وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وأحسن من ذلك تسمية ابن مالك إياه في شرح كافيته وفي الخلاصة معنى التعدية . ولقد أجاد في ذلك لأن مدخول هذا اللام قد تعدى إليه الفعل الذي تعلقت به اللام تعدية مثل تعدية الفعل المتعدي إلى المفعول وغفل ابن هاشم عن هذا التدقيق وهو المعنى الخامس من معاني اللام الجارة في مغنى اللبيب وقد مثله بقوله تعالى ( جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) ومثل له ابن مالك في شرح التسهيل بقوله تعالى ( فهب لي من لدنك وليا ) ومن الأمثلة التي تصلح له قوله تعالى ( وذللناهم لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) وقوله تعالى ( ونيسرك لليسرى ) وقوله ( فسنيسره لليسرى ) وقوله ( فسنيسره للعسرى ) ألا ترى أن مدخول اللام في هذه الأمثلة دال على المتنفعين بمفاعيل أفعالها فهم مثل أول المفعولين من باب كسا .
وإنما بسطنا القول في هذه اللام لدقة معناها وليتضح معنى قوله تعالى ( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) .
وأصل معاني لام الجر هو التعليل وتنشأ من استعمال اللام في التعليل المجازي معان شاعت فساوت الحقيقة فجعلها النحويون معاني مستقلة لقصد الإيضاح .
والذكر : مصدر ذكر الذي هو التذكر العقلي لا اللساني والذي يرادفه الذكر بضم الذال اسما للمصدر فالذكر هو تذكر ما في تذكره نفع ودفع ضر وهو الاتعاظ والاعتبار .
فصار معنى ( يسرنا القرآن للذكر ) أن القرآن سهلت دلالته لأجل انتفاع الذكر بذلك التيسير فجعلت سرعة ترتيب التذكر على سماع القرآن بمنزلة منفعة للذكر لأنه يشيع ويروج بها كما ينتفع طالب شيء إذا يسرت له وسائل تحصيلية وقربت له أباعدها . ففي قوله ( يسرنا القرآن للذكر ) استعارة مكنية ولفظ ( يسرنا ) تخييل . ويؤول المعنى إلى : يسرنا القرآن للمتذكرين .
وفرع على هذا المعنى قوله ( فهل من مدكر ) . والقول فيه كالقول في نظيره المتقدم آنفا إلا أن بين الادكارين فرقا دقيقا فالادكار السالف ادكار اعتبار عن مشاهدة آثار الأمة البائدة والادكار هنا ادكار عن سماع مواعظ القرآن البالغة وفهم معانيه والاهتداء به .
( كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر [ 18 ] إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر [ 19 ] تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر [ 20 ] ) موقع هذه الجملة كموقع جملة ( كذبت قبلهم قوم نوح ) فكان مقتضى الظاهر أن تعطف عليها وإنما فصلت عنها ليكون في الكلام تكرير التوبيخ والتهديد والنعي عليهم عقب قوله ( ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغني النذر ) . ومقام التوبيخ والنعي يقتضي التكرير .
والحكم على عاد بالتكذيب عموم عرفي بناء على أن معظمهم كذبوه وما آمن به إلا نفر قليل قال تعالى ( ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ) .
وفرع على التذكير بتكذيب عاد قوله ( فكيف كان عذابي ونذر ) قبل أن يذكر في الكلام ما يشعر بأن الله عذبهم فضلا عن وصف عذابهم .
فالاستفهام مستعمل في التشويق للخبر الوارد بعده وهو مجاز مرسل لأن الاستفهام يستلزم طلب الجواب والجواب يتوقف على صفة العذاب وهي لما تذكر فيحصل الشوق إلى معرفتها وهو أيضا مكنى به عن تهويل ذلك العذاب .
وفي هذا الاستفهام إجمال لحال العذاب وهو إجمال يزيد التشويق إلى ما يبينه بعده من قوله ( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ) الآية ونظيره قوله تعالى ( عم يتساءلون ) ثم قوله ( عن النبأ العظيم ) الآية .
A E وعطف ( ونذر ) على ( عذابي ) بتقدير مضاف دل عليه المقام والتقدير : وعاقبة نذري أي إنذاراتي لهم أي كيف كان تحقيق الوعيد الذي أنذرهم .
ونذر : جمع نذير بالمعنى المصدري كما تقدم في أوائل السورة وقد علمت بما ذكرنا أن جملة ( فكيف كان عذابي ونذري ) هذه ليست تكرير لنظيرها السابق في خبر قوم نوح ولا اللاحق في آخر قصة عاد للاختلاف الذي علمته بين مفادها ومفاد مماثلها وأن اتحدت ألفاظهما .
والبليغ يتفطن للتغاير بينهما فيصرفه عن توهم أن تكون هذه تكريرا فإنه لما لم يسبق وصف عذاب عاد لم يستقم أن يكون قوله ( فكيف كان عذابي ) تعجيبا من حالة عذابهم