وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( قال ) الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي - C - إملاء إعلم أن الوكالة في اللغة عبارة عن الحفظ . ومنه الوكيل في أسماء الله تعالى بمعنى الحفيظ كما قال الله تعالى : { وحسبنا الله ونعم الوكيل } ( آل عمران : 173 ) ولهذا قال علماؤنا - رحمهم الله - فيمن قال لآخر وكلتك بمالي أنه يملك بهذا اللفظ الحفظ فقط وقيل معنى الوكالة التفويض والتسليم ومنه التوكل قال الله تعالى : { وعلى الله توكلنا } ( آل عمران : 173 ) يعني فوضنا إليه أمورنا وسلمنا .
فالتوكيل تفويض التصرف إلى الغير وتسليم المال إليه ليتصرف فيه ثم للناس إلى هذا العقد حاجة ماسة فقد يعجز الإنسان عن حفظ ماله عند خروجه للسفر وقد يعجز عن التصرف في ماله لقلة هدايته وكثرة اشتغاله أو لكثرة ماله فيحتاج إلى تفويض التصرف إلى الغير بطريق الوكالة . وقد عرف جواز هذا العقد بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى : { فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة } ( الكهف : 19 ) وهذا كان توكيلا .
وأما السنة فما روي عن النبي - A - ( أنه وكل حكيم ابن حزام - Bه - بشراء الأضحية وبه وكل عروة البارقي ) ( فلما سئل - رسول الله A - شيئا أعطاه علامة وقال ائت وكيلي بخيبر ليعطيك ما سألتني بهذه العلامة ) والدليل عليه الحديث الذي بدأ به محمد - C الكتاب - ورواه أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - عن سالم عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس - Bها - قالت : ( طلقني زوجي ثلاثا ثم خرج إلى اليمن فوكل أخاه بنفقتي فخاصمته عند رسول الله - A - فلم يجعل لي نفقة ولا سكنى ) ففي هذا جواز التوكيل بالاتفاق وبظاهر الحديث يستدل ابن أبي ليلى - C - فيقول ليس للمبتوتة نفقة ولا سكنى .
ولكنا نقول إن صح الحديث فله تأويلان : أحدهما أنها كانت بذيئة اللسان بذية على أحماء زوجها فأخرجوها فأمر رسول الله - A - ( أن تعتد في بيت أم مكتوم - Bها - تسكينا للفتنة ) فظنت أنه لم يجعل لها نفقة ولا سكنى الثاني : أنه وكل أخاه بأن ينفق عليها خبز الشعير ولم يكن الزوج حاضرا ليقضي عليه بشيء آخر فلهذا قالت : ولم يجعل لي نفقة ولا سكنى .
وذكر عن عبدالله بن جعفر - Bه - قال : ( كان علي - كرم الله وجهه - لا يحضر خصومة أبدا وكان يقول : إن الشيطان ليحضرها وإن لها قحما ) الحديث وفيه دليل على أن التحرز عن الخصومة واجب ما أمكن لما أشار إليه - رضي الله - عنه - أنه موضع لحضرة الشيطان وأن للخصومة قحما أي مهالك وقال A : ( كفى بالمرء إثما أن لا يزال مخاصما ) .
قال ( وكان إذا خوصم في شيء من أمواله وكل عقيلا Bه ) وفيه جواز التوكيل بالخصومة .
وبظاهره يستدل أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله في جواز التوكيل بغير رضا الخصم لأن عليا Bه لم يطلب رضا خصومه ولكن الظاهر أن خصومه كانوا يرضون بتوكيله لأنه كان أهدى إلى طرق الخصومة من غيره . لو فور علمه وإنما كان يختار عقيلا Bه لأنه كان ذكيا حاضر الجواب حتى حكي أن عليا Bه استقبله يوما ومعه عنزله فقال له علي - Bه - على سبيل الدعابة : أحد الثلاثة أحمق فقال عقيل - Bه - أما أنا وعنزى فعاقلان قال فلما كبر سن عقيل . وكل عبدالله بن جعفر - Bه - إما أنه وقره لكبره أو لأنه انتقص ذهنه فكان يوكل عبدالله بن جعفر - Bه - وكان ذكيا شابا وقال هو وكيلي فما قضى عليه فهو علي وما قضي له فهو لي .
وفي هذا دليل على أن الوكيل يقوم مقام الموكل وأن القضاء عليه بمنزلة القضاء على الموكل قال فخاصمني طلحة بن عبدالله - Bه - في ضفير أحدثه علي - Bه - بين أرض طلحة وأرض نفسه والضفير المسناة وفيه دليل على أنهم كانوا يختصمون فيما بينهم ولا نظن بواحد منهم سوى الجميل لكن كان يستبهم عليهم الحكم فيختصمون إلى الحاكم ليبينه لهم ولهذا كانوا يسمون الحاكم فيهم المفتي فوقع عند طلحة - Bه - أن عليا - كرم الله وجهه - أضربه وحمل عليه السيل ولم ير علي - Bه - في ذلك ضررا حين أحدثه . قال : فوعدنا عثمان - Bه - أن يركب معنا فينظر إليه .
وفيه دليل على أن فيما تفاقم من الأمر ينبغي للإمام أن يباشره بنفسه وأن يركب إن احتاج إلى ذلك فقال والله إني وطلحة نختصم في المواكب وإن معاوية - Bه - على بغلة شهباء . أمام الموكب قد قدم قبل ذلك . وافدا فألقى كلمة عرفت أنه أعانني بها قال أرأيت هذا الضفير كان على عهد عمر - Bه - قال : قلت : نعم قال : لو كان جورا ما تركه عمر - Bه .
وفي هذا بيان أنه لم يكن بين علي ومعاوية Bهما في أول الأمر سوى الجميل إلى أن نزغ الشيطان بينهما فوقع ما وقع قال فسار عثمان - Bه - حتى رأى الضفير فقال ما أرى ضررا وقد كان على عهد عمر - Bه - ولو كان جورا لم يدعه وإنما قال ذلك لأن عمر - Bه - كان معروفا بالعدل ودفع الظلم على ما قال رسول الله - A - : ( أينما دار عمر فالحق معه ) . وفيه دليل على أنه ما وجد قديما يترك كذلك ولا يغير إلا بحجة فإن عثمان - Bه - ترك الضفير على حاله بسبب أنه كان قديما وذكر عن شريح - C - أنه يجيز بيع كل مجيز الوصي والوكيل والمجيز ما يتم العقد بإجازته وفيه بيان أن العقود تتوقف على الإجازة وأن من يملك إنشاء العقد يملك إجازته وصيا كان أو وكيلا أو مالكا لأن المعتبر أن يكون تمام العقد برأيه وذلك ما حصل بإجازته .
وذكر عن شريح - C - أنه قال : من اشترط الخلاص فهو أحمق سلم ما بعت أو ذر ما أخذت ولا خلاص وبه أخذ علماؤنا - رحمهم الله - بخلاف ما يقوله إبراهيم النخعي - C - أن من باع عبدا يؤاخذ بخلاصه يعني إذا شرط ( وهذه ثلاثة فصول ) : .
( الأول ) : اشتراط الدرك وتفسيره رد اليمين لاستحقاق المبيع وهو شرط صحيح لأنه يلائم موجب العقد وهو ثابت بدون الشرط فلا يزيده الشرط إلا وكادة .
( والثاني ) : شرط العهدة وهو جائز عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - فإنه عبارة عن ضمان الدرك عندهما وعند أبي حنيفة - C - هو باطل ( وتفسيره ) الصك الأصلي الذي كان عند البائع يشترط المشتري عليه أن يسلمه إليه وهذا شرط فيه منفعة لأحد المتعاقدين ولا يقتضيه العقد فكان باطلا .
( والثالث ) : شرط الخلاص ( وتفسيره ) : أن يشترط على البائع أن المبيع إذا استحق من يده يخلصه حتى يسلمه إليه بأي طريق يقدر عليه وهذا باطل لأنه شرط لا يقدر على الوفاء به فالمستحق ربما لا يساعده عليه ولهذا ينسبه شريح - C - إلى الحماقة حيث التزم ما ليس في وسعه الوفاء به .
وإذا وكل الرجل بالخصومة في شيء فهو جائز لأنه يملك المباشرة بنفسه فيملك هو صكه إلى غيره ليقوم فيه مقامه وقد يحتاج لذلك إما لقلة هدايته أو لصيانة نفسه عن الابتذال في مجلس الخصومة وقد جرى الرسم على التوكيل على أبواب القضاة من لدن رسول الله - A - إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ولا زجر زاجر .
فإن أقر الوكيل على الذي وكله بالخصومة مطلقا في القياس لا يجوز إقراره سواء كان في مجلس القاضي أو في غير مجلس القاضي وهو قول أبي يوسف الأول وقول زفر والشافعي - رحمهم الله - ثم رجع أبو يوسف - C - فقال يصح إقراره في مجلس القاضي وفي غير مجلس القاضي إقراره باطل وجه القياس : أنه وكله بالخصومة والخصومة اسم لكلام يجري بين اثنين على سبيل المنازعة والمشاحة والإقرار اسم لكلام يجري على سبيل المسالمة والموافقة وكان ضد ما أمر به والتوكيل بالشيء لا يتضمن ضده ولهذا لا يملك الوكيل بالخصومة الهبة والبيع أو الصلح والدليل عليه بطلان إقرار الأب والوصي على الصبي مع أن ولايتهما أعم من ولاية الوكيل وأبو يوسف - C - يقول الموكل أقام الوكيل مقام نفسه مطلقا فيقتضي أن يملك ما كان الموكل مالكا له والموكل مالك للإقرار بنفسه في مجلس القضاء وفي غير مجلس القضاء فكذلك الوكيل وهذا لأنه إنما يختص بمجلس القضاء ما لا يكون موجبا إلا بانضمام القضاء إليه . كالبينة واليمين فأما الإقرار فهو موجب للحق بنفسه سواء حصل من الوكيل أو من الموكل فمجلس القضاء فيه وغير مجلس القضاء سواء .
وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - قالا حقيقة الخصومة ما قال زفر - C - ولكنا تركنا هذه الحقيقة وجعلنا هذا توكيلا مجازا بالجواب والإقرار جواب تام وإنما حملناه على هذا المجاز لأن توكيله إنما يصح شرعا بما يملكه الموكل بنفسه والذي يتيقن به أنه مملك للموكل الجواب لا الإنكار فإنه إذا عرف المدعي محقا لا يملك الإنكار شرعا وتوكيله فيما لا يملك لا يجوز شرعا والديانة تمنعه من قصد ذلك فلهذا حملناه على هذا النوع من المجاز كالعبد المشترك بين اثنين يبيع أحدهما نصيبه فينصرف بيعه إلى نصيبه مطلقا ليصحح عقدة هذا الطريق غير أنه إنما سمي الجواب خصومة مجازا إذا حصل في مجلس القضاء لأنه لما ترتب على خصومة الآخر إياه سمي باسمه كما قال الله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ( الشورى : 40 ) والمجازاة لا تكون سيئة حقيقة ولأن مجلس الحكم الخصومة فما يجري فيه يسمى خصومة مجازا وهذا لا يوجد في غير مجلس القضاء ولأنه إنما استعان بالوكيل فيما يعجز عن مباشرته بنفسه وذلك فيما يستحق عليه والمستحق عليه إنما هو الجواب في مجلس الحكم بخلاف الأب والوصي فإن تصرفهما مقيد بشرط الأنظر والأصلح قال الله تعالى : { قل إصلاح لهم خير } ( البقرة : 220 ) وقال D : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } ( الأنعام : 152 ) وذلك لا يظهر بالإقرار فلهذا لا يملكه وإن وكله بالخصومة غير جائز الإقرار عليه صح الاستثناء في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف - C - أنه لا يصح لأن من أصله أن صحة الإقرار باعتبار قيام الوكيل مقام الموكل وهذا حكم الوكالة فلا يصح استثناؤه كما لو وكل بالبيع على أن لا يقبض الوكيل الثمن أو لا يسلم المبيع كان الاستثناء باطلا .
فأما في ظاهر الرواية فالاستثناء صحيح لأن صحة إقرار الوكيل باعتبار ترك حقيقة اللفظ إلى نوع من المجاز فهو بهذا الاستثناء يبين أن مراده حقيقة الخصومة لا الجواب الذي هو مجاز بمنزلة بيع أحد الشريكين نصف العبد شائعا من النصيبين أنه لا ينصرف إلى نصيبه خاصة عند التنصيص عليه بخلاف ما إذا أطلق والثاني أن صحة إقراره وإنكاره عند الإطلاق لعموم المجاز لأن ذلك جواب ولاعتبار المناظرة في المعاملات بالمناظرة في الديانات منع موضعه فإذا استثني الإقرار كان هذا استثناء لبعض ما تناوله مطلق الكلام أو هو بيان مغاير لمقتضى مطلق الكلام فيكون صحيحا كمن حلف لا يضع قدمه في دار فلان فدخلها ماشيا أو راكبا حنث لعموم المجاز .
فإن قال في يمينه ماشيا فدخلها راكبا لم يحنث لما قلنا وعلى هذا الطريق إنما يصح استثناؤه الإقرار موصولا لا مفصولا عن الوكالة وعلى الطريق الأول يصح استثناؤه موصولا ومفصولا قالوا : وكذلك لو استثنى الإنكار صح ذلك عند محمد - C - خلافا لأبي يوسف - C - وهذا لأن إنكار الوكيل قد يضر الموكل بأن كان المدعي وديعة أو بضاعة فأنكر الوكيل لم يسمع منه دعوى الرد والهلاك بعد صحة الإنكار ويسمع منه ذلك قبل الإنكار فإذا كان إنكاره قد يضر الموكل صح استثناؤه . الإقرار ثم إذا أقر الوكيل في غير مجلس القاضي فلم يصح إقراره عندهما كان خارجا من الوكالة وليس له أن يخاصم بعد ذلك لأنه يكون مناقضا في كلامه والمناقض لا دعوى له فيستبدل به كالأب والوصي إذا لم يصح إقرارهما على الصبي لا يملكان الخصومة في تلك الحادثة بعد ذلك .
وإذا وكله بالخصومة في دار يدعي فيها دعوى ثم عزله عنها ثم شهد له الوكيل بها فإن كان الوكيل قد خاصم إلى القاضي جازت شهادته عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ولم تجز عند أبي يوسف - C - وهو بناء على ما ذكرنا أن عند أبي يوسف - C - بتعيينه للتوكيل صار خصما قائما مقام الموكل ولهذا جاز إقراره فيخرج من أن يكون شاهدا بنفس التوكيل .
وعندهما إنما يصير خصما في مجلس القاضي فكذلك إنما يخرج من أن يكون شاهدا إذا خاصم في مجلس القاضي لا قبل ذلك وإذا وكله بالخصومة فله أن يعزله متى شاء لأن صحة الوكالة لحاجة الموكل إليه ولما له فيها من المنفعة وذلك في جوازها دون لزومها ولأن الوكيل معيره منافعه والإعارة لا يتعلق بها اللزوم إلا في خصلة واحدة وهي أن يكون الخصم قد أخذه حتى جعله وكيلا في الخصومة فلا يكون له أن يخرجه منها إلا بمحضر من الخصم لأنه تعلق بهذه الوكالة حق الخصم فإنه إنما خلي سبيله اعتمادا على أنه يتمكن من إثبات حقه على الوكيل متى شاء فلو جوزنا عزله بدون محضر من الخصم بأن يعزل الموكل وكيله ويخفي شخصه فلا يتوصل الخصم إلى إثبات حقه فلمراعاة حق الخصم قلنا : لا يتمكن من عزل الوكيل كالعزل في باب الرهن إذا كان مسلطا على بيعه لا يملك الراهن عزله لحق المرتهن .
وعلى هذا قال بعض مشايخنا - رحمهم الله - إذا وكل الزوج وكيلا بطلاق امرأته بالتماسها ثم سافر لا يملك عزل الوكيل إلا بمحضر منها والأصح أنه لا يملكه هناك لأنه لا حق للمرأة في سؤال الطلاق . والتوكيل عند سفر الزوج وهنا للخصم حق أن يمنع خصمه من أن يسافر وأن يلازمه ليثبت حقه عليه وهو إنما ترك ذلك بتوكيله .
وعلى هذا قال بعض مشايخنا - رحمهم الله - إذا قال الزوج للوكيل بالطلاق كلما عزلتك فأنت وكيل لا يملك عزله لأنه كلما عزله تجددت وكالته فإن تعليق الوكالة بالشرط صحيح والأصح عندي أنه يملك عزله بأن يقول عزلتك عن جميع الوكالات فينصرف ذلك إلى المعلق والمنفذ لأنا لو لم نجز ذلك أدى إلى تغيير حكم الشرع بجعل الوكالة من اللوازم وذلك باطل .
وإذا وكله بالخصومة وهو مقيم بالبلد لم يقبل ذلك منه إلا برضا من خصمه أو يكون مريضا أو غائبا مسيرة ثلاثة أيام .
والرجال والنساء والثيب والبكر في ذلك سواء في قول أبي حنيفة - C .
وكان ابن أبي ليلى - C - يقول للبكر أن توكل بغير رضا الخصم وكان أبو يوسف - C - يقول أولا للمرأة أن توكل بذلك بكرا كانت أو ثيبا إذا لم يكن مروءة .
وفي قوله الآخر وهو قول محمد والشافعي - رحمهم الله - الرجل والمرأة سواء في ذلك لهم التوكيل بغير رضا الخصم .
ووجه هذا القول أن التوكيل حصل بما هو من خالص حق الموكل فيكون صحيحا بغير رضا الخصم كالتوكيل بالقبض والإيفاء والتقاضي .
وبيان ذلك أنه وكله بالجواب الذي هو إنكار ومن أفسد هذا التوكيل إنما يفسده من هذا الوجه فإن التوكيل بالإقرار صحيح والإنكار خالص حق الموكل لأنه يدفع به الخصم عن نفسه فعرفنا أنه وكله بما هو من خالص حقه .
وأبو حنيفة - C - يقول : هو بهذا التوكيل قصد الإضرار بخصمه فيما هو مستحق عليه فلا يملكه إلا برضاه كالحوالة بالدين ومعنى هذا الكلام أن الحضور والجواب مستحق عليه بدليل أن القاضي يقطعه عن أشغاله ويحضره ليجيب خصمه وإنما يحضره لإيفاء حق مستحق عليه والناس يتفاوتون في هذا الجواب فرب إنكار يكون أشد دفعا للمدعي من إنكار والظاهر أن الموكل إنما يطلب من الوكيل وذلك الأشد الذي لا يتأتى منه لو أجاب الخصم بنفسه وفيه إضرار بالخصم إلا أن أبا يوسف ومحمدا - رحمهما الله - قالا : .
ذلك حق الموكل لو أتى به بنفسه كان مقبولا منه وصحة التوكيل باعتبار ما هوحق للموكل دون ما ليس الأشد لحق له كما بيناه في المسألة الأولى أبو حنيفة - C - بنى على العرف الظاهر . هنا وقال : الناس إنما يقصدون بهذا التوكيل أن يشتغل بالحيل والأباطيل ليدفع حق الخصم عن الموكل وأكثر ما في الباب أن يكون توكيله بما هو من خالص حقه ولكن لما كان يتصل به ضرر بالغير من الوجه الذي قلنا لا يملك بدون رضاه كمن استأجر دابة لركوبه أو ثوبا للبسه لا يملك أن يؤاجره من غيره وإن كان يتصرف في ملكه وهي المنفعة ولكن يتصل به ضرر بملك الغير وهو العين لأن الناس يتفاوتون في اللبس والركوب فكذلك أحد الشريكين في العبد إذا كاتبه كان للآخر أن يفسخ .
وإن حصل تصرف المكاتب في ملكه لإضرار يتصل بالشريك وهذا بخلاف التوكيل بالقبض والإيفاء فإن الحق معلوم بصفته فلا يتصل بهذا التوكيل ضرر بالآخر .
وكذلك التقاضي له حد معلوم منع الوكيل من مجاوزة ذلك الحد لئلا يتضرر به الخصم فأما الخصومة فليس لها حد معلوم يعرف حتى إذا جاوزه منع منه فلهذا شرطنا رضا الخصم وهذا الشرط ليس مؤثرا في صحة الوكالة فالتوكيل صحيح ولكن الكلام في إسقاط حق المطالبة بجواب الموكل ولهذا لا يشترط رضا الخصم في التوكيل عند غيبة الموكل أو مرضه لأنه ليس للخصم حق المطالبة بإحضار الموكل فلا يكون في التوكيل إسقاط حق مستحق عليه وهو نظير شهادة الفروع على شهادة الأصول فإنها تصح عند مرض الأصول وغيبتهم مدة السفر ولا تصح عند حضورهم لاستحقاق الحضور بأنفسهم للأداء في هذه الحال .
وابن أبي ليلى - C - كان يقول : المقصود بإحضار البكر لا يحصل لأنها تستحيي فتسكت والشرع مكنها من ذلك فجاز لها أن توكل بغير رضا الخصم وهكذا يقول أبو يوسف - C - في المرأة التي ليست معتادة مخالطة الرجال فإنها لا تتمكن من هذا الجواب إذا حضرت مجلس الحكم فإن حشمة القضاء تمنعها من ذلك وإذا كان المقصود لا يحصل بحضورها جاز لها أن توكل والذي نختاره في هذه المسألة من الجواب أن القاضي إذا علم من المدعي التعنت في إباء الوكيل لا يمكنه من ذلك ويقبل التوكيل من الخصم .
وإذا علم من الموكل القصد إلى الإضرار بالمدعي في التوكيل لا يقبل ذلك منه إلا برضا الخصم فيصير إلى دفع الضرر من الجانبين . وإذا وكلت امرأة رجلا أو رجل امرأة أو مسلم ذميا أو ذمي مسلما أو حر عبدا أو مكاتبا له أو لغيره بإذن مولاه فذلك كله جائز لعموم الحاجة إلى الوكالة في حق هؤلاء .
قال : ( والوكالة في كل خصومة جائزة ما خلا الحدود والقصاص أو سلعة ترد من عيب ) والمراد التوكيل باستيفاء الحدود والقصاص فإن التوكيل باستيفاء الحدود باطل بالاتفاق لأن الوكيل قائم مقام الموكل والحدود تندرئ بالشبهات فلا تستوفى بما يقوم مقام الغير في ذلك من ضرب . وشبهه .
( ألا ترى ) أنها لا تستوفى في كتاب القاضي إلى القاضي والشهادة على شهادة النساء مع الرجال .
وكذلك التوكيل باستيفاء القصاص لا يجوز ولا يستوفى في حال غيبة الموكل عندنا .
وعند الشافعي - C - يستوفيه الوكيل لأنه محض حق العباد ومبنى حقوق العباد على الحفظ والصيانة عليهم فكان لصاحب القصاص أن لا يحضر بنفسه ويوكل باستيفائه دفعا للضرر عن نفسه كسائر حقوقه .
ولكنا نقول : هذه عقوبة تندرئ بالشبهات فلا تستوفي بمن يقوم مقام الغير كالحدود ولهذا لا تستوفي في كتاب القاضي إلى القاضي ولا بشهادة النساء مع الرجال وتوضيحه أنه لو استوفى في حال غيبة الموكل كان استيفاء مع تمكن شهادة العفو لجواز أن يكون الموكل عفي بنفسه والوكيل لا يشعر به ولهذا إذا كان الموكل حاضرا يجوز للوكيل أن تستوفي لأنه لا تتمكن فيه شبهة العفو وقد يحتاج الموكل إلى ذلك إما لعلة هدايته في الاستيفاء أو لأن قلبه لا يحتمل ذلك فيجوز التوكيل في الاستيفاء عند حضرته استحسانا فأما قوله : ( أو سلعة ترد بالعيب ) فليس المراد به أن التوكيل بالخصومة في هذا غير صحيح بل المراد أن الوكيل إذا أثبت العيب فادعى البائع رضا المشتري بالعيب فليس للوكيل أن يرده بالعيب حتى يحضر المشتري فيحلف بالله ما رضي بالعيب وهذا بخلاف الوكيل يقبض الدين إذا ادعى المطلوب أن الطالب قد استوفى دينه أو أبرأ المطلوب منه فإنه يقال له ادفع المال إلى الوكيل وأنت على خصومتك في استحلاف الموكل إذا حضر والفرق من وجهين : .
أحدهما : أن الدين حق ثابت بنفسه إذ ليس في دعوى الاستيفاء والإبراء ما ينافي أصل حقه لكنه يدعي إسقاطه بعد تقرير السبب الموجب فلا يمتنع على الوكيل الاستيفاء ما لم يثبت المسقط فأما في العيب إن علم المشتري بالعيب وقت البيع يمنع ثبوت حقه في الرد أصلا فالبائع ليس يدعي مسقطا بل زعم أن حقه في الرد لم يثبت أصلا فلا بد من أن يحضر الموكل ويحلف ليتمكن من الرد عليه .
والثاني : أن الرد بالعيب بقضاء القاضي فسخ للعقد والعقد إذا انفسخ فلا يعود فلو أثبتنا حق الرد عليه تضرر الخصم بانفساخ عقده عليه فأما قضاء الدين فليس فيه فسخ عقد .
وإذا حضر الموكل فأبى أن يحلف توصل المطلوب إلى حقه فلهذا أمر بقضاء الدين وفي الوكيل يأخذ الدار بالشفعة إذا ادعى الخصم أن الموكل قد سلم وطلب يمينه على ذلك ففي ظاهر الرواية : هذا . ومسألة الدين سواء وللوكيل أن يأخذ بالشفعة لأن المشتري يدعي مسقطا بعد تقرر السبب .
وعن أبي يوسف - C - إن هذا ومسألة العيب سواء لأن الأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء فكما لا يقضي القاضي بفسخ العقد ما لم يحضر الموكل . ويحلف فكذلك لا يقضي بالشفعة ما لم يحضر الموكل ويحلف ما سلم بالشفعة فإن أراد المطلوب يمين الوكيل فليس له عليه يمين في الاستيفاء لأن الاستيفاء مدعي على الطالب ولو استحلف الوكيل على ذلك كان على سبيل النيابة عنه ولا نيابة في اليمين .
وقال زفر - C - : له أن يحلف الوكيل بالله ما يعلم أن الطالب استوفى الدين لأن الوكيل لو أقر باستيفاء الطالب لم يكن له أن يخاصم المطلوب فإذا أنكر استحلفه عليه كما يستحلف وارث الطالب على هذا بعد الطالب .
ولكنا نقول : الوكيل نائب ولا نيابة في اليمين بخلاف الوارث فإنه قائم مقام المورث في الحق فتصير اليمين مستحقة على الطالب إلا أن الاستحلاف على فعل الغير يكون علما فإذا حضر الطالب فات المطلوب إلا أن يحلف بالله لقد شهدت شهوده بحق لم يكن له على ذلك سبيل لأن صدق الشهود شرعا بظهور عدالتهم كما أن صدق المدعي بإقامة البينة فكما لا يحلف المدعي مع البينة فكذلك لا يحلف بعد ظهور عدالة الشهود الذين شهدوا بحق ولكنه يحلف بالله ما استوفيت ديني فإن حلف تم قبض الوكيل وإن نكل عن اليمين لزمه المال دون الوكيل لأن نكوله كإقراره أو بدله فينفذ عليه دون الوكيل ولكن إن كان المال المقبوض عند الوكيل فهو حق الطالب يقبضه من الوكيل ثم يدفعه إلى المطلوب بحكم نكوله وليس للمطلوب أن يرجع به على الوكيل بخلاف ما إذا أقام المطلوب البينة على القضاء فإن البينة حجة في حقهما فإن شاء رجع بالمقبوض على الوكيل إذا كان قائما في يده لأنه تبين أنه قبض بغير حق وإن شاء أخذ الموكل به لأن الوكيل عامل له فعهدة عمله عليه .
وإن قال الوكيل قد دفعته إلى الموكل أو هلك مني فالقول قوله مع يمينه لأنه كان أمينا مسلطا على ما أخبر به من جهة الموكل فالقول فيه قوله .
وإن قال أمرني فدفعته إلى وكيل له أو غريم أو وهبه لي أو قضاني من حق كان لي عليه لم يصدق وضمن المال لأنه يدعي تملك المقبوض لنفسه بسبب لم يعرف ذلك السبب أو يقر بالسبب الموجب للضمان . على نفسه . بدفعه إلى غيره وادعى الأمر من جهة صاحب المال ولا يثبت ذلك بقوله إذا أنكره صاحب المال فلهذا ضمن المال .
قال ( ولا يقبل من الوكيل شهادة على الوكالة في شيء مما ذكرنا إلا ومعه خصم حاضر ) لأن شرط قبول البينة الدعوى والإنكار فكما أن انعدام الدعوى يمنع قبول البينة فكذلك انعدام الإنكار ولا يتحقق الإنكار إلا من خصم حاضر .
وكان ابن أبي ليلى - C - يقبل البينة على هذا من غير خصم ويقول الوكيل بهذه البينة لا يلزم أحدا شيئا وإنما يثبت كونه نائبا عن موكله وليس فيه إلزام شيء على موكله فلا معنى لاشتراط حضور الخصم .
ولكنا نقول : إنما سميت البينة لكونها مبينة في حق المنكر وذلك لا يتحقق إلا بمحضر من الخصم فإن أقام البينة على الوكالة بغير محضر من الخصم واليمين من القاضي أن يكتب شهادة شهوده إلى قاضي بلد آخر ليقضي به في ذلك لأن هذه الشهادة ليست للقضاء بل للنقل فإن قاضي بلد ينقل شهادتهم في كتابه إلى مجلس القاضي الذي فيه الخصم كما أن شهود الفرع ينقلون شهادة الأصول بعبارتهم فكما لا يشترط في إشهاد الفروع حضرة الخصم فكذلك هنا وإن قبل القاضي البينة بغير خصم وقضى بها جاز قضاؤه لأنه قضى في فصل مختلف فيه فإن العلماء - رحمهم الله - مختلفون في سبب القضاء هنا أن البينة هل هي حجة بغير محضر خصم أم لا فإذا قضى بها القاضي فقد أمضى فصلا مجتهدا فيه باجتهاده فلهذا لا يفسد قضاؤه .
قال ( ولأحد الوكيلين بالخصومة أن يخاصم وليس له أن يقبض أولا بقول الوكيل بالخصومة له أن يقبض المال عندنا وليس له أن يقبض عند زفر - C - ) لأنه أمر بالخصومة فقط والخصومة لإظهار الحق والاستيفاء ليس من الخصومة ويختار في الخصومة ألح الناس وللقبض آمن الناس فمن يصلح للخصومة لا يرضى بأمانته عادة ولكنا نقول الوكيل بالشيء مأمور بإتمام ذلك الشيء وإتمام الخصومة يكون بالقبض لأن الخصومة قائمة ما لم يقبض ولأن المقصود بالخصومة الوصول إلى الحق وذلك بالقبض يكون والوكيل بالشيء يحصل ما هو المقصود به .
قال ( فإن وكل رجلين بالخصومة فلأحدهما أن يخاصم عندنا بدون محضر من الآخر خلافا لزفر - C - ) لأن الخصومة يحتاج فيها إلى الرأي ورأي المثنى لا يكون كرأي الواحد فرضاه برأيهما لا يكون رضا برأي أحدهما كالوكيلين بالبيع .
ولكنا نقول : لو حضر لم يخاصم إلا أحدهما : لأنهما لو تكلما معا لم يتمكن القاضي من أن يفهم كلامهما . فلما وكلهما بالخصومة مع علمه أن اجتماعهما عليها متعذر فقد صار راضيا بخصومة أحدهما بخلاف الوكيلين بالبيع ولكن إذا آل الأمر إلى القبض فليس لأحدهما أن يقبض لأنه رضي بأمانتهما أو اجتماعهما في القبض والحفظ متأت فلا يكون راضيا بقبض أحدهما وليس للوكيل أن يوكل غيره لأن الناس يتفاوتون في الخصومة قال A : ( ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ) والموكل إنما رضي برأيه فلا يكون له أن يوكل غيره بدون رضاه وإن قال ما صنعته في شيئي ذلك جائز كان له أن يوكل غيره لأنه أجاز صنعه على العموم فالتوكيل من صنعه فيجوز لوجود الرضا من الموكل به وليس للوكيل بالخصومة أن يصالح ولا أن يبيع ولا أن يهب لأن هذه التصرفات ليست من الخصومة بل هي ضد الخصومة قاطعة لها والأمر بالشيء لا يتضمن ضده .
وإذا وكل رجل رجلا بقبض حق له في دار أو بقسمة أو بخصومة فجحده ذو اليد فله أن يخاصم ويقيم البينة على حقه لأنه وكله بالخصومة نصا ولأنه لا يتوصل إلى تمييز نصيب الموكل ولا إلى قبض حقه إلا ببينة فكان خصما في إثباته ليحصل مقصود الموكل .
وإذا وكل المسلم الذمي في خصومة فشهد شهود من أهل الذمة على إبطال حق المسلم لم يجز ذلك على المسلم لأن الوكيل نائب عن الموكل وهذه البينة في الحقيقة إنما تقوم عن الموكل فلا تكون شهادة أهل الذمة حجة عليه .
ولو كان المسلم هو الوكيل والذمي صاحب الحق فشهد عليه قوم من أهل الذمة جاز ذلك لأن الإلزام في هذه البينة على صاحب الحق دون الوكيل فإن الوكيل كالنائب إذا استشهدنا الذمي أنه أوصى إلى مسلم فشهد قوم من أهل الذمة عليه لحق قبلت الشهادة لأن الإلزام على الميت أو على ورثته دون الوصي وهم من أهل الذمة فكانت شهادة أهل الذمة في ذلك مقبولة فكذلك هنا .
وتوكيل الرجل الصبي بالخصومة إذا كان يعقل صحيح لأنه إذا كان يعقل فله عبارة معتبرة شرعا حتى تنفذ تصرفاته بإذن الولي ويجوز أن يكون وكيلا في البيع والشراء فكذلك في الخصومة إلا أن الصبي إذا لم يكن ابن الموكل فلا ينبغي أن يوكله إلا بإذن أبيه لأن في هذا التوكيل استعمال الصبي في حاجة نفسه وليس لأحد أن يفعل ذلك في ولد غيره إلا بإذن أبيه .
وإذا وكل وكيلا في بيع أو شراء أو خصومة فذهب عقل الموكل زمانا فقد خرج الوكيل من الوكالة لأنه نائب عن الموكل وهو إنما انتصب نائبا عن الموكل باعتبار رأي الموكل وقد خرج الموكل بالجنون المطبق من أن يكون أهلا للرأي وصار مولى عليه فبطلت وكالة الوكيل كما تبطل بموته وهذا في موضع كان للموكل أن يخرجه من الوكالة فأما في كل موضع فلم يكن له أن يخرجه منها فلا تبطل بجنونه مثل الأمين باليد والعدل إذا كان مسلطا على البيع فجن الراهن لأن حق الغير هناك ثبت في العين وصار ذلك لازما على الموكل فلا يبطل بجنونه ولا بموته إذا نفي المحل فأما الوكيل بالخصومة إذا كان بالتماس الخصم فجن الموكل أو مات بطلت الوكالة لأن هذه الوكالة لم تكن لازمة على الموكل .
( ألا ترى ) أن له أن يعزل الوكيل بمحضر من الخصم وإنما لا يعزله بغير محضر منه لدفع الغرور لا لحق ثابت للخصم في محل .
ولو كان ذهب عقله ساعة أو جن ساعة فالوكيل على وكالته لأن هذا بمنزلة النوم لا ينقطع به رأي الموكل فلا يصير مولى عليه ثم أشار إلى القياس والاستحسان فيه واختلفت فيه ألفاظ الكتاب فذكر في باب وكالة المكاتب القياس والاستحسان في جنون ساعة واحدة أن في القياس تبطل الوكالة .
وفي الاستحسان لا تبطل وفي باب الوكالة في الطلاق ذكر القياس في المتطاول .
وقال ( لا تبطل الوكالة بجنون الموكل وإن تطاول لبقاء المحل الذي تعلقت الوكالة به على حق الموكل وفي الاستحسان تبطل الوكالة ) ثم لم يذكر في الكتاب الحد الفاصل بين القليل والكثير .
وذكر في النوادر أن محمدا - C - كان يقول أولا إذا جن شهرا فهو متطاول ثم رجع وقدر المتطاول بجنون سنة وعن أبي يوسف - C - أنه قدر المتطاول بأكثر السنة .
وقد روي عنه أنه قدر ذلك بأكثر من يوم وليلة ووجه هذا أن الجنون إذا زاد على يوم وليلة كان مسقطا لقضاء الصلاة بخلاف النوم والقليل منه كالدوام فإذا ظهرت المخالفة بين هذا القدر من الجنون وبين النوم عرفنا أنه متطاول ووجه قول محمد - C - أولا أن الشهر في حكم المتطاول وما دونه في حكم القريب بدليل أن من حلف ليقضين حق فلان عاجلا . أو عن قريب فقضاه فيما دون الشهر بر في يمينه .
ولو لم يقضه حتى مضى الشهر كان حانثا ولأن الجنون إذا استوعب الشهر كله أسقط قضاء الصوم بخلاف دونه ثم رجع فقدره بالسنة لأنه لا تسقط العبادات إلا باستغراق الجنون سنة كاملة فإن من العبادات ما يكون التقرير فيها بحول كالزكاة على قول محمد - C .
ولكن أبو يوسف - C - يجعل أكثر الحول كجميعه في حكم الزكاة حتى قال : إذا جن في أكثر الحول لا تلزمه الزكاة فلهذا قال المتطاول ما يكون في أكثر السنة .
ولكن محمدا - C - يقول يعتبر كمال السنة لأنه إذا لم يوافقه فصل من فصول السنة ولم يفق عرفنا أن هذه آفة في أصل العقل بخلاف ما إذا كان في بعض السنة وهو قياس أجل العنين أي أن التقدير فيه بالسنة الكاملة وتوكيل الصبي رجلا باطل إلا أن يكون الصبي مأذونا له لأنه إنما ينيب نفسه مناب غيره فيما يملكه بنفسه والصبي المحجور لا يملك التصرف بنفسه فلا يوكل غيره فأما المأذون بملك التصرف بنفسه فله أن يوكل غيره .
وإذا وكل الرجل عبده أو امرأته بالخصومة ثم أعتق عبده أو طلق امرأته ثلاثا فهما على وكالتهما لأن ما عرض لا ينافي ابتداء الوكالة فلا ينافي بقاءها بطريق الأولى وإن باع العبد فإن رضي المشتري أن يكون العبد على وكالته فهو وكيل وإن لم يرض بذلك فله ذلك كما لو وكله بعد البيع وهذا لأن منافع العبد صارت للمشتري فلا يكون له أن يصرفها إلى حاجة الموكل إلا برضا المشتري .
قال ( ولو وكل المسلم الحربي في دار الحرب والمسلم في دار الإسلام أو وكله الحربي فالوكالة باطلة ) لأن لا عصمة بين من هو من أهل دار الحرب وبين من هو من أهل دار الإسلام .
( ألا ترى ) أن عصمة النكاح مع قوتها لا تبقى بين من هو في دار الحرب وبين من هو في دار الإسلام فلأن لا تثبت الوكالة أولى وهذا لأن تصرف الوكيل برأي الموكل ومن هو في دار الحرب في حق من هو في أهل دار الإسلام كالميت والوكيل يرجع بما يلحقه من العهدة على الموكل وتباين الدارين يمنع من هذا الرجوع .
قال : ( وإن وكل الحربي الحربي في دار الحرب ثم أسلما أو أسلم أحدهما فالوكالة باطلة ) لأن النيابة بالوكالة تثبت حكما ودار الحرب ليست بدار أحكام بخلاف البيع والشراء فإن ثبوت الحكم هناك بالاستيلاء حسا على ما يقتضيه .
( ألا ترى ) أن بعد ما أسلما لم يكن لأحدهما أن يخاصم صاحبه بشيء من بقايا معاملاتهم في دار الحرب فكذلك لا تعتبر تلك الوكالة .
وإن أسلما جميعا ثم وكل أحدهما صاحبه أجزت ذلك بمنزلة المسلمين من الأصل وإذا خرج الحربي إلينا بأمان وقد وكله حربي آخر في دار الحرب ببيع شيء أجزت ذلك لأن ذلك الشيء معه يتمكن من التصرف فيه وقد ثبت حكم الأمان فيه فكأنه وكله ببيعه وهما مستأمنان في دارنا بخلاف ما إذا لم يكن ذلك الشيء معه فإن حكم الأمان لم يثبت فيه ولا يقدر الوكيل على تسليمه بحكم البيع وإن كان وكله بخصومة لم يجز ذلك على الحربي لأن الإلزام بخصومة الوكيل إنما تكون على الموكل وليس للقاضي ولاية الإلزام على من هو في دار الحرب .
قال : ( وتوكيل المرتد المسلم ببيع أو قبض أو خصومة أو غير ذلك موقوف في قول أبي حنيفة - C - ) بمنزلة سائر تصرفاته عنده أنها توقف بين أن تبطل بقتله أو موته أو لحوقه بدار الحرب وبين أن تنفذ بإسلامه فكذلك وكالته .
وعندهما تصرفات المرتد نافذة فكذلك وكالته ولو ارتد الوكيل ولحق بدار الحرب انتقضت الوكالة لانقطاع العصمة بين من هو في دار الحرب وبين من هو في دار الإسلام .
وإذا قضى القاضي بلحاقه بعد موته أو جعله من أهل دار الحرب فتبطل الوكالة .
( ألا ترى ) أن ابتداء الوكيل لا يصح في هذه الحال فإن عاد مسلما لم تعد الوكالة في قول أبي يوسف - C - وعادت في قول محمد - C - وجه قول أبي يوسف - C - أن قضاء القاضي بلحوقه بمنزلة القضاء بموته وذلك إبطال للوكالة وبعدما تأكد بطلان الوكالة بقضاء القاضي لا نعود إلا بالتجديد ولأنه لما عاد مسلما كان بمنزلة الحربي إذا أسلم الآن .
( ألا ترى ) أن الفرقة الواقعة بينه وبين زوجته لا ترتفع بذلك فكذلك الوكالة التي بطلت لا تعود .
ومحمد - C - يقول صحة الوكالة لحق الموكل وحقه بعد إلحاقه بدار الحرب قائم ولكنه عجز عن التصرف لعارض والعارض على شرف الزوال فإذا زال صار كأن لم يكن فيبقى الوكيل على وكالته بعد ردة الموكل على حاله ولكن تعذر على الوكيل بمنزلة ما لو أغمي على الوكيل زمانا ثم أفاق فهو على وكالته فأما إذا ارتد الموكل ولحق بدار الحرب بطلت الوكالة لقضاء القاضي بلحاقه بدار الحرب فإن عاد مسلما لم يعد الوكيل على وكالته في رواية الكتاب فأبو يوسف - C - سوى بين الفصلين .
ومحمد - C - يفرق فيقول : الوكالة تعلقت بملك الموكل وقد زال ملكه بردته ولحاقه فبطلت الوكالة على البتات وأما بردة الوكيل فلم يزل ملك الموكل قائما فكان محل تصرف الوكيل باقيا ولكنه عجز عن التصرف لعارض فإذا زال العارض صار كأن لم يكن وجعل على هذه الرواية ردة الموكل بمنزلة عزله الوكيل لأنه فوت محل وكالته بمنزلة ما لو وكله ببيع عبد ثم أعتقه .
وفي السير الكبير يقول محمد - C - : يعود الوكيل على وكالته في هذا الفصل أيضا لأن الموكل إذا عاد مسلما يعاد عليه ماله على قديم ملكه وقد تعلقت الوكالة بقديم ملكه فيعود الوكيل على وكالته كما لو وكل ببيع عبد له ثم باعه الموكل بنفسه ويرد عليه بالعيب بقضاء القاضي عاد الوكيل على وكالته فهذا مثله .
قال : ( وإذا وكل رجلان رجلا وأحدهما يخاصم صاحبه لم يجز أن يكون وكيلهما في الخصومة ) لأنه يؤدي إلى فساد الأحكام فإنه يكون مدعيا من جانب جاحدا من الجانب الآخر والتضاد منهي عنه في البيع والشراء فإذا كان في البيع لا يصلح الواحد أن يكون وكيلا من الجانبين ففي الخصومة أولى .
وإن كانت الخصومة لهما مع ثالث فوكل واحدا جاز لأن الوكيل معبر عن الموكل والواحد يصلح أن يكون معبرا عن اثنين كما يصلح أن يكون معبرا عن واحد .
وإذا وكل رجلا بالخصومة ثم عزله بغير علم منه لم ينعزل عندنا .
وقال الشافعي - C - ينعزل لأن نفوذ الوكالة لحق الموكل فهو بالعزل يسقط حق نفسه وينفرد المرء بإسقاط حق نفسه .
( ألا ترى ) أنه يطلق زوجته ويعتق عبده بغير علم منهما ويكون ذلك صحيحا .
والثاني : الوكالة للموكل لا عليه ولهذا لا يكون ملزما إياه ف