ولفظ ( بضع ) بكسر الموحدة كناية عن عدد قليل لا يتجاوز العشرة وقد تقدم في قوله تعالى ( فلبث في السجن بضع سنين ) في سورة يوسف . وهذا أجل لرد الكرة لهم على الفرس .
وحكمة إبهام عدد السنين أنه مقتضى حال كلام العظيم الحكيم أن يقتصر على المقصود إجمالا وأن لا يتنازل إلى التفصيل لأن ذلك التفصيل يتنزل منزلة الحشو عند أهل العقول الراجحة وليكون للمسلمين رجاء في مدة أقرب مما ظهر ففي ذلك تفريج عليهم .
وهذه الآية من معجزات القرآن الراجعة إلى الجهة الرابعة في المقدمة العاشرة من مقدمات هذا التفسير .
A E روى الترمذي بأسانيد حسنة وصحيحة أن المشركين كانوا يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان وكان المسلمون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب مثلهم فكانت فارس يوم نزلت ( ألم غلبت الروم ) قاهرين للروم فذكروه لأبي بكر فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله ( أما أنهم سيغلبون ) . ونزلت هذه الآية فخرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة ( ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) فقال ناس من قريش لأبي بكر : فذلك بيننا وبينكم زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك قال : بلى " وذلك قبل تحريم الرهان " وقالوا لأبي بكر : كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسم بيننا وبينك وسطا ننتهي إليه . فسمى " أبو بكر " لهم ست سنين فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان فمضت ست السنين قبل أن يظهر الروم فأخذ المشركون رهن أبي بكر . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ألا أخفضت يا أبا بكر ألا جعلته إلى دون العشر فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع . وعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين وأسلم عند ذلك ناس كثير . وذكر المفسرون أن الذي راهن أبا بكر هو أبي بن خلف وأنهم جعلوا الرهان خمس قلائص وفي رواية أنهم بعد أن جعلوا الأجل ستة أعوام غيروه فجعلوه تسعة أعوام وازدادوا في عدد القلائص وأن أبا بكر لما أراد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم تعلق به أبي بن خلف وقال له : أعطني كفيلا بالخطر إن غلبت فكفل به ابنه عبد الرحمان وكان عبد الرحمان أيامئذ مشركا باقيا بمكة . وأنه لما أراد أبي بن خلف الخروج إلى أحد طلبه عبد الرحمان بكفيل فأعطاه كفيلا . ثم مات أبي بمكة من جرح جرحه النبي صلى الله عليه وسلم فلما غلب الروم بعد سبع سنين أخذ أبو بكر الخطر من ورثة أبي بن خلف .
وقد كان تغلب الروم على الفرس في سنة ست وورد الخبر إلى المسلمين . وفي حديث الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال " لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين " . والمعروف أن ذلك كان يوم الحديبية . وقد تقدم في أول السورة أن المدة بين انهزام الروم وانهزام الفرس سبع سنين بتقديم السين وأن ما وقع في بعض الروايات أنها تسع هو تصحيف . وقد كان غلب الروم على الفرس في سلطنة " هرقل " قيصر الروم وبإثره جاء هرقل إلى بلاد الشام ونزل حمص ولقي أبا سفيان بن حرب في رهط من أهل مكة جاءوا تجارا إلى الشام .
واعلم أن هذه الرواية في مخاطرة أبي بكر وأبي بن خلف وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم إياها احتج بها أبو حنيفة على جواز العقود الربوية مع أهل الحرب . وأما الجمهور فهذا يرونه منسوخا بما ورد من النهي عن القمار نهيا مطلقا لم يقيد بغير أهل الحرب . وتحقيق المسألة أن المراهنة التي جرت بين أبي بكر وأبي بن خلف جرت على الإباحة الأصلية إذ لم يكن شرع بمكة أيامئذ فلا دليل فيها على إباحة المراهنة وأن تحريم المراهنة بعد ذلك تشريع أنف وليس من النسخ في شيء .
( لله الأمر من قبل ومن بعد ) جملة معترضة بين المتعاطفات . والمراد بالأمر أمر التقدير والتكوين أي أن الله قدر الغلب الأول والثاني قبل أن يقعا أي من قبل غلب الروم على الفرس وهو المدة التي من يوم غلب الفرس عليهم ومن بعد غلب الروم على الفرس