( قال C ) ( رجل وكل رجلا أن يطلق امرأته ثلاثا فطلقها واحدة وقعت واحدة ) لأنه أتى ببعض ما فوض إليه ولا ضرر على الموكل في هذا التبعيض بل فيه منفعة له ولأنه مكنه من إيقاع الثلاث ومن ضرورته تمكنه من إيقاع الواحدة كما أن الشرع لما مكن الزوج من إيقاع الثلاث فلأن يمكنه من إيقاع الواحدة أولى وإن وكله أن يطلقها واحدة فطلقها ثلاثا أو اثنين لم يقع شيء في قول أبي حنيفة لأن الثلاث غير الواحدة ولم يصر متمكنا من إيقاع الثلاث بتفويض الواحدة إليه فلا يقع الثلاث لعدم تمكنه من إيقاعها ولا الواحدة لأنه ما أوقعها .
وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى - يقع واحدة لأنه أوقع ما فوض إليه وزيادة فيعمل إيقاعه بقدر ما فوض إليه وهي خلافية معروفة .
قال : ( وإن وكله أن يطلقها واحدة بائنة فطلقها واحدة ( رجعية ) طلقت واحدة بائنة ) لأنه لاغ في قوله رجعية فإن ذلك غير مفوض إليه يبقى قوله طلقتك فيقع على الوجه الذي فوض إليه لأن ثبوت الصفة بثبوت الأصل وهو نظير ما لو قال لامرأته قبل الدخول بها أنت طالق تطليقة رجعية لانعدام محلها يبقى قوله أنت طالق فيقع الطلاق به بائنا كما هو مملوك له شرعا .
قال : ( وإن وكله أن يطلقها واحدة رجعية فطلقها واحدة بائنة طلقت واحدة رجعية ) لأنه لاغ في قوله بائنة لأنه لم يفوض إليه تلك الصفة يبقى قوله أنت طالق فيقع به تطليقة رجعية وهذا على أصلهما ظاهر وعلى أصل أبي حنيفة - C - كذلك لأنه بما ألحق كلامه من الصفة لا يخرج من أن يكون ممتثلا في إيقاع أصل الطلاق فإن الأصل لا يتغير بالصفة بخلاف ما إذا أوقع ثلاثا فإنه يصير مخالفا في أصل الإيقاع لأن الثلاث اسم لعدد مركب مؤلف والواحدة في ذوي الأعداد أصل العدد وليس فيه تأليف وتركيب وبينهما مغايرة على سبيل المضادة .
قال : ( وإن وكله أن يطلق امرأتين له فطلق إحداهما طلقت ) لأن بضم الثانية إلى الأولى لا يتغير حكم الطلاق في حق الأولى فلا يخرج به من أن يكون ممتثلا في حقها بخلاف الطلقات الثلاث مع الواحدة فإنه يتغير حكم الطلاق من حيث أنه يثبت الحرمة الغليظة وزوال الملك به لوجود المنافي في المحل وهو الحرمة الغليظة .
قال : ( وإن وكله أن يطلق امرأته للسنة فطلقها في غير وقت السنة لم يقع ) لأنه أضاف الوكالة إلى وقت السنة فإن اللام للوقت قال الله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } ( الإسراء : 78 ) أي لوقت دلوك الشمس فلا يكون وكيلا في غير وقت السنة ومباشرته لما يفوض إليه لا يبطل الوكالة حتى إذا طلقها في وقت السنة بعد ذلك وقع الطلاق .
قال : ( وإن وكله أن يطلقها ثم طلقها الزوج أو خالعها فإن طلاق الوكيل يقع عليها ما دامت في العدة ) لأن المملوك للزوج من الطلاق محصور بالعدد فلا يتغير ما أوقعه الزوج بما فوضه إلى الوكيل ولكن ما بقي الزوج مالكا لإيقاع الطلاق عليها يبقي الوكيل على وكالته أيضا .
وإذا انقضت عدتها لم يقع طلاق الوكيل عليها بعد ذلك لأن الزوج خرج من أن يكون مالكا للإيقاع بعد انقضاء العدة فتبطل الوكالة .
وكذلك إن تزوجها بعد ذلك لأن تمكن الزوج من الإيقاع بالسبب المتجدد والوكالة لم تتناوله فلا تعود الوكالة باعتباره وعلى هذا لو ارتدت أو ارتد الزوج فإن طلاق الوكيل يقع عليها في العدة لبقاء تمكن الزوج من الإيقاع بالسبب المتجدد .
ولو قال لرجل : إذا تزوجت فلانة فطلقها فتزوجها الموكل فطلقها الوكيل جاز لأن الوكالة تحتمل الإضافة كالطلاق وقد وقعت الإضافة إلى ما بعد الزواج فعند ذلك يصير كالمستثنى للتوكيل .
ولو وكل عبدا بطلاق امرأته فباعه مولاه فهو على وكالته لأن تمكنه من الإيقاع لا يزول ببيعه وابتداء التوكيل يصح بعد بيعه وكذلك لو وكل مجنونا فقبل الوكالة في حال جنونه ثم أفاق فهو على وكالته لأن بالإفاقة يزداد التمكن من التصرف ولا يزول ماكان ثابتا .
قال : ( ولو وكل مسلم مسلما بالطلاق فارتد الوكيل ولحق بدار الحرب ثم جاء مسلما كان على وكالته إذا لم يقض القاضي بلحاقه وهو بمنزلة الغيبة ) .
فأما بعد قضاء القاضي بلحاقه فهو قول محمد - C - وقد بينا الخلاف فيه .
قال : ( ولو وكل رجلا بطلاق امرأته والوكيل غائب لا يعلم فطلقها فالطلاق باطل وكذلك سائر العقود ) لأن الوكالة لا تثبت قبل علم الوكيل بها كما في العزل لا يثبت قبل علمه .
وهذا للأصل الذي قلنا : إن حكم الخطاب في حق المخاطب لا يثبت ما لم يعلم به وهذا لأن الوكيل نائب عن الموكل معبر عن منافعه في التصرف له ولا يتحقق ذلك إلا بعلمه بخلاف الوصي إذا تصرف بعد موت الموصي قبل علمه بالوصية ينفذ تصرفه استحسانا لأن الوصاية خلافة وهو النائب فيها ولأن أوانها بعد انقطاع ولاية الموصي وقد تحقق ذلك بموته وإنما جوز ذلك للحاجة فالحاجة بعد موت الموصي تصرف إلى من يتصرف قياسية فأما هنا فالوكالة إنابة والموكل قادر على التصرف بنفسه فلا حاجة إلى إثبات حكم الوكالة قبل علم الوكيل بها .
قال : ( ولو وكله بطلاقها فأبى أن يقبل ثم طلقها لم يقع ) لأن الوكالة ارتدت برده فكأنها ارتدت برجوع الموكل عنها وإن لم يقل الوكيل قبلت وإن قال : رددت حين طلقها وقع استحسانا وفي القياس لا يقع لما بينا أنه معير لمنافعه والإعارة لا تثبت بمجرد السكوت فما لم يصر وكيلا لا يعمل إيقاعه ووجه الاستحسان أن دليل القبول وإقدامه على ما فوض إليه بعد علمه به من أدل الدلائل على قبوله الوكالة فقد يباشر بعد القبول وقد لا يباشر .
قال : ( وإذا وكل الصحيح وكيلا بطلاق امرأته ثلاثا ثم طلقها الوكيل في مرض الموكل ثم مات الزوج وهي في العدة ورثت ) لأن إيقاع الوكيل كإيقاع الموكل بنفسه .
فإن قيل : بعد وقوع الثلاث بقاء ميراثها باعتبار الفرار من الزوج ولم يوجد ذلك هنا فإن التوكيل كان في الصحة ولم يكن لها في ماله حق يومئذ ولم يوجد من الزوج صنع بعده .
قلنا : لا معتبر لقصد الفرار لأن ذلك لا يوقف عليه ولكن متى كان وقوع الثلاث عليها في مرضه باعتبار معنى مضاف إليه يجعل فارا وإن لم يقصد وقد وجد ذلك هنا مع أنه قادر متمكن من عزل الوكيل بعد مرضه فاستدامة الوكالة بعد تمكنه من العزل بمنزلة إنشاء التوكيل في أنه يثبت به حكم الفرار .
وعلى هذا لو كان الموكل عبدا فأعتق بعد التوكيل ثم مرض فطلقها الوكيل أو وكل الذمي بعد إسلام المرأة ثم أسلم الزوج ومرض فطلقها الوكيل كان له أن يستديم الوكالة بعد تعلق حقها بماله وكذلك تعليق المسلم الوكالة بمرضه لأن المتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز فكأنه أنشأ التوكيل بعد مرضه .
قال : ( وإذا شهد الموليان على وكالة زوج أمتهما بالطلاق وإن الوكيل قد طلق أو شهدا على ذلك وأن الزوج طلقها بنفسه فإن كانت الأمة تدعي ذلك فهو باطل ) لأنهما يشهدان لها وإن كانت تجحد فكذلك الجواب في قول محمد - C .
وعلى قول أبي يوسف - C - الشهادة جائزة وهذا بناء على ما قدمنا في كتاب النكاح أن أبا يوسف - C - يعتبر الدعوى والإنكار في شهادة الابنين لأبيهما فكذلك في شهادة الموليين لأمتهما ومحمد - C - يعتبر المنفعة وعلى سبيل الابتداء في هذه المسألة .
فمحمد - C - يقول : هما في معنى الشاهدين لأنفسهما لأن ملك البضع يعود إليهما بعد طلاق الزوج وشهادته لنفسه أو فيما فيه منفعة له لا تكون مقبولة وأبو يوسف - C - يقول : هذه الشهادة تقوم بطريق الحسبة وهذا لأن كون الإنسان خصما في منافاة الشهادة أبلغ من منفعته له في ذلك وكل أحد خصم فيما هو حق الشرع ومع ذلك كانت شهادته في ذلك مقبولة كالزنا ونحو ذلك فكذلك فيما له فيه منفعة مع أنه لا منفعة لهما في المشهود به لأن موجب الطلاق سقوط ملك الزوج عنها أو حرمة المحل عليه لا انتقال ذلك الملك إلى الموليين .
وكذلك إذا سقط ملك الزوج ظهر ملك الموليين لفراغ المحل عن حق الغير وبهذا لا يمنع قبول الشهادة كصاحبي الدين إذا شهدا للمديون بمال من جنس حقهما على إنسان قبلت الشهادة وإن كانا يتمكنان من استيفاء حقهما إذا قبض المشهود له المال .
وإذا قال الرجل للرجل طلق امرأتي إن شئت أو إن هويت أو أردت فقام من المجلس بطل لأنه تمليك للمشيئة منه وذلك يقتصر على المجلس كتمليك المشيئة في القبول بإيجاب البيع له والوكيل هنا في معنى المخير وقد اتفقت الصحابة - Bهم - على أن المخيرة لها الخيار ما دامت في مجلسها لأنها مالكة للرأي والمشيئة متمكنة من ذلك في المجلس فقيامها منه دليل الإعراض فكذلك بهذا اللفظ يصير متمكنا من الرأي والمشيئة وهذا بخلاف قوله للأجنبي طلقها فإن ذلك إنابة واستعارة لمنافعه فيقوم هو في الإيقاع مقام الموكل وهذا تفويض للمشيئة إليه لا استعارة شيء منه .
ولو قال أنت وكيلي في طلاقها إن شاءت أو هويت أو أرادت لم يكن وكيلا حتى تشاء هي ذلك في مجلسها لأنه علق التوكيل بمشيئتها ولو علق الوقوع بمشيئتها اقتصر ذلك على المجلس وتأخر الوقوع إلى حين وجود مشيئتها فكذلك إذا علق التوكيل وإذا صار وكيلا فإن قام الوكيل من المجلس قبل أن يطلق بطلت الوكالة .
قال عيسى - C - : وهذا غلط لأن عند مشيئتها إنما تثبت الوكالة بقول الزوج : أنت وكيلي في طلاقها وذلك لا يقتصر على المجلس كما لو نجز هذا اللفظ ولكن ما ذكر في الكتاب أصح لأن معنى قوله إن شاءت الطلاق وكان هذا بمنزلة قوله ولئن كان المراد إن شاءت هذه الوكالة فثبوت الوكالة بالإيقاع بناء على ما فوض إليها من المشيئة ومشيئتها تقتصر على المجلس وهو لا يتأبد فكذلك ما ينبني عليه من تمكن الوكيل من الإيقاع وإليه أشار في الكتاب .
فقال : ( لأنها وكالة بالمشيئة وقعت بحيث لا يملك الزوج فسخها ولو جعل قوله : أنت وكيل في طلاقها منفصلا عن المشيئة يملك الزوج فسخها وإن قال : أنت وكيلي في طلاقها إن شئت فإن شاء في ذلك المجلس فهو جائز وإن قام قبل أن يشاء فلا وكالة ) لأن تعليق الوكالة بمشيئته يكون ملكا للرأي والمشيئة منه كتعليق الإيقاع بمشيئته على ما بينا .
وإن قال : أنت وكيلي في طلاقها على أني بالخيار ثلاثة أيام فالوكالة جائزة والخيار باطل .
وكذلك لو قال على أن فلانة بالخيار ثلاثة أيام وكذلك هذا في كل تصرف لأن اشتراط الخيار باشره في منع صفة اللزوم والوكالة لا يتعلق بها اللزوم بحال فاشتراط الخيار فيما لا يكون مفيدا يكون باطلا ولأن اشتراط الخيار ليتمكن به من له الخيار من التفرد بالفسخ بغير رضا صاحبه وهذا في الوكالة ثابت بدون اشتراط صاحب الخيار وكما لا يصح اشتراط الخيار لنفسه في الوكالة لا يصح اشتراطه لغيره .
قال : ( ولو وكله بطلاق امرأته فقال الوكيل : أنت طالق غدا لم يقع وإن جاء الغد ) لأنه مفوض إليه التخيير والإضافة إلى وقت والتعليق بالشرط غير التخيير .
قال : ( وإن وكله أن يطلقها ثلاثا بألف درهم أو على ألف فطلقها واحدة أو اثنتين لم يقع ) لأنها لو وقعت وقعت بحصتها من الألف والزوج لم يرض بزوال ملكه عنها إلا بعد أن يجب له عليها جميع الألف فكان بما صنع مخالفا وفيه ضرر على الموكل بخلاف التوكيل بالإيقاع بغير عوض .
وإن طلقها واحدة بألف درهم أو أكثر جاز لأنه حصل ما هو مقصود الزوج من المال . ونفعه لبقاء صفة الحل في المحل حين اقتصر على إيقاع الواحدة وليس للوكيل بالخلع قبض المال لأن الذي من جانب الزوج في باب الخلع إيقاع الطلاق والوكيل معبر عنه إما حقيقة بالإضافة إليه أو حكما لأنه غير مالك للإيقاع بنفسه فهو نظير وكيل المولى في العتق يجعل أو لأنه لا يتوجه عليه المطالبة بتسليم المعقود عليه فلا يكون له قبض البدل .
قال : ( وإن وكله أن يطلق امرأته وله أربع نسوة ولم يسم له امرأة بعينها فإن أوقع الطلاق على إحدى نسائه جاز ) لأنه ممتثل أمره فإنه أمره بإيقاع الطلاق على امرأة غير معينة وقد فعل فإن طلقهن جميعا وقع الطلاق على واحدة منهن لأنه في حق الواحدة ممتثل أمره وفيما زاد عليه مبتدي فيقع على الواحدة بغير عينها والبيان إلى الزوج كما لو أوقع بنفسه على إحداهن بغير عينها وليس إلى الوكيل من البيان شيء لأنه معبر عن الزوج وقد انتهى حكم وكالته بإيقاعه .
قال : ( ولو وكله أن يطلق امرأته فطلقها الوكيل ثلاثا فإن كان نوى الزوج ثلاثا فهو جائز ) لأن قوله طلقها تفويض وهو يحتمل معنى العموم والخصوص فإذا نوى الثلاث فقد نوى العموم في التفويض وذلك صحيح منه ثم الوكيل ممتثل أمره في إيقاع الثلاث وإن لم يكن نوى ثلاثا لم يقع شيء في قول أبي حنيفة - C - وفي قولهما تقع واحدة بمنزلة ما لو قال طلقها واحدة وطلقها ثلاثا .
وكذلك لو قال اخلعها فطلقها ثلاثا فهو على ما بينا لأن نية الثلاث تقع في الخلع ولو قال طلق إحداهن بعينها أو اخلعها كان ذلك جائزا بمنزلة ما لو قال طلق أيتهن شئت وهناك يملك الإيقاع على واحدة بعينها وكذلك إذا طلق إحداهن .
( ألا ترى ) أنه لو قال : بع عبدا من عبيدي فباع واحدا منهم بعينه جاز ولو قال الموكل لم أعن هذا لم يصدق فكذلك في الطلاق .
فإن قيل : التعيين من ضرورة ما فوض إليه فإن بدون التعيين لا ينفذ بيعه وهنا التعيين ليس من ضرورة ما فوض إليه فإن بدون التعيين يقع الطلاق على إحداهن فينبغي أن لا يملك الوكيل الإيقاع على المعينة لما فيه من قطع خيار الزوج .
قلنا : هذا أن لو شرط الزوج لنفسه خيارا وهنا لم يشترط ولكن ثبوت الخيار له عند انعدام تعين محل الطلاق وذلك لا يوجد إذا وقع على إحداهن بعينها وهذا لأن المعتبر ما نص عليه في التوكيل وهو إنما نص على الإيقاع على واحدة وهذه واحدة منهن قد أوقع عليها فكان ممتثلا لما نص عليه الموكل وكذلك لو طلق واحدة منهن بغير عينها وقع لأنه ممتثل أمره بالإيقاع على واحدة منهن ثم الخيار إلى الزوج لانعدام تعين محل الطلاق ولا يملك الوكيل التعيين لأن وكالته قد انتهت بالإيقاع فأما قبل الإيقاع فوكالته قائمة فلهذا ملك الإيقاع على واحدة بعينها .
قال : ( وإذا وكلت المرأة رجلا أن يخلعها من زوجها على مال أو على ما بدا له فخلعها على المهر الذي أخذت منه فهو جائز عليها وهو دين على المرأة ولا يؤخذ به الوكيل ) لأنه معبر عنها فإنه لا يستغنى عن إضافة العقد إليها فيقول اخلع امرأتك ولا يقول اخلعني ولأنه ليس على الوكيل من تسليم المعقود عليه شيء فلا تتوجه عليه المطالبة بالبدل أيضا .
قال : ( وإذا وكلته بالخلع فله أن يخلعها في ذلك المجلس وغيره . ما لم تعزله ) لأن التوكيل مطلق فهو بمنزلة الوكيل في سائر التصرفات أو التوكيل بالخلع من جانب الزوج .
قال : ( ولو وكل الرجل رجلا أن يخلع امرأته ووكلت المرأة ذلك الرجل أن يخلعها من زوجها فخلعها الوكيل من نفسه ولم يلق الزوج ولا المرأة فالخلع باطل وهو في هذا بمنزلة البيع ) لأن الخلع من جانبها إلتزام للمال بعوض فيكون في حكم البيع وهذا لأن المال في الخلع لا يجب إلا بتسمية البدل فالواحد إذا تولاه من الجانبين يكون مستزيدا أو مستنقصا وذلك لا يجوز وكذلك إن كان البدل مسمى لأن تسمية البدل من جانب الزوج يمنع الوكيل من النقصان دون الزيادة ومن جانب المرأة يمنع من الزيادة دون النقصان .
قال : ( ولو وكلت المرأة زوجها أن يخلعها من نفسه بما شاء فخلعها من نفسه بخادمها فهو باطل إلا أن تجيز المرأة ذلك وكذلك لو وكل الزوج المرأة أن تخلع نفسها منه فخلعت نفسها منه بمال أو عرض فإن ذلك لا يجوز إلا أن يرضى الزوج به ) وهذا بمنزلة البيع من الوجه الذي قلنا وهذا لأن المرأة رضيت بالخلع لا بزوال ملكها عن الخادم والزوج رضي بالخلع لا بدخول ذلك العرض بعينه في ملكها فلهذا لا يجوز إلا برضا من الجانبين .
ولو قال الرجل لامرأته : اشتري طلاقك مني بما شئت فقد وكلتك بذلك فقالت قد اشتريته بكذا وكذا كان باطلا لما بينا أنها لا تصلح نائبة عن الزوج في تعيين جنس البدل وتسمية مقداره فيما يجب عليها لأنها بحكم النيابة تكون مستزيدة في ذلك وباعتبار جانبها تكون مستنقصة .
ولو قال لها طلقي نفسك مني بكذا وكذا ففعلت كان ذلك جائزا لأن الزوج هنا قدر البدل بنفسه ثم جعلها نائبة عنه في الإيقاع وهي تصلح معبرة عن الزوج في إيقاع الطلاق .
قال : ( ولا ننشئ الطلاق بالمال كالخلع بغير مال ) وقيل هذا غير صحيح فإنه ذكر في الخلع بمال أنه جائز فما معنى هذا الفرق الذي أشار إليه قيل معناه : إذا قال لها طلقي نفسك أو اختلعي مني بغير مال فأوقعته كان صحيحا ولو قال : بما شئت لم يكن صحيحا إلا أن يرضى به الزوج .
قال : ( وإذا وكل الرجل رجلا أن يخلع امرأته فخلعها الزوج أو بانت منه بوجه ثم تزوجها في العدة أو بعدها لم يكن للوكيل أن يخلعها ) لأن بوقوع البينونة خرج الموكل من أن يكون مالكا للخلع فيتضمن ذلك عزل الوكيل ثم لو تزوجها بعد ذلك بسبب مستأنف لا يوجب إعادة الوكالة وكذلك لو وكلته هي سقطت برده أو بطلاق الزوج .
قال : ( ولو وكله أن يخلعها على عبد لها على إن زادها مائة درهم فأبى الزوج أن يلتزم المائة بطلت حصتها من العبد ) لأن العقد في حصة المائة شراء ولم يفوض الزوج إليه ذلك وجاز له حصة المهر وقد بينا في النكاح نظيره .
قال : ( ولو كان الوكيل ضمن المائة لها لزمته بالضمان ولا يرجع بها على الزوج ) لأنه ضمن بغير أمره وهذا لأن ضمان البدل في باب الخلع من الوكيل صحيح فكذلك ضمان ما كان ثبوته تبعا للخلع والشراء في حصة المائة يثبت تبعا على ما قدرنا فيصح التزام الوكيل ذلك بالضمان ولا يملك الوكيل بمقابلته شيئا من العبد بل يكون العبد كله للزوج بدلا في الخلع .
قال : ( ولو خلعها الوكيل على حر أو خمر أو دم أو خنزير فالخلع باطل ) لأنه لو وقع الطلاق هنا وقع بغير جعل فصار كما لو أوقعه الزوج بنفسه والموكل بهذا لم يرض بخلاف النكاح فإنه لو صح النكاح عند تسمية الخمر والخنزير كان بعوض كما لو ترك تسمية العوض أصلا .
قال : ( ولو خلعها على درهم جاز عند أبي حنيفة - C - ) بناء على أصلهما فيما يفسد الوكالة بالعرف وإن خلعها على حكمها أو على حكم الوكيل جاز لأن الطلاق بهذا الخلع يقع بعوض كما لو باشره الزوج بنفسه ثم الواجب عليها رد المقبوض من الصداق فإن حكمت بذلك أو أكثر جاز حكمها وإن حكمت أو حكم الوكيل بأقل من ذلك لم يجز حكمه لأن فيه إسقاط حق الزوج عن بعض ما صار مستحقا له فهما لا يملكان ذلك .
قال : ( وإذا وكلت المرأة الذمية مسلما بخلعها من ذمي على خمر أو خنزير جاز وكذلك النكاح ) لأن الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم ولو كان أحد الزوجين مسلما والوكيل كافرا جاز الخلع وبطل الجعل لأن الوكيل ممتثل أمره حين سمي ما هو مال متقوم في حقه ولكن المسلم ممنوع من تملك الخمر وتملكها بالعقد فلهذا بطل الجعل وهذا على أصلهما ظاهر لأنهما يعتبران حال الموكل كما في التوكيل ببيع الخمر وشرائها وعلى أصل أبي حنيفة - C - هناك كذلك لأن الوكيل سفير ومعبر لا يتعلق به شيء من حقوق العقد هنا بخلاف الوكيل بالبيع والشراء .
قال : ( ولو وكل رجلا بأن يخلع امرأته وقال له : إن أبت الخلع فطلقها فأبت الخلع فطلقها وقع بإيقاعه ثم هذا كإيقاع الموكل بنفسه وإيقاع الموكل بصريح الطلاق لا يمنع بقاء الوكالة بالخلع فكذلك إيقاع الوكيل حتى لو قالت : أنا أخالع فخلعها . وهي في العدة جاز ) لأن الأول كان رجعيا والطلاق الرجعي لا يمنع الخلع وقد بينا الوكالة بالخلع بعد ما أبانها فلهذا صح الخلع والله أعلم