وإذ قد جعل عدم حضه على طعام المسكين جزء علة لشدة عذابه علمنا من ذلك موعظة للمؤمنين زاجرة عن منع المساكين حقهم في الأموال وهو الحق المعروف في الزكاة والكفارات وغيرها .
وقوله ( فليس له اليوم ها هنا حميم ) من تمام الكلام الذي ابتدئ بقوله ( خذوه ) وتفريع عليه .
والمقصود منه أن يسمعه من أوتي كتابه بشماله فييأس من أن يجد مدافعا ويدفع عنه بشفاعة وتنديم له على ما أضاعه في حياته من التزلف إلى الأصنام وسدنتها وتمويههم عليه أنه يجدهم عند الشدائد وإلمام المصائب . وهذا وجه تقييد نفي الحميم ب ( اليوم ) تعريضا بأن أحمائهم في الدنيا لا ينفعونهم اليوم كما قال تعالى ( ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ) وقوله عنهم ( فهل من شفعاء فيشفعوا لنا ) وغير ذلك مما تفوق في آي القرآن .
فقوله ( له ) هو خبر ( ليس ) لأن المجرور بلام الاختصاص هو محط الأخبار دون ظرف المكان . وقوله ( ههنا ) ظرف متعلق بالكون المنوي في الخبر بحرف الجر . وهذا أولى من جعل ( ههنا ) خبرا عن ( ليس ) وجعل ( له ) صفة ل ( حميم ) إذ لا حاجة لهذا الوصف .
والحميم : القريب وهو هنا كناية عن النصير إذ المتعارف عند العرب أن أنصار المرء هم عشيرته وقبيلته .
( ولا طعام ) عطف على ( حميم ) .
والغسلين : بكسر الغين ما يدخل في أفواه أهل النار من المواد السائلة من الأجساد وماء النار ونحو ذلك مما يعلمه الله فهو علم على ذلك مثل سجين وسرقين وعرنين فقيل أنه فعلين من الغسل لأنه سال من الأبدان فكأنه غسل عنها . ولا موجب لبيان اشتقاقه .
و ( الخاطئون ) : أصحاب الخطايا يقال : خطئ إذا أذنب .
والمعنى : لا يأكله إلا هو وأمثاله من الخاطئين .
وتعريف ( الخاطئون ) للدلالة على الكمال في الوصف أي المرتكبون أشد الخطأ وهو الإشراك .
وقرأ الجمهور ( الخاطئون ) بإظهار الهمزة وقرأ أبو جعفر ( الخاطون ) بضم الطاء بعدها واو على حذف الهمزة تخفيفا بعد إبدالها ياء تخفيفا . وقال الطيبي : قرأ حمزة عند الوقف الخاطيون بإبدال الهمزة عنه غير الطيبي .
( فلا أقسم بما تبصرون [ 38 ] وما لا تبصرون [ 39 ] إنه لقول رسول كريم [ 40 ] وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون [ 41 ] ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون [ 42 ] تنزيل من رب العلمين [ 43 ] ) الفاء هناء لتفريع إثبات أن القرآن منزل من عند الله ونفي ما نسبه المشركون إليه تفريعا على ما اقتضاه تكذيبهم بالبعث من التعريض بتكذيب القرآن الذي أخبر بوقوعه وتكذيبهم الرسول A القائل إنه موحى به إليه من الله تعالى .
وابتدئ الكلام بالقسم تحقيقا بمضمونه على طريقة الأقسام الواردة في القرآن وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى ( والصافات صفا ) .
وضمير ( أقسم ) عائد إلى الله تعالى .
جمع الله في هذا القسم كل ما الشأن أن يقسم به من الأمور العظيمة من صفات الله تعالى ومن مخلوقاته الدالة على عظيم قدرته إذ يجمع ذلك كله الصلتان ( بما تبصرون وما لا تبصرون ) فمما يبصرون : الأرض والجبال والبحار والنفوس البشرية والسماوات والكواكب وما لا يبصرون : الأرواح والملائكة وأمور الآخرة .
A E و ( لا أقسم ) صيغة تحقيق قسم وأصلها أنها امتناع من القسم امتناع تحرج من أن يحلف بالمقسم به خشية الحنث فشاع استعمال ذلك في كل قسم يراد تحقيقه واعتبر حرف ( لا ) في هذا القسم إبطالا لكلام سابق وأن فعل ( أقسم ) بعدها مستأنف ونقض هذا بوقوع مثله في أوائل السور مثل : ( لا أقسم بيوم القيامة ) و ( لا أقسم بهذا البلد ) .
وضمير ( إنه ) عائد إلى القرآن المفهوم من ذكر الحشر والبعث فإن ذلك مما جاء به القرآن ومجيئه بذلك من أكبر أسباب تكذيبهم به على أن إرادة القرآن من ضمائر الغيبة التي لا معاد لها قد تكرر غير مرة فيه .
وتأكيد الخبر بحرف ( إن ) واللام للرد على الذين كذبوا أن يكون القرآن من كلام الله ونسبوه إلى غير ذلك .
والمراد بالرسول الكريم محمد A كما يقتضيه عطف قوله ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل ) وهذا كما وصف موسى ب ( رسول كريم ) في قوله تعالى ( ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم )