قال ابن الفرس في أحكام القرآن : استدل بهذه الآية أبو محمد عبد الوهاب على أن من تعمد إلى نقص النصاب قبل الحول قصدا للفرار من الزكاة أو خالط غيره أو فارقه بعد الخلطة فإن ذلك لا يسقط الزكاة عنه خلافا للشافعي .
ووجه الاستدلال بالآية أن أصحاب الجنة قصدوا بجذ الثمار إسقاط حق المساكين فعاقبهم الله بإتلاف ثمارهم .
( كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون [ 33 ] ) رجوع إلى تهديد المشركين المبدوء من قوله ( إنا بلوناهم ) فالكلام فذلك وخلاصة لما قبله وهو استئناف ابتدائي .
والمشار إليه باسم الإشارة هو ما تضمنته القصة من تلف جنتهم وما أحسوا به عند رؤيتها على تلك الحالة وتندمهم وحسرتهم أي مثل ذلك المذكور يكون العذاب في الدنيا فقوله ( كذلك ) مسند مقدم و ( العذاب ) مسند إليه . وتقديم المسند للاهتمام بإحضار صورته في ذهن السامع .
والتعريف في ( عذاب ) تعريف الجنس وفيه توجيه بالعهد الذهني أي عذابكم الموعد مثل عذاب أولئك والمماثلة في إتلاف الأرزاق والإصابة بقطع الثمرات .
وليس التشبيه في قوله ( كذلك العذاب ) مثل التشبيه في قوله ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ونحوه ما تقدم في سورة البقرة بل ما هنا من قبيل التشبيه المتعارف لوجود ما يصلح لأن يكون مشبها به العذاب وهو كون المشبه به غير المشبه ونظيره قوله تعالى ( وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى وهي ظالمة ) بخلاف ما في سورة البقرة فإن المشبه به هو عين المشبه لقصد المبالغة في بلوغ المشبه غاية ما يكون فيه وجه الشبه بحيث أريد تشبهه لا يلجأ إلا إلى تشبيهه بنفسه فيكون كناية عن بلوغه أقصى مراتب وجه الشبه .
والمماثلة بين المشبه والمشبه به مماثلة في النوع وإلا فإن ما توعدوا به من القحط أشد مما أصاب أصحاب الجنة وأطول .
A E وقوله ( ولعذاب الآخرة أكبر ) دال على أن المراد بقوله ( كذلك العذاب ) عذاب الدنيا .
وضمير ( لو كانوا يعلمون ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير الغائب في قوله ( بلوناهم ) وهم المشركون فإنهم كانوا ينكرون عذاب الآخرة فهددوا بعذاب الدنيا ولا يصح عوده إلى ( أصحاب الجنة ) لأنهم كانوا مؤمنين بعذاب الآخرة وشدته .
( إن للمتقين عند ربهم جنت النعيم [ 34 ] ) استئناف بياني لأن من شأن ما ذكر من عذاب الآخرة للمجرمين أن ينشأ عنه سؤال في نفس السامع بقول : فما جزاء المتقين ؟ وهو كلام معترض بين أجزاء الوعيد والتهديد وبين قوله ( سنسمه على الخرطوم ) وقوله ( كذلك العذاب ) . وقد أشعر بتوقع هذا السؤال قوله بعده ( افنجعل المسلمين كالمجرمين ) كما سيأتي .
وتقديم المسند على المسند إليه للاهتمام بشأن المتقين ليسبق ذكر صفتهم العظيمة ذكر جزاءها .
واللام للاستحقاق . و ( عند ) ظرف متعلق بمعنى الكون الذي يقتضيه حرف الجر ولذلك قدم متعلقه معه على المسند إليه لأجل ذلك الاهتمام . وقد حصل من تقديم المسند بما معه طول يثير تشويق السامع إلى المسند إليه . والعندية هنا عندية وإضافة ( جنات ) إلى ( النعيم ) تفيد أنها عرفت به فيشار بذلك إلى ملازمة النعيم لها لأن أصل الإضافة أنها بتقدير لام الاستحقاق ف ( جنات النعيم ) مفيد أنها استحقها النعيم لأنها ليس في أحوالها إلا حال نعيم أهلها فلا يكون فيها ما يكون من جنات الدنيا من المتاعب مثل الحر في بعض الأوقات أو شدة البرد أو مثل الحشرات والزنابير أو ما يؤذي مثل شوك الأزهار والأشجار وروث الدواب وذرق الطير .
( أفنجعل المسلمين كالمجرمين [ 35 ] ما لكم كيف تحكمون [ 36 ] ) فاء التفريغ تقتضي أن هذا الكلام متفرع على ما قبله من استحقاق المتقين جنات النعيم ومقابلته بتهديد المشركين بعذاب الدنيا والآخرة ولكن ذلك غير مصرح فيه بما يناسب إن يتفرغ عليه هذا الإنكار والتوبيخ فتعين تقدير إنكار من المعرض بهم ليتوجه إليهم هذا الاستفهام المفرع وهو ما أشرنا إليه آنفا من توقع أو وقوع سؤال .
والاستفهام وما بعده من التوبيخ والتخطئة والتهكم على إدلالهم الكاذب مؤذن بأن ما أنكر عليهم ووبخوا عليه وسفهوا على اعتقاده كان حديثا قد جرى في نواديهم أو استسخروا به على المسلمين في معرض جحود أن يكون بعث وفرضهم أنه على تقدير وقوع البعث والجزاء لا يكون للمسلمين مزية وفضل عند وقوعه