وفي متعلق المجرور في قوله ( من الأرض ) اضطراب ؛ فالذي ذهب إليه صاحب الكشاف أنه متعلق ب ( دعاكم ) لأن ( دعاكم ) لما اشتمل على فاعل ومفعول فالمتعلق بالفعل يجوز أن يكون من شؤون الفاعل ويجوز أن يكون من شؤون المفعول على حسب القرينة كما تقول : دعوت فلانا من أعلى الجبل فنزل إلي أي دعوته وهو في أعلى الجبل . وهذا الاستعمال خلاف الغالب ولكن دلت عليه القرينة مع التفصي من أن يكون المجرور متعلقا ب ( تخرجون ) لأن ما بعد حرف المفاجأة لا يعمل فيما قبلها على أن في هذا المنع نظرا . ولا يجوز تعليقه ب ( دعوة ) لعدم اشتمال المصدر على فاعل ومفعول وهو وجيه وكفاك بذوق قائله . وأقول : قريب منه قوله تعالى ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) .
و ( من ) لابتداء المكان والمجرور ظرف لغو .
ويجوز أن يكون المجرور حالا من ضمير النصب في ( دعاكم ) فهو ظرف مستقر .
A E ويجوز أن يكون ( من الأرض ) متعلقا ب ( تخرجون ) قدم عليه . وهذا ذكر في مغنى اللبيب أنه حكاه عنهم أبو حاتم في كتاب الوقف وهذا أحسن وأبعد عن التكلف وعليه فتقديم المجرور للاهتمام تعريضا بخطئهم إذ أحالوا أن يكون لهم خروج من الأرض عن بعد صيرورتهم فيها في قولهم المحكي عنهم بقوله تعالى ( وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد ) وقولهم ( أإذا كنا ترابا وأباؤنا أئنا لمخرجون ) .
وأما قضية تقديم المعمول على ( إذا ) الفجائية فإذا سلم عدم جوازه فإن التوسع في المجرور والمظروف من حديث البحر فمن العجب كيف سد باب التوسع فيه صاحب مغني اللبيب في الجهة الثانية من الباب الخامس .
وجيء بحرف المفاجأة في قوله ( إذا أنتم تخرجون ) لإفادة سرعة خروجهم إلى الحشر كقوله ( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ) .
و ( إذا ) الفجائية تقتضي أن يكون ما بعدها مبتدأ . وجيء بخبر المبتدأ جملة فعلية لإفادة التقوي الحاصل من تحمل الفعل ضمير المبتدأ فكأنه أعيد ذكره كما أشار إليه صاحب المفتاح .
وجيء بالمضارع لاستحضار الصورة العجيبة في ذلك الخروج كقوله ( فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ) .
( وله من في السماوات والأرض كل له قانتون [ 26 ] ) أتبع ذكر إقامة الله تعالى السماوات والأرض بالتذكير بأن كل العقلاء في السماوات والأرض عبيد لله تعالى فيكون من مكملات ما تضمنته جملة ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ) فعطفت عليها هذه ا لجملة زيادة لبيان معنى إقامته السماء والأرض .
فاللام في قوله ( وله من في السماوات والأرض ) لام الملك واللام في قوله ( كل له قانتون ) لام التقوية أي تقوية تعدية العامل إلى معموله لضعف العامل بكونه فرعا في العمل وبتأخيره عن معموله .
وعليه تكون ( من ) صادقة على العقلاء كما هو الغالب في استعمالها .
وظاهر معنى القنوت امتثال الأمر فيجوز أن يكون المعنى : أنهم منقادون لأمره . وإذ قد كان في العقلاء عصاة كثيرون تعين تأويل القنوت باستعماله في الامتثال لأمر التكوين أو في الشهادة لله بالوحدانية بدلالة الحال وهذا هو المقصود هنا لأن هذا الكلام أورد بعد ذكر الآيات الست إيراد الفذلكة بإثبات الوحدانية فلا يحمل قنوتهم على امتثالهم لما يأمرهم الله به من أمر التكليف مباشرة أو بواسطة لأن المخلوقات متفاوتون في الامتثال للتكليف ؛ فالشيطان أمره الله مباشرة بالسجود آدم فلم يمتثل وآدم أمره الله مباشرة أن لا يأكل من الشجرة فأكل منها ؛ إلا أن ذلك قبل ابتداء التكليف .
والمخلوقات السماوية ممتثلون لأمره ساعون في مرضاته قال تعالى ( وهم بأمره يعملون ) . وأما المخلوقات الأرضية العقلاء فهم مخلوقون للطاعة قال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فزيغ الزائغين عن طاعة الله تعالى انحراف منهم عن الفطرة التي فطروا عليها وهم في انحرافهم متفاوتون ؛ فالضالون الذين أشركوا بالله فجعلوا له أندادا والعصاة الذين لم يخرجوا عن توحيده ولكنهم ربما خالفوا بعض أوامره قليلا أو كثيرا هم في ذلك آخذون بجانب من الإباق متفاوتون فيه .
فجملة ( وله من السماوات والأرض كل له قانتون ) معطوفة على جملة ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره )