روي أن أبا الجواظ من المنافقين طعن في أن أعطى النبي A من أموال الصدقات بعض ضعفاء الأعراب رعاء الغنم إعانة لهم وتأليفا لقلوبهم فقال : ما هذا بالعدل أن يضع صدقاتكم في رعاء الغنم وقد أمر أن يقسمها في الفقراء والمساكين وقد روي أنه شافه بذلك النبي A .
وعن أبي سعيد الخدري : أنها نزلت في ذي الخويصرة التميمي الذي قال للنبي A : أعدل وكان ذلك في قسمة ذهب جاء من اليمن سنة تسع فلعل السبب تكرر وقد كان ذو الخويصرة من المنافقين من الأعراب .
و ( اللمز ) القدح والتعييب مضارعه من باب يضرب وبه قرأ الجمهور ومن باب ينصر وبه قرأ يعقوب وحده .
وأدخلت ( في ) على الصدقات وإنما اللمز في توزيعها لا في ذواتها : لأن الاستعمال يدل على المراد فهذا شائع من إسناد الحكم إلى الأعيان والمراد أحوالها .
ثم إن قوله ( فإن أعطوا منها رضوا ) يحتمل : أن المراد ظاهر الضمير أن يعود على المذكور أي أن أعطي اللامزون أي أن الطاعنين يطمعون أن يأخذوا من أموال الصدقات بوجه هدية وإعانة فيكون ذلك من بلوغهم الغاية في الحرص والطمع ويحتمل أن الضمير راجع إلى ما رجع إليه ضمير ( منهم ) أي : فإن أعطي المنافقون رضي اللامزون وإن أعطي غيرهم سخطوا فالمعنى أنهم يرومون أن لا تقسم الصدقات إلا على فقرائهم ولذلك كره أبو الجواظ أن يعطى الأعراب من الصدقات .
ولم يذكر متعلق ( رضوا ) لأن المراد صاروا راضيين أي عنك .
ودلت ( إذا ) الفجائية على أن سخطهم أمر يفاجئ العاقل حين يشهده لأنه يكون في غير مظنة سخط وشأن الأمور المفاجئة أن تكون غريبة في بابها .
( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون ) جملة معطوفة على جملة ( ومنهم من يلمزك في الصدقات ) باعتبار ما تفرع عليها من قوله ( فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) عطفا ينبئ عن الحالة المحمودة بعد ذكر الحالة المذمومة .
وجواب ( لو ) محذوف دل عليه المعطوف عليه وتقديره : لكان ذلك خيرا لهم .
والإيتاء الإعطاء وحقيقته إعطاء الذوات ويطلق مجازا على تعيين المواهب كما في ( وأتاه الله الملك والحكمة ) وفي ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) .
وقوله ( ما آتاهم الله ) من هذا القبيل أي ما عينه لهم أي لجماعتهم من الصدقات بنوطها بأوصاف تحققت فيهم كقوله ( إنما الصدقات للفقراء ) الآية .
وإيتاء الرسول A : إعطاؤه المال لمن يرى أن يعطيه مما جعل الله له التصرف فيه مثل النفل في المغانم والسلب والجوائز والصلات ونحو ذلك ومنه إعطاؤه من جعل الله لهم الحق في الصدقات .
ويجوز أن يكون إيتاء الله عين إيتاء الرسول E وإنما ذكر إيتاء الله للإشارة إلى أن ما عينه لهم الرسول A هو ما عينه الله لهم كما في قوله ( سيؤتينا الله من فضله ورسوله ) أي ما أوحي الله به إلى رسوله A أن يعطيهم وقوله ( قل الأنفال لله والرسول ) .
A E و ( حسب ) اسم بمعنى الكافي والكفاية تستعمل بمعنى الاجتزاء وتستعمل بمعنى ولي مهم المكفي كما في قوله تعالى ( وقالوا حسبنا الله ) وهي هنا من المعنى الأول .
و " رضي " إذا تعدى إلى المفعول دل على اختيار المرضي وإذا عدي بالباء دل على أنه صار راضيا بسبب ما دخلت عليه الباء كقوله ( أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ) . وإذا عدي ب ( عن ) فمعناه أنه تجاوز عن تقصيره أو عن ذنبه ( فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) .
فالقول هنا مراد به الكلام مع الاعتقاد فهو كناية عن اللازم مع جواز إرادة الملزوم فإذا أضمروا ذلك في أنفسهم فذلك من الحالة الممدوحة ولكن لما وقع هذا الكلام في مقابلة حكاية اللمز في الصدقات واللمز يكون بالكلام دلالة على الكراهية جعل ما يدل على الرضا من الكلام كناية عن الرضى .
وجملة ( سيؤتينا الله من فضله ورسوله ) بيان لجملة ( حسبنا الله ) لأن كفاية المهم تقتضي تعهد المكفي بالعوائد ودفع الحاجة والإيتاء فيه بمعنى إعطاء الذوات