وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وقد جمع له في وصيته ملاك السياسة بقوله ( وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ) فان سياسة الأمة تدور حول محور الاصلاح وهو جعل الشيء صالحا فجميع تصرفات الأمة وأحوالها يجب أن تكون صالحة وذلك بأن تكون الأعمال عائدة بالخير والصلاح لفاعلها ولغيره فان عادت بالصلاح عليه وبضده على غيره لم تعتبر صلاحا ولا تلبث أن تؤول فسادا على من لاحت عنده صلاحا ثم إذا تردد فعل بين كونه خيرا من جهة وشرا من جهة أخرى وجب اعتبار أقوى حالتيه فاعتبر بها إن تعذر العدول عنه إلى غيره مما هو أوفر صلاحا وان استوى جهتاه ألغي إن أمكن إلغاؤه وإلا تخير وهذا أمر لهارون جامع لما يتعين عليه عمله من أعماله في سياسة الأمة .
وقوله ( ولا تتبع سبيل المفسدين ) تحذير من الفساد بأبلغ صيغة لأنها جامعة بين النهي والنهي عن فعل تنصرف صيغته أول وهلة إلى فساد المنهي عنه وبين تعليق النهي باتباع سبيل المفسدين .
والإتباع أصله المشي على حلف ماش وهو هنا مستعار للمشاركة في عمل المفسد فان الطريق مستعار للعمل المؤدي إلى الفساد والمفسد من كان الفساد صفته فلما تعلق النهي بسلوك طريق المفسدين كان تحذيرا من كل ما يستروح منه مآل إلى فساد لان المفسدين قد يعملون عملا لا فساد فيه فنهي عن المشاركة في عمل من عرف بالفساد لأن صدوره عن المعروف بالفساد كاف في توقع إفضائه إلى فساد . ففي هذا النهي سد ذريعة الفساد وسد ذرائع الفساد من أصول الاسلام وقد عني بها مالك بن أنس وكررها في كتابه واشتهرت هذه القاعدة في أصول مذهبه .
فلا جرم أن كان قوله تعالى ( ولا تتبع سبيل المفسدين ) جامعا للنهي عن ثلاث مراتب من مراتب الإفضاء إلى الفساد وهو العمل المعروف بالانتساب إلى المفسد وعمل المفسد وإن لم يكن مما اعتاده وتجنب الاقتراب من المفسد ومخالطته .
وقد أجرى الله على لسان رسوله موسى أو أعلمه ما يقتضي أن في رعية هارون مفسدين وانه يوشك إن سلكوا سبيل الفساد أن يسايرهم عليه لما يعلم في نفس هارون من اللين في سياسته والاحتياط من حدوث العصيان في قومه كما حكى الله عنه في قوله ( إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) وقوله ( إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ) .
A E فليست جملة ( ولا تتبع سبيل المفسدين ) مجرد تأكيد لمضمون جملة ( وأصلح ) تأكيدا للشيء بنفي ضده مثل قوله ( أموات غير أحياء ) لأنها لو كان ذلك هو المقصد منها لجردت من حرف العطف ولاقتصر على النهي عن الإفساد فقيل وأصلح لا تفسد نعم يحصل من معانيها ما فيه تأكيد لمضمون جملة ( وأصلح ) .
( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحنك تبت إليك وأنا أول المؤمنين [ 143 ] قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلمي فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين [ 144 ] ) جعل مجيء موسى في الوقت المعين أمرا حاصلا غير محتاج للإخبار عنه للعلم بأن موسى لا يتأخر ولا يترك ذلك وجعل تكليم الله إياه في خلال ذلك الميقات أيضا حاصلا غير محتاج للإخبار عن حلوله لظهور أن المواعدة المتضمنة للملاقاة تتضمن الكلام لأن ملاقاة الله بالمعنى الحقيقي غير ممكنة فليس يحصل من شؤون المواعدة إلا الكلام الصادر عن إرادة الله وقدرته فلذلك كله جعل مجيء موسى للميقات وتكليم الله إياه شرطا لحرف ( لما ) لانه كالمعلوم وجعل الاخبار متعلقا بما بعد ذلك وهو اعتبار بعظمة الله وجلاله فكان الكلام ضربا من الإيجاز بحذف الخبر عن جملتين استغناء عنهما جعلتا شرطا للما .
ويجوز أن تجعل الواو في قوله ( وكلمه ربه ) زائدة في جواب ( لما ) كما قاله الاكثر في قول امريء القيس : .
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ... بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل