( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين [ 38 ] ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون [ 39 ] ) A E عطف على جملة ( إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى ) ردا عليهم كما علمته آنفا . والمعنى : أنه لو لم يكن بعث وجزاء لكان خلق السماوات والأرض وما بينهما عبثا ونحن خلقنا ذلك كله بالحق أي بالحكمة كما دل عليه إتقان نظام الموجودات فلا جرم اقتضى خلق ذلك أن يجازى كل فاعل على فعله وأن لا يضاع ذلك ولما كان المشاهد أن كثيرا من الناس يقضي حياته ولا يرى لنفسه جزاء على أعماله تعين أن الله أخر جزاءهم إلى حياة أخرى وإلا لكان خلقهم في بعض أحواله من قبيل اللعب .
وذكر اللعب توبيخ للذين أحالوا البعث والجزاء بأنهم اعتقدوا ما يفضي بهم إلى جعل أفعال الحكيم لعبا وقد تقدم وجه الملازمة عند تفسير قوله تعالى ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) في سورة المؤمنون وعند قوله تعالى ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا ) في سورة ص .
و ( لاعبين ) حال من ضمير ( خلقنا ) والنفي متوجه إلى هذا الحال فاقتضى نفي أن يكون شيء من خلق ذلك في حالة عبث فمن ذلك حالة إهمال الجزاء .
وجملة ( ما خلقناهما إلا بالحق ) بدل اشتمال من جملة ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ) .
والباء في ( بالحق ) للملابسة أي خلقنا ذلك ملابسا ومقارنا للحق أو الباء للسببية أي بسبب الحق أي لإيجاد الحق من خلقهما .
والحق : ما يحق وقوعه من عمل أو قول أي يجب ويتعين لسببية أو تفرع أو مجازاة فمن الحق الذي خلقت السماوات والأرض وما بينهما لأجله مكافأة كل عامل بما يناسب عمله ويجازيه وتقدم عند قوله تعالى ( أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) في سورة الروم .
والاستدراك في قوله ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) ناشئ عما أفاده نفي أن يكون خلق المخلوقات لعبا وإثبات أنه للحق لا غير من كون شأن ذلك أن لا يخفى ولكن جهل المشركين هو الذي سول لهم أن يقولوا ( ما نحن بمنشرين ) .
وجملة الاستدراك تذييل وقريب من معنى الآية قوله ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية ) في آخر سورة الحجر .
( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين [ 40 ] يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون [ 41 ] إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم [ 42 ] ) هذه الجملة تتنزل من التي قبلها منزلة النتيجة من الاستدلال ولذلك لم تعطف والمعنى : فيوم الفصل ميقاتهم إعلاما لهم بأن يوم القضاء هو أجل الجزاء فهذا وعيد لهم وتأكيد الخبر لرد إنكارهم .
ويوم الفصل : هو يوم الحكم لأنه يفصل فيه الحق من الباطل وهو من أسماء يوم القيامة قال تعالى ( لأي يوم أجلت ليوم الفصل ) .
والميقات : اسم زمان التوقيت أي التأجيل قال تعالى ( إن يوم الفصل كان ميقاتا ) وتقدم عند قوله تعالى ( قل هي مواقيت للناس والحج ) في سورة البقرة وحذف متعلق الميقات لظهوره من المقام أي ميقات جزائهم .
وأضيف الميقات إلى ضمير المخبر عنهم لأنهم المقصود من هذا الوعيد وإلا فإن يوم الفصل ميقات جميع الخلق مؤمنيهم وكفارهم .
والتأكيد ب ( أجمعين ) للتنصيص على الإحاطة والشمول أي ميقات لجزائهم كلهم لا يفلت منه أحد منهم تقوية في الوعيد وتأييسا من الاستثناء .
و ( يوم لا يغنى مولى ) بدل من ( يوم الفصل ) أو عطف بيان . وفتحة ( يوم لا يغني ) فتحة إعراب لأن ( يوم ) أضيف إلى جملة ذات فعل معرب .
والمولى : القريب والحليف وتقدم عند قوله تعالى ( وإني خفت الموالي من ورائي ) في سورة مريم . وتنكير ( مولى ) في سياق النفي لإفادة العموم أي لا يغني أحد من الموالي كائنا من كان عن أحد من مواليه كائنا من كان .
و ( شيئا ) مفعول مطلق لأن المراد ( شيئا ) من إغناء . وتنكير ( شيئا ) للتقليل وهو الغالب في تنكير لفظ شيء كما قال تعالى ( وشيء من سدر قليل ) . ووقوعه في سياق النفي للعموم أيضا يعني أي إغناء كان في القلة بله الإغناء الكثير . والمعنى : يوم لا تغني عنهم مواليهم فعدل عن ذلك إلى التعميم لأنه أوسع فائدة إذ هو بمنزلة التذييل