وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

واعلم أنه لا شك في أن خصوصيات الكلام البليغ ودقائقه مراده لله تعالى في كون القرآن معجزا وملحوظة للمتحدين به على مقدار ما يبلغ إليه بيان المبين . وان إشارات كثيرة في القرآن تلفت الأذهان لذلك ويحضرني الآن من ذلك أمور : أحدها ما رواه مسلم والأربعة عن أبي هريرة قال رسول الله A " قال الله تعالى : قسمت الصلاة " أي سورة الفاتحة " بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل . فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى : حمدني عبدي . وإذا قال : الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى علي عبدي . وإذ قال : مالك يوم الدين قال : مجدني عبدي " وقال مرة : فوض إلي عبدي " فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .
ففي هذا الحديث تنبيه على ما في نظم فاتحة الكتاب من خصوصية التقسيم إذ قسم الفاتحة ثلاثة أقسام . وحسن التقسيم من المحسنات البديعية . مع ما تضمنه ذلك التقسيم من محسن التخلص في قوله " فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين قال : " هذا بيني وبين عبدي " إذ كان ذلك مزيجا من القسمين الذي قبله والذي بعده .
وفي القرآن مراعاة التجنيس في غير ما آية والتجنيس من المحسنات ومنه قوله تعالى ( وهم ينهون عنه وينأون عنه ) .
وفيه التنبيه على محسن المطابقة كقوله ( فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير .
والتنبيه على ما فيه من تمثيل كقوله تعالى ( ويضرب الله الأمثال للناس وما يعقلها إلا العالمون ) وقوله ( يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) .
ولذا فنحن نحاول تفصيل شيء مما أحاط به علمنا من وجوه الإعجاز : نرى من أفانين الكلام الالتفات وهو نقل الكلام من أحد طرق التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى طريق آخر منها . وهو بمجرده معدود من الفصاحة وسماه ابن جني شجاعة العربية لأن ذلك التغيير يجدد نشاط السامع فإذا انضم إليه اعتبار لطيف يناسب الانتقال إلى ما انتقل إليه صار من أفانين البلاغة وكان معدودا عند بلغاء العرب من النفائس وقد جاء منه في القرآن ما لا يحصى كثرة مع دقة المناسبة في الانتقال .
وكان للتشبيه والاستعارة عند القوم المكان القصي والقدر العلي في باب البلاغة وبه فاق امرؤ القيس ونبهت سمعته وقد جاء في القرآن من التشبيه والاستعارة ما أعجز العرب كقوله ( واشتعل الرأس شيبا ) وقوله ( واخفض لهما جناح الذل ) وقوله ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) وقوله تعالى ( ابلعي ماءك ) وقوله ( صبغة الله ) إلى غير ذلك من وجوه البديع .
ورأيت من محاسن التشبيه عندهم كمال الشبه ورأيت وسيلة ذلك الاحتراس وأحسنه ما وقع في القرآن كقوله تعالى ( فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين ) احتراس عن كراهة الطعام ( وأنهار من عسل مصفى ) احتراس عن أن تتخلله أقذاء من بقايا نحله .
وانظر التمثيلية في قوله تعالى ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار ) الآية . ففيه إتمام جهات كمال تحسين التشبيه لإظهار أن الحسرة على تلفها أشد . وكذا قوله تعالى ( مثل نوره كمشكاة ) إلى قوله ( يكاد زيتها يضيء ) فقد ذكر من الصفات والأحوال ما فيه مزيد وضوح المقصود من شدة الضياء وما فيه تحسين المشبه وتزيينه بتحسين شبهه وأين من الآيتين قول كعب .
شجت بذي شبم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول .
تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه ... من صوب سارية بيض يعاليل إن نظم القرآن مبني على وفرة الإفادة وتعدد الدلالة فجمل القرآن لها دلالتها الوضعية التركيبية التي يشاركها فيها الكلام العربي كله ولها دلالتها البلاغية التي يشاركها في مجملها كلام البلغاء ولا يصل شيء من كلامهم إلى مبلغ بلاغتها .
ولها دلالتها المطوية وهي دلالة ما يذكر على ما يقدر اعتمادا على القرينة وهذه الدلالة قليلة في كلام البلغاء وكثرت في القرآن مثل تقدير القول وتقدير الموصوف وتقدير الصفة .
A E