وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وإذا كان وجه الإنسان ليس من شأنه أن يوقى به شيء من الجسد إذ الوجه أعز ما في الجسد وهو يوقى ولا يتقى به فإن من جبلة الإنسان إذا توقع ما يصيب جسده ستر وجهه خوفا عليه فتعين أن يكون الاتقاء بالوجه مستعملا كناية عن عدم الوقاية على طريقة التهكم أو التمليح فكأنه قيل : من يطلب وقاية وجهه فلا يجد ما يقيه به إلا وجهه وهذا من إثبات الشيء بما يشبه نفيه وقريب منه قوله تعالى ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل ) .
و ( سوء العذاب ) منصوب على المفعولية لفعل ( يتقي ) . وأصله مفعول ثان إذ أصله : وقى نفسه سوء العذاب فلما صيغ منه الافتعال صار الفعل متعديا إلى مفعول واحد هو الذي كان مفعولا ثانيا .
( وقيل للظالمين ما كنتم تكسبون [ 24 ] ) يجوز أن يكون ( وقيل ) عطفا على الصلة . والتقدير : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب وقيل لهم فإن ( من ) مراد بها جمع والتعبير ب ( الظالمين ) إظهار في مقام الإضمار للإيماء إلى أن ما يلاقونه من العذاب مسبب على ظلمهم أي شركهم .
والمعنى : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب فلا يجد وقاية تنجيه من ذوق العذاب فيقال لهم : ذوقوا العذاب .
ويجوز أن يكون المراد ب ( الظالمين ) جميع الذين أشركوا بالله من الأمم غير خاص بالمشركين المتحدث عنهم فيكون ( الظالمين ) إظهارا على أصله لقصد التعميم فتكون الجملة في معنى التذييل أي ويقال لهؤلاء وأشباههم ويظهر بذلك وجه تعقيبه بقوله تعالى ( كذب الذين من قبلهم ) .
وجاء فعل ( وقيل ) بصيغة المضي وهو واقع في المستقبل لأنه لتحقق وقوعه نزل منزلة فعل مضى .
ويجوز أن يكون جملة ( وقيل للظالمين ) في موضع الحال بتقدير " قد " ولذلك لا يحتاج إلى تأويل صيغة المضي على معنى الأمر المحقق وقوعه .
A E والذوق : مستعار لإحساس ظاهر الجسد لأن إحساس الذوق باللسان أشد من إحساس ظاهر الجلد فوجه الشبه قوة الجنس .
والمذوق : هو العذاب فهو جزاء ما اكتسبوه في الدنيا من الشرك وشرائعه فجعل المذوق نفس ما كانوا يكسبون مبالغة مشيرة إلى أن الجزاء وفق أعمالهم وأن الله عادل في تعذيبهم .
وأوثر ( تكسبون ) على تعلمون لأن خطابهم كان في حال اتقائهم سوء العذاب ولا يخلو حال المعذب من التبرم الذي هو كالإنكار على معذبه . فجيء بالصلة الدالة على أن ما ذاقوه جزاء ما اكتسبوه قطعا لتبرمهم .
( كذب الذين من قبلهم فأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون [ 25 ] فأذاقهم الله الخزي في الحيوة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون [ 26 ] ) استئناف بياني لأن ما ذكر قبله من مصير المشركين إلى سوء العذاب يوم القيامة ويوم يقال للظالمين هم وأمثالهم : ذوقوا ما كنتم تكسبون يثير في نفوس المؤمنين سؤالا عن تمتع المشركين بالنعمة في الدنيا ويتمنون أن يعجل لهم العذاب فكان جوابا عن ذلك قوله ( كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) أي هم مظنة أن يأتيهم العذاب كما أتي العذاب الذين من قبلهم إذ أتاهم العذاب في الدنيا بدون إنذار غير مترقبين مجيئه على نحو قوله تعالى ( فهل ينتظرون إلى مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ) فكان عذاب الدنيا خزيا يجزي به الله من يشاء من الظالمين وأما عذاب الآخرة فجزاء يجزي به الله الظالمين على ظلمهم .
والفاء في قوله ( فأتاهم العذاب ) عائد على ( من يتقي بوجهه سوء العذاب ) باعتبار أن معنى ( من ) جمع . وفي هذا تعريض بإنذار المشركين بعذاب يحل بهم في الدنيا وهو عذاب السيف الذي أخزاهم الله به يوم بدر . فالمراد بالعذاب الذي أتى الذين من قبلهم : هو عذاب الدنيا لأنه الذي يوصف بالإتيان من حيث لا يشعرون .
و ( حيث ) ظرف مكان أي جاء العذاب الذين من قبلهم من مكان لا يشعرون به فقوم أتاهم من جهة السماء بالصواعق وقوم أتاهم من الجو مثل ريح عاد قال تعالى ( فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ) وقوم أتاهم من تحتهم بالزلازل والخسف مثل قوم لوط وقوم أتاهم من نبع الماء من الأرض مثل قوم نوح وقوم عم عليهم البحر مثل قوم فرعون