وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( قال Bه ) ( الأصل في هذا الباب أن الوكيل متى قدر على تحصيل مقصود الموكل بما سمى له جاز التوكيل وإلا فلا ) لأن الوكالة غير مقصودة لعينها بل المقصود شيء آخر يحصل للموكل فإذا قدر على تحصيل مقصوده بما سمي له كان هذا عقدا مقيدا للمقصود فصح وإلا فلا وأصل آخر أن ما سماه في الوكالة إذا كان يتناول أجناسا مختلفة لا يصح التوكيل به سواء سمي الثمن أو لم يسم لأن جهالة الجنس جهالة متفاحشة وتسمية الجنس والثمن لا يصير الجنس معلوما بها فإن كل جنس فيه ما يوجد بذلك الثمن فلا يقدر الوكيل على تحصيل مقصود الموكل وإذا سمي الجنس اشتمل على أنواع مختلفة فإن بين الثمن أو النوع جاز التوكيل وإلا فلا لأن بيان مقدار الثمن يصير النوع معلوما وإن سمي الجنس والنوع ولم يبين الصفة جازت الوكالة سواء سمي الثمن أو لم يسم وهذا استحسان .
وفي القياس لا يجوز ما لم يبين الصفة .
وجه القياس : أن التوكيل بالبيع والشراء معتبر بنفس البيع والشراء فلا يجوز إلا ببيان وصفه المعقود عليه .
( ألا ترى ) أنا نجعل الوكيل كالمشتري لنفسه ثم البائع من الموكل .
وكان بشر المريسي - C - يأخذ بالقياس إلى أن نزل به ضيف فدفع الدراهم إلى إنسان ليأتي له برؤوس مشوية فجعل يصفها له فعجز عن علمه بالصفة فقال له اصنع ما بدا لك فذهب الرجل واشترى الرؤوس وحملها إلى عياله وعاد إلى بشر بعد ما أكلها مع عياله فقال له : أين ما قلت لك عنه ؟ فقال : قلت لي اصنع ما بدا لك وقد بدا لي ما فعلت فرجع عن قوله وأخذ بالاستحسان .
ووجه الاستحسان : ما روي عن النبي - A - : أنه دفع دينارا إلى حكيم بن حزام - Bه - وأمره بأن يشتري له شاة للأضحية ولم يبين صفتها . ثم الوكالة عقد مبني على التوسع والجهالة في الصفة جهالة مستدركة وذلك عفو في العقود المبنية على التوسع وهذا لأن الوكالة لا يتعلق بها اللزوم والمقصود بها الرفق بالناس وفي اشتراط بيان الوصف بعض الحرج فسقط اعتباره لهذا .
إذا عرفنا هذا فنقول رجل وكل رجلا أن يشتري له جارية أو عبدا لم يكن لأن الذكور من بني آدم جنس والإناث كذلك ولكن يشتمل على أنواع كالحبشي والسندي والهندي والتركي وغير ذلك فإذا لم يبين النوع ولم يسم مقدار الثمن كانت الجهالة متفاحشة فلا يتمكن الوكيل من تحصيله فينفرد الآمر بما سمي له وإن أمره بأن يشتري له عبدا مولدا أو حبشيا أو سنديا جاز لأن النوع صار معلوما بالتسمية وإنما بقيت الجهالة في الوصف وهي جهالة مستدركة فإن الأوصاف ثلاثة : الجودة والوسط والرداءة وهي تتفاوت في نوع واحد فكان الوكيل قادرا على تحصيل مقصود الآمر وكذلك إن لم يسم النوع وسمي الثمن لأن بتسمية الثمن صار النوع معلوما فإن مقدار ثمن كل نوع معلوم عند الناس فيتمكن به من تحصيل مقصوده ولو وكله بأن يشتري له رقبة أو مملوكا لا تجوز له الوكالة وإن بين الثمن لتمكن الجهالة في الجنس وهذا لأن الذكور مع الإناث من بني آدم جنسان مختلفان لاختلافهما في المنافع فلا يصح التوكيل إلا ببيان الجنس .
وإذا وكله بشراء جارية وسمي جنسها وثمنها فاشتراها له عوراء أو عمياء أو مقطوعة اليدين والرجلين أو إحداهما أو مقعدة فهو جائز على الآمر في قول أبي حنيفة - C - إذا اشتراها بمثل القيمة أو بما يتغابن الناس فيه وعندهما كذلك في قطعاء اليد والعوراء فأما العمياء والمقطوعة اليدين والرجلين والمقعدة فلا يجوز على الآمر ويكون مشتريا لنفسه وهذا بناء على ما سبق فإنهما يعتبران العرف والشراء والعمياء والمقعدة غير متعارف بين الناس فأما العوراء فمعيبة وشراء المعيب متعارف .
توضيحه : أن العمى وقطع اليدين يفوت منفعة الجنس وذلك استهلاك حكم ولهذا لا يجوز التكفير بالرقبة العمياء فأما العور وقطع إحدى اليدين فليس باستهلاك .
( ألا ترى ) أن التكفير به يصح وأبو حنيفة - C - بنى على أصله أن المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد وقد سمى له الجارية مطلقا واسم الجاريبة حقيقة في العمياء ومقطوعة اليدين ولا يثبت التقييد بالعرف لأن العرف مشترك فقد يشتري المرء رقبة عمياء ترحما عليها لابتغاء مرضات الله - D - أو قصدا إلى ولائها أو إلى ولاء أولادها بخلاف الرقبة في كفارة اليمين فإن دليل التقييد هناك قد قام وهو أن الكفارات أجزية الأفعال وهي مشروعة للزجر عن ارتكاب أسبابها ولا يحصل الزجر بالعمياء ومقطوعة اليدين .
وإن وكله أن يشتري له جارية للخدمة أو عبدا ليسلمه إلى خباز أو عمل من الأعمال فاشترى أعمى أو مقطوع اليدين لم يجز على الآمر لقيام دليل التقييد في لفظه وهو تنصيصه على عمل لا يحصل ذلك من الأعمى ومقطوع اليدين وكذلك لو قال اشتر لي جارية أطؤها فاشترى محرما من الآمر لم يجز على الآمر لأن دليل التقييد في لفظه مختص أمره بجارية يحل له وطؤها .
قال : ( وإذا وكله بأن يشتري له دابة لم يجز وإن سمي الثمن له ) لأن الدابة اسم لما دب على وجه الأرض في الحقيقة وهي أجناس مختلفة : كالخيل والبغال والحمير وقد بينا أن الجهالة للجنس تمنع صحة الوكالة وأنها لا ترتفع بتسمية الثمن لأن كل جنس يؤخذ بما سمي من الثمن .
وإن قال اشتر لي حمارا ولم يسم الثمن فهو جائز لأن الجنس صار معلوما بالتسمية وإن بقيت الجهالة في الوصف فسخ الوكالة بدون تسمية الثمن .
فإن قيل : لا كذلك فإن الحمير أنواع منها ما يصلح لركوب العظماء ومنها ما لا يصلح إلا للحمل عليها .
قلنا : هذا اختلاف الوصف مع أن ذلك يصير معلوما بمعرفة حال الموكل حتى قالوا : بأن القاضي إذا أمر إنسانا بأن يشتري له حمارا فإنه ينصرف إلى ما يركبه مثله حتى لو اشتراه مقطوع الذنب أو الأذنين فإنه لا يجوز عليه بخلاف ما إذا أمره الفاليري بذلك وإذا أمره أن يشتري له ثوبا لم يجز وإن سمي الثمن لأن الثوب يشتمل على أجناس مختلفة فبالتسمية لا يصير الجنس معلوما .
وإن قال اشتر لي ثوبا هرويا جاز على الآمر ما اشترى من ذلك الجنس وإن لم يسم الثمن لأن الجهالة إنما بقيت في الصفة ولكن إنما ينفذ على الآمر إذا اشتراه بما يتغابن الناس في مثله فإن اشتراه بما لا يتغابن الناس في مثله كان مشتريا لنفسه لأنه تعذر تنفيذ شرائه على الآمر لما بينا وأمكن تنفيذه على العاقد فصار مشتريا لنفسه .
وإن سمي ثمنا فزاد عليه شيئا لم يلزم الآمر لأنه خالف ما سمي له إلى ما هو أضر عليه وكذلك إن نقص من ذلك الثمن لأنه لم يحصل مقصود الآمر فإن مقصوده ثوب يهودي يشتري له بالثمن لا بما دونه والجيد يشترى بعشرة فإذا اشترى بثمانية كان رديئا إلا أن يكون وصف له صفة وسمي له ثمنا فاشترى بتلك الصفة . بأقل من ذلك الثمن فحينئذ يجوز على الآمر لأنه حصل مقصوده حين اشتراه بتلك الصفة وخالفه إلى ما هو خير له حين اشتراه بأقل من ذلك الثمن وهذا لا يعد في العرف خلافا وإن دفع إليه دراهم وأمره بأن يشتري له بها طعاما فاشترى بها لحما وفاكهة لم يجز على الآمر استحسانا وفي القياس يجوز لأن الطعام اسم لما يطعم والفاكهة واللحم مطعوم إلا أن جوازه على طريقة الناس إنما يكون إذا فوض الأمر لرأيه على العموم في شراء الطعام .
فأما إذا لم يفعل ذلك فلا يصح التوكيل لأن المطعوم أجناس مختلفة بتسمية الثمن لا يصير الجنس معلوما فينبغي أن لا يصح التوكيل ولكنه استحسن فقال : التوكيل صحيح وإنما ينصرف إلى الحنطة ودقيقها لأنه ذكر الطعام عند ذكر الشراء وذلك لا يتناول إلا الحنطة ودقيقها .
( ألا ترى ) أن سوق الطعام ما يباع فيه الحنطة ودقيقها وبائع الطعام في الناس من يبيع الحنطة ودقيقها دون من يبيع الفواكه فصار التقييد الثابت بالعرف كالثابت بالنص ثم إن قلت الدراهم فله أن يشتري بها خبزا وإن كثرت فليس له أن يشتري بها الخبز لأن ادخاره غير ممكن إنما يمكن الادخار في الحنطة فعند كثرة الدراهم يعلم أنه لم يرد الخبز إلا أن يكون الرجل قد اتخذ وليمة فحينئذ يعلم أن مراده الخبز وإن كثرت الدراهم وجعل الدقيق في إحدى الروايتين بمنزلة الخبز .
وقال : ( إنما ينصرف القليل من الدراهم إليه ) لأنه قل ما يدخر عادة وفي الرواية الأخرى جعل الدقيق كالحنطة لأن الكثير من الدراهم ينصرف إليه لأنه قد يدخر الدقيق كما تدخر الحنطة وإذا لم يدفع إليه شيئا وقال اشتر لي حنطة فاشتراها لم يجز على الآمر لأنه لم يبين له القدر وجهالة القدر في المكيلات والموزونات كجهالة الجنس من حيث أن الوكيل لا يقدر على تحصيل مقصود الآمر بما سمي له وإن وكله بأن يشتري له دارا أو لؤلؤة ولم يسم الثمن لم يجز ذلك على الآمر لأن اللآلئ أنواع مختلفة فلا يقدر الوكيل على تحصيل اللآلئ بمطلق التسمية وكذلك الدور في معنى الأنواع المختلفة وأنها تختلف باختلاف البلدان وباختلاف المحال في البلدة وبقلة المرافق وكثرتها وبصلاح الجيران وفسادهم وبالسعة والضيق فلا يقدر الوكيل على تحصيل مقصود الآمر الموكل بما سمي له .
قال : ( وإن سمي الثمن جاز وبتسمية الثمن يصير معلوما عادة وإن بقيت جهالة فهي يسيرة مستدركة والمتأخرون من مشايخنا - رحمهم الله - يقولون في ديارنا لا يجوز إلا ببيان المحلة ) لأن الدور في كل محلة تتفاوت في القيمة وتوجد بما سمي له من الثمن الدار في كل محلة ومقصود الآمر يختلف باختلاف المحال فلهذا لا يجوز إلا بتسمية المحلة .
قال : ( وإذا كان الصبي حرا مسلما وأبوه ذميا أو حربيا ارتد عن الذمة ولحق بدار الحرب أو مستأمنا أو مكاتبا أو عبدا لم يجز توكيل أحدهم عليه ببيع ولا شراء ولا تزويج ولا خصومة ) لأن التوكيل بالتصرف إنما يصح ممن يباشر التصرف بنفسه وملك الأب مباشرة التصرف في حق ولده بولايته عليه والرق واختلاف الدين وتباين الدارين حقيقة وحكما مانع من ثبوت ولايته عليه فإن أسلم أو عتق بعد ذلك أجيز ما منع منه لأن ولايته بعد الإسلام والعتق تثبت مقصورة على الحال فلا يؤثر في تنفيذ تصرفه سبق ثبوت ولايته وإن كان الأب مرتدا عن الإسلام لم يجز توكيله عليه أيضا إلا أن يسلم فإن أسلم جاز لأن تصرفه في حق نفسه يتوقف بين أن ينفذ بالإسلام أو يبطل إذا قتل على ردته فكذلك في حق عليه والولد الكبير إذا كان ذاهب العقل بمنزلة الصبي فيما ذكرنا لأنه عاجز عن التصرف لانعدام عقله فكان مولى عليه كالصبي .
قال : ( وإذا وكل أب الصبي وكيلا ببيع متاع الصبي ووارثه الأب بطلت الوكالة ) إلا عند زفر - C - فإنه يقول : ثبوت الوكالة باعتبار ملك الموكل لذلك التصرف وقد بقي ذلك بعد موت الصبي وازداد بتقرر ملك الأب في المحل لكنا نقول الأب في هذا التوكيل كان نائبا عن الصبي وقد انتهت هذه النيابة بموت الصبي .
وتوضيحه : أن الأب بهذه الوكالة إنما رضي بزوال ملك الصبي . ورضاه بزوال ملك الصبي لا يكون رضا بزوال ملك نفسه فإذا صار الملك له بالإرث بطلت الوكالة وكذلك إن مات الأب ولم يمت الصبي لأن رأي الأب قد انقطع بموته وتصرف الوكيل كان باعتبار رأي الموكل ونفاذ ولايته وكذلك لو زال عقل الأب أو ارتد ولحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه لأن ولايته قد زالت بهذه الأسباب حتى لا يملك ابتداء التوكيل فإن أسلم لم يعد الوكالة بمنزلة وكالته بالتصرف في حق نفسه وقد بينا أن بردة الموكل تبطل الوكالة على وجه لا يعود بإسلامه في رواية هذا الكتاب وكذلك في توكيله بالتصرف لولده .
قال : ( وإذا وكل رجل رجلين ببيع شيء أو شرائه أو تزويج امرأة بعينها أو بغير عينها أو بخلع أو بمكاتبة أو عتق على مال ففعله أحدهما لم يجز ) لأن هذه التصرفات يحتاج فيها إلى الرأي والتدبير ورضاه برأي المسمى لا يكون إلا رأي الواحد ويستوي فيه أن يكون الموكل سمى البدل أو لم يسم لأن بتسمية البدل يمنع النقصان ولا تمنع الزيادة ولو حضر وليهما جميعا ربما يزيد أن في البدل فينتفع الموكل بذلك فلهذا لا ينفذ التصرف برأي أحدهما وإن كان لم يسم لهما مالا فزوجاه بأكثر من مهر مثلها أو طلقا امرأته على درهم أو أعتقا العبد أو كاتباه على درهم جاز في قول أبي حنيفة - C - للأصل الذي قلنا : أنه يعمل بإطلاق الأمر ما لم يقم دليل على التقييد وهو التهمة وعندهما لا يجوز لاعتبار العرف والعادة .
قال : ( ولو وكل رجل رجلا ببيع عبدين له بألف درهم فباع أحدهما بأربعمائة فإن كان ذلك القدر حصته من الألف جاز ) لأنه ليس في التفريق بين العبدين في البيع إضرار بالموكل فربما لا يجد مشتريا يرغب في شرائهما جملة فلما وكله بذلك مع علمه بما قلنا كان راضيا ببيعه أحدهما دون الآخر دلالة وكذلك إن باعه بأكثر من حصته وفيه زيادة منفعة للموكل وإن باع أحدهما بأقل من حصته لم يجز وسوى في الكتاب بين النقصان الكثير واليسير وهو قول أبي حنيفة - C .
فأما عندهما فإن كان النقصان يسيرا جاز وإن كان فاحشا لم يجز لأن الموكل إنما سمي الثمن بمقابلتهما جملة ولم ينص على حصة كل واحد منهما وإنما طريق معرفة حصة كل واحد منهما الحزر والظن دون اليقين وفي مثله لا يمكن التجوز عن النقصان اليسير فجعل عفوا كما لو لم يسم الثمن للوكيل فباع بغبن يسير جاز بيعه وأبو حنيفة - C - يقول تنصيصه على ثمنها في الوكالة يكون تنصيصا على حصة كل واحد منهم بحصته حتى أنه لو وجد بأحدهما عيبا رده بحصته وعند التنصيص على الثمن إذا نقص الوكيل عن ذلك القدر يصير مخالفا سواء قل النقصان أو كثر كما لو قال بع هذا العبد بألف درهم فباعه بألف إلا درهما فإنه لا يجوز .
وإن وكله بأن يشتري له عبدين بألف درهم فاشترى أحدهما بستمائة فإن كان ذلك حصته من الألف أو أقل جاز وإن كانت حصته أكثر من ذلك لم يجز على الآمر وصار مشتريا لنفسه وهذا والوكيل بالبيع سواء لأنه قد لا يتمكن من شرائهما جملة واحدة فيكون له أن يشتري كل واحد منهما بحصته .
وإن وكله ببيع عبد له فباع نصفه من رجل ثم باع النصف الآخر منه أو من غيره جاز لأنه حصل مقصود الموكل بما صنع فإن مقصوده أن يزول ملكه بعوض هو مال وذلك يحصل بالعقدين كما يحصل بالعقد الواحد فربما لا يجد مشتريا يشتريه جملة فيحتاج إلى تفريق العقد ليحصل مقصوده .
فإن باع نصفه ولم يبع ما بقي لم يجز في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - وجاز في قول أبي حنيفة - C .
فهما يقولان : بيع النصف يضر بالموكل فيما بقي لأنه يتبعض عليه الملك والشركة في الأملاك المجتمعة عيب وأمره إياه بالبيع لا يتضمن الرضا بتعيب ملكه فلهذا لا يجوز إلا أن يبيع ما بقي قبل الخصومة فحيئذ قد زال الضرر عنه وحصل مقصوده فيجوز .
وأبو حنيفة - C - يقول : الوكيل قائم مقام الموكل في بيع العبد والموكل مالك لبيع البعض كما هو مالك لبيع الكل فكذلك الوكيل لأن اعتبار الجزء باطل واعتبار الكل صحيح ثم في تصرفه في هذا منفعة للموكل لأنه لو باع الكل بالثمن الذي باع به النصف جاز عند أبي حنيفة - C - كما بينا فإذا باع البعض به كان أقرب إلى الجواز لأنه حصل له ذلك القدر من الثمن وبقي بعض العبد على ملكه .
ولو وكله بأن يشتري له عبدا فاشترى بعضه لم يجز على الآمر إلا أن يشتري ما بقي قبل الخصومة فحينئذ يجوز كله على الآمر وهذا على أصلهما ظاهر للتسوية بين جانب البيع والشراء .
وأبو حنيفة - C - يفرق فيقول : الوكيل بالشراء لو اشترى بالزيادة الكثيرة لا يجوز بخلاف الوكيل بالبيع والتهمة تتمكن في جانب الوكيل بالشراء فلعله اشترى النصف لنفسه فلما علم أن الشركة عيب أراد أن يحوله على الآمر .
توضيح الفرق : أن صحة التوكيل بالشراء بتسمية العبد ونصف العبد ليس بعبد فلا يصير به ممتثلا أمر الآمر إلا أن يشتري ما بقي قبل الخصومة فأما في جانب البيع فصحة التوكيل باعتبار ملك الموكل للغير وذلك موجود في البعض والكل ثم ذكر في النوادر أن الوكيل إذا اشترى النصف توقف شراؤه على رضا الآمر عند أبي يوسف - C - حتى لو أعتقه الوكيل عن نفسه - لا يجوز .
ولو أعتقه الموكل عن نفسه يجوز وعند محمد - C - يصير الموكل مشتريا لنفسه حتى لو أعتقه جاز عتقه إلا أن يشتري ما بقي فحينئذ يتحول إلى الآمر فأبو يوسف - C - يقول : مقصود الموكل حصول ملك الغير له والقدر الذي حصل من جملة مقصودة ولكنه معيب بعيب الشركة فينفذ تصرف الوكيل له ويثبت له الخيار للعيب فإذا قدم على العتق صار مسقطا لخياره فينفذ العتق من جهته فإذا رده يصير الملك للوكيل حينئذ كما لو وجد به عيبا فرده بشراء العبد والنصف ليس بعبد ولكنه يفرض أن يصير موافقا بشراء ما بقي فقبل وجود هذا لموافقته كان خلافه ظاهرا وكان مشتريا لنفسه . فنفذ عتقه من جهته .
وفرق محمد - C - بين هذا وبين الوكيل بالشراء بألف إذا اشتراه بألفين يتقرر شراؤه لنفسه حتى أنه وإن حط البائع أحد الألفين لا يصير الشراء للموكل وهنا لو اشترى ما بقي قبل الخصومة كان الشراء للموكل .
ووجه الفرق أن غرضه الموافقة هناك باعتبار ما لم يتناوله عقد الوكالة وهو حط الألف الزائد فلم يكن معتبرا وهنا غرضه الموافقة باعتبار ما تناولته الوكالة وهو شراء النصف الباقي فلهذا كان معتبرا .
قال : ( ولو وكل رجلين ببيع شيء وأحدهما عبد محجور عليه أو صبي لم يجز للآخر أن ينفرد ببيعه ) لأنه ما رضي برأيه وحده حتى ضم إليه رأي الآخر ولو كانا حرين فباع أحدهما والآخر حاضر فأجاز البيع كان جائزا لأن تمام العقد برأيهما .
( ألا ترى ) أنه لو باع فضولي فأجازه جاز وكذلك إذا باع أحدهما وأجازه الآخر ولو مات أحدهما أو ذهب عقله لم يكن للآخر أن يبيعه لأنه ما رضي برأيه وحده .
قال : ( ولو وكل رجلا ببيع خادمة له فباعها ثم أقال البيع البائع فيها لزمه المال والخادم له ) لأن الإقالة بيع مبتدأ في حق غيرهما فهو شراء مبتدأ وللموكل غيرهما فيجعل في حقهما حقه كأن الوكيل اشتراه ابتداء .
ويستوي إن كانت الوكالة قبل القبض أو بعده من عيب أو من غير عيب ولو وكل الصبي ببيع خادم فباعها جاز لأن الصبي العاقل له عبارة معتبرة شرعا حتى ينفذ تصرفه بإذن الولي في ملك نفسه فكذلك ينفذ تصرفه في ملك الغير بتوكيل المالك إياه بذلك وهذا لأن اعتبار عبارته بتمحض منفعة له فيه يمتاز الآدمي من البهائم ويحصل له بهذا التصرف معنى التجربة فيصير مهتديا إلى التصرفات عالما بطرق التحرز عن أسباب الغبن وذلك محض منفعة له ثم العهدة على الآمر إذا لم يكن الصبي مأذونا لأن في إلزام العهدة إياه ضررا والصبي يبعد عن المضار فإذا تعذر إيجاب العهدة عليه تعلق بأقرب الناس إليه وهو من انتفع بهذا التصرف وهو الآمر فكانت العهدة عليه إلا أن يكون الصبي مأذونا له فحينئذ تلحقه العهدة لأنه بالإذن صار بمنزلة البالغ في التزام العهدة بالتصرف .
( ألا ترى ) أنه فيما يتصرف لنفسه تلحقه العهدة فكذلك فيما يتصرف لغيره والعبد بمنزلة الصبي إلا أنه إذا كان محجورا عليه يلزمه العهدة بعد العتق لأن قول العبد ملزم في حق نفسه لكونه مخاطبا وإنما لا يكون ملزما في حق المولى وقد سقط حقه بالعتق .
فأما قوله : ( الصبي المحجور ليس بملزم في حق نفسه ) فلهذا لا تلزمه العهدة بعد البلوغ وإن كان الوكيل مجنونا لا يعقل فبيعه باطل لأنه ليس له قول معتبر فركن التصرف القول المعتبر شرعا ) .
وإن كان يعقل البيع والشراء فهو بمنزلة الصبي على ما بيناه وإن كان المأمور مرتدا جاز بيعه لأنه من أهل العبارة المعتبرة ولكن يوقف حكم العهدة عند أبي حنيفة - C - فإن أسلم كانت العهدة عليه وإلا فالعهدة على الآمر .
وعندهما العهدة عليه على كل حال وهو يظهر اختلافهم في تصرفات المرتد لنفسه بيعا أو شراء ولو وكل الصبي أو العبد المحجور عليه بشراء عبد بعينه بثمن مسمى فاشتراه فالثمن لازم على الآمر دون الصبي والعبد ما لم يعتق لأن الصبي المحجور لا يملك التزام الثمن في ذمته والعبد لا يملك ذلك في حق المولى فإذا تعذر إيجاب الثمن عليهما وجب على من وقع له الملك وهو الآمر وصار في حقه بمنزلة الرسول بالشراء فيجب الثمن على المرسل ولو كان مأذونا لهما في التجارة لزمهما الثمن ورجع به على الآمر لأنهما يملكان التزام الثمن في ذمتهما بتصرفهما لأنفسهما فكذلك للغير بحكم الوكالة .
( وأورد المسألة في كتاب الحوالة والكفالة ) .
وقال : ( هذا استحسان وفي القياس لا يلزمهما الثمن ) لأنهما ملتزمان الثمن لمنفعة لغيرهما فكان هذا منهما بمنزلة الكفالة وكفالة الصبي المأذون والعبد المأذون لا تصح وإن كانت بأمر المكفول عنه ولكن استحسن .
فقال : ( هذا من صنع التجار ) لأن التعارف بين التجار في التصرفات ظاهر فإذا لم يتوكل هو عن الغير لا يتوكل الغير عنه في ذلك وفيما هو من صنع التجار المأذون منفك الحجر عنه بخلاف الكفالة فإنها ليست من صنع التجار .
توضيحه : أن المشتري يكون في يده فيحبسه حتى يستوفي الثمن من الآمر فلا يتضرر به بخلاف الكفالة حتى لو وكل بالشراء لنفسه يقول لا يلزمه الثمن لأنه ليس له أن يحبس المبيع بالثمن فيكون ذلك بمنزلة الكفالة منه .
قال : ( وإذا أذن لعبده أو لابنه في التجارة ثم ذهب عقله وأطبق عليه انقطع إذنه ) لأن صحة تصرف المأذون برأي الآذن والجنون المطبق قد قطع رأيه فيكون ذلك بمنزلة موته .
ولو حلف بطلاق أو عتاق أو جعل أمر امرأته بيدها ثم أصابه الجنون بعد ذلك لم يبطل ما فعل من ذلك لأن حكم ذلك التصرف قد لزمه في حال عقله وكماله فلا يبطل بجنونه وهنا بالإذن في التجارة لم يلزمه شيء حتى لو كان مالكا للحجر على المأذون لبطل إذنه بجنونه لأن صحة تصرف المأذون باعتبار أنه يتقوى رأيه برأي وليه فيكون ذلك كالبلوغ في حقه ولهذا قال أبو حنيفة - C - يملك التصرف بالغبن الفاحش وقد انعدم ذلك المعنى بجنون الولي فلا ينفذ تصرفه بعد ذلك ولو وكل وكيلا ببيع أو شراء ثم ذهب عقل الوكيل واختلط ثم اشترى وباع لم يلزم الوكيل الثمن ولزم الآمر أما في نفوذ تصرفه في الآمر فروايتان في هذه الرواية قال : ينفذ لأن جنونه بهذه الصفة لو اقترن بالوكالة لمنع صحتها .
وإذا طرأ عليها فلأن يمنع بقاءها كان ذلك بطريق الأولى وفي غير هذا الموضع يقول لا ينفذ تصرفه على الآمر لأن الآمر إنما رضي بتصرفه في حال كمال عقله فلا يكون ذلك منه رضا بتصرفه بعد اختلاط عقله بخلاف ما إذا وكله ابتداء في هذه الحال لأنه رضي بتصرفه مع اختلاط عقله فإذا ثبت نفوذ التصرف على هذه الرواية قلنا العهدة تكون على الآمر لأن أوان لزوم العهدة وقت مباشرة التصرف لا وقت التوكيل وهو ذاهب العقل فكان التوكيل وجد في هذه الحال .
وإن كان العبد المحجور عليه وكل رجلا ليشتري له شيئا فاشترى له لزم الوكيل لأن العبد لا يملك الشراء لنفسه بنفسه فلا يصح توكيله به وإذا لم يصح التوكيل به صار الوكيل مشتريا لنفسه كما لو لم تسبق الوكالة .
وإذا وكل الرجلان رجلا بيع عبد لهما فباع نصفه وقال : هذا نصف فلان فهو جائز لأنه صار وكيلا من جهة كل واحد منهما ببيع النصفين والوكيل معير منافعه للموكل فيملك تعيين من يعبر عنه .
وإن لم يبين عند البيع أي النصفين يبيع جاز بيعه من نصيب كل واحد منهما نصفه في قياس قول أبي حنيفة - C - ولا يجوز في قولهما لأنه سمي النصف مطلقا عند البيع فليس صرفه إلى نصيب أحدهما بأولى من صرفه إلى الآخر فيشيع في النصفين جميعا وإذا شاع فيهما بحكم المعارضة لم يجز في شيء عندهما لأن الوكيل ببيع النصف لا يملك بيع نصف النصف عندهما كما أن الوكيل ببيع الكل من واحد لا يملك بيع النصف .
وفي قول أبي حنيفة - C - الوكيل ببيع العبد يملك بيع نصفه فيمكن تنفيذ بيعه هنا في نصف نصيب كل واحد منهما وإن لم يختصموا في ذلك حتى باع النصف الآخر جاز كله لأنه قد حصل مقصود كل واحد منهما فلا ينظر إلى تفريق الصفقة مع ذلك .
وإذا باع الوكيل العبد بخمسمائة درهم فقال الآمر : أمرتك بألف درهم أو قال أمرتك بدنانير أو بحنطة أو بشعير أو باعه بنسيئة فقال الآمر : أمرتك بالحال فالقول قول الآمر لأن الأمر مستفاد من جهته .
ولو أنكر الإذن كان القول قوله مع يمينه فكذلك إذا أقر بصفته وكذلك الخلع والنكاح والمكاتبة كله على هذا .
وإذا قال الآمر للوكيل قد أخرجتك عن الوكالة فقال الوكيل : لقد بعته أمس لم يصدق الوكيل لأن الموكل أقر بعزل الوكيل بمحضر منه وإنما أقر بالبيع بعد ما صار معزولا وهو لا يملك إنشاء البيع في هذه الحال فلا يصح إقراره أيضا .
ولو أقر الوكيل بالبيع لإنسان بعينه فقال الآمر : قد أخرجتك من الوكالة جاز البيع إذا ادعى ذلك المشتري لأن الوكيل أقر به في حال بقاء الوكالة لإنشاء العقد في هذه الحال فصح إقراره ولا يبطل ذلك بالعزل بعده .
وإذا اتصل التصديق بالإقرار كان كالموجود يومئذ .
ولو وكله ببيع عبد له فباعه من نفسه لم يجز لأن بيع العبد من نفسه إعتاق والإعتاق غير البيع فإنه إبطال للملك والبيع ناقل أو موجب الملك للغير أو لأن العتق يوجب الوكالة للموكل وهو لم يرض بذلك وليس للوكيل أن يلزمه الولاء بغير رضاه ولو باعه من قريب العبد جاز لأن هذا بيع مطلق ثم العتق ينبني عليه ثبوت الملك للقريب بالشراء فلا يخرج به البيع من أن يكون مطلقا في حق البائع .
( ألا ترى ) أنه لا يملك الرجوع عن الإيجاب هنا قبل قبول المشتري بخلاف بيع العبد من نفسه ولأنه لا يلزم الموكل هنا ولاء وإنما يلزم ولاؤه للمشتري وإن وكله أن يبيعه وأمره أن يشهد على بيعه فباعه ولم يشهد فهو جائز لأنه أمره بالبيع مطلقا وأمره بالإشهاد كان معطوفا على الأمر بالبيع فلا يخرج به الأمر بالبيع من أن يكون مطلقا .
( ألا ترى ) أن الله D أمر بالإشهاد على البيع فقال تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم } ( البقرة : 282 ) ثم من باع ولم يشهد كان بيعه جائزا ولو وكله أن يبيعه برهن ثقة بنسيئة فباعه بغير رهن لم يجز لأن حرف الباء للإلصاق وإلصاق البيع بالرهن لا يكون إلا بالشرط فإنما أمره ببيع مقيد بشرط فإذا لم يأت بذلك الشرط كان مخالفا وكذلك لو أمره بأن يبيعه من فلان بكفيل ثقة فباعه من غير كفيل لم يجز لأنه أمره ببيع مقيد والذي أتى به بيع مطلق والمطلق غير المقيد وفي شراء الكفيل والرهن منفعة معتبرة للموكل وهو التوثق بحقه فليس للوكيل أن يفوت عليه هذه المنفعة .
( ألا ترى ) أن التوكيل بالبيع ومن أوجب لغيره بيعا بشرط رهن أو كفيل لم يكن له أن يقبل بدون ذلك الشرط فهذا مثله فإن قال الوكيل : لم يأمرني بذلك فالقول قول الآمر لما بينا أن الأدب مستفاد من جهته ولو وكله أن يبيعه من رجل سماه فباعه منه ومن آخر جاز في النصف الذي باع لذلك الرجل في قول أبي حنيفة - C - ولم يجز عندهما لأنه في الذي باعه للآخر مخالف .
( ألا ترى ) أنه لو باع الكل من الآخر لم يجز بيعه فإذا باع من الذي سمي له الموكل والوكيل ببيع النصف عند أبي حنيفة - C - فلهذا جاز في ذلك النصف .
قال : ( وإذا وكله ببيع عبد فباعه واشترط الخيار لنفسه أو للآمر فهو جائز ) لأنه قائم مقام الموكل وكل يملك البيع بشرط الخيار واشتراط الخيار للموكل كاشتراطه للأجنبي وذلك يجوز عندنا خلافا لزفر - C - وهي مسألة معروفة ثم لا ضرر على الآمر في هذا الشرط بل فيه نفع له والوكيل لا يصير مخالفا بما يراد فيه منفعة الآمر وإذا قبل الوكيل العبد بغير قضاء قاض بخيار شرط أو رؤية فهو جائز على الآمر لأن الرد بهذا فسخ من الأصل .
( ألا ترى ) أن المشتري ينفرد به وكذلك لورده المشتري عليه بعيب قبل القبض بغير قضاء قاض فهو جائز على الآمر لأن الرد هنا فسخ من الأصل حتى ينفرد به المشتري وهذا بخلاف الإقالة قبل القبض على ما سبق بيانه لأن المشتري لا ينفرد بالإقالة فكان ذلك التصرف معتمده التراضي فينفذ على الوكيل دون الآمر وإذا باع الوكيل العبد من أب الآمر أو ابنه أو مكاتبه أو عبده التاجر المديون جاز لأنه لا تهمة بين الوكيل وبين هؤلاء إذ ليس بينهما وصلة وكان بيع الوكيل من هؤلاء كبيع الموكل بنفسه ولو باعه من عبده المأذون الذي لا دين عليه لم يجز كما لو باعه الموكل بنفسه وكذلك لو كان العبد مأذونا فباعه الوكيل من هؤلاء فهو جائز إن كان على العبد دين .
وإن لم يكن دين فالبيع مردود اعتبار بيع الوكيل ببيع الموكل بنفسه وهذا لأن البيع عقد شرعي فيعتبر إذا كان مفيدا ولا يعتبر إذا لم يكن مفيدا وإذا كان على العبد دين فبيعه الكسب من هؤلاء مفيد وإذا لم يكن عليه دين فلا فائدة في هذا البيع لأن المولى يتمكن من أخذ كسبه من غير بيع .
قال : ( وإذا أمر الرجل رجلا ببيع عبد له ودفعه إليه فقال الوكيل : قد بعته من هذا وقبضت الثمن وهلك عندي وادعى المشتري ذلك فهو جائز والوكيل مصدق فيه مع يمينه ) لأنه مسلط على البيع وقبض الثمن وقد أجبر بما جعل مسلطا عليه في حال قيام التسليط ولا تمكن التهمة في جبره وهو أمين بما دفع إليه فإذا أخبر بأداء الأمانة فيه كان القول قوله مع يمينه .
وإن كان الآمر قد مات . وقال ورثته : لم نسمع وقال الوكيل قد بعته من فلان بألف درهم وقبضته وهلك عندي وصدقه المشتري فإن كان العبد قائما بعينه لم يصدق الوكيل بالبيع لأنه أخبر به في حال لا يملك إنشاءه فإنه قد يعزل بموت الآمر ولأن العبد صار ملك الوارث في الظاهر ولم يسلطه الوارث على إزالة ملكه فلا قول له في ذلك بخلافه حال حياة الآمر ولكن إن أقام المشتري البينة على الشراء في حياة الآمر كان العبد له وإلا فهو للورثة مع يمينهم على العلم فإذا أخذت الورثة العبد ضمن الوكيل المال للمشتري بإقراره بقبضه منه عوضا عن اليمين وقد استحق العبد من يد المشتري فكان ضامنا له ما قبض من الثمن .
وإن كان العبد مستهلكا فالوكيل يصدق بعد أن يحلف استحسانا وفي القياس لا يصدق لما بينا من المعنيين أنه قد انعزل بموت الآمر وإن بدله وهو القيمة صار ملكا للوارث على المشتري بقبضه العبد أو باستهلاكه فلا يقبل قول الوكيل في إبطال ملكهم .
ووجه الاستحسان : أن الوكيل بما يخبر هنا بنفي الضمان عن نفسه وهو كان أمينا في هذا العبد فيكون قوله مقبولا مع يمينه فيما ينفي الضمان به عن نفسه بخلاف قيام العبد فإنه يزيل ملكا ظاهرا للوارث في العبد وهو ليس بأمين في ذلك فلا يقبل قوله . لهذا ولو وكله ببيع أمة له فباعها الموكل أو كاتبها أو وهبها وسلمها فذلك نقض للوكالة لأن الوكالة تعلقت بملك الموكل وقد زال ملكه بالبيع والهبة والتسليم فلا تبقى الوكالة بدون المحل .
وكذلك بالكتابة خرجت عن أن تكون محلا للبيع فلا تبقى الوكالة بعد خروج المحل من أن يكون محلا للتصرف كما لا يثبت ابتداء .
ولو استخدمها الموكل أو وطئها ولم تلد ولدا منه فالوكيل على وكالته لأنها باقية على ملكه محل للتصرف الذي وكل الوكيل به .
وكذلك لو أجرها أو رهنها الموكل فإن الوكيل على وكالته لأنها باقية على ملكه محل للبيع وإن كان يحتاج إلى رضا المرتهن والمستأجر للزوم البيع فيهما .
( ألا ترى ) : أن ابتداء التوكيل من الآمر صحيح بعد الرهن . والإجارة وهذا لأنه يملك بيعها بنفسه فإنه لو باعها نفذ في حقه وإنما توقف لحق الغير حتى إذا سقط حق المستأجر والمرتهن كان بيعه جائزا نافذا فكذلك توكيله ببيعها يصح في هذه الحال ويبقى صحيحا ولو باعها الوكيل أو الآمر ثم ردت بعيب بقضاء قاض فللوكيل أن يبيعها لأن الرد بالعيب بقضاء القاضي فسخ من الأصل فعادت إلى قديم ملك الموكل وانتقاض الوكالة كان حكما لزوال ملك الموكل فإذا عاد ملكه عادت الوكالة .
وكذلك لو كان الرد بخيار الشرط كان للبائع أو للمشتري أو بفساد البيع أو بخيار الرؤية لأن هذه الأسباب تفسخ العقد من الأصل وإن قبلها الموكل بعيب بغير قضاء القاضي بعد قبض المشتري لم يكن للوكيل بيعها .
وكذلك لو تقايلا البيع فيها لأن هذا السبب كالعقد المبتدإ في حق غير المتعاقدين والوكيل غيرهما فكان في حق الوكيل كان الموكل اشتراها ابتداء وكذلك إن رجعت إلى الموكل بميراث أو هبة أو غيرهما بملك جديد لم يكن للوكيل بيعها لأن الوكالة تعلقت بالملك الأول وهذا ملك جديد سوى الأول فلا يثبت فيه حكم الوكالة إلا بتجديد توكيل من المالك .
ولو وكله ببيع عبد ثم أذن له في التجارة أو جنى عليه جناية كان على وكالته لأن المحل لم يخرج من أن يكون محلا صالحا لهذا التصرف بما أحدثه الموكل . ولم يخرجه الموكل بهذا الفعل عن صحة تصرف الوكيل فبقاء الوكالة أولى .
وإذا باع الوكيل العبد ثم قطع يده قبل أن يقبضه المشتري فللمشتري أن يؤدي جميع الثمن ويأخذ العبد ويتبع الوكيل بنصف القيمة ويتصدق بالفضل لأن قطع اليد ليس مما اقتضته الوكالة فكان الوكيل فيه كأجنبي آخر .
فإن قيل : أليس أن الوكيل بالبيع نزل منزلة العاقد لنفسه ولو كان باعه لم يجب عليه القيمة بقطع يده .
قلنا : هو في حقوق العقد ينزل منزلة العاقد لنفسه وقطع اليد ليس من حقوق العقد في شيء فكان هو فيها كأجنبي آخر وكذلك لو كبله أو استخدمه فمات من ذلك فللمشتري أن يضمن الوكيل القيمة ويعطيه الثمن لأن هذا الفعل ليس مما تضمنته الوكالة وهو من حقوق عقد الوكيل فيكون الوكيل فيه كأجنبي آخر وإذا وكل رجلا ببيع عبده هذا ووكل آخر به أيضا فأيهما باعه جاز لأنه رضي برأي كل واحد منهما على الانفراد حين وكله ببيعه وحده وهذا بخلاف الوصيين إذا أوصى كل واحد منهما في عقد على حدة حيث لا ينفرد واحد منهما بالتصرف في أصح القولين لأن وجوب الوصية بالموت وعند الموت صارا وصيين جملة واحدة وهنا حكم الوكالة يثبت بنفس التوكيل فإذا أفرد كل واحد منهما بالعقد استبد كل منهما بالتصرف .
فإن باعه كل واحد منهما من رجل فإن علم الأول منهما كان العبد له لأن بيع الأول منهما حصل في حال قيام الوكالة فنفذ وصار بيعه كبيع الموكل بنفسه . فانعزل به الوكيل الثاني وإنما باعه بعد ما انعزل فلم يصح بيعه .
وإن لم يعلم الأول منهما فلكل واحد منهما نصفه بنصف الثمن لأنه ليس أحدهما بنفوذ تصرفه بأولى من الآخر ولأن المشتريين قد استويا في استحقاق العبد للمساواة بينهما في السبب فكان العبد بينهما نصفين ويجبر كل واحد منهما لتفرق الصفقة عليه حيث لم يسلم له إلا نصف العبد وقد اشتراه كله .
وإن كان العبد في يد أحد الوكيلين أو في يد الموكل أو في يد المشتريين فهو سواء لأن يد الوكيل فيه كيد الموكل فلا يظهر اعتبار ترجيح لأحد المشتريين فأما إذا كان في يد أحد المشتريين فهو له لترجيح جانبه بتأكد شرائه وتمكنه من القبض دليل سبق شرائه ولأن بالآخر حاجة إلى استحقاق يده عليه وبشرائه من الوكيل الآخر لا يظهر عند الاستحقاق وإنما يظهر بإقامة البينة بسبق عقده فإن أوهم لبسة على ذلك أخذه وإلا فلا سبيل له على العبد .
وإذا وكل رجل رجلا ببيع عبده فباعه مع عبد آخر بثمن واحد فهو جائز وللآمر حصة عبده لأنه حصل مقصود الآمر إذ لا فرق في حقه بين أن يبيعه وحده وبين أن يبيعه مضموما إليه عبد آخر إلا أن عند أبي حنيفة - C - يجوز بيعه سواء قلت حصة عبد الموكل من الثمن المسمى أو كثرت وعندهما إنما يجوز إذا كان بحصة من الثمن قدر قيمته أو أقل بما يتغابن الناس في مثله بمنزلة ما لو باعه وحده .
ولو كان قال له : بع عبدي هذا بخمسمائة فباعه مع عبد آخر بألف درهم لا يجوز بيعه في عبد الموكل عند أبي حنيفة - C .
وعندهما يجوز إذا كانت حصة عبد الموكل من المسمى خمسمائة أو أكثر لأنه حصل مقصود الآمر بتصرفه ولكن أبو حنيفة - C - يقول أمره بالبيع بثمن مقطوع على مقداره بيقين ولم يأت بذلك لأن انقسام الثمن على العبدين باعتبار القيمة وطريق معرفة ذلك الحزر والظن فكان هذا غير التصرف المأمور به فلهذا لا ينفذ ولو وكله بشراء عبد بعينه فإن لم يسم له الثمن فاشتراه مع عبد آخر جاز إذا كان حصة المشتري للآمر مثل قيمته أو أكثر بما يتغابن الناس فيه .
وإن كان سمي له خمسمائة فاشتراه مع عبد آخر بألف لم يجز في قول أبي حنيفة - C - على الآمر .
ويجوز في قولهما إذا كان حصة المشتري للآمر من الثمن خمسمائة أو أقل ولو كان الآمر الموكل حين أمره ببيع عبده قال له : هو يقوم على بمائتي درهم فضم الوكيل عبدا آخر معه يقوم عليه بمائتي درهم فباعهما مرابحة على ثلثمائة درهم فهو جائز والثمن بينهما على رأس المال لأن بيع المرابحة