وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

والخطاب للمشركين بدليل قوله بعده ( فأنى تصرفون ) وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب ونكتته أنه لما أخبر رسوله A عنهم بطريق الغيبة أقبل على خطابهم ليجمع في توجيه الاستدلال إليهم بين طريقي التعريض والتصريح .
وتقدم نظير هذه الجملة في سورة الأعراف إلا أن في هذه الجملة عطف قوله ( جعل منها زوجها ) بحرف ( ثم ) الدال على التراخي الرتبي لأن مساقها الاستدلال على الوحدانية وإبطال الشريك بمراتبه فكان خلق آدم دليلا على عظيم قدرته تعالى وخلق زوجه من نفسه دليلا أخر مستقل الدلالة على عظيم قدرته . فعطف بحرف ( ثم ) الدال على عطف الجمل على التراخي الرتبي إشارة إلى استقلال الجملة المعطوفة بها بالدلالة مثل الجملة المعطوفة هي عليها فكان خلق زوج آدم منه أدل على عظيم القدرة من خلق الناس من تلك النفس الواحدة ومن زوجها لأنه خلق لم تجر به عادة فكان ذلك الخلق أجلب لعجب السامع من خلق الناس فجيء له بحرف التراخي المستعمل في تراخي المنزلة لا في تراخي الزمن لأن زمن خلق زوج آدم سابق على خلق الناس .
فأما آية الأعراف فمساقها مساق الامتنان على الناس بنعمة الإيجاد فذكر الأصلان للناس معطوفا أحدهما على الآخر بحرف التشريك في الحكم الذي هو الكون أصلا لخلق الناس .
وقد تضمنت الآية ثلاث دلائل على عظم القدرة خلق الناس من ذكر وأنثى بالأصالة وخلق الذكر الأول بالإدماج وخلق الأنثى بالأصالة أيضا .
( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) استدلال بما خلقه الله تعالى من الأنعام عطف على الاستدلال بخلق الإنسان لأن المخاطبين بالقرآن يومئذ قوام حياتهم بالأنعام ولا تخلو الأمم يومئذ من الحاجة إلى الأنعام ولم تزل الحاجة إلى الأنعام حافة بالبشر في قوام حياتهم .
وهذا اعتراض بين جملة ( خلقكم من نفس واحدة ) وبين ( يخلقكم في بطون أمهاتكم ) لمناسبة أزواج الأنعام لزوج النفس الواحدة .
وأدمج في هذا الاستدلال امتنان بما فيها من المنافع للناس لما دل عليه قوله ( لكم ) لأن في الأنعام مواد عظيمة لبقاء الإنسان وهي التي في قوله تعالى ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ) إلى قوله ( إلا بشق الأنفس ) وقوله ( ومن أصوافها وأوبارها ) الخ في سورة النحل .
والإنزال : نقل الجسم من علو إلى سفل ويطلق على تذليل الأمر الصعب كما يقال : نزلوا على حكم فلان لأن الأمر الصعب يتخيل صعب المنال كالمعتصم بقمم الجبال قال خصاب بن المعلى من شعراء الحماسة : .
أنزلني الدهر على حكمه ... من شاهق عال إلى خفض فإطلاق الإنزال هنا بمعنى التذليل والتمكين على نحو قوله تعالى ( وأنزلنا الحديد ) أي سخرناه للناس فألهمناهم إلى معرفة قينة يتخذونه سيوفا ودروعا ورماحا وعتادا مع شدته وصلابته . ويجوز أن يكون إنزال الأنعام إنزالها الحقيقي أي إنزال أصولها من سفينة نوح كقوله تعالى ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) أي خلقنا أصلكم وهو آدم قال تعالى ( قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين ) فيكون الإنزال هو الإهباط قال تعالى ( قيل يا نوح اهبط بسلام منك وبركات عليك وعلى أمم ممن معك ) فهذان وجهان حسنان لإطلاق الإنزال وهما أحسن من تأويل المفسرين إنزال الأنعام بمعنى الخلق أي لأن خلقها بأمر التكوين ينزل من حضرة القدس إلى الملائكة .
والأزواج : الأنواع كما في قوله تعالى ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ) والمراد أنواع الإبل والغنم والبقر والمعز .
وأطلق على النوع اسم الزوج الذي هو المثنى لغيره لأن كل نوع يتقوم كيانه من الذكر والأنثى وهما زوجان أو أطلق عليها أزواج لأنه أشار إلى ما أنزل من سفينة نوح منها وهو ذكر وأنثى من كل نوع كما تقدم آنفا .
( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ) بدل من جملة ( خلقكم من نفس واحدة ) . وضمير المخاطبين هنا راجع إلى الناس لا غير وهو استدلال بتطور خلق الإنسان على عظيم قدرة الله وحكمته ودقائق صنعته .
A E