وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وهذا استدلال بدقيق خلق الله في تكوين الرياح فالعامة يعتبرون بما هو داخل تحت مشاهدتهم من ذلك والخاصة يدركون كيفية حدوث الرياح وهبوبها واختلافها وذلك ناشىء عن التقاء حرارة جانب من الجو ببرودة جانب آخر . ثم إن الرياح بهبوبها حارة مرة وباردة أخرى تكون الأسحبة وتؤذن بالمطر فلذلك وصفت بأنها : نشر بين يدي المطر .
قرأ الجمهور ( أرسل الرياح ) بصيغة الجمع . وقرأ ابن كثير ( الريح ) بصيغة الإفراد على معنى الجنس . والقرأتان متحدتان في المعنى ولكن غلب جمع الريح في ريح الخير وإفراد الريح في ريح العذاب قاله ابن عطية . وتقدم في قوله تعالى ( وتصريف الرياح ) في سورة البقرة .
وقرأ الجمهور ( نشرا ) بنون في أوله وبضمتين جمع نشور كرسول ورسل . وقرأ ابن عامر بضم فسكون على تخفيف الحركة . وقرأ حمزة والكسائي وخلف بفتح النون وسكون الشين على أنه من الوصف بالمصدر وكلها من النشر وهو البسط كما ينشر الثوب المطوي لأن الرياح تنشر السحاب . وقرأ عاصم بباء موحدة وسكون الشين جمع بشور من التبشير لأنها تبشر بالمطر . وتقدم قوله ( وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته ) في سورة الأعراف .
والالتفات من الغيبة إلى المتكلم في قوله ( وأنزلنا - لنحيي - ونسقيه - ولقد صرفناه ) للداعي الذي قدمناه في قوله آنفا ( ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا ) .
والمراد ب ( رحمته ) المطر لأنه رحمة للناس والحيوان بما ينبته من الشجر والمرعى .
وجملة ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) عطف على جملة ( أرسل الرياح ) الخ فهي داخلة في حيز القصر أي وهو الذي أنزل من السماء ماء طهور . وضمير ( أنزلنا ) التفات من الغيبة إلى التكلم لأن التكلم أليق بمقام الامتنان . وتقدم معنى إنزال الماء من السماء عند قوله ( أو كصيب من السماء ) في سورة البقرة .
والطهور بفتح الطاء من أمثلة المبالغة في الوصف بالمصدر كما يقال : رجل صبور . وماء المطر بالغ منتهى الطهارة إذ لم يختلط به شيء يكدره أو يقذره وهو في علم الكيمياء أنقى المياه لخلوه عن جميع الجراثيم فهو الصافي حقا . والمعنى : أن الماء النازل من السماء هو بالغ نهاية الطهارة في جنسه من المياه ووصف الماء بالطهور يقتضي أنه مطهر لغيره إذ العدول عن صيغة فاعل إلى صيغة فعول لزيادة معنى في الوصف فاقتضاؤه في هذه الآية أنه مطهر لغيره اقتضاء التزامي ليكون مستكملا وصف الطهارة القاصرة والمتعدية فيكون ذكر هذا الوصف إدماجا لمنة في أثناء المنن المقصودة كقوله تعالى ( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ) وصف الطهارة الذاتية وتطهيره فيكون هذا الوصف إدماجا ولولا ذلك لكان الأحق بمقام الامتنان وصف الماء بالصفاء أو نحو ذلك .
والبلدة : الأرض . ووصفها بالحياة والموت مجازان للري والجفاف لأن ري الأرض ينشأ عنه النبات وهو يشبه الحي وجفاف الأرض يجف به النبات فيشبه الميت .
ولماء المطر خاصية الإحياء لكل أرض لأنه لخلوه من الجراثيم ومن بعض الأجزاء المعدنية والترابية التي تشتمل عليها مياه العيون ومياه الأنهار والأودية كان صالحا بكل أرض وبكل نبات على اختلاف طباع الأرضين والمنابت .
والبلدة : البلد . والبلد يذكر ويؤنث مثل كثير من أسماء أجناس البقاع كما قالوا : دار ودارة . ووصفت البلدة بميت وهو وصف مذكر لتأويل ( بلدة ) بمعنى مكان لقصد التخفيف . وقال في الكشاف ما معناه : إنه لما دل على المبالغة في الاتصاف بالموت ولم يكن جاريا على أمثلة المبالغة نزل منزلة الاسم الجاد ( أي فلم يغير ) . وأحسن من هذا أنه أريد به اسم الميت ووصف البلدة به وصف على معنى التشبيه البليغ .
وفي قوله ( لنحيي به بلدة ميتا ) إيماء إلى تقريب إمكان البعث .
( ونسقيه ) بضم النون مضارع أسقى مثل الذي بفتح النون فقيل هما لغتان يقال : أسقى وسقى . قال تعالى ( قالتا لا نسقي ) بفتح النون . وقيل : سقى : أعطى الشراب وأسقى : هيأ الماء للشرب . وهذا القول أسد لأن الفروق بين معاني الألفاظ من محاسن اللغة فيكون المعنى هيأناه لشرب الأنعام والأناسي فكل من احتاج للشرب شرب منه سواء من شرب ومن لم يشرب .
A E