وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وقوله ( ولا تفرحوا بما آتاكم ) تتميم لقوله ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ) فإن المقصود من الكلام أن لا يأسوا عند حلول المصائب لأن المقصود هو قوله ( ما أصاب من مصيبة إلا في كتاب ) ثم يعلم أن المسرات كذلك بطريق الاكتفاء فإن من المسرات ما يحصل للمرء من غير ترقب وهو أوقع في المسرة كمل أدبه بطريق المقابلة .
والفرح المنفي هو الشديد منه البالغ حد البطر كما قال تعالى في قصة قارون ( إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ) . وقد فسره التذييل من قوله ( والله لا يحب كل مختال فخور ) .
والمعنى : أخبرتكم بذلك لتكونوا حكماء بصراء فتعلموا أن لجميع ذلك أسبابا وعللا وأن للعالم نظاما مرتبطا بعضه ببعض وأن الآثار حاصلة عقب مؤثراتها لا محالة وإن إفضاءها ليها بعضه خارج عن طوق البشر ومتجاوز حد معالجته ومحاولته وفعل الفوات مشعر بأن الفائت قد سعى المفوت عليه في تحصيله ثم غلب على نواله بخروجه عن مكنته فإذا رسخ ذلك في علم أحد لم يحزن على ما فاته مما لا يستطيع دفعه ولم يغفل عن ترقب زوال ما يسره إذا كان مما يسره ومن لم يتخلق بخلق الإسلام يتخبط في الجزع إذا أصابه مصاب ويستطار خيلاء وتطاولا إذا ناله أمر محبوب فيخرج عن الحكمة في الحالتين .
والمقصود من هذا التنبيه على أن المفرحات صائرة إلى زوال وأن زوالها مصيبة .
واعلم أن هذا مقام المؤمن من الأدب بعد حلول المصيبة وعند نوال الرغيبة .
وصلة الموصول في ( بما آتاكم ) مشعرة بأنه نعمة نافعة وفيه تنبيه على أن مقام المؤمن من الأدب بعد حلول المصيبة وعند انهيال الرغيبة هو أن لا يحزن على ما فات ولا يبطر بما ناله من خيرات وليس معنى ذلك أن يترك السعي لنوال الخير واتقاء الشر قائلا : إن الله كتب الأمور كلها في الأزل لأن هذا إقدام على إفساد ما فطر عليه الناس وأقام عليه نظام العالم . وقد قال النبي A للذين قالوا أفلا نتكل " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " .
وقوله ( والله لا يحب كل مختال فخور ) تحذير من الفرح الواقع في سياق تعليل الأخبار بأن كل ما ينال المرء ثابت في كتاب وفيه بيان للمراد من الفرح أنه الفرح المفرط البالغ بصاحبه إلى الاختيال والفخر .
والمعنى : والله لا يحب أحدا مختالا فخورا . ولا تتوهم أن موقع ( كل ) بعد النفي يفيد النفي عن المجموع لا عن كل فرد لأن ذلك ليس مما يقصده أهل اللسان ووقع للشيخ عبد القاهر ومتابعيه توهم فيه وقد تقدم عند قوله تعالى ( والله لا يحب كل كفار أثيم ) في سورة البقرة ونبهت عليه في تعليقي على دلائل الإعجاز .
وقرأ الجمهور ( آتاكم ) بمد بعد الهمزة محول عن همزة ثانية هي فاء الكلمة أي ما جعله آتيا لكم فالهمزة الأولى للتعدية إلى مفعول ثان والتقدير : بما آتاكموه . والإتيان هنا أصله مجاز وغلب استعماله حتى ساوى الحقيقة وعلى هذه القراءة فعائد الموصول محذوف لأنه ضمير متصل منصوب بفعل والتقدير : بما آتاكموه وفيه إدماج المنة مع الموعظة تذكيرا بأن الخيرات من فضل الله . وقرأ أبو عمرو وحده بهمزة واحدة على أنه من ( أتى ) إذا حصل فعائد الموصول هو الضمير المستتر المرفوع ب ( أتى ) وفي هذه القراءة مقابلة ( آتاكم ) ب ( فاتكم ) وهو محسن الطباق ففي كلتا الحالتين محسن .
( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله الغني الحميد [ 24 ] ) يجوز أن يكون ( الذين يبخلون ) ابتداء كلام على الاستئناف لأن الكلام الذي قبله ختم بالتذييل بقوله ( والله لا يحب كل مختال فخور ) فيكون ( الذين يبخلون ) مبتدأ وخبره محذوفا يدل عليه جواب الشرط وهو ( فإن الله الغني الحميد ) . والتقدير : فإن الله غني عنهم وحامد للمنفقين .
A E ويجوز أن يكون متصلا بما قبله على طريقة التخلص فيكون ( الذين يبخلون ) بدلا من ( كل مختال فخور ) أو خبر لمبتدأ محذوف هو ضمير ( كل مختال فخور ) . تقديره : هم الذين يبخلون وعلى هذا الاحتمال الأخير فهو من حذف المسند إليه اتباعا للاستعمال كما سماه السكاكي وفيه وجوه أخر لا نطول بها