وإن كان على النخيل ثمر تدخل الثمرة من غير ذكر لأنهما قصدا تصحيح العقد ولا وجه لتصحيحه إلا بإدخال الثمار وليس فيه كبير ضرر على الراهن لأن ملكه لا يزول بخلاف البيع فهناك الثمار لا تدخل في العقد إلا بالذكر لأن تصحيح العقد في النخيل بدون الثمار ممكن بخلاف الهبة ففي إدخاله هناك إضرار بالمالك في إزالة ملكه عنها فإنه قيل أليس أن لو رهن دارا هي مشغولة بأمتعة الراهن لا يصح الرهن ولا يقال لما لم يمكن تصحيح هذا العقد إلا بإدخال الأمتعة ينبغي أن تدخل الأمتعة في الرهن .
قلنا : لا اتصال للأمتعة بالدار ( ألا ترى ) أنه لو باع الدار كل قليل وكثير هو فيها أو منها لم تدخل الأمتعة بخلاف الثمار فهي بالتمليك والاتصال هنا من وجه لأنها من النخيل ( ألا ترى ) أنه لو باع النخيل كله قليلا وكثيرا وهو فيها أو منها تدخل الثمار ولو رهن الأرض دون النخيل لم يجزه في ظاهر الرواية فإن المرهون مشغول بما ليس مرهونا مع تلك الراهن فهو كالدار المشغولة بمتاعه وكما لو رهن الأرض بدون البناء .
وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله إن رهن الأرض بدون الأشجار يصح لأن المستثنى شجر واسم الشجر يقع على الثابت على الأرض ( ألا ترى ) أنه بعد القلع يكون جذعا فكأنه استثنى الأشجار بمواضعها من الأرض وإنما يتناول عقد الرهن سوى ذلك الموضع من الأرض وهو معين معلوم بخلاف البناء فإنه اسم لما يكون مبنيا دون الأرض فيصير راهنا لجميع الأرض وهي مشغولة بملك الراهن وإذا كفل الرجل بنفس رجل فأعطاه رهنا بذلك وقبضه المرتهن لم يجز لأن الكفالة بالنفس ليست بمال والرهن يختص بحق يمكنه استيفاؤه من مال الراهن وما ليس بمال لا يمكنه استيفاؤه من مال الراهن وكذلك الرهن بجراحة فيها قصاص أو دم عمد ولا يضمنه المرتهن إن هلك الرهن في يده من غير فعله لأنه قبضه بإذن المالك ولم ينعقد العقد بينهما أصلا لانعدام الدين فلا يثبت حكم الضمان وكذلك الرهن والعارية والوديعة والإجارة وكل شيء أصله أمانة قال Bه .
واعلم بأن الرهن بالأعيان على ثلاثة أوجه ( أحدها ) الرهن بعين هو أمانة وهذا باطل لأن موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن وحق صاحب الأمانة في العين مقصور عليه واستيفاء العين من عين آخر ممكن ( والثاني ) الرهن بالأعيان المضمونة نغيرها كالمبيع في يد البائع وهذا لا يجوز أيضا لما قلنا ( والثالث ) الرهن بالاعيان المضمونه بنفسها كالمغصوب وهو صحيح لأن موجب الغصب رد العين إن أمكن ورد القيمة عند تعذر رد العين وذلك دين يمكنه استيفاؤه من مالية الرهن وكذلك الرهن بالدرك باطل لأن الدرك ليس بمال مستحق يمكنه استيفاؤه ممن عليه الرهن وهذا بخلاف الكفالة بالدرك فإنه يصح لأن الكفالة تقبل الإضافة ولهذا لو كفل بما ذاب له على فلان فكذا إذا كفل بالدرك فإنه يصح لأنه يكون العقد مضافا وليس في المال ضمان مال يستحق فبطل الرهن ولو هلك في يد المرتهن لم يضمن لأن ضمان الرهن ضمان استيفاء والاستيفاء لا يسبق الوجوب قال : وإذا ارتهن الرجل من الرجل ثوبا وقبضه فقيمته والدين سواء فلو استحق رجل فإنه يأخذه ويرجع المرتهن على الراهن بدينه لأن عقد الرهن يبطل باستحقاق المرهون إذا أخذه المستحق من الأصل وإن كان الثوب هلك في يد المرتهن فللمستحق أن يضمن قيمته أيهما شاء لأنه عين بالاستحقاق أن الراهن كان غاصبا والمرتهن بمنزلة غاصب الغاصب وحق في المستحق فله أن يضمنه أيهما شاء فإن ضمن الراهن كان الرهن بما فيه لأنه ملكه بالضمان من وقت وجوب الضمان فتبين أنه رهن ملك نفسه وإن المرتهن صار مستوفيا دينه بهلاك الرهن وإن ضمن المرتهن رجع على الراهن بقيمة الرهن لأنه مغرور من جهته فإن رهنه على أنه ملكه وفي قبض المرتهن منفعة للراهن من وجه وهو أن يستفيد براءة الذمة عند هلاك الرهن والمغرور يرجع على الغار بما يلحقه منه الضمان كما يرجع المستأجر على الآجر والمودع على المودع قال : ويرجع بالدين أيضا عليه قال أبو حازم C : هذا غلط لأنه لما رجع بضمان القيمة على الراهن فقد استقر الضمان عليه والملك في المضمون تبع لمن استقر عليه الضمان فإذا استقر الملك للراهن تبين أنه رهن ملك نفسه كما في الفصل الأول ومن صحح جواب الكتاب فرق بين الفصلين فقال المرتهن : يرجع بالضمان على الراهن بسبب الغرور وذلك إنما يحصل بالتسليم إلى المرتهن وهو إنما يملك العين من حين العقد وعقد الرهن سابق عليه فلا يصح باعتبار هذا الملك فأما المستحق فإنما يضمن الراهن باعتبار قبضه فملكه من ذلك الوقت وعقد الرهن بعده قال : ولو كان الرهن عبدا فأبق فضمن المستحق المرتهن قيمته ورجع المرتهن على الراهن بتلك القيمة وبالدين ثم ظهر العبد بعد ذلك فهو للراهن لأن الضمان استقر عليه قال : ولا يكون رهنا لأنه قد استحق وبطل الرهن وهذا إشارة لما قلنا إن الملك للراهن إنما يتبع بقيمته من وقت التسليم بحكم الرهن وعقد الرهن كان سابقا على ذلك فلهذا بطل الرهن بالاستحقاق قال : وإذا كان الرهن أمة فولدت عند المرتهن ثم ماتت هي وأولادها ثم استحقها رجل فله أن يضمن قيمتها إن شاء المرتهن وإن شاء الراهن وليس له أن يضمن قيمة الولد واحدا منهما لأن واحدا منهما لم يحدث في الولد شيئا ومعنى هذه إنه بالاستحقاق ظهر إن كل واحد منهما كان غاصبا له والزوائد لا تضمن بالغصب إذا تلفت من غير صنع الغاصب لانعدام الصنع في الزيادة قال : وإذا ارتهن أمة فوضعها على يدي عدل ليبيعها عند حل المال فولدت الأمة فللعدل أن يبيع الولد لأن العدل إنما يبيعها بحكم الرهن وقد ثبت حكم الرهن في الولد وبه جاز للوكيل بيع الجارية ولو ولدت في يده فإنه لا يملك أن يبيع ولدها لأنه مبيع بحكم الوكالة وإنما وكله في بيع شخص فلا يملك بيع شخصين وهنا إنما يبيع العدل بحكم الرهن وحكم الرهن ثبت في الولد حتى كان للمرتهن أن يحبس الولد مع الأصل إلى أن يستوفي دينه فلهذا ملك بيع الولد معها إلا أن المرهون لو قتلها عبده فدفع بها كان للعدل أن يبيع المدفوع ولو أن الجارية التي وكل الوكيل ببيعها قتلها عبده فدفع بها لم يكن للوكيل أن يبيع العبد المدفوع فكذلك الولد لأن حكم الولد حكم البدل في سريان حكم العقد إليه وهذه المسألة تنبني على أن الزوائد المتولدة منه حين الرهن تكون مرهونة عند المرتهن على معنى أن له أن يحبسها بالدين وإن لم يكن مضمونا حتى لا يسقط شيء من الدين بهلاكها كالزيادة على قدر الدين من الرهن وعند الشافعي C لا يثبت حكم الرهن في الزيادة والراهن أحق بها لقوله A : ( له غنمه وعليه غرمه ) فإطلاق إضافة الغنم إليه دليل على أنه محض حق له وقال A : ( الرهن مركوب ومحلوب ) والمراد أنه محلوب للراهن بدليل قوله : وعلى الذي يركبه ويحلبه نفقته والمعنى أن هذه زيادة تملك بملك الأصل فلا .
يثبت فيها حكم الرهن كالكسب والغلة وهذا لأن الثابت بالرهن حق البيع في الدين عنده وذلك ليس بحق متأكد في القيمة فلا يسري إلى الولد كحق الوكالة بالبيع وحق الدفع في الجارية لحامل وحق الزكاة في النصاب بعد كمال الحول بخلاف ملك الراهن فهو متأكد في العين لأن العين هي المملوك والدليل على هذا أن حكم الضمان عندكم لا يثبت في الولد لهذا المعنى فكذلك حكم الرهن ولأن الرهن وثيقة بالدين فلا يسري إلى الولد كالكفالة وهذا عقد لا يزيل الملك في الحال ولا في المآل فلا يسري إلى الولد كالإجارة والوصية بالخدمة وبتفصيل الوصية يظهر الفرق بين البدل والولد فإن حق الموصي له بالخدمة يسري إلى البدل لقيامه مقام الأصل ولا يسرى إلى الولد وحق ولد الجارية كذلك فكذلك حق المرتهن .
وحجتنا في ذلك قول معاذ Bه فيمن ارتهن نخيلا فأثمرت أن الثمار رهن معها وقال ابن عمر Bهما : في الجارية المرهونة إذا ولدت فولدها رهن معها والمعنى فيه أن حق المرتهن متأكد في العين فيسري إلى الولد كذلك الراهن وبيان ثبوت الحق في العين أن توصف العين به يقال : مرهون محبوس بحق المرتهن كما يقال مملوك للراهن ولهذا يسري إلى بدل العين ودليل التأكيد إن من عليه لا يملك إبطاله ( وفقه هذا الكلام ) ما قررنا أن موجب عقد الرهن يد الاستيفاء ويد الاستيفاء إنما تثبت في العين وهي معتبرة بحقيقة الاستيفاء وإذا كانت حقيقة الاستيفاء تظهر في موجبه من الزوائد التي تحدث بعده فكذلك يد الاستيفاء وهذا لأن المتولد منه الأصل ثبت فيه ما كان في الأصل والأصل كان مملوكا للراهن مشغولا بحق المرتهن فيثبت ذلك الملك في الزيادة لا ملك آخر لأنه يحتاج لملك آخر وإلى سبب آخر بخلاف الكسب والغلة فهو غير متولد منه الأصل ولا يثبت في الكسب لهذا المعنى وبخلاف حق المستأجر فهو في المنفعة لا في العين ولهذا لا يسري إلى بدل العين فكذلك لا يسري إلى الولد ( توضيحه ) أن الحق إنما يسري إلى الولد إذا كان محلا صالحا والولد محدث غير منتفع به فلم يكن محلا صالحا لحق المستأجر فأما الولد المنفصل فيكون مالا متقوما فيكون محلا صالحا لحق المرتهن ورد أن هذا من الإجارة إن ولدت المرهونة ولدا حرا باعتبار الغرور فالرهن لا يسري على هذا الولد لأنه ليس بمحل له وهذا هو العذر عن ولد المنكوحة فإن حق النكاح لا يسري إليه لأنه ليس بمحل للحل في حق الزوج وهذا هو العذر عو ولد الجارية الموصي بخدمتها لأنه لا يكون محلا صالحا للخدمة حتى ينفصل ثم حق الموصي في المنفعة والولد غير متولد منه المنفعة والسراية إلى الولد باعتبار خروج العين من الثلث لا لأن حقه في العين وحق ولي الجناية ليس بمتأكد في العين فإن ما عليه تقرر بإبطال حق العين عن العين باعتبار اليد وحق الزكاة في الذمة لا في العين فإن المستحق فعل أشياء في الذمة ثم من عليه ملك الأداء من محل آخر فعرفنا أنه غير متأكد في العين وحق الكفالة عندنا يسري إلى الولد إذا كغلت أمه بإذن مولاه بمال ثم ولدت فأما إذا كانت حرة فالحق بالكفالة ثبت في ذمتها والولد لا يتولد من الذمة وإنما لا يثبت حكم الضمان في الولد عندنا لانعدام السبب الذي يجعل العين مضمونة عليه وهذا القبض مقصود ( ألا ترى ) أن ولد المعتق قبل القبض يسري إليه حكم البيع ولا يكون مضمونا إن هلك لهذا المعنى قول A : ( له غنمه وعليه غرمه ) يقتضي أن تكون الزيادة ملكا للراهن وذلك لا يبقى حقا للمرتهن فإنه كما أضاف الزيادة إليه أضاف الأصل إليه بقوله : ( الرهن من راهنه ) الذي رهنه ونحن نقول إنه محلوب للراهن على معنى أن اللبن يكون مملوكا له وإنه ينتفع به بإذن المرتهن أيضا وليس في هذا الحديث أيضا ما يمنع ثبوت حق المرتهن فيه فإن باعها العدل وسلمها ثم استحقها رجل ولا يعلم مكانها كان للمستحق أن يضمن العدل قيمة الأمة والولد لأنه في حق المستحق غاصب والزيادة في عين المغصوب تضمن بالبيع والتسليم كالأصل لم يرجع العدل بذلك في الثمن الذي عنده إن كان فيه وفاء لأن الثمن بدل العين وكما أن الضامن للعين يكون أحق الناس بالعين فكذلك يكون أحق ببدل العين وإن لم يكن فيه وفاء رجع بتمام ما ضمن على الراهن لأنه بالبيع كان عاملا للراهن بأمره ولأنه باعهما ليقتضي الدين بالثمن ويفرغ ذمة الراهن ومنه لحقته العهدة في عمل باشره لغيره كان له أن يرجع به عليه وإنما يرجع في الثمن لأن جنس حقه من مال الراهن وهو بدل العين الذي كان وجب عليه ضمانه ولما كان مراد الضمان على الراهن كان الملك في المضمون له والعدل وكيله بالبيع فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة فإن كان قد قضاه المرتهن فالعدل بالخيار وإن شاء باع الرهن بذلك وسلم للمرتهن ما اقتضاه لأنه في قضاء الدين كان عاملا للراهن بأمره فكان الراهن فعل ذلك لنفسه فله أن يرجع على الراهن بجميع ما ضمن من القيمة وإذا فعل ذلك سلم المقبوض للمرتهن لأنه بدل ملك الراهن قضى به دينه وإن شاء ضمنه المرتهن لأن حقه ثابت في ذلك الثمن بدليل أنه لو لم يكن سلمه إلى المرتهن كان له أن يأخذه بحقه بعد التسليم إلى المرتهن وله أن يسترده منه أيضا ولا يضمنه المرتهن إلا بقدر ما قبضه لأن وجوب الضمان عليه باعتبار القبض وإن كان في القيمة فضل رجع بالفضل على الراهن كما لو كان الراهن هو الذي قضى بالثمن .
توضيحه أن العدل عامل للراهن بأمره ولكن في عمله منفعة للمرتهن من حيث إنه يصل إليه بحق إلا أن منفعته بقدر دينه فيثبت له الخيار وإن شاء ضمن الراهن جميع القيمة لأنه كان عاملا له وإن شاء ضمن المرتهن بقدر ما قبض لحصول المنفعة في ذلك القدر له وإذا فعل ذلك رجع المرتهن على الراهن بدينه لأن المقبوض لم يسلم إليه وليس له أن يأخذهما جميعا لأن المخير بين الشيئين إذا اختار أحدهما تعين ذلك عليه وهذا لأن اختياره تضمين الراهن بتسليم المقبوض للمرتهن فليس له أن يرجع عليه فإذا اختار أحدهما فأفلس أو مات لم يكن له أن يتبع الآخر بذلك بمنزلة الغاصب مع غاصب الغاصب ولو لم يبعها العدل وماتا عنده كان للمستحق أن يضمن العدل حق الأم دون الولد لأن الولد هلك من غير صنع أحد ويرجع بها العدل على الراهن لأنه عامل له قائم مقامه في إمساك الرهن وقد بينا أن الرهن لو هلك في يد المرتهن ثم ضمن حصته للمستحق لرجع بها على الراهن فإذا هلك في يد العدل أولى قال وقبض العدل للرهن بمنزلة قبض المرتهن له في حكم الرهن وذهابه بالدين إذا هلك عندنا وهو قول إبراهيم النخعي والشافعي وعطاء والحسن رحمهم الله وقال ابن أبي ليلى C : لا يتم الرهن بقبض العدل حتى إذا هلك في يد العدل لم يسقط الدين وإن مات الراهن فالمرتهن أسوة الغرماء قال : لأن العدل نائب عن الراهن فكذا إذا لحقه عهدة يرجع على الراهن دون المرتهن وكما أن الرهن لا يتم بقبض الراهن وإن أشفى عليه فكذلك لا يتم بقبض العدل والدليل أن موجب عقد الراهن بثبوت يد الاستيفاء وبهذا العقد لم يثبت ذلك للمرتهن لأنه لا يتم