وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فقوله ( يتبعهم الغاوون ) ذم لأتباعهم وهو يقتضي ذم المتبوعين بالأحرى . والغاوي : المتصف بالغي والغواية وهي الضلالة الشديدة أي يتبعهم أهل الضلالة والبطالة الراغبون في الفسق والأذى . فقوله ( يتبعهم الغاوون ) خبر وفي كناية عن تنزيه النبي A أن يكون منهم فإن أتباعه خيرة قومهم وليس فيهم أحد من الغاوين فقد اشتملت هذه الجملة على تنزيه النبي A وتنزيه أصحابه وعلى ذم الشعراء وذم أتباعهم وتنزيه القرآن عن أن يكون شعرا .
وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي هنا يظهر أنه لمجرد التقوي والاهتمام بالمسند إليه للفت السمع إليه والمقام مستغن عن الحصر لأنه إذا كانوا يتبعهم الغاوون فقد انتفى أتباعهم عن الصالحين لأن شأن المجالس أن يتحد أصحابها في النزعة كما قيل : .
" عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه وجعله في الكشاف للحصر أي لا يتبعهم إلا الغاوون لأنه أصرح في نفي اتباع الشعراء عن المسلمين . وهذه طريقته باطراد في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي أنه يفيد تخصيصه بالخبر أي قصر مضمون الخبر عليه أي فهو قصر إضافي كما تقدم بيانه عند قوله تعالى ( الله يستهزئ بهم ) في سورة البقرة .
والرؤية في ( ألم تر ) قلبية لأن الهيام والوادي مستعاران لمعاني اضطراب القول في أغراض الشعر وذلك مما يعلم لا مما يرى .
والاستفهام تقريري وأجري التقرير على نفي الرؤية لإظهار أن الإقرار لا محيد عنه كما تقدم في قوله ( قال ألم نربك فينا ولدا ) والخطاب لغير معين . وضمائر ( إنهم - ويهيمون - ويقولون - ويفعلون ) عائدة إلى الشعراء .
فجملة ( ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ) وما عطف عليها مؤكدة لما اقتضته جملة ( يتبعهم الغاوون ) من ذم الشعراء بطريق فحوى الخطاب .
ومثلت حال الشعراء بحال الهائمين في أودية كثيرة مختلفة لأن الشعراء يقولون في فنون من الشعر من هجاء واعتداء على أعراض الناس ومن نسيب وتشبيب بالنساء ومدح من يمدحونه رغبة في إعطائه وإن كان لا يستحق المدح وذم من يمنعهم وإن كان من أهل الفضل وربما ذموا من كانوا يمدحونه ومدحوا من سبق لهم ذمة .
والهيام : هو الحيرة والتردد في المرعى . والواد : المنخفض بين عدوتين . وإنما ترعى الإبل الأودية إذا أقحلت الربى والربى أجود كلأ فمثل حال الشعراء بحال الإبل الراعية في الأودية متحيرة لأن الشعراء في حرص على القول لاختلاب النفوس .
A E و ( كل ) مستعمل في الكثرة . روي أنه اندس بعض المزاحين في زمرة الشعراء عند بعض الخلفاء فعرف الحاجب الشعراء وأنكر هذا الذي اندس فيهم فقال له هؤلاء الشعراء وأنت من الشعراء ؟ قال : بل أنا من الغاوين فاستطرفها .
وشفع مذمتهم هذه بمذمة الكذب فقال ( وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) والعرب يتمادحون بالصدق ويعيرون بالكذب والشاعر يقول ما لا يعتقد وما يخالف الواقع حتى قيل : أحسن الشعر أكذبه والكذب مذموم في الدين الإسلامي فإن كان الشعر كذبا لا قرينة على مراد صاحبه فهو قبيح وإن كان عليه قرينة كان كذبا معتذرا عنه فكان غير محمود .
وفي هذا إبداء للبون الشاسع بين حال الشعراء وحال النبي A الذي كان لا يقول إلا حقا ولا يصانع ولا يأتي بما يضلل الأفهام .
ومن اللطائف أن الفرزدق أنشد عند سليمان بن عبد الملك قوله : .
فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام فقال سليمان : قد وجب عليك الحد . فقال : يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله ( وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) . وروي أن النعمان بن عدي بن نضلة كان عاملا لعمر بن الخطاب فقال شعرا : .
من مبلغ الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم إلى أن قال : .
لعل أمير المؤمنين يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه بالقدوم عليه وقال له : أي والله إني ليسوءني ذلك وقد وجب عليك الحد فقال : يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا مما قلت وإنما كان فضلة من القول وقد قال الله تعالى ( وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) فقال له عمر أما عذرك فقد درأ عنك الحد ولكن لا تعمل لي عملا أبدا وقد قلت ما قلت