وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

لما سبق ذكر المشركين بطعنهم في القرآن وتكذيبهم بوعيده وذكر بني إسرائيل بما يقتضي طعنهم فيه بأنه لمخالفة ما في كتبهم وذكر المؤمنين بأنهم اهتدوا به وكان لهم رحمة فهم موقنون بما فيه تمخض الكلام عن خلاصة هي افتراق الناس في القرآن فريقين : فريق طاعن وفريق موقن فلا جرم اقتضى ذلك حدوث تدافع بين الفريقين . وهو مما يثير في نفوس المؤمنين سؤالا عن مدى هذا التدافع والتخالف بين الفريقين ومتى ينكشف الحق فجاء قوله ( إن ربك يقضي بينهم بحكمه ) استئنافا بيانيا فيعلم أن القضاء يقتضي مختلفين . وأن كلمة ( بين ) تقتضي متعددا فأفاد أن الله يقضي بين المؤمنين والطاعنين فيه قضاء يبين المحق من المبطل . وهذا تسلية للنبي A وللمؤمنين عن استبطائهم النصر فإن النبي أول المؤمنين وإنما تقلد المؤمنون ما أنبأهم به فالقضاء للمؤمنين قضاء له بادئ ذي بدء .
وفيه توجيه الخطاب إلى جناب الرسول A وإسناد القضاء إلى الله في شأنه بعنوان أنه رب له إيماء بأن القضاء سيكون مرضيا له وللمؤمنين . فجعل الرسول في هذا الكلام بمقام المبلغ وجعل القضاء بين أمته مؤمنهم وكافرهم وتعجيل لمسرة الرسول بهذا الإيماء .
وإذ قد أسند القضاء إلى الله وعلق به حكم مضاف إلى ضميره فقد تعين أن يكون المراد من المتعلق غير المتعلق به وذلك يلجئ : إما إلى تأويل معنى إضافة الحكم بما يخالف معنى إسناد القضاء إذا اعتبر اللفظان مترادفين لفظا ومعنى فيكون ما تدل عليه الإضافة من اختصاص المضاف بالمضاف إليه مقصودا به ما اشتهر به المضاف باعتبار المضاف إليه . وذلك أن الكل يعلمون أن حكم الله هو العدل ولأن المضاف إليه هو الحكم العدل . فالمعنى على هذا : أن ربك يقضي بينهم بحكمه المعروف المشتهر اللائق بعموم علمه واطراد عدله وإما أن يؤول الحكم بمعنى الحكمة وهو إطلاق شائع قال تعالى ( وكلا آتينا حكما وعلما ) وقال ( وآتيناه الحكم صبيا ) ولم يكن يحيى حاكما وإنما كان حكيما نبيا فيكون المعنى على هذا : إن ربك يقضي بينهم بحكمته أي بما تقتضيه الحكمة أي من نصر المحق على المبطل .
ومآل التأويلين إلى معنى واحد .
وبه يظهر حسن موقع الاسمين الجليلين في تذييله بقوله ( وهو العزيز العليم ) فإن العزيز لا يصانع والعليم لا يفوته الحق ويظهر حسن موقع التفريع بقوله .
( فتوكل على الله إنك على الحق المبين [ 79 ] ) فرعت الفاء على الإخبار بأن رب الرسول E يقضي بين المختلفين في شأن القرآن أمرا للرسول بأن يطمئن بالا ويتوكل على ربه فيما يقضي به فإنه يقضي له بحقه وعلى معانده بما يستحقه فالأمر بالتوكل مستعمل في كنايته وصريحه فإن من لازمه أنه أدى رسالة ربه وأن إعراض المعرضين عن أمر الله ليس تقصيرا من الرسول A . وهو معنى تكرر في القرآن كقوله ( لعلك باخع نفسك ) وقوله ( ولا تحزن عليهم ) .
والتوكل : تفعل من وكل إليه الأمر إذا أسند إليه تدبيره ومباشرته فالتفعل للمبالغة . وقد تقدم عند قوله تعالى ( فإذا عزمت فتوكل على الله ) في آل عمران وقوله ( وعلى الله توكلوا ) في المائدة وقوله ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) في سورة إبراهيم .
وقد وقعت جملة ( إنك على الحق المبين ) موقعا لم يخاطب الله تعالى أحدا من رسله بمثله فكان ذلك شهادة لرسوله بالعظمة الكاملة المنزهة عن كل نقص لما دل عليه حرف ( على ) من التمكن وما دل عليه اسم ( الحق ) من معنى جامع لحقائق الأشياء . وما دل عليه وصف مبين من الوضوح والنهوض .
وجاءت جملة ( إنك على الحق المبين ) مجيء التعليل للأمر بالتوكل على الله إشعارا بأنه على الحق فلا يترقب من توكله على الحكم العدل إلا أن يكون حكمه في تأييده ونفعه . وشأن ( إن ) إذا جاءت في مقام التعليل أن تكون بمعنى الفاء فلا تفيد تأكيدا ولكنها للاهتمام .
وجيء في فعل التوكل بعنوان اسم الجلالة لأن ذلك الاسم يتضمن معاني الكمال كلها ومن أعلاها العدل في القضاء ونصر المحق . وذلك بعد أن عجلت مسرة الإيماء إلى أن القضاء في جانب الرسول E بإسناده القضاء إلى عنوان الرب مضافا إلى ضمير الرسول كما تقدم آنفا .
A E