وأهل الزيغ يزعمون أن " " عليا " Bه كان يكبر على أهل بيته خمس تكبيرات وعلى سائر الناس أربعا وهذا افتراء منهم عليه فقد روي أنه كبر على " فاطمة " أربعا وروي أنه إنما صلى على " فاطمة " " أبو بكر " وكبر عليها أربعا و " عمر " صلى " على أبي بكر " وكبر أربعا ثم يثني على الله تعالى في التكبيرة الأولى كما في سائر الصلوات يثني عقيب الافتتاح ويصلي على النبي A في الثانية لأن الثناء على الله تعالى تعقبه الصلاة على النبي على هذا وضعت الخطب واعتبر هذا بالتشهد في الصلاة لأن الثناء على الله يعقبه الصلاة على النبي A ويستغفر للميت ويشفع له في الثالثة لأن الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه .
صفحة [ 64 ] وسلم يعقبه الدعاء والاستغفار والمقصود بالصلاة على الجنازة الاستغفار للميت والشفاعة له فلهذا يأتي به ويذكر الدعاء المعروف اللهم اغفر لحينا وميتنا إن كان يحسنه وألا يذكر ما يدعو به في التشهد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات إلى آخره ويسلم تسليمتين بعد الرابعة لأنه جاء أوان التحلل وذلك بالسلام وفي ظاهر المذهب ليس بعد التكبيرة الرابعة دعاء سوى السلام وقد اختار بعض مشايخنا ما يختم به سائر الصلوات اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب القبر وعذاب النار .
فإن كبر الإمام خمسا لم يتابعه المقتدي في الخامسة إلا على قول " زفر " C تعالى فإنه يقول هذا مجتهد فيه فيتابعه المتقدي كما في تكبيرات العيد .
ولنا أن ما زاد على أربع تكبيرات ثبت انتساخه بما روينا ولا متابعة في المنسوخ لأنه خطأ ثم في إحدى الروايتين عن " أبي حنيفة " Bه يسلم حين رأى إمامه يشتغل بما هو خطأ وفي الرواية الأخرى ينتظر سلام الإمام حتى يسلم معه .
قال : ولا يقرأ في الصلاة على الجنازة بشيء من القرآن وقال " الشافعي " Bه تفترض قراءة الفاتحة فيها وموضعها عقيب تكبيرة الافتتاح " لقوله E : لا صلاة إلا بقراءة " وهذه صلاة بدليل اشتراط الطهارة واستقبال القبلة فيها وفي " حديث " جابر " Bه أن النبي E : كان يقرأ في الصلاة على الجنازة بأم القرآن " وقرأ " ابن عباس " فيها بالفاتحة وجهر ثم قال عمدا فعلت ليعلم أنها سنة .
ولنا " حديث " ابن مسعود " C تعالى قال : لم يوقت لنا في الصلاة على الجنازة دعاء ولا قراءة " كبر ما كبر الإمام واختر من الدعاء أطيبه وهكذا " روي عن " عبدالرحمن بن عوف " و " ابن عمر " رضي الله تعالى عنهما أنهما قالا ليس فيها قراءة شيء من القرآن " . وتأويل حديث " جابر " Bه أنه كان قرأ على سبيل الثناء لا على وجه قراءة القرآن . ولأن هذه ليست بصلاة على الحقيقة إنما هي دعاء واستغفار للميت ألا ترى أنه ليس فيها أركان الصلاة من الركوع والسجود والتسمية بالصلاة لما بينا فيما سبق أن الصلاة في اللغة الدعاء واشتراط الطهارة واستقبال القبلة فيها لا يدل على أنها صلاة حقيقية وأن فيها قراءة كسجدة التلاوة . ولا ترفع الأيدي إلا في التكبيرة الأولى الإمام والقوم فيها سواء وكثير من أئمة " بلخ " اختاروا رفع اليد عند كل تكبيرة فيها وكان " نصير بن يحيى " C تعالى يرفع تارة ولا يرفع تارة فمن اختار الرفع قال هذه تكبيرات يؤتى بها في قيام مسنون فترفع الأيدي عندها كتكبيرات العيد .
صفحة [ 65 ] وتكبير القنوت والفقه فيما بينا من الحاجة إلى إعلام من خلفه من أصم أو أعمى .
وجه ظاهر الرواية " قوله E : لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن وليس فيها صلاة الجنازة " " وعن " ابن عمر " Bه قال لا ترفع اليد فيها إلا عند تكبيرة الافتتاح والمعنى أن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة فكما لا ترفع الأيدي في سائر الصلوات عند كل ركعة فكذلك ههنا " . قال : وإذا اجتمعت الجنائز فإن شاؤوا جعلوها صفا وإن شاؤوا وضعوا واحدا خلف واحد كان " ابن أبي ليلى " C تعالى يقول توضع شبه الدرج وهو أن يكون رأس الثاني عند صدر الأول .
وعند " أبي حنيفة " Bه أنه إن وضع هكذا فحسن أيضا لأن الشرط أن تكون الجنائز أمام الإمام وقد وجد ذلك كيف وضعوا فكان الاختيار إليهم .
قال : وإن كانت رجالا ونساء يوضع الرجال مما يلي الإمام والنساء خلف الإمام مما يلي القبلة ومن العلماء من قال على عكس هذا لأن الصلاة بالجماعة صف النساء خلف صف الرجال إلى القبلة فكذلك في وضع ا لجنائز . ولكنا نقول : في الصلاة بالجماعة الرجال أقرب إلى الإمام من النساء فكذلك في وضع الجنائز . وإن كانت جنازة غلام وامرأة وضع الغلام مما يلي الإمام والمرأة خلفه مما يلي القبلة لما " روي أن " أم كلثوم ابنة علي " Bهما امرأة " عمر " Bه وابنها " زيد بن عمر " Bهما ماتا معا فوضع ابن " عمر " جنازتهما بهذه الصفة وصلى عليهما " ولأن الرجل إنما يقدم مما يلي الإمام للفضيلة بالذكورة وهذا موجود في ا لغلام . والأصل فيه " قوله E : ليلني منكم أولو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " فصار الحاصل أنه توضع جنازة الرجل مما يلي الإمام وخلفه مما يلي القبلة جنازة الغلام وخلفه جنازة الخنثى إن كان وخلفه جنازة المرأة . قال : وإذا وقعت الحاجة إلى دفن اثنين أو ثلاثة في قبر واحد فلا بأس بذلك به " أمر رسول الله A أصحابه يوم أحد وقال : احفروا واوسعوا واجعلوا في كل قبر اثنين أو ثلاثة وقدموا أكثرهم أخذا للقرآن " فقلنا يوضع الرجل مما يلي القبلة ثم خلفه الغلام ثم خلفه الجنين ثم خلفه المرأة ويجعل بين كل ميتين حاجز من التراب ليصير في حكم قبرين . قال : وأحسن مواقف الإمام من الميت في الصلاة عليه بحذاء الصدر وإن وقف في غيره أجزأه وكان " ابن أبي ليلى " C يقول يقف من الرجل بحذاء الصدر ومن المرأة بحذاء وسطها لما " روى أن : " أم بريدة " صلى عليها الرسول A فوقف بحذاء وسطها " . ولنا أن أشرف الأعضاء في البدن الصدر فإنه موضع العلم والحكمة .
صفحة [ 66 ] وهو أبعد من الأذى والوقوف عنده أولى كما في حق الرجال ثم الصدر موضع نور الإيمان قال الله تعالى " : { أفمن شرح الله صدره للإسلام " } الزمر : 22 الآية . وإنما يصلى عليه لإيمانه فيختار الوقوف حذاء الصدر لهذا أو الصدر هو الوسط في الحقيقة فإن فوقه رأس ويدان وتحته بطن ورجلان . قال : ويتيمم لصلاة الجنازة إذا خاف فوتها في المصر عندنا وكذلك لو افتتح الصلاة ثم أحدث تيمم وبني وقد بينا هذا فيما سبق فإن صلى على جنازة بالتيمم ثم جيء بجنازة أخرى فإن وجد بينهما من الوقت ما يمكنه أن يتوضأ فعليه إعادة التيمم للصلاة على الجنازة الثانية لأنه تمكن من استعمال الماء بعد التيمم للأول فإن لم يجد فرجة من الوقت ذلك القدر فله أن يصلي بتيممه على الجنازة الثانية عند " أبي يوسف " C تعالى لأن العذر قائم وهو خوف الفوت لو اشتغل بالوضوء . وعند محمد C تعالى يعيد التيمم على كل حال ذكره في نوادر " أبي سليمان " C تعالى لأنه تجددت ضرورة أخرى فعليه تجديد التيمم . قال : وإذا كبر الإمام تكبيرة أو تكبيرتين ثم جاء رجل فإنه ينتظر حتى يكبر الإمام فيكبر معه فإذا سلم قضى ما بقي عليه قبل أن ترفع الجنازة في قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى وقال " أبو يوسف " رضي الله تعالى عنه يكبر حين يحضر " لقوله عليه الصلاة السلام : اتبع إمامك حين تحضر في أي حال أدركته " وقاس هذا بسائر الصلوات فإن المسبوق يكبر للافتتاح فيها حين ينتهي إلى الإمام فهذا مثله وكذلك لو كان واقفا خلف الإمام فتأخر تكبيره عن تكبيرة الإمام لم ينتظر أن يكبر الإمام الثانية بالاتفاق فهذا مثله . ومذهبنا مروي عن " ابن عباس " رضي الله تعالى عنه والمعني فيه أن كل تكبيرة في الصلاة على الجنازة قائمة مقام ركعة فلو لم ينتظر تكبير الإمام حين جاء كان قاضيا ما فاته قبل أداء ما أدرك مع الإمام وذلك منسوخ إلا أن " أبا يوسف " C تعالى يقول : .
في تكبيرة الافتتاح معنيان : معنى الافتتاح والقيام مقام ركعة ومعنى الافتتاح مرجح فيها بدليل تخصيصها برفع اليد عندها .
ولو جاء بعد ما كبر الإمام الرابعة لم يدخل معه وقد فاتته الصلاة في قولهما .
وفي قول " أبي يوسف " C تعالى يكبر فإذا سلم الإمام قضى ثلاث تكبيرات بمنزلة ما لو كان خلف الإمام ولم يكبر حتى كبر الإمام الرابعة والفرق بين الفصلين لهما أن من كان خلف الإمام فهو مدرك لتكبيرة الافتتاح فيأتي بها حين حضرته النية بخلاف المسبوق فإنه غير مدرك للتكبيرة الأولى وهي قائمة مقام ركعة فلا يشتغل بقضائها قبل سلام الإمام كسائر .
صفحة [ 67 ] التكبيرات . قال : وإذا صلي على جنازة ثم حضر قوم لم يصلوا عليها ثانية جماعة ولا وحدانا عندنا إلا أن يكون الذين صلوا عليها أجانب بغير أمر الأولياء ثم حضر الولي فحينئذ له أن يعيدها وقال " الشافعي " Bه تعاد الصلاة على الجنازة مرة بعد مرة لما " روى أن النبي A مر بقبر جديد فسأل عنه فقيل قبر فلانة فقال هلا آذنتموني بالصلاة عليها فقيل إنها دفنت ليلا فخشينا عليك هوام الأرض فقام وصلى على قبرها " ولما قبض رسول الله A صلى الصحابة عليه فوجا بعد فوج .
ولنا " ما روي عن " ابن عباس " Bه و " ابن عمر " Bه أنهما فاتتهما الصلاة على جنازة فلما حضرا ما زادا على الاستغفار له " " و " عبدالله " بن سلام Bه فاتته الصلاة على جنازة " عمر " فلما حضر قال إن سبقتموني بالصلاة عليه فلا تسبقوني بالدعاء له " . والمعنى فيه أن حق الميت قد تأدى بفعل الفريق الأول فلو فعله الفريق الثاني كان تنفلا بالصلاة على الجنازة وذلك غير مشروع ولو جاز هذا لكان الأولى أن يصلي على قبر رسول الله A من يرزق زيارته الآن لأنه في قبره كما وضع فإن لحوم الأنبياء حرام على الأرض به ورد الأثر ولم يشتغل أحد بهذا فدل أنه لا تعاد الصلاة على الميت إلا أن يكون الولي هو الذي حضر فإن الحق له وليس لغيره ولاية إسقاط حقه وهو تأويل فعل رسول الله A فإن الحق كان له قال الله تعالى : { " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " } الأحزاب : 6 وهكذا تأويل فعل الصحابة فإن " أبا بكر " Bه كان مشغولا بتسوية الأمور وتسكين الفتنة فكانوا يصلون عليه قبل حضوره وكان الحق له لأنه هو الخليفة فلما فرغ صلى عليه ثم لم يصل أحد بعده عليه .
وعلى هذا قال علماؤنا رحمهم الله تعالى : لا يصلى على ميت غائب . وقال " الشافعي " Bه يصلى عليه " فإن النبي E صلى على " النجاشي " وهو غائب " . ولكنا نقول طويت الأرض وكان هو أولى الأولياء ولا يوجد مثل ذلك في حق غيره . ثم إن كان الميت من جانب المشرق فإن استقبل القبلة في الصلاة عليه كان الميت خلفه وذلك لا يجوز وإن استقبل الميت كان مصليا لغير القبلة وذلك لا يجوز