( قال C ) ( وإذا وكل الرجل الصبي الذي لا يعقل أو المجنون الذي لا يعقل ولا يتكلم فهو باطل ) لأن التوكيل إنابة للوكيل مناب نفسه في العبارة فإذا لم يكن الوكيل من أهل العبارة كان التوكيل باطلا وإن كان صبيا يعقل ويتكلم أو مجنونا يعقل فهو جائز لأنه من أهل العبارة .
( ألا ترى ) أن تصرفه في حق الموكل بأمره ينفذ ولكنه ليس من أهل التزام العهدة فعدة التصرف تكون على الموكل .
قال : ( ولو وكل وكيلا بشيء من التصرفات وقال ما صنعت فيه من شيء فهو جائز فوكل الوكيل بذلك غيره فهو جائز ) لأنه إخبار منه على العموم والتوكيل من صنعه .
قال : ( وإن مات الوكيل أو جن أو ارتد ولحق بدار الحرب فالوكيل الثاني على وكالته ) لأن الوكيل الثاني وكيل الآمر لا وكيل الوكيل فإن فعل الوكيل الأول في توكيله كفعل الموكل بنفسه فصار هو بعبارة الوكيل الأول وكيلا للموكل ورأي الموكل باق فلهذا بقي على وكالته ولم يذكر في الكتاب أن الموكل إذا عزل وكيله وجاء فضولي وأخبره بذلك هل ينعزل أو لا ؟ والجواب فيه على قول أبي حنيفة - C - أن المخبر إن كان عدلا انعزل بخبره وإلا فلا وفي الفضولي اختلاف الروايات على قول أبي حنيفة - C - في اشتراط العدالة وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - ينعزل بخبر الواحد عدلا كان أو فاسقا وسنقرر هذا الفصل في المأذون إن شاء الله تعالى فإن الحجر على العبد المأذون وعزل الوكيل في هذا سواء فمن أصلهما أن ما يكون من المعاملات لا يشترط العدالة في الإخبار به لأجل الضرورة فإن العدل في الخبر لا يوجد في كل معاملة .
( ألا ترى ) أن في التوكيل والإذن إذا أخبره به مخبر فوقع في قلبه أنه صادق كان له أن يتصرف وإن كان المخبر فاسقا فكذلك العزل على أصل أبي حنيفة - C - إذ كل خبر يتعلق به اللزوم فقول الفاسق لا يكون حجة فيه لأن الشرع نص على التوقف في خبر الفاسق بقوله تعالى : { فتبينوا } ( الحجرات : 6 ) وذلك يمنع ثبوت اللزوم بخبره والإخبار بالعزل والحجر يلزمه الكف عن التصرف فلهذا يشترط فيه إن كان فضوليا أن يخبر عن نفسه إلا أن يكون رسولا للموكل فحينئذ هو معبر عنه فيكون الملزم قول الموكل لا قوله بخلاف التوكيل والإذن فإنه غير ملزم شيئا بل هو بالخيار إن شاء تصرف وإن شاء لم يتصرف فلهذا لا تشترط العدالة فيه .
وذكر في نوادر هشام - C - أنه إذا وكل وكيلا ببيع عبده وقيمة العبد ألف فباعه بأقل من ألف على أن الوكيل بالخيار ثلاثة أيام فصار يساوي ألفين في مدة الخيار ثم اختار الوكيل بالبيع ومضت الأيام الثلاثة فعند أبي حنيفة - C - يجوز في الوجهين : لأنه يملك ابتداء البيع بأقل من قيمته فكذلك يملك الإجازة .
وعلى قول محمد لا يجوز في الوجهين لأن عنده لا يملك ابتداء البيع بأقل من قيمته بما لا يتغابن الناس فيه فكذلك لا ينفذ بالإجازة سواء كانت الإجازة بفعله أو بمضي المدة قبل الفسخ لأن سكوته عن الفسخ حتى مضت المدة بمنزلة الإجازة منه .
وعلى قول أبي يوسف - C - إن أجاز الوكيل في الثلاثة فهو باطل كما قال محمد - C - وإن سكت حتى مضت المدة تم البيع بمضي المدة ويجعل كأن حصول الزيادة بعد مضي المدة .
قال : ( ولو وكله أن يشتري له فعلى قول زفر - C - يجوز شراؤه على الموكل ) لأن المكيل والموزون يثبت في الذمة ثمنا فالشراء به كالشراء بالدراهم وفي قول أبي حنيفة الآخر - C - وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - يكون الوكيل مشتريا لنفسه لأنه لما لم يحمل التوكيل في الثمن على العموم لما بيناه حمل على أخص الخصوص وهو الشراء بالنقد فإذا اشترى لغيره كان مشتريا لنفسه .
وذكر في اختلاف زفر ويعقوب - رحمهما الله - أنه إذا وكله ببيع متاعه في سوق الكوفة فباعه في بيت في غير سوق الكوفة لا ينفذ بيعه . عند زفر - C - لأنه خالف ما أمره به نصا وجاز عند أبي يوسف - C - لأن مقصود الموكل إنما هو سعر الكوفة لا عين السوق وقد حصل مقصوده وإنما يراعي من الشروط ما يكون مفيدا على ما بينا .
قال : ( ولو كان عبد بين رجلين فباع فضولي نصفه من رجل فإن أجاز الموليان جاز في النصيبين جميعا بالاتفاق وإن أجازه أحدهما فعلى قول زفر - C - يجوز في النصف نصيبه ويبقى النصف نصيب الآخر موقوفا على إجازته ) لأنه هكذا يتوقف وعند الإجازة إنما ينفذ على الوجه الذي يتوقف وعند أبي يوسف - C - يجوز في جميع نصيب المجيز ويصير عند الإجازة كأنه باشر بيع النصف بنفسه فينصرف إلى نصيبه خاصة ولو أراد صاحبه أن يجيز بعد ذلك لا تصح إجازته في شيء والله أعلم بالصواب