والتفسير أول العلوم الإسلامية ظهورا إذ قد ظهر الخوض فيه في عصر النبي A إذ كان بعض أصحابه قد سأل عن بعض معاني القرآن كما سأله عمر Bه عن الكلالة ثم اشتهر فيه بعد من الصحابة علي وابن عباس وهما أكثر الصحابة قولا في التفسير وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص Bهم وكثر الخوض فيه حين دخل في الإسلام من لم يكن عربي السجية فلزم التصدي لبيان معاني القرآن لهم وشاع عن التابعين وأشهرهم في ذلك مجاهد وابن جبير وهو أيضا أشرف العلوم الإسلامية ورأسها على التحقيق .
وأما تصنيفه فأول من صنف فيه عبد الملك بن جريج المكي " المولود سنة 80 ه والمتوفي سنة 149 ه " صنف كتابه في تفسير آيات كثيرة وجمع فيه آثارا وغيرها وأكثر روايته عن أصحاب ابن عباس مثل عطاء ومجاهد وصنفت تفاسير ونسبت روايتها إلى ابن عباس لكن أهل الأثر تكلموا فيها وهي تفسير محمد بن السائب الكلبي " المتوفي سنة 146 ه " عن أبي صالح عن ابن عباس وقد رمي أبو صالح بالكذب حتى لقب بكلمة " دروغدت " بالفارسية بمعنى الكذاب وهي أوهى الروايات فإذا انضم إليها رواية محمد بن مروان السدى عن الكلبي فهي سلسلة الكذب أرادوا بذلك أنها ضد ما لقبوه بسلسلة الذهب وهي مالك عن نافع عن ابن عمر . وقد قيل إن الكلبي كان من أصحاب عبد الله بن سبأ اليهودي الأصل الذي أسلم وطعن في الخلفاء الثلاثة وغلا في حب علي بن أبي طالب وقال : إن عليا لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا وقد قيل إنه ادعى إلهية علي .
وهنالك رواية مقاتل ورواية الضحاك ورواية علي بن أبي طلحة الهاشمي كلها عن ابن عباس وأصحها رواية علي بن أبي طلحة وهي التي اعتمدها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه فيما يصدر به من تفسير المفردات على طريقة التعليق وقد خرج في الإتقان جميع ما ذكره البخاري من تفسير المفردات عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس مرتبة على سور القرآن . والحاصل أن الرواية عن ابن عباس قد اتخذها الوضاعون والمدلسون ملجأ لتصحيح ما يروونه كدأب الناس في نسبة كل أمر مجهول من الأخبار والنوادر لأشهر الناس في ذلك المقصد .
وهنالك روايات تسند لعلي Bه أكثرها من الموضوعات إلا ما روي بسند صحيح مثل ما في صحيح البخاري ونحوه لأن لعلي أفهاما في القرآن كما ورد في صحيح البخاري عن أبي جحيفة قال : قلت لعلي هل عندكم شيء من الوحي ليس في كتاب الله ؟ فقال " لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن " ثم تلاحق العلماء في تفسير القرآن وسلك كل فريق مسلكا يأوي إليه وذوقا يعتمد عليه .
فمنهم من سلك مسلك نقل ما يؤثر عن السلف وأول من صنف في هذا المعنى مالك ابن أنس وكذلك الداودي تلميذ السيوطي في طبقات المفسرين وذكره عياض في المدارك إجمالا . وأشهر أهل هذه الطريقة فيما هو بأيدي الناس محمد بن جرير الطبري .
ومنهم من سلك مسلك النظر كأبي إسحاق الزجاج وأبي علي الفارسي وشغف كثير بنقل القصص عن الإسرائيليات فكثرت في كتبهم الموضوعات إلى أن جاء في عصر واحد عالمان جليلان أحدهما بالمشرق وهو العلامة أبو القاسم محمود الزمخشري صاحب الكشاف والآخر بالمغرب بالأندلس وهو الشيخ عبد الحق بن عطية فألف تفسيره المسمى ب " المحرر الوجيز " . كلاهما يغوص على معاني الآيات ويأتي بشواهدها من كلام العرب ويذكر كلام المفسرين إلا أن منحي البلاغة والعربية بالزمخشري أخص ومنحي الشريعة على ابن عطية أغلب وكلاهما عضادتا الباب ومرجع من بعدهما من أولي الألباب .
A E