وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

لما أبطلت الآيات السابقة إلهية أصنام المشركين بالأدلة المتظاهرة فانقطع دابر عقيدة الإشراك ثني عنان الإبطال إلى أثر من آثار الشرك وهو ادعاء علم الغيب بالكهانة وإخبار الجن كما كان يزعمه الكهان والعرافون وسدنة الأصنام . ويؤمن بذلك المشركون . وفي معالم التنزيل وغيره نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله A عن وقت قيام الساعة فما كان سؤالهم عن ذلك إلا لظنهم أن ادعاء العلم بوقتها من شأن النبوة توصلا لحجد النبوة إن لم يعين لهم وقت الساعة فأبطلت الآية هذه المزاعم إبطالا عاما معياره الاستثناء بقوله ( إلا الله ) . وهو عام مراد به الخصوص أعني خصوص الكهان وسدنة بيوت الأصنام . وإنما سلك مسلك العموم لإبطال ما عسى أن يزعم من ذلك ولأن العموم أكثر فائدة وأوجز فإن ذلك حال أهل الشرك من بين من في السماوات والأرض . فالقصد هنا تزييف آثار الشرك وهو الكهانة ونحوها . وإذا قد كانت المخلوقات لا يعدون أن يكونوا من أهل السماوات أو من أهل الأرض لانحصار عوالم الموجودات في ذلك كان قوله ( لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب ) في قوة لا يعلم أحد الغيب ولكن أطنب الكلام لقصد التنصيص على تعميم المخلوقات كلها فإن مقام علم العقيدة مقام بيان يناسبه الإطناب .
واستثناء ( إلا الله ) منه لتأويل ( من في السماوات والأرض ) بمعنى : أحد فهو استثناء متصل على رأي المحققين وهو واقع من كلام منفي . فحق المستثنى أن يكون بدلا من المستثنى منه في اللغة الفصحى فلذلك جاء اسم الجلالة مرفوعا ولو كان الاستثناء منقطعا لكانت اللغة الفصحى تنصب المستثنى .
وبعد فإن دلائل تنزيه الله عن الحلول في المكان وعن مماثلة المخلوقات متوافرة فلذلك يجري استعمال القرآن والسنة على سنن الاستعمال الفصيح للعلم بأن المؤمن لا يتوهم ما لا يليق بجلال الله تعالى . ومن المفسرين من جعل الاستثناء منقطعا وقوفا عند ظاهر صلة ( من في السماوات والأرض ) لأن الله ينزه عن الحلول في السماء والأرض .
وأما من يتفضل الله عليه بأن يظهره على الغيب فلذلك داخل في علم الله قال تعالى ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) . فأضاف ( غيب ) إلى ضمير الجلالة .
وأردف هذا الخبر بإدماج انتفاء علم هؤلاء الزاعمين علم الغيب أنهم لا يشعرون بوقت بعثهم بل جحدوا وقوعه إثارة للتذكير بالبعث لشدة عناية القرآن بإثباته وتسفيه الذين أنكره . فلذلك موقع قوله ( وما يشعرون أيان يبعثون ) أي أن الذين يزعمون علم الغيب ما يشعرون بوقت بعثهم .
A E و ( أيان ) اسم استفهام عن الزمان وهو معلق فعل ( يشعرون ) عن العمل في مفعوليه . وهذا تورك وتعيير للمشركين فإنهم لا يؤمنون بالبعث بله شعورهم بوقته .
و ( بل ) للإضراب الانتقالي من الإخبار عنهم ب ( ما يشعرون أيان يبعثون ) وهو ارتقاء إلى ما هو أغرب وأشد ارتقاء من تعييرهم بعدم شعورهم بوقت بعثهم إلى وصف علمهم بالآخرة التي البعث من أول أحوالها وهو الواسطة بينها وبين الدنيا بأنه علم متدارك أو مدرك .
وقرأ الجمهور ( أدارك ) بهمز وصل في أوله وتشديد الدال على أن أصله ( تدارك ) فأدغمت تاء التفاعل في الدال لقرب مخرجيها بعد أن سكنت واجتلب همز الوصل للنطق بالساكن . قال الفراء وشمر : وهو تفاعل من الدرك بفتحتين وهو اللحاق . وقد امتلكت اللغويين والمفسرين حيرة في تصوير معنى الآية على هذه القراءة تثار منه حيرة للناظر في توجيه الإضرابين اللذين بعد هذا الإضراب وكيف يكونان ارتقاء على مضمون هذا الانتقال وذكروا وجوها مثقلة بالتكلف .
والذي أراه في تفسيرها على هذا الاعتبار اللغوي أن معنى التدارك هو أن علم بعضهم لحق علم بعض آخر في أمر الآخرة لأن العلم وهو جنس لما أضيف إلى ضمير الجماعة حصل من معناه علوم عديدة بعدد أصنام الجماعات التي هي مدلول الضمير فصار المعنى : تداركت علومهم بعضها بعضا