( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين [ 12 ] ) عطف على جملة ( ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) لأنها تضمنت أن المؤمنين متهيؤون لطاعة الله ورسوله A فيما يدعوانهم إليه من صالح الأعمال كما يدل عليه تذييل الكلام بقوله ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ولأن طلب الطاعة فرع عن تحقق الإيمان كما في حديث معاذ " أن النبي A لما بعثه إلى اليمن قال له : إنك ستأتي قوما أهل كتاب فأول ما تدعوهم إليه فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدفة " الحديث .
وتفريع ( فإن توليتم ) تحذير من عصيان الله ورسوله A .
والتولي مستعار للعصيان وعدم قبول دعوة الرسول .
وحقيقة التولي الانصراف عن المكان المستقر فيه واستعير التولي للعصيان تشنيعا له مبالغة في التحذير منه ومثله قوله تعالى في خطاب المؤمنين ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) وقال ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ) .
والتعريف في قوله ( رسولنا ) بالإضافة لقصد تعظيم شأنه بأنه A رسول رب العالمين . وهذا الضمير التفات من الغيبة إلى التكلم يفيد تشريف الرسول بعز الإضافة إلى المتكلم .
A E ومعنى الحصر قوله ( فإنما على رسولنا البلاغ المبين ) قصر الرسول A على كون واجبه البلاغ قصر موصوف على صفة فالرسول A مقصور على لزوم البلاغ له لا يعدو ذلك إلى لزوم شيء آخر . وهو قصر قلب تنزيلا لهم في حالة العصيان المفروض منزلة من يعتقد أن الله لو شاء لألجأهم إلى العمل بما أمرهم به إلهابا لنفوسهم بالحث على الطاعة .
ووصف ( البلاغ ) ب ( المبين ) أي الواضح عذر للرسول A بأنه ادعى ما أمر به على الوجه الأكمل قطعا للمعذر عن عدم امتثال ما أمر به .
وباعتبار مفهوم القصر جملة فإنما على رسولنا البلاغ المبين كانت جوابا للشرط دون حاجة إلى تقدير جواب تكون هذه الجملة دليلا عليه أو علة له .
( الله لا إله إلا هو ) جملة معترضة بين جملة ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) وجملة ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) .
واسم الجلالة مبتدأ وجملة ( لا إله الله هو ) خبر . وهذا تذكير للمؤمنين بما يعلمونه . أي من آمن بأن الله لا إله إلا هو كان حقا عليه أن يطيعه وأن لا يعبأ بما يصيبه في جانب طاعة الله من مصائب وأذى كما قال حبيب بن عدي : .
لست أبالي حيت أقتل مسلما ... على أي جنب كان الله مصرعي ويجوز أن تكون جملة ( الله لا إله إلا هو ) في موقع العلي لجملة ( وأطيعوا الله ) وتفيد أيضا تعليل جملة ( وأطيعوا الرسول ) لأن طاعة الرسول ترجع إلى طاعة الله قال تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) .
وافتتاح الجملة باسم الجلالة إظهار في مقام الإضمار إذ لم يقل هو لا إله إلا هو لاستحضار عظمة الله تعالى بما يحويه اسم الجلالة من معاني الكمال ولتكون الجملة مستقلة بنفسها فتكون جارية مجرى الأمثال والكلم الجوامع .
( وعلى الله فليتوكل المؤمنون [ 13 ] ) عطف على ( وأطيعوا الله ) فهو في معنى : وتوكلوا على الله فإن المؤمنين يتوكلون على الله لا على غيره وأنتم مؤمنون فتوكلوا عليه .
وتقديم المجرور لإفادة الاختصاص أي أن المؤمنين لا يتوكلون إلا على الله .
وجيء في ذلك بصيغة أمر المؤمنين بالتوكل على الله دون غيره ربطا على قلوبهم وتثبيتا لنفوسهم كيلا يأسفوا من إعراض المشركين وما يصيبهم منهم وأن ذلك لن يضرهم .
فإن المؤمنين لا يعتزون بهم ولا يتقوون بأمثالهم لأن الله أمرهم أن لا يتوكلوا إلا عليه وفيه إيذان بأنهم لا يخالفون أمر الله وذلك يغيظ الكافرين .
والإتيان باسم الجلالة في قوله ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) إظهار في مقام الإضمار لتكون الجملة مستقلة فتسير مسرى المثل ولذلك كان إظهار لفظ ( المؤمنون ) ولم يقل : وعلى الله فليتوكلوا ولما في ( المؤمنون ) من العموم الشامل للمخاطبين وغيرهم ليكون معنى التمثيل