وذكر ( الرحمان ) هنا حكاية لقولهم بالمعنى وهم لا يذكرون اسم الرحمان ولا يقرون به وقد أنكروه كما حكى الله عنهم ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمان ) . فهم إنما يقولون ( اتخذ الله ولدا ) كما حكي عنهم في آيات كثيرة منها آية سورة الكهف . فذكر ( الرحمن ) هنا وضع للمرادف في موضع مرادفه . فذكر اسم ( الرحمان ) لقصد إغاظتهم بذكر اسم أنكروه .
A E وفيه أيضا إيماء إلى اختلال قولهم لمنافاة وصف الرحمان اتخاذ الولد كما سيأتي في قوله ( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) .
والخطاب في ( لقد جئتم ) للذين قالوا اتخذ الرحمان ولدا فهو التفات لقصد إبلاغهم التوبيخ على وجه شديد الصراحة لا يلتبس فيه المراد . كما تقدم في قوله آنفا ( وإن منكم إلا واردها ) فلا يحسن تقدير : قل لقد جئتم .
وجملة ( لقد جئتم شيئا إدا ) مستأنفة لبيان ما اقتضته جملة ( وقالوا اتخذ الرحمان ولدا ) من التشنيع والتفظيع .
وقرأ نافع والكسائي بياء تحتية على عدم الاعتداد بالتأنيث . وذلك جائز في الاستعمال إذا لم يكن الفعل رافعا لضمير مؤنث متصل وقرأ البقية ( تكاد ) بالتاء المثناة الفوقية وهو الوجه الآخر .
والتفطر : الانشقاق والجمع بينه وبين ( وتنشق الأرض ) تفنن في استعمال المترادف لدفع ثقل تكرير اللفظ . والخرور : السقوط .
و ( من ) في قوله ( منه ) للتعليل والضمير المجرور ب ( من ) عائد إلى ( شيئا إدا ) أو إلى القول المستفاد من ( قالوا أتخذ الرحمن ولدا ) .
والكلام جار على المبالغة في التهويل من فظاعة هذا القول بحيث إنه يبلغ إلى الجمادات العظيمة فيغير كيانها .
وقرأ نافع وأبن كثير وحفص عن عاصم والكسائي ( يتفطرن ) بمثناة تحتية بعدها تاء فوقية . وقرأ أبو عمر وابن عامر وحمزة وأبو جعفر ويعقوب وخلف وأبو بكر عن عاصم بتحتية بعدها نون من الانفطار . والوجهان مطاوع فطر المضاعف أو فطر المجرد ولا يكاد ينضبط الفرق بين البنيتين في الاستعمال . ولعل محاولة التفرقة بينهما كما في الكشاف والشافية لا يطرد . قال تعالى ( ويوم تشقق السماء بالغمام ) وقال ( إذا السماء انشقت ) . وقرئ في هذه الآية ( يتفطرون ) و ( ينفطرون ) . والأصل توافق القراءتين في البلاغة .
والهد : هدم البناء . وانتصب ( هدا ) على المفعولية المطلقة لبيان نوع الخرور . أي سقوط الهدم وهو أن يتساقط شظايا وقطعا .
و ( أن دعوا للرحمن ولدا ) متعلق بكل من ( يتفطرن وتنشق وتخر ) وهو على حذف لام الجر قبل ( أن ) المصدرية وهو حذف مطرد .
والمقصود منه تأكيد ما أفيد من قوله ( منه ) . وزيادة بيان لمعاد الضمير المجرور في قوله ( منه ) اعتناء ببيانه .
ومعنى ( دعوا ) : نسبوا كقوله تعالى ( أدعوهم لآبائهم ) ومنه يقال : ادعى إلى بني فلان أي انتسب . قال بشامة بن حزن النهشلي : .
إنا بني نهشل لا ندعي لأب ... عنه ولا هو بالأبناء يشرينا وجملة ( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) عطف على جملة ( قالوا أتخذ الرحمان ولدا ) .
ومعنى ( ما ينبغي ) ما يتأتى أو ما يجوز . وأصل الانبغاء : أنه مطاوع فعل بغى الذي بمعنى طلب . ومعنى مطاوعته : التأثر بما طلب منه أي استجابة الطلب نقل الطيبي عن الزمخشري أنه قال " في كتاب سيبويه : كل فعل فيه علاج يأتي مطاوعه على الانفعال كصرف وطلب وعلم وما ليس فيه علاج كعدم وفقد لا يتأتى في مطاوعه الانفعال البتة " اه . فبان أن أصل معنى ( ينبغي ) يستجيب الطلب . ولما كان الطلب مختلف المعاني باختلاف المطلوب لزم أن يكون معنى ( ينبغي ) مختلفا بحسب المقام فيستعمل بمعنى : يتأتى ويمكن ويستقيم ويليق . وأكثر تلك الإطلاقات أصله من قبيل الكناية واشتهرت فقامت مقام التصريح