وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وأيا ما كان فالمقصود توبيخهم على الإشراك مع وضوح دلالية خلق السماوات والأرض وما ينزل من السماء إلى الأرض من الماء .
ولما كانت تلك الدلالة أوضح الدلالات المحسوسة الدالة على انفراد الله بالخلق وصف الذين أشركوا مع الله غيره بأنهم في إشراكهم معرضون إعراض مكابرة عدولا عن الحق الواضح قال تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) .
والإخبار عنهم بالمضارع لإفادة أنهم مستمرون على شركهم لم يستنيروا بدليل العقل ولا أقلعوا بعد التذكير بالدلائل . وفي الإخبار عنهم بأنهم قوم إيماء إلى تمكن صفة العدول عن الحق منهم حتى كأنها من مقومات قوميتهم كما تقدم غير مرة .
( أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون [ 61 ] ) ( أم ) للإضراب الانتقالي مثل أختها السابقة . وهذا انتقال من الاستدلال المشوب بالامتنان إلى الاستدلال المجرد بدلائل قدرته وعلمه بأن خلق المخلوقات العظيمة وبتدبيره نظامها حتى لا يطغى بعضها على بعض فيختل نظام الجميع .
ولأجل كون الغرض من هذا الاستدلال إثبات عظم القدرة وحكمة الصنع لم يجيء خلاله بخطاب للمشركين كما جاء في قوله في الآية قبلها ( وأنزل لكم من السماء ماء ) الآية وإن كان هذا الصنع العجيب لا يخلو من لطف بالمخلوقات أراده خالقها ولكن ذلك غير مقصود بالقصد الأول من سوق الدليل هنا .
والقرار : مصدر قر إذا ثبت وسكن . ووصف الأرض به للمغالبة أي ذات قرار . والمعنى جعل الأرض ثابتة قارة غير مضطربة . وهذا تدبير عجيب ولا يدرك تمام هذا الصنع العجيب إلا عند العلم بأن هذه الأرض سابحة في الهواء متحركة في كل لحظة وهي مع ذلك قارة فيما يبدو لسكانها فهذا تدبير أعجب وفيه مع ذلك رحمة ونعمة ولولا قرارها لكان الناس عليها متزلزلين مضطربين ولكانت أشغالهم معنتة لهم .
ومع جعلها قرارا شق فيها الأنهار فجعلها خلالها . وخلال الشيء : منفرج ما بين أجزائه . والأنهار تشق الأرض في أخاديد فتجري خلالها الأرض .
والرواسي : الجبال جمع راس وهو الثابت . واللام في ( لها ) لام العلة أي الرواسي لأجلها أي لفائدتها فإن في تكوين الجبال حكمة لدفع الملامسة عن الأرض ليكون سيرها في الكرة الهوائية معدلا غير شديد السرعة وبذلك دوام سيرها .
A E وجعل الحاجز بين البحرين من بديع الحكمة وهو حاجز معنوي حاصل من دفع كلا الماءين : أحدهما الآخر عن الاختلاط به بسبب تفاوت الثقل النسبي لاختلاف الأجزاء المركب منها الماء المالح والماء العذب . فالحاجز حاجز من طبعهما وليس جسما آخر فاصلا بينهما وتقدم في صورة النحل .
وهذا الجعل كناية عن خلق البحرين أيضا لأن الحجز بينهما يقتضي خلقهما وخلق الملوحة والعذوبة فيهما .
ثم ذيل بالاستفهام الإنكاري وبالاستدراك بجملة مماثلة لما ذيل به الاستدلال الذي قبلها على طريقة التكرير تعديدا للإنكار وتمهيدا للتوبيخ بقوله ( بل أكثرهم لا يعلمون ) . وأوثر هنا نفي صفة العلم عن أكثر المشركين لقلة من ينظر في دقائق هذه المصنوعات وخصائصها منهم فإن اعتياد مشاهدتها من أول نشأة الناظر يذهله عما فيها من دلائل بديع الصنع . فأكثر المشركين يجهل ذلك ولا يهتدي بما فيه أما المؤمنون فقد نبههم القرآن إلى ذلك فهم يقرأون آياته المتكرر فيها الاستدلال والنظر .
وهذه الدلائل لا تخلو عن نعمة من ورائها كما علمته آنفا ولكنها سيقت هنا لإرادة الاستدلال لا للامتنان .
( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون [ 62 ] ) ارتقى الاستدلال من التذكير بالتصرف الرباني في ذوات المخلوقات إلى التذكير بتصرفه في أحوال الناس التي لا يخلو عنها أحد في بعض شؤون الحياة وذلك حال الاضطرار إلى تحصيل الخير وحال انتياب السوء وحال التصرف في الأرض ومنافعها . فهذه ثلاثة الأنواع لأحوال البشر . وهي : حالة الاحتياج وحالة البؤس وحالة الانتفاع